اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. ساحة القرآن الكريم العامة

      مواضيع عامة تتعلق بالقرآن الكريم

      المشرفات: **راضية**
      58043
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9071
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      المشرفات: **راضية**
      180652
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259998
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23503
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8334
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32136
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4165
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25482
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30262
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53095
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21008
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97014
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36840
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15482
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29722
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12928
      مشاركات
  9. مملكتكِ الجميلة

    1. 41316
      مشاركات
    2. 33886
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91747
      مشاركات
  10. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32206
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13117
      مشاركات
    3. 34856
      مشاركات
    4. 65624
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      المشرفات: خُـزَامَى
      4925
      مشاركات
  11. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  12. IslamWay Sisters

    1. English forums   (38483 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  13. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • تحريم قطع الرحم

      عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب قال: فهو لك). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاقرءوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).


      قول الله تعالى في الحديث القدسي كذبني ابن آدم وشتمني ابن آدم

      عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفئا أحد).

      تحريم سب الدهر

      عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال: الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار).    
    • " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون" لما ذكر تبارك وتعالى, الأمر بالاستعانة بالصبر على جميع الأحوال, ذكر نموذجا مما يستعان بالصبر عليه, وهو الجهاد في سبيله, وهو أفضل الطاعات البدنية, وأشقها على النفوس, لمشقته في نفسه, ولكونه مؤديا للقتل, وعدم الحياة, التي إنما يرغب الراغبون في هذه الدنيا لحصول الحياة ولوازمها.
      فكل ما يتصرفون به, فإنه سعى لها, ودفع لما يضادها.
      ومن المعلوم, أن المحبوب لا يتركه العاقل إلا لمحبوب أعلى منه وأعظم.
      فأخبر تعالى: أن من قتل في سبيله, بأن قاتل في سبيل الله, لتكون كلمة الله هي العليا, ودينه الظاهر, لا لغير ذلك من الأغراض, فأنه لم تفته الحياة المحبوبة, بل حصل له حياة أعظم وأكمل, مما تظنون وتحسبون.
      فالشهداء " أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ " .
      فهل أعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من الله تعالى, وتمتعهم برزقه البدني في المأكولات والمشروبات اللذيذة, والرزق الروحي, وهو الفرح.
      وهو الاستبشار, وزوال كل خوف وحزن.
      وهذه حياة برزخية, أكمل من الحياة الدنيا.
      بل قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة, وتأكل من ثمارها, وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش.
      وفي هذه الآية, أعظم حث على الجهاد في سبيل الله, وملازمة الصبر عليه.
      فلو شعر العباد بما للمقتولين في سبيل الله من الثواب, لم يتخلف عنه أحد.
      ولكن عدم العلم اليقيني التام, هو الذي فتر العزائم, وزاد نوم النائم, وأفات الأجور العظيمة والغنائم.
      لم لا يكون كذلك والله تعالى قد " اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ " .
      فوالله لو كان للإنسان ألف نفس, تذهب نفسا فنفسا في سبيل الله, لم يكن عظيما في جانب هذا الأجر العظيم.
      ولهذا لا يتمنى الشهداء - بعدما عاينوا من ثواب الله وحسن جزائه - إلا أن يردوا إلى الدنيا, حتى يقتلون في سبيله مرة بعد مرة.
      وفي الآية, دليل على نعيم البرزخ وعذابه, كما تكاثرت بذلك النصوص.


      " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " أخبر تعالى, أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن, ليتبين الصادق من الكاذب, والجازع من الصابر, وهذه سنته تعالى في عباده.
      لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان, ولم يحصل معها محنة, لحصل الاختلاط الذي هو فساد, وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر.
      هذه فائدة المحن, لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان, ولا ردهم عن دينهم, فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين.
      فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده " بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ " من الأعداء " وَالْجُوعِ " أي: بشيء يسير منهما.
      لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله, أو الجوع, لهلكوا, والمحن تمحص لا تهلك.
      " وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ " وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال, من جوائح سماوية, وغرق, وضياع, وأخذ الظلمة للأموال من الملوك الظلمة, وقطاع الطريق وغير ذلك.
      " وَالْأَنْفُسِ " أي ذهاب الأحباب, من الأولاد, والأقارب, والأصحاب, ومن أنواع الأمراض في بدن العبد, أو بدن من يحبه.
      " وَالثَّمَرَاتِ " أي الحبوب, وثمار النخيل, والأشجار كلها, والخضر ببرد, أو برد, أو حرق, أو آفة سماوية, من جراد ونحوه.
      فهذه الأمور, لا بد أن تقع, لأن العليم الخبير, أخبر بها, فوقعت كما أخبر.
      فإذا وقعت, انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين.
      فالجازع, حصلت له المصيبتان, فوات المحبوب, وهو وجود هذه المصيبة.
      وفوات ما هو أعظم منها, وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر.
      ففار بالخسارة والحرمان, ونقص ما معه من الإيمان.
      وفاته الصبر والرضا والشكران, وحصل له السخط الدال على شدة النقصان.
      وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب, فحبس نفسه عن التسخط, قولا وفعلا, واحتسب أجرها عند الله, وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره, أعظم من المصيبة التي حصلت له, بل المصيبة تكون نعمة في حقه, لأنها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وأنفع منها, فقد امتثل أمر الله, وفاز بالثواب.
      فلهذا قال تعالى " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.


      " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " فالصابرين, هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة, والمنحة الجسيمة.
      ثم وصفهم بقوله " الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ " وهي كل ما يؤلم القلب, أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
      " قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ " أي: مملوكون لله, مدبرون تحت أمره وتصريفه, فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء.
      فإذا ابتلانا بشيء منها, فقد تصرف أرحم الراحمين, بمماليكه وأموالهم, فلا اعتراض عليه.
      بل من كمال عبودية العبد, علمه, بأن وقوع البلية من المالك الحكيم, الذي هو أرحم بعبده من نفسه.
      فيوجب له ذلك, الرضا عن الله, والشكر له على تدبيره, لما هو خير لعبده,, وإن لم يشعر بذلك.
      ومع أننا مملوكون لله, فإنا إليه راجعون يوم المعاد, فمجاز كل عامل بعمله.
      فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده.
      وإن جزعنا وسخطنا, لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر.
      فكون العبد لله, وراجعا إليه, من أقوى أسباب الصبر.


      " أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "
      " أُولَئِكَ " الموصوفون بالصبر المذكور " عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ " أي: ثناء وتنويه بحالهم " وَرَحْمَةٌ " عظيمة.
      ومن رحمته إياهم, أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر.
      " وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " الذين عرفوا الحق, وهو في هذا الموضع, علمهم بأنهم لله, وأنهم إليه راجعون, وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.
      ودلت هذه الآية, على أن من لم يصبر, فله ضد ما لهم, فحصل له الذم من الله, والعقوبة, والضلال والخسارة.
      فما أعظم الفرق بين الفريقين " وما أقل تعب الصابرين, وأعظم عناء الجازعين " .
      فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها, لتخف وتسهل, إذا وقعت.
      وبيان ما تقابل به, إذا وقعت, وهو الصبر.
      وبيان ما يعين على الصبر, وما للصابرين من الأجر.
      ويعلم حال غير الصابر, بضد حال الصابر.
      وأن هذا الابتلاء والامتحان, سنة الله التي قد خلت, ولن تجد لسنة الله تبديلا.
      وبيان أنواع المصائب.   " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم " يخبر تعالى " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ " وهما معروفان " مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ " أي أعلام دينه الظاهرة, التي تعبد الله بها عباده, وإذا كانا من شعائر الله, فقد أمر الله بتعظيم شعائره فقال " وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ " .
      فدل مجموع النصين أنهما من شعائر الله, وأن تعظيم شعائره, من تقوى القلوب.
      والتقوى واجبة على كل مكلف, وذلك يدل على أن السعي بهما فرض لازم للحج والعمرة, كما عليه الجمهور, ودلت عليه الأحاديث النبوية وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال " خذوا عني مناسككم " .
      " فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا " .
      هذا دفع لوهم من توهم وتحرج من المسلمين عن الطواف بينهما, لكونهما في الجاهلية تعبد عندهما الأصنام.
      فنفى تعالى الجناح لدفع هذا الوهم, لا لأنه غير لازم.
      ودل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة, أنه لا يتطوع بالسعي مفردا إلا مع انضمامه لحج أو عمرة.
      بخلاف الطواف بالبيت, فإنه يشرع مع العمرة والحج, وهو عبادة مفردة.
      فأما السعي والوقوف بعرفة ومزدلفة, ورمي الجمار فإنها تتبع النسك.
      فلو فعلت غير تابعة للنسك, كانت بدعة, لأن البدعة نوعان.
      نوع يتعبد لله بعبادة, لم يشرعها أصلا.
      ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة, فتفعل على غير تلك الصفة, وهذا منه.
      وقوله " وَمَنْ تَطَوَّعَ " أي: فعل طاعة مخلصا بها لله تعالى " خَيْرًا " من حج وعمرة, وطواف, وصلاة, وصوم وغير ذلك " فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ " .
      فدل هذا, على أنه كلما ازداد العبد من طاعة الله, ازداد خيره وكماله, ودرجته عند الله, لزيادة إيمانه.
      ودل تقييد التطوع بالخير, أن من تطوع بالبدع, التي لم يشرعها الله ولا رسوله, أنه لا يحصل له إلا العناء, وليس بخير له, بل قد يكون شرا له إن كان متعمدا عالما بعدم مشروعية العمل.
      " فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ " الشاكر والشكور, من أسماء الله تعالى, الذي يقبل من عباده اليسير من العمل, ويجازيهم عليه, العظيم من الأجر, الذي إذا قام عبده بأوامره, وامتثل طاعته, أعانه على ذلك, وأثنى عليه ومدحه, وجازاه في قلبه نورا وإيمانا, وسعة, وفي بدنه قوة ونشاطا, وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء, وفي أعماله زيادة توفيق.
      ثم بعد ذلك, يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملا موفرا, لم تنقصه هذه الأمور.
      ومن شكره لعبده, أن من ترك شيئا لله, عوضه الله خيرا منه.
      ومن تقرب منه شبرا, تقرب منه ذراعا, ومن تقرب منه ذراعا, تقرب منه باعا, ومن أتاه يمشي, أتاه هرولة, ومن عامله, ربح عليه أضعافا مضاعفة.
      ومع أنه شاكر, فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل, بحسب نيته وإيمانه وتقواه, ممن ليس كذلك.
      عليم بأعمال العباد, فلا يضيعها, بل يجدونها أوفر ما كانت, على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم.   " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " هذه الآية, وإن كانت نازلة في أهل الكتاب, وما كتموا من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته, فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل الله " مِنَ الْبَيِّنَاتِ " الدالات على الحق المظهرات له.
      " وَالْهُدَى " وهو العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم, ويتبين به طريق أهل النعيم, من طريق أهل الجحيم.
      فإن الله أخذ الميثاق على أهل العلم, بأن يبينوا الناس ما من الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه.
      فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين, كتم ما أنزل الله, والغش لعباد الله فأولئك " يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ " أي: يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته.
      " وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ " وهم جميع الخليقة, فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة, لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم, وإبعادهم من رحمة الله, فجوزوا من جنس عملهم.
      كما أن معلم الناس الخير, يصلي الله عليه وملاكته, حتى الحوت في جوف الماء, لسعيه في مصلحة الخلق, وإصلاح أديانهم, وقربهم من رحمة الله, فجوزى من جنس عمله.
      فالكاتم لما أنزل الله, مضاد لأمر الله, مشاق لله, يبين الله الآيات للناس ويوضحها.
      وهذا يسعى في طمسها وإخفائها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد.   " إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم " " إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا " أي رجعوا عما هم عليه من الذنوب, ندما وإقلاعا, وعزما على عدم المعاودة " وَأَصْلَحُوا " ما فسد من أعمالهم.
      فلا يكفي ترك القبيح حتى يحصل فعل الحسن.
      ولا يكفي ذلك في الكاتم أيضا, حتى يبين ما كتمه, ويبدي ضد ما أخفى.
      فهذا يتوب الله عليه, لأن توبة الله غير محجوب عنها.
      فمن أتى بسبب التوبة, تاب الله عليه, لأنه " التَّوَّابُ " أي الرجاع على عباده بالعفو والصفح, بعد الذنب إذا تابوا, وبالإحسان والنعم بعد المنع, إذا رجعوا.
      " الرَّحِيمِ " الذي اتصف بالرحمة العظيمة, التي وسعت كل شيء.
      ومن رحمته, أن وفقهم للتوبة والإنابة فتابوا وأنابوا, ثم رحمهم بأن قبل ذلك منهم, لطفا وكرما, هذا حكم التائب من الذنب.   " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " وأما من كفر واستمر على كفره حتى مات ولم يرجع إلى ربه, ولم ينب إليه, ولم يتب عن قريب فأولئك " عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " .
      لأنه لما صار كفرهم وصفا ثابتا, صارت اللعنة عليهم وصفا ثابتا لا تزول, لأن الحكم يدور مع علته, وجودا وعدما.   " خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون " و " خَالِدِينَ فِيهَا " أي: في اللعنة, أو في العذاب, وهما متلازمان.
      و " لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ " بل عذابهم دائم شديد مستمر " وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ " أي: يمهلون, لأن وقت الإمهال - وهو الدنيا - قد مضى, ولم يبق لهم عذر فيعتذرون.   " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " يخبر تعالى - وهو أصدق القائلين - أنه " إِلَهٌ وَاحِدٌ " أي: متوحد متفرد في ذاته, وأسمائه, وصفاته, وأفعاله.
      فليس له شريك في ذاته, ولا سمي له ولا كفو له, ولا مثل, ولا نظير, ولا خالق, ولا مدبر غيره.
      فإذا كان كذلك, فهو المستحق لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة, ولا يشرك به أحد من خلقه, لأنه " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " المتصف بالرحمة العظيمة, التي لا يماثلها رحمة أحد, فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي.
      فبرحمته وجدت المخلوقات, وبرحمته حصلت لها أنواع الكمالات.
      وبرحمته اندفع عنها كل نقمة.
      وبرحمته عرف عباده نفسه بصفاته وآلائه, وبين لهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم, بإرسال الرسل, وإنزال الكتب.
      فإذا علم أن ما بالعباد من نعمة, فمن الله, وأن أحدا من المخلوقين, لا ينفع أحدا - علم أن الله هو المستحق لجميع أنواع العبادة, وأن يفرد بالمحبة والخوف, والرجاء, والتعظيم, والتوكل, وغير ذلك من أنواع الطاعات.
      وأن من أظلم الظلم, وأقبح القبيح, أن يعدل عن عبادته إلى عبادة العبيد, وأن يشرك المخلوقين من تراب, برب الأرباب, أو يعبد المخلوق المدبر العاجز من جميع الوجوه, مع الخالق المدبر القادر القوي.
      الذي قهر كل شيء.
      ودان له كل شيء.
      ففي هذه الآية, إثبات وحدانية الباري وإلهيته.
      وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين وبيان أصل الدليل على ذلك وهو إثبات رحمته التي من آثارها وجود جميع النعم, واندفاع جميع النقم.
      فهذا دليل إجمالي على وحدانيته تعالى.
      ثم ذكر الأدلة التفصيلية فقال:  
      " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " الآية.
      أخبر تعالى أن في هذه المخلوقات العظيمة, آيات أي أدلة على وحدانية الباري وإلهيته.
      وعظيم سلطانه ورحمته وسائر صفاته.
      ولكنها " لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أي: لمن لهم عقول يعملونها.
      فيما خلقت له.
      فعلى حسب ما من الله على عبده من العقل, ينتفع بالآيات ويعرفها بعقله وفكره وتدبيره.
      ففي " خَلْقِ السَّمَاوَاتِ " في ارتفاعها واتساعها, وإحكامها, وإتقانها, وما جعل الله فيها من الشمس والقمر, والنجوم, وتنظيمها لمصالح العباد.
      وفي خلق " الْأَرْضِ " مهادا للخلق, يمكنهم القرار عليها, والانتفاع بما عليها, والاعتبار, ما يدل ذلك على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير, وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها, وحكمته التي بها أتقنها, وأحسنها ونظمها, وعلمه ورحمته التي بها أودع ما أودع, من منافع الخلق ومصالحهم, وضروراتهم وحاجاتهم.
      وفي ذلك أبلغ الدليل على كماله, واستحقاقه أن يفرد بالعبادة, لانفراده بالخلق والتدبير, والقيام بشئون عباده.
      وفي " اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " , وهو تعاقبهما على الدوام, إذا ذهب أحدهما, خلفه الآخر.
      وفي اختلافهما في الحر, والبرد, والتوسط, وفي الطول, والقصر, والتوسط, وما ينشأ عن ذلك من الفضول, التي بها انتظام مصالح بني آدم وحيواناتهم, وجميع ما على وجه الأرض, من أشجار ونباتات.
      كل ذلك بانتظام وتدبير, وتسخير, تنبهر له العقول, وتعجز عن إدراكه من الرجال الفحول, ما يدل ذلك على قدرة مصرفها, وعلمه وحكمته, ورحمته الواسعة, ولطفه الشامل, وتصريفه وتدبيره, الذي تفرد به, وعظمته, وعظمة ملكه وسلطانه, مما يوجب أن يؤله ويعبد, ويفرد بالمحبة والتعظيم, والخوف والرجاء, وبذل الجهد في محابه ومراضيه.
      وفي " وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ " وهي السفن والمراكب ونحوها, مما ألهم الله عباده صنعتها, وخلق لهم من الآلات الداخلية والخارجية, ما أقدرهم عليها.
      ثم سخر لها هذا البحر العظيم والرياح, التي تحملها بما فيها من الركاب والأموال, والبضائع التي هي من منافع الناس, وبما تقوم به مصالحهم وتنتظم معايشهم.
      فمن الذي ألهمهم صنعتها, وأقدرهم عليها, وخلق لهم من الآلات ما به يعملونها؟.
      أم من الذي سخر لها البحر, تجري فيه بإذنه وتسخيره, والرياح؟.
      أم من الذي خلق للمراكب البرية والبحرية, النار والمعادن المعينة على حملها, وحمل ما فيها من الأموال؟ فهل هذه الأمور, حصلت اتفاقا, أم استقل بعملها هذا المخلوق الضعيف العاجز, الذي خرج من بطن أمه, لا علم له ولا قدرة؟ ثم خلق له ربه القدرة, وعلمه ما يشاء تعليمه؟ أم المسخر لذلك رب واحد, حكيم عليم, لا يعجزه شيء, ولا يمتنع عليه شيء؟ بل الأشياء قد دانت بربوبيته, واستكانت لعظمته, وخضعت لجبروته؟ وغاية العبد الضعيف, أن جعله الله جزءا من أجزاء الأسباب, التي بها وجدت هذه الأمور العظام, فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بخلقه, وذلك يوجب أن تكون المحبة كلها له, والخوف والرجاء, وجميع الطاعة, والذل والتعظيم.
      " وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ " وهو المطر النازل من السحاب.
      " فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا " فأظهرت من أنواع الأقوات, وأصناف النباتات, ما هو من ضرورات الخلائق, التي لا يعيشون بدونها.
      أليس ذلك دليلا على قدرة من أنزله, وأخرج به ما أخرج ورحمته, ولطفه بعباده, وقيامه بمصالحهم, وشدة افتقارهم وضرورتهم إليه من كل وجه؟ أما يوجب ذلك أن يكون هو معبودهم وإلههم؟ أليس ذلك دليلا على إحياء الموتى ومجازاتهم بأعمالهم؟ " وَبَثَّ فِيهَا " أي: في الأرض " مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ " أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة, ما هو دليل على قدرته وعظمته, ووحدانيته وسلطانه العظيم.
      وسخرها للناس, ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع.
      فمنها: ما يأكلون من لحمه, ويشربون من دره.
      ومنها: ما يركبون.
      ومنها: ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم, ومنها ما يعتبر به.
      ومنها: أنه بث فيها من كل دابة.
      فإنه سبحانه, هو القائم بأرزاقهم, المتكفل بأقواتهم.
      فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها, ويعلم مستقرها ومستودعها وفي " وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ " باردة وحارة, وجنوبا وشمالا, وشرقا ودبورا وبين ذلك.
      وتارة تثير السحاب, وتارة تؤلف بينه, وتارة تلقحه, وتارة تدره, وتارة تمزقه وتزيل ضرره, وتارة تكون رحمة, وتارة ترسل بالعذاب.
      فمن الذي صرفها هذا التصريف, وأودع فيها من منافع العباد, ما لا يستغنون عنه؟ وسخرها, ليعيش فيها جميع الحيوانات, وتصلح الأبدان والأشجار, والحبوب والنباتات, إلا العزيز الحكيم الرحيم, اللطيف بعباده المستحق لكل ذل وخضوع, ومحبة وإنابة وعبادة؟ وفي تسخير السحاب بين السماء والأرض - على خفته ولطافته - يحمل الماء الكثير, فيسوقه الله إلى حيث شاء.
      فيحيي به البلاد والعباد, ويروي التلول والوهاد, وينزله على الخلق وقت حاجتهم إليه.
      فإذا كان يضرهم كثرته, أمسكه عنهم, فينزله رحمة ولطفا, ويصرفه عناية وعطفا.
      فما أعظم سلطانه, وأغزر إحسانه, وألطف امتنانه!! أليس من القبيح بالعباد, أن يتمتعوا برزقه, ويعيشوا ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه.
      أليس ذلك دليلا على حلمه وصبره, وعفوه وصفحه, وعظيم لطفه؟ فله الحمد أولا وآخرا, وباطنا وظاهرا.
      والحاصل, أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات, وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات, وازداد تأمله للصنعة وما أودع فيها من لطائف البر والحكمة, علم بذلك, أنها خلقت للحق وبالحق, وأنها صحائف آيات, وكتب دلالات, على ما أخبر به الله عن نفسه ووحدانيته, وما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر, وأنها مسخرات, ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها.
      فتعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون, وإليه صامدون وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات.
      فلا إله إلا الله, ولا رب سواه.    " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " ثم قال تعالى " وَمِنَ النَّاسِ " إلى " وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ " .
      ما أحسن اتصال هذه الآية بالتي قبلها.
      فإنه تعالى, لما بين وحدانيته وأداتها القاطعة, وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين, المزيلة لكل شك.
      ذكر هنا أن " مِنَ النَّاسِ " مع هذا البيان التام " مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا " لله أي: نظراء ومثلاء, يساويهم في الله بالعبادة والمحبة, والتعظيم والطاعة.
      ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة, وبيان التوحيد - علم أنه معاند لله, مشاق له, أو معرض عن تدبر آياته والتفكر في مخلوقاته, فليس له أدنى عذر في ذلك, بل قد حقت عليه كلمة العذاب.
      وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد مع الله, لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير, وإنما يسوونهم به, في العبادة, فيعبدونهم ليقربوهم إليه.
      وفي قوله " اتخذوا " دليل على أنه ليس لله ند.
      وإنما المشركون جعلوا بعض المخلوقات أندادا له, تسمية مجردة, ولفظا فارغا من المعنى.
      كما قال تعالى.
      " وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ " .
      " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ " .
      فالمخلوق ليس ندا لله لأن الله هو الخالق, وغيره مخلوق, والرب هو الرازق.
      ومن عداه مرزوق, والله هو الغني وأنتم الفقراء.
      وهو الكامل من كل الوجوه, والعبيد ناقصون من جميع الوجوه.
      والله هو النافع الضار, والمخلوق ليس له من النفع والضر والأمر شيء.
      فعلم علما يقينا, بطلان قول من اتخذ من دون الله آلهة وأندادا.
      سواء كان ملكا أو نبيا, أو صالحا, صنما, أو غير ذلك.
      وأن الله هو المستحق للمحبة الكاملة, والذل التام.
      فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله " وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ " أي: من أهل الأنداد لأندادهم, لأنهم أخلصلوا محبتهم له, وهؤلاء أشركوا بها.
      ولأنهم أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة, الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه.
      والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئا, ومحبته عين شقاء العبد وفساده, وتشتت أمره.
      فلهذا توعدهم الله بقوله.
      " وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا " باتخاد الأنداد والانقياد لغير رب العباد وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله, وسعيهم فيما يضرهم.
      " إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ " أي: يوم القيامة عيانا بأبصارهم.
      " أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " , أي: لعلموا علما جازما, أن القوة والقدرة لله كلها, وأن أندادهم ليس فيها من القوة شيء.
      فتبين لهم في ذلك في اليوم, ضعفها وعجزها, لا كما اشتبه عليهم في الدنيا, وظنوا أن لها من الأمر شيئا, وأنها تقربهم إليه وتوصلهم إليه.
      فخاب ظنهم, وبطل سعيهم, وحق عليهم شدة العذاب, ولم تدفع عنهم أندادهم شيئا, ولم تغن عنهم مثقال ذرة من النفع.
      بل يحصل لهم الضرر منها, من حيث ظنوا نفعها.   " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب " وتبرأ المتبعون من التابعين, وتقطعت بينهم الوصل, التي كانت في الدنيا, لأنها كانت لغير الله, وعلى غير أمر الله, ومتعلقة بالباطل الذي لا حقيقة له, فاضمحلت أعمالهم, وتلاشت أحوالهم.
      وتبين لهم أنهم كانوا كاذبين, وأن أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجتها, انقلبت عليهم حسرة وندامة, وأنهم خالدون في النار لا يخرجون منها أبدا.
      فهل بعد هذا الخسران خسران؟ ذلك بأنهم اتبعوا الباطل, ورجوا غير مرجو, وتعلقوا بغير متعلق, فبطلت الأعمال ببطلان متعلقها.
      ولما بطلت, وقعت الحسرة بما فاتهم من الأمل فيها, فضرتهم غاية الضرر.
      وهذا بخلاف من تعلق بالله الملك الحق المبين, وأخلص العمل لوجهه, ورجا نفعه.
      فهذا قد وضع الحق في موضعه, فكانت أعماله حقا, لتعلقها بالحق, ففاز بنتيجة عمله, ووجد جزاءه عند ربه, غير منقطع كما قال تعالى.
      " الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ " .         " وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار " وحينئذ يتمنى التابعون أن يردوا إلى الدنيا فيتبرأوا من متبوعيهم, بأن يتركوا الشرك بالله, ويقبلوا على إخلاص العمل لله.
      وهيهات, فات الأمر, وليس الوقت وقت إمهال وإنظار.
      ومع هذا, فهم كذبة, فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.
      وإنما هو قول يقولونه, وأماني يتمنونها, حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم.
      فرأس المتبوعين على الشر, إبليس, ومع هذا يقول لأتباعه.
      " لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ " .   " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين " هذا خطاب للناس كلهم, مؤمنهم وكافرهم.
      [فامتن عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جميع ما في الأرض من حبوب, وثمار, وفواكه, وحيوانات, حالة كونها " حَلَالًا " .
      أي: محللا لكم تناوله.
      ليس بغصب ولا سرقة, ولا محصلا بمعاملة محرمة أو على وجه محرم أو معينا على محرم.
      " طَيِّبًا " أي ليس: بخبيث, كالميتة والدم, ولحم الخنزير, والخبائث كلها.
      ففي هذه الآية, دليل على أن الأصل في الأعيان الإباحة.
      أكلا وانتفاعا, وأن المحرم نوعان: إما محرم لذاته, وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب.
      وإما محرم لما عرض له, وهو المحرم لتعلق حق الله, أو حق عباده به, وهو ضد الحلال.
      وفيه دليل على أن الأكل بقدر ما يقيم البنية واجب, يأثم تاركه لظاهر الأمر.
      ولما أمرهم باتباع ما أمرهم به.
      إذ هو عين صلاحهم, نهاهم عن اتباع " خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ " أي: طرقه التي يأمر بها, وهي جميع العاصى, من كفر, وفسوق, وظلم.
      [ويدخل في ذلك تحريم السوائب, والحام, ونحو ذلك.
      ويدخل فيه تناول المأكولات المحرمة.
      " إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " أي: ظاهر العداوة, فلا يريد بأمركم, إلا غشكم, وأن تكونوا من أصحاب السعير.
      فلم يكتف ربنا بنهينا عن اتباع خطواته, حتى أخبرنا - وهو أصدق القائلين - بعداوته الداعية للحذر منه, ثم لم يكتف بذلك, حتى أخبرنا بتفصيل ما يأمر به, وأنه أقبح الأشياء, وأعظمها مفسدة فقال:   " إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " " إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ " أي: الشر الذي يسوء صاحبه, فيدخل في ذلك, جميع المعاصي.
      فيكون قوله: " وَالْفَحْشَاءِ " من باب عطف الخاص على العام, لأن الفحشاء من المعاصي, ما تناهى قبحه, كالزنا, وشرب الخمر, والقتل, والقذف, والبخل ونحو ذلك, مما يستفحشه من له عقل.
      " وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " فيدخل في ذلك, القول على الله بلا علم, في شرعه, وقدره.
      فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله, أو نفى عنه ما أثبته لنفسه, أو أثبت له ما نفاه عن نفسه, فقد قال على الله بلا علم.
      ومن زعم أن لله ندا, وأوثانا, تقرب من عبدها من الله, فقد قال على الله تعالى بلا علم.
      ومن قال: إن الله أحل كذا, أو حرم كذا, أو أمر بكذا, أو نهى عن كذا, بغير بصيرة, فقد قال على الله بلا علم.
      ومن قال: الله خلق هذا الصنف من المخلوقات, للعلة الفلانية بلا برهان له بذلك, فقد قال على الله بلا علم.
      ومن أعظم القول على الله بلا علم, أن يتأول المتأول كلامه, أو كلام رسوله, على معاني اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال, ثم يقول: إن الله أرادها.
      فالقول على الله بلا علم, من أكبر المحرمات, وأشملها, وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها, فهذه طرق الشيطان التي يدعو إليها هو وجنوده, ويبذلون مكرهم وخداعهم, على إغواء الخلق بما يقدرون عليه.
      وأما الله تعالى, فإنه يأمر بالعدل والإحسان, وإيتاء ذي القربى, وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.
      فلينظر العبد نفسه, مع أي الداعيين, ومن أي الحزبين؟   " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " أتتبع داعي الله الذي يريد لك الخير والسعادة الدنيوية والأخروية, الذي كل الفلاح بطاعته, وكل الفوز في خدمته, وجميع الأرباح في معاملة المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة, الذي لا يأمر إلا بالخير, ولا ينهى إلا عن الشر.
      أم تتبع داعي الشيطان, الذي هو عدو الإنسان, الذي يريد لك الشر, ويسعى - بجهده - على إهلاكك في الدنيا والآخرة.
      الذي كل الشر في طاعته, وكل الخسران في ولايته.
      والذي لا يأمر إلا بشر, ولا ينهى إلا عن خير.
      ثم أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله, مما تقدم وصفه, رغبوا عن ذلك وقالوا.
      " بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا " .
      فاكتفوا بتقليد الآباء, وزهدوا في الإيمان بالأنبياء.
      ومع هذا, فآباؤهم أجهل الناس, وأشدهم ضلالا وهذه شبهة لرد الحق, واهية.
      فهذا دليل على إعراضهم عن الحق, ورغبتهم عنه, وعدم إنصافهم.
      فلو هدوا, لرشدهم, وحسن قصدهم, لكان الحق هو القصد.
      ومن جعل الحق قصده, ووازن بينه وبين غيره, تبين له الحق قطعا, واتبعه, إن كان منصفا.   " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون " ثم قال تعالى " وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " .
      لما بين تعالى, عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل, وردهم لذلك, بالتقليد, وعلم من ذلك أنهم غير قابلين للحق, ولا مستجيبين له, بل كان معلوما لكل أحد أنهم لن يزولوا عن عنادهم - أخبر تعالى, أن مثلهم - عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان - كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها, وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها.
      فهم يسمعون مجرد الصوت, الذي تقوم به عليهم الحجة, ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم, فلهذا كانوا صما, لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول, عميا, لا ينظرون نظر اعتبار, بكما, فلا ينطقون بما فيه خير لهم.
      والسبب الموجب لذلك كله, أنه ليس لهم عقل صحيح, بل هم أسفه السفهاء, وأجهل الجهلاء.
      فهل يستريب العاقل, أن من دعى إلى الرشاد, وذيد عن الفساد, ونهى عن اقتحام العذاب, وأمر بما فيه صلاحه وفلاحه, وفوزه, ونعيمه فعصى الناصح, وتولى عن أمر ربه, واقتحم النار على بصيرة, واتبع الباطل, ونبذ الحق - أن هذا ليس له مسكة من عقل, وأنه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء, فإنه من أسفه السفهاء   " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون " هذا أمر للمؤمنين خاصة, بعد الأمر العام, وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيقة - بالأوامر والنواهي, بسبب إيمانهم, فأمرهم بأمر الطيبات من الرزق, والشكر لله على إنعامه, باستعمالها بطاعتة, والتقوى بها على ما يوصل إليه.
      فأمرهم بما أمر به المرسلين في قوله " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا " .
      فالشكر في هذه الآية, هو العمل الصالح.
      وهنا لم يقل " حلالا " لأن المؤمن أباح الله له الطيبات من الرزق, خالصة من التبعة.
      ولأن إيمانه يحجزه عن تناول ما ليس له.
      وقوله " إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ " أي: فاشكروه.
      فدل على أن من لم يشكر الله, لم يعبده وحده, كما أن من شكره, فقد عبده, وأتى بما أمر به.
      ويدل أيضا على أن أكل الطيب, سبب للعمل الصالح وقبوله.
      والأمر بالشكر, عقيب النعم, لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة, ويجلب النعم المفقودة.
      كما أن الكفر, ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة.

      " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم " ولما ذكر تعالى إباحة الطيبات ذكر تحريم الخبائث فقال " إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ " وهي: ما مات بغير تذكية شرعية, لأن الميتة خبيثة مضرة, لرداءتها في نفسها, ولأن الأغلب, أن تكون عن مرض, فيكون زيادة مرض.
      واستثنى الشارع من هذا العموم, ميتة الجراد, وسمك البحر, فإنه حلال طيب.
      " وَالدَّمَ " أي: المسفوح كما قيد في الآية الأخرى.
      " وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ " أي: ذبح لغير الله, كالذي يذبح للأصنام والأوثان, من الأحجار, والقبور ونحوها, وهذا المذكور غير خاص للمحرمات.
      وجيء به, لبيان أجناس الخبائث المدلول عليها بمفهوم قوله " طَيِّبَاتِ " .
      فعموم المحرمات, تستفاد من الآية السابقة, من قوله: " حَلَالًا طَيِّبًا " كما تقدم.
      وإنما حرم علينا هذه الخبائث ونحوها, لطفا بنا, وتنزيها عن المضر.
      ومع هذا " فَمَنِ اضْطُرَّ " أي: ألجئ إلى المحرم, بجوع وعدم, وإكراه.
      " غَيْرَ بَاغٍ " أي: غير طالب للمحرم, مع قدرته على الحلال, أو مع عدم جوعه.
      " وَلَا عَادٍ " أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له, اضطرارا.
      " فَلَا إِثْمَ " أي: جناح وذنب " عَلَيْهِ " .
      وإذا ارتفع الإثم, رجع الأمر إلى ما كان عليه.
      والإنسان بهذه الحالة, مأمور بالأكل, بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة, وأن يقتل نفسه.
      فيجب, إذا, عليه الأكل, ويأثم إن ترك الأكل حتى مات, فيكون قاتلا لنفسه.
      وهذه الإباحة والتوسعة, من رحمته تعالى بعباده, فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: " إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " .
      ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين, وكان الإنسان في هذه الحالة, ربما لا يستقصى تمام الاستقصاء في تحقيقها - أخبر, أنه غفور, فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال, خصوصا وقد غلبته الضرورة, وأذهبت حواسه المشقة.
      وفي هذه الآية, دليل على القاعدة المشهورة " الضرورات تبيح المحظورات " .
      فكل محظور, اضطر إليه الإنسان, فقد أباحه له, الملك الرحمن.
      فله الحمد والشكر, أولا وآخرا, وظاهرا وباطنا.         " ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " هذا وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله, من العلم الذي أخذ الله الميثاق على أهله, أن يبينوه للناس ولا يكتموه.
      فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي, ونبذ أمر الله, فأولئك.
      " مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ " , لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه, إنما حصل لهم بأقبح المكاسب, وأعظم المحرمات, فكان جزاؤهم من جنس عملهم.
      " وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " بل قد سخط عليهم وأعرض عنهم.
      فهذا أعظم عليهم من عذاب النار.
      " وَلَا يُزَكِّيهِمْ " أي: لا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة, وليس لهم أعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها.
      وإنما لم يزكهم لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها, العمل بكتاب الله, والاهتداء به, والدعوة إليه.   " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار " فهؤلاء نبذوا كتاب الله, وأعرضوا عنه, واختاروا الضلالة على الهدى, والعذاب على المغفرة.
      فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار, فكيف يصبرون عليها, وأنى لهم الجلد عليها؟!   " ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " " ذَلِكَ " المذكور, وهو مجازاته بالعدل, ومنعه أسباب الهداية, ممن أباها واختار سواها.
      " بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ " ومن الحق, مجازاة المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته.
      وأيضا ففي قوله: " نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ " ما يدل على أن الله أنزله لهداية خلقه, وتبيين الحق من الباطل, والهدى من الضلال.
      فمن صرفه عن مقصوده, فهو حقيق بأن يجازى بأعظم العقوبة.
      " وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ " أي: وإن الذين اختلفوا في الكتاب, فآمنوا ببعضه, وكفروا ببعضه.
      والذين حرفوه وصرفوه على أهوائهم ومراداتهم " لَفِي شِقَاقٍ " أي: محادة.
      " بَعِيدٍ " من الحق لأنهم قد خالفوا الكتاب الذي جاء بالحق الموجب للاتفاق وعدم التناقض.
      فمرج أمرهم, وكثر شقاقهم, وترتب على ذلك افتراقهم.
      بخلاف أهل الكتاب الذين آمنوا به, وحكموه في كل شيء, فإنهم اتفقوا وارتفقوا بالمحبة والاجتماع عليه.
      وقد تضمنت هذه الآيات, الوعيد للكاتمين لما أنزل الله, المؤثرين عليه, عرض الدنيا - بالعذاب والسخط, وأن الله لا يطهرهم بالتوفيق, ولا بالمغفرة.
      وذكر السبب في ذلك وهو إيثارهم الضلالة على الهدى.
      فترتب على ذلك, اختيار العذاب على المغفرة.
      ثم توجع لهم بشدة صبرهم على النار, لعملهم بالأسباب التي يعلمون أنها موصلة إليها.
      وأن الكتاب مشتمل على الحق الموجب للاتفاق عليه, وعلم الافتراق.
      وأن كل من خالفه, فهو في غاية البعد عن الحق, والمنازعة والمخاصمة, والله أعلم.   " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " يقول تعالى: " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " أي: ليس هذا هو البر المقصود من العباد, فيكون كثرة البحث فيه والجدال, من العناء الذي ليس تحته إلا الشقاق والخلاف.
      وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ونحو ذلك.
      " وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ " أي: بإنه إله واحد, موصوف بكل صفة كمال, منزه عن كل نقص.
      " وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " وهو كل ما أخبر الله به في كتابه, أو أخبر به الرسول, مما يكون بعد الموت.
      " وَالْمَلَائِكَةِ " الذين وصفهم الله لنا في كتابه, ووصفهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
      " وَالْكِتَابِ " أي: جنس الكتب التي أنزلها الله على رسوله, وأعظمها القرآن, فيؤمن بما تضمنه من الأخبار والأحكام.
      " وَالنَّبِيِّينَ " عموما, خصوصا خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم " وَآتَى الْمَالَ " وهو كل ما يتموله الإنسان من مال, قليلا كان أو كثيرا.
      أي: أعطى المال " عَلَى حُبِّهِ " أي: حب المال " عَلَى حُبِّهِ " أي: حب المال.
      بين به أن المال محبوب للنفوس, فلا يكاد يخرجه العبد.
      فمن أخرجه مع حبه له, تقربا إلى الله تعالى, كان هذا برهانا لإيمانه.
      ومن إيتاء المال على حبه, أن يتصدق وهو صحيح شحيح, يأمل الغنى, ويخشى الفقر.
      وكذلك إذا كانت الصدقة عن قلة, كان أفضل, لأنه في هذه الحال, يحب إمساكه, لما يتوهمه من العدم والفقر.
      وكذلك إخراج النفيس من المال, وما يحبه من ماله كما قال تعالى: " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " .
      فكل هؤلاء ممن آتى المال على حبه.
      ثم ذكر المنفق عليهم, وهم أولى الناس ببرك وإحسانك.
      من " ذَوِي الْقُرْبَى " الذين تتوجع لمصابهم, وتفرح بسرورهم, الذين يتناصرون ويتعاقلون.
      فمن أحسن البر وأوفقه, تعاهد الأقارب بالإحسان المالي والقولي, على حسب قربهم وحاجتهم.
      " وَالْيَتَامَى " الذين لا كاسب لهم, وليس لهم قوة يستغنون بها.
      وهذا من رحمته تعالى بالعباد, الدالة على أنه تعالى, أرحم بهم من الوالد بولده.
      فالله قد أوصى العباد, وفرض عليهم في أموالهم, الإحسان إلى من فقد آباؤهم ليصيروا كمن لم يفقد والديه.
      ولأن الجزاء من جنس العمل فمن رحم يتيم غيره, رحمه يتيمه.
      " وَالْمَسَاكِينِ " وهم الذين أسكنتهم الحاجة, وأذلهم الفقر فلهم حق على الأغنياء, بما يدفع مسكنتهم أو يخففها, بما يقدرون عليه, وبما يتيسر.
      " وَابْنَ السَّبِيلِ " وهو الغريب المنقطع به في غير بلده.
      فحث الله عباده على إعطائه من المال, ما يعينه غلى سفره, لكونه مظنة الحاجة, وكثرة المصارف.
      فعلى من أنعم الله
      عليه بوطنه وراحته, وخوله من نعمته, أن يرحم أخاه الغريب, الذي بهذه الصفة, على حسب استطاعته, ولو بتزويده, أو إعطائه آلة لسفره, أو دفع ما ينوبه من المظالم وغيرها.
      " وَالسَّائِلِينَ " أي: الذين تعرض لهم حاجة من الحوائج, توجب السؤال.
      كمن ابتلي بأرش جناية, أو ضريبة عليه من ولاة الأمور, أو يسأل الناس لتعمير المصالح العامة, كالمساجد, والمدارس, والقناطر, ونحو ذلك, فهذا له الحق, وإن كان غنيا " وَفِي الرِّقَابِ " فيدخل فيه العتق والإعانة عليه, وبذل مال للمكاتب, ليوفي سيده, وفداء الأسرى عند الكفار, أو عند الظلمة.
      " وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ " قد تقدم مرارا, أن الله تعالى يقرن بين الصلاة والزكاة, لكونهما أفضل العبادات, وأكمل القربات, عبادات قلبية, وبدنية, ومالية, وبهما يوزن الإيمان, ويعرف ما مع صاحبه من الإيقاق.
      " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا " والعهد, هو, الالتزام بإلزام الله أو إلزام العبد لنفسه.
      فدخل في ذلك حقوق الله كلها, لكون الله ألزم بها عباده والتزموها, ودخلوا تحت عهدتها, ووجب عليهم أداؤها, وحقوق العباد, التي أوجبها الله عليهم, والحقوق التي التزمها العبد كالأيمان والنذور, ونحو ذلك.
      " وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ " أي: الفقر, لأن الفقير يحتاج إلى الصبر من وجوه كثيرة, لكونه يحصل له من الآلام القلبية والبدنية المستمرة, ما لا يحصل لغيره.
      فإن تنعم الأغنياء, بما لا يقدر عليه, تألم.
      وإن جاع, أو جاعت عياله, تألم.
      وإن أكل طعاما, غير موافق لهواه, تألم.
      وإن عرى, أو كاد, تألم, وإن نظر إلى ما بين يديه وما يتوهمه من المستقبل الذي يستعد له تألم, وإن أصابه البرد الذي لا يقدر على دفعه, تألم.
      فكل هذه ونحوها, مصائب, يؤمر بالصبر عليها, والاحتساب, ورجاء الثواب من الله عليها.
      " وَالضَّرَّاءِ " أي: المرض على اختلاف أنواعه, من حمى, وقروح, ورياح, ووجع عضو, حتى الضرس والإصبع ونحو ذلك, فإنه يحتاج إلى الصبر على ذلك.
      لأن النفس تضعف, والبدن, يألم, وذلك في غاية المشقة على النفوس, خصوصا مع تطاول ذلك, فإنه يؤمر بالصبر, احتسابا لثواب الله تعالى.
      " وَحِينَ الْبَأْسِ " أي: وقت القتال للأعداء المأمور بقتالهم, لأن الجلاد, يشق غاية المشقة على النفس, ويجزع الإنسان من القتل, أو الجراح, أو الأسر, فاحتيج إلى الصبر في ذلك, احتسابا, ورجاء لثواب الله تعالى, الذي منه النصر والمعونة, التي وعدها الصابرين.
      " أُولَئِكَ " أي: المتصفون بما ذكر, من العقائد الحسنة, والأعمال التي هي آثار الإيمان, وبرهانه ونوره, والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية.
      فأولئك " الَّذِينَ صَدَقُوا " في إيمانهم, لأن أعمالهم صدقت إيمانهم.
      " وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " لأنهم تركوا المحظور, وفعلوا المأمور.
      لأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير, تضمنا ولزوما, لأن الوفاء بالعهد, يدخل فيه الدين كله.
      ومن قام بها, كان بما سواها أقوم, فهؤلاء الأبرار الصادقون المتقون.
      وقد علم ما رتب الله على هذه الأمور الثلاثة, من الثواب الدنيوي والأخروي, مما لا يمكن تفصيله في مثل هذا الموضع.      
    • " قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون " المحاجة هي: المجادلة بين اثنين فأكثر, تتعلق بالمسائل الخلافية, حتى يكون كل من الخصمين يريد نصرة قوله, وإبطال قول خصمه.
      فكل واحد منهما, يجتهد في إقامة الحجة على ذلك.
      والمطلوب منها, أن تكون بالتي هي أحسن, بأقرب طريق يرد الضال إلى الحق, ويقيم الحجة على المعاند, ويوضح الحق, ويبين الباطل.
      فإن خرجت عن هذه الأمور, كانت مماراة, ومخاصمة لا خير فيها, وأحدثت من الشر ما أحدثت.
      فكان أهل الكتاب, يزعمون أنهم أولى بالله من المسلمين, وهذا مجرد دعوى, تفتقر إلى برهان ودليل.
      فإذا كان رب الجميع واحدا, ليس ربا لكم دوننا, وكل منا ومنكم, له عمله, فاستوينا نحن وأنتم بذلك.
      فهذا لا يوجب أن يكون أحد الفريقين أولى بالله من غيره.
      لأن التفريق مع الاشتراك في الشيء, من غير فرق مؤثر, دعوى باطلة, وتفريق بين متماثلين, ومكابرة ظاهرة.
      وإنما يحصل التفضيل, بإخلاص الأعمال الصالحة لله وحده.
      وهذه الحالة, وصف المؤمنين وحدهم, فتعين أنهم أولى بالله من غيرهم لأن الإخلاص, هو الطريق إلى الخلاص.
      فهذا هو الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان, بالأوصاف الحقيقية, التي يسلمها أهل العقول, ولا ينازع فيها إلا كل مكابر جهول.
      ففي هذه الآية, إرشاد لطيف لطريق المحاجة, وأن الأمور مبنية على الجمع بين المتماثلين, والفرق بين المختلفين.



        " أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون "
        وهذه دعوى أخرى منهم, ومحاجة في رسل الله, زعموا أنهم أولى بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين.
      فرد الله عليهم بقوله " أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ " فالله يقول: " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " وهم يقولون: بل كان يهوديا أو نصرانيا.
      فإما أن يكونوا, هم الصادقين العالمين, أو يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك, فأحد الأمرين متعين لا محالة.
      وصورة الجواب مبهم, وهو في غاية الوضوح والبيان حتى إنه - من وضوحه - لم يحتج أن يقول بل الله أعلم وهو أصدق, ونحو ذلك, لانجلائه لكل أحد.
      كما إذا قيل: الليل أنور, أم النهار؟ والنار أحر أم الماء؟ والشرك أحسن أم التوحيد؟ ونحو ذلك.
      وهذا يعرفه كل من له أدنى عقل حتى إنهم بأنفسهم يعرفون ذلك, ويعرفون أن إبراهيم وغيره من الأنبياء, لم يكونوا هودا ولا نصارى, فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة, فلهذا كان ظلمهم أعظم الظلم.
      ولهذا قال تعالى: " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ " فهي شهادة عندهم, مودعة من الله, لا من الخلق, فيقتضي الاهتمام بإقامتها, فكتموها, وأظهروا ضدها.
      جمعوا بين كتم الحق, وعدم النطق به, وإظهار الباطل, والدعوة إليه.
      أليس هذا, أعظم الظلم؟ بلى والله, وسيعاقبهم عليه أشد العقوبة.
      فلهذا قال: " وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " بل قد أحصى أعمالهم, وعدها وادخر لهم جزاءها, فبئس الجزاء جزاؤهم, وبئست النار, مثوى للظالمين.
      وهذه طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة, عقب الآيات المتضمنة للأعمال التي يجازى عليها.
      فيفيد ذلك الوعد والوعيد, والترغيب والترهيب.
      ويفيد أيضا, ذكر الأسماء الحسنى بعد الأحكام, أن الأمر الديني والجزائي, أثر من آثارها, وموجب من موجباتها, وهي مقتضية له.

        " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون "
        ثم قال تعالى: " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " تقدم تفسيرها, وكررها, لقطع التعلق بالمخلوقين, وأن المعول عليه, مما اتصف به الإنسان, لا عمل أسلافه وآبائه.
      فالنفع الحقيقي بالأعمال, لا بالأنتساب المجرد للرجال.
      " سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

        قد اشتملت الآية الأولى, على معجزة, وتسلية, وتطمين قلوب المؤمنين, واعتراض وجوابه, من ثلاثة أوجه, وصفة المعترض, وصفة المسلم لحكم الله دينه.
      فأخبر تعالى أنه سيعترض السفهاء من الناس, وهم الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم, بل يضيعونها ويبيعونها بأبخس ثمن, وهم اليهود والنصارى, ومن أشبههم من المعترضين على أحكام الله وشرائعه.
      وذلك أن المسلمين كانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس, مدة مقامهم بمكة.
      ثم بعد الهجرة إلى المدينة, نحو سنة ونصف - لما لله في ذلك من الحكم التي سيشير إلى بعضها, وكانت حكمته تقتضي أمرهم باستقبال الكعبة.
      فأخبرهم أنه لا بد أن يقول السفهاء من الناس " مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا " وهي استقبال بيت المقدس.
      أي: أي شيء صرفهم عنه؟.
      وفي ذلك الاعتراض على حكم الله وشرعه, وفضله وإحسانه.
      فسلاهم, وأخبر بوقوعه, وأنه إنما يقع ممن اتصف بالسفه, قليل العقل, والحلم, والديانة.
      فلا تبالوا بهم, إذ قد علم مصدر هذا الكلام.
      فالعاقل لا يبالي باعتراض السفيه, ولا يلقي له ذهنه.
      ودلت الآية على أنه لا يعترض على أحكام الله, إلا سفيه جاهل معاند.
      وأما الرشيد المؤمن العاقل, فيتلقى أحكام ربه بالقبول, والانقياد, والتسليم كما قال تعالى: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " .
      " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ " الآية.
      " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " .
      وقد كان في قوله " السفهاء " ما يغني عن رد قولهم, وعدم المبالاة به.
      ولكنه تعالى - مع هذا - لم يترك هذه الشبهة, حتى أزالها وكشفها مما سيعرض لبعض القلوب من الاعتراض, فقال تعالى: " قُلْ " لهم مجيبا " لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " .
      أي: فإذا كان المشرق والمغرب ملكا لله, ليس جهة من الجهات خارجة من ملكه, ومع هذا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم, ومنه هدايتكم إلى هذه القبلة التي هي من ملة إبراهيم - فلأي شيء يعترض المعترض بتوليتكم قبلة داخلة تحت ملك الله, لم تستقبلوا جهة ليست ملكا له؟ فهذا يوجب التسليم لأمره, بمجرد ذلك.
      فكيف, وهو من فضل الله عليكم, وهدايته وإحسانه, أن هداكم لذلك.
      فالمعترض عليكم, معترض على فضل الله, حسدا لكم وبغيا.
      ولما كان قوله " يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " مطلقا, والمطلق يحمل على المقيد, فإن الهداية والضلال, لهما أسباب أوجبتها حكمة الله وعدله, وقد أخبر في غير موضع من كتابه بأسباب الهداية, التي إذا أتى بها العبد حصل له الهدى كما قال تعالى " يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ " ذكر في هذه الآية السبب الموجب لهداية هذه الأمة مطلقا بجميع أنواع الهداية, ومنة الله عليها فقال:
      " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم "
        " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا " أي: عدلا خيارا.
      وما عدا الوسط, فالأطراف داخلة تحت الخطر.
      فجعل الله هذه الأمة, وسطا في كل أمور الدين.
      وسطا في الأنبياء, بين من غلا فيهم, كالنصارى, وبين من جفاهم, كاليهود, بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك.
      ووسطا في الشريعة, لا تشديدات اليهود وآصارهم, ولا تهاون النصارى.
      وفي باب الطهارة والمطاعم, لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم, ولا يطهرهم الماء من النجاسات, وقد حرمت عليهم الطيبات, عقوبة لهم.
      ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا, ولا يحرمون شيئا, بل أباحوا ما دب ودرج.
      بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها.
      وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح, وحرم عليهم الخبائث من ذلك.
      فلهذه الأمة من الدين, أكمله, ومن الأخلاق أجلها, ومن الأعمال أفضلها.
      ووهبهم الله من العلم والحلم, والعدل والإحسان, ما لم يهبه لأمة سواهم.
      فلذلك كانوا " أُمَّةً وَسَطًا " كاملين معتدلين, ليكونوا " شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ " بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط, يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان, ولا يحكم عليهم غيرهم.
      فما شهدت له هذه الأمة بالقبول, فهو مقبول, وما شهدت له بالرد, فهو مردود.
      فإن قيل كيف يقبل حكمهم على غيرهم, والحال أن كل مختصمين, غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين, لوجود التهمة.
      فأما إذا انتفت التهمة, وحصلت العدالة التامة, كما في هذه الأمة, فإنما المقصود, الحكم بالعدل والحق.
      وشرط ذلك, العلم والعدل, وهما موجودان في هذه الأمة, فقبل قولها.
      فإن شك شاك في فضلها, وطلب مزكيا لها, فهو أكمل الخلق, نبيهم صلى الله عليه وسلم.
      فلهذا قال تعالى " وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " .
      ومن شهادة هذه الأمة على غيرهم, أنه إذا كان يوم القيامة, وسأل الله المرسلين عن تبليغهم, والأمم المكذبة عن ذلك, وأنكروا أن الأنبياء بلغتهم - استشهد الأنبياء بهذه الأمة, وزكاها نبيها.
      وفي الآية دليل على أن إجماع هذه الأمة, حجة قاطعة, وأنهم معصومون عن الخطأ, لإطلاق قوله " وَسَطًا " .
      فلو قدر اتفاقهم على الخطأ, لم يكونوا وسطا, إلا في بعض الأمور, وفيها اشتراط العدالة في الحكم, والشهادة, والفتيا, ونحو ذلك.
      يقول تعالى: " وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا " وهي استقبال بيت المقدس أولا " إِلَّا لِنَعْلَمَ " أي: علما يتعلق به الثواب والعقاب, وإلا فهو تعالى عالم بكل الأمور قبل وجودها.
      ولكن هذا العلم, لا يعلق عليه ثوابا ولا عقابا, لتمام عدله, وإقامة الحجة على عبادة.
      بل إذا وجدت أعمالهم, ترتب عليها الثواب والعقاب.
      أي: شرعنا تلك القبلة لنعلم ونمتحن " مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ " ويؤمن به, فيتبعه على كل حال, لأنه عبد مأمور مدثر.
      ولأنه قد أخبرت الكتب المتقدمة, أنه يستقبل الكعبة.
      فالمنصف الذي مقصوده الحق, مما يزيده ذلك إيمانا, وطاعة للرسول.
      وأما من انقلب على عقبيه, وأعرض عن الحق, واتبع هواه, فإنه يزداد كفرا إلى كفره, وحيرة إلى حيرته, ويدلي بالحجة الباطلة, المبنية على شبهة لا حقيقة لها.
      " وَإِنْ كَانَتْ " أي: صرفك عنها " لَكَبِيرَةٌ " أي: شاقة " إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ " فعرفوا بذلك نعمة الله عليهم, وشكروا, وأقروا له بالإحسان, حيث وجههم إلى هذا البيت العظيم, الذي فضله على سائر بقاع الأرض.
      وجعل قصده, ركنا من أركان الإسلام, وهادما للذنوب والآثام, فلهذا خف عليهم ذلك, وشق على من سواهم.
      ثم قال تعالى " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ " أي: ما ينبغي له ولا يليق به تعالى, بل هو من الممتنعات عليه.
      فأخبر أنه ممتنع عليه, ومستحيل, أن يضيع إيمانكم.
      وفي هذا بشارة عظيمة لمن من الله عليهم بالإسلام والإيمان, بأن الله سيحفظ عليهم إيمانهم, فلا يضيعه, وحفظه نوعان: حفظ عن الضياع والبطلان, بعصمته لهم عن كل مفسد ومزيد له, ومنقص من المحن المقلقة, والأهواء الصادة.
      وحفظ بتنميته له, وتوفيقهم لما يزداد به إيمانهم, ويتم به إيقانهم.
      فكما ابتدأكم, بأن هداكم للإيمان, فسيحفظه لكم, ويتم نعمته, بتنميته وتنمية أجره, وثوابه, وحفظه من كل مكدر.
      بل إذا وجدت المحن المقصود منها, تبين المؤمن الصادق من الكاذب فإنها تمحص المؤمنين, وتظهر صدقهم.
      وكأن في هذا احترازا, عما قد يقال, إن قوله: " وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ " قد يكون سببا لترك بعض المؤمنين إيمانهم, فدفع هذا الوهم بقوله " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ " بتقديره لهذه المحنة أو غيرها.
      ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل الكعبة, فإن الله لا يضيع إيمانهم, لكونهم امتثلوا أمر الله وطاعة رسوله في وقتها.
      وطاعة الله, امتثال أمره في كل وقت, بحسب ذلك.
      وفي هذه الآية, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الإيمان تدخل فيه أعمال الجوارح.
      وقوله " إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ " أي: شديد الرحمة بهم عظيمها.
      فمن رأفته ورحمته بهم, أن يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها.
      وأن ميز عنهم من دخل في الإيمان بلسانه دون قلبه.
      وأن امتحنهم امتحانا, زاد به إيمانهم, وارتفعت به درجتهم.
      وأن وجههم إلى أشرف البيوت, وأجلها.
      " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون "
        يقول الله لنبيه " قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ " أي: كثرة تردده في جميع جهاته, شوقا وانتظارا لنزول الوحي باستقبال الكعبة.
      وقال " وَجْهِكَ " ولم يقل " بصرك " لزيادة اهتمامه, ولأن تقليب الوجه مستلزم لتقليب البصر.
      " فَلَنُوَلِّيَنَّكَ " أي: نوجهك لولايتنا إياك.
      " قِبْلَةً تَرْضَاهَا " أي: تحبها, وهي الكعبة.
      وفي هذا بيان لفضله وشرفه صلى الله عليه وسلم, حيث إن الله تعالى, يسارع في رضاه, ثم صرح له باستقبالها فقال: " فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " والوجه: ما أقبل من بدن الإنسان.
      " وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ " أي: من بر وبحر, وشرق وغرب, جنوب وشمال.
      " فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ " أي: جهته.
      ففيها اشتراط استقبال الكعبة, للصلوات كلها, فرضها, ونفلها, وأنه إن أمكن استقبال عينها, وإلا فيكفي شطرها وجهتها.
      وأن الالتفات بالبدن, مبطل للصلاة, لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده.
      ولما ذكر تعالى فيما تقدم, المعترضين على ذلك من أهل الكتاب وغيرهم وذكر جوابهم, ذكر هنا, أن أهل الكتاب والعلماء منهم, يعلمون أنك في ذلك على حق واضح, لما يجدونه في كتبهم, فيعترضون عنادا وبغيا.
      فإذا كانوا يغمون بخطاهم, فلا تبالوا بذلك.
      فإن الإنسان إنما يغمه, اعتراض من اعترض عليه, إذا كان الأمر مشتبها, وكان ممكنا أن يكون معه صواب.
      فأما إذا تيقن أن الصواب والحق مع المعترض عليه, وأن المعترض معاند, عارف ببطلان قوله, فإنه لا محل للمبالاة, بل ينتظر بالمعترض, العقوبة الدنيوية والأخروية, فلهذا قال تعالى " وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ " بل يحفظ عليهم أعمالهم, ويجازيهم عليها.
      وفيها وعيد للمعترضين, وتسلية للمؤمنين.
      كان النبي صلى الله عليه وسلم - من كمال حرصه على هداية الخلق - يبذل غاية ما يقدر عليه من النصيحة, ويتلطف بهدايتهم, ويحزن إذا لم ينقادوا لأمر الله.
      فكان من الكفار, من تمرد عن أمر الله, واستكبر على رسل الله, وترك الهدى, عمدا وعدوانا.
      فمنهم: اليهود والنصارى, أهل الكتاب الأول, الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم عن يقين, لا عن جهل.


      " ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين "
       
      فلهذا أخبره الله تعالى أنك " وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ " أي: بكل برهان ودليل, يوضح قولك, ويبين ما تدعو إليه.
      " مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ " أي: ما تبعوك, لأن اتباع القبلة, دليل على اتباعه.
      ولأن السبب هو شأن القبلة.
      وإنما كان الأمر كذلك, لأنهم معاندون, عرفوا الحق وتركوه.
      فالآيات إنما ينتفع بها, من يتطلب الحق, وهو مشتبه عليه, فتوضح له الآيات البينات.
      وأما من جزم بعدم اتباع الحق, فلا حيلة فيه.
      وأيضا فإن اختلافهم فيما بينهم, حاصل, وبعضهم, غير تابع قبلة بعض.
      فليس بغريب منهم - مع ذلك - أن لا يتبعوا قبلتك يا محمد, وهم الأعداء الحسدة حقيقة, وقوله " وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ " أبلغ من قوله " وَلَا تَتَّبِعْ " لأن ذلك يتضمن أنه صلى الله عليه وسلم اتصف بمخالفتهم, فلا يمكن وقوع ذلك منه.
      ولم يقل " ولو أتوا بكل آية " لأنهم لا دليل لهم على قولهم.
      وكذلك إذا تبين الحق بأدلته اليقينية, لم يلزم الإتيان بأجوبة الشبه الواردة عليه, لأنها لا حد لها, ولأنه يعلم بطلانها, للعلم بأن كل ما نافى الحق الواضح, فهو باطل, فيكون حل الشبه من باب التبرع.
      " وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ " إنما قال " أهواءهم " ولم يقل " دينهم " لأن ما هم عليه مجرد أهواء نفس, حتى هم - في قلوبهم - يعلمون أنه ليس بدين.
      ومن ترك الدين, اتبع الهوى, لا محالة.
      قال تعالى: " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ " " مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ " بأنك على الحق, وهم على الباطل.
      " إِنَّكَ إِذًا " أي: إن اتبعتهم, فهذا احتراز, لئلا تنفصل هذه الجملة عما قبلها, ولو في الأفهام.
      " لَمِنَ الظَّالِمِينَ " أي: داخل فيهم, ومندرج في جملتهم.
      وأي ظلم أعظم, من ظلم, من علم الحق والباطل, فآثر الباطل على الحق.
      وهذا, وإن كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم, فإن أمته داخلة في ذلك.
      وأيضا, فإذا كان هو صلى الله عليه وسلم ولو فعل ذلك - وحاشاه - صار ظالما مع علو مرتبته, وكثرة إحسانه - فغيره من باب أولى وأحرى.



        " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون "
        ثم قال تعالى " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ " .
      يخبر تعالى: أن أهل الكتاب قد تقرر عندهم, وعرفوا أن محمدا رسول الله, وأن ما جاء به, حق وصدق, وتقينوا ذلك, كما تيقنوا أبناءهم بحيث لا يشتبهون بغيره.
      فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم, وصلت إلى حد لا يشكون فيه ولا يمترون.
      ولكن فريقا منهم - وهم أكثرهم - الذين كفروا به, كتموا هذه الشهادة مع تيقنها, وهم يعلمون " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ " .
      وفي ضمن ذلك, تسلية للرسول والمؤمنين, وتحذير له من شرهم وشبههم.
      وفريق منهم, لم يكتموا الحق وهم يعلمون.
      فمنهم من آمن به, ومنهم من كفر به, جهلا.
      فالعالم, عليه إظهار الحق, وتبيينه وتزيينه, بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان, ومثال, وغير ذلك, وإبطال الباطل وتمييزه عن الحق, وتشيينه, وتقبيحه للنفوس, بكل طريق مؤد لذلك.
      فهولاء الكاتمون, عكسوا الأمر, فانعكست أحوالهم.

      " الحق من ربك فلا تكونن من الممترين "
        " الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ " أي: هذا الحق الذي هو أحق أن يسمى حقا من كل شيء, لما اشتمل عليه من المطالب العالية, والأوامر الحسنة, وتزكية النفوس وحثها على تحصيل مصالحها, ودفع مفاسدها, لصدوره من ربك, الذي - من جملة تربيته لك, أن أنزل عليك هذا القرآن الذي فيه تربية العقول والنفوس, وجميع المصالح.
      " فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ " أي: فلا يحصل لك أدنى شك وريبة فيه.
      بل تفكر فيه وتأمل, حتى تصل بذلك إلى اليقين, لأن التفكر فيه لا محالة, دافع للشك, موصل لليقين.



        " ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير "
        أي: كل أهل دين وملة, له وجهة يتوجه إليها في عبادته.
      وليس الشأن في استقبال القبلة, فإنه من الشرائع التي تتغير بها الأزمنة والأحوال, ويدخلها النسخ والنقل, من جهة إلى جهة.
      ولكن الشأن كل الشأن, في امتثال طاعة الله, والتقرب إليه, وطلب الزلفى عنده.
      فهذا هو عنوان السعادة ومنشور الولاية.
      وهو الذي إذا لم تتصف به النفوس, حصلت لها خسارة الدنيا والآخرة.
      كما أنها إذا اتصفت به, فهي الرابحة على الحقيقة, وهذا أمر متفق عليه في جميع الشرائع, وهو الذي خلق الله له الخلق, وأمرهم به.
      والأمر بالاستباق إلى الخيرات, قدر زائد على الأمر بفعل الخيرات.
      فإن الاستباق إليها, يتضمن فعلها, وتكميلها, وإيقاعها على أكمل الأحوال, والمبادرة إليها.
      ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات, فهو السابق في الآخرة إلى الجنات, فالسابقون أعلى الخلق درجة.
      والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل, من صلاة, وصيام, وزكاة وحج, عمرة, وجهاد, ونفع متعد وقاصر.
      ولما كان أقوى ما يحث النفوس على المسارعة إلى الخير, وينشطها, ما رتب الله عليها من الثواب قال: " أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فيجمعكم ليوم القيامة بقدرته, فيجازي كل عامل بعمله " لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى " .
      ويستدل بهذه الآية الشريفة على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل.
      كالصلاة في أول وقتها, والمبادرة إلى إبراء الذمة, من الصيام, والحج, والعمرة, وإخراج الزكاة, والإتيان بسنن العبادات وآدابها, فلله ما أجمعها وأنفعها من آية!!.  

        " ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون "
        أي: " وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ " في أسفارك وغيرها, وهذا للعموم, " فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " أي: جهته.
      ثم خاطب الأمة عموما فقال " وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ " , وقال: " وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ " أكده بـ " إن " واللام, لئلا يقع لأحد فيه أدنى شبهة, ولئلا يظن أنه على سبيل التشهي لا الامتثال.
      " وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " بل هو مطلع عليكم في جميع أحوالكم, فتأدبوا معه, وراقبوه بامتثال أوامره, واجتناب نواهيه.
      فإن أعمالكم غير مغفول عنها, بل مجازون عليها أتم الجزاء, إن خيرا فخير, وإن شرا, فشر.  
      " ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون "
        وقال هنا " لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ " أي: شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة, لينقطع عنكم احتجاج الناس من أهل الكتاب والمشركين.
      فإنه لو بقي مستقبلا لبيت المقدس, لتوجهت عليه الحجة.
      فإن أهل الكتاب, يجدون في كتابهم أن قبلته المستقرة, هي الكعبة البيت الحرام.
      والمشركون يرون أن من مفاخرهم, هذا البيت العظيم, وأنه من ملة إبراهيم, وأنه إذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه وسلم, توجهت نحوه حججهم, وقالوا: كيف يدعي أنه على ملة إبراهيم, وهو من ذريته, وقد ترك استقبال قبلته؟ فباستقبال القبلة, قامت الحجة على أهل الكتاب والمشركين, وانقطعت حججهم عليه.
      " إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ " أي: من احتج منهم بحجة, هو ظالم فيها, وليس لها مستند إلا اتباع الهوى والظلم, فهذا لا سبيل إلى إقناعه والاحتجاج عليه.
      وكذلك لا معنى لجعل الشبهة التي يوردونها على سبيل الاحتجاج, محلا يؤبه لها, ولا يلقى لها بال, فلهذا قال تعالى: " فَلَا تَخْشَوْهُمْ " لأن حجتهم باطلة, والباطل كاسمه, مخذول, مخذول صاحبه.
      وهذا بخلاف صاحب الحق, فإن للحق صولة وعزا, يوجب خشية من هو معه, وأمر تعالى بخشيته, التي هي رأس كل خير.
      فمن لم يخش الله, لم ينكف عن معصيته, ولم يمتثل أمره.
      وكان صرف المسلمين إلى الكعبة, مما حصلت فيه فتنة كبيرة, أشاعها أهل الكتاب, والمنافقون, والمشركون, وأكثروا فيها من الكلام والشبه.
      فلهذا بسطها الله تعالى, وبينها أكمل بيان, وأكدها بأنواع من التأكيدات, التي تضمنتها هذه الآيات.
      منها: الأمر بها, ثلاث مرات, مع كفاية المرة الواحدة.
      ومنها: أن المعهود, أن الأمر, إما أن يكون للرسول, فتدخل فيه الأمة, أو للأمة عموما.
      وهذه الآية أمر فيها الرسول بالخصوص في قوله " فَوَلِّ وَجْهَكَ " .
      والأمة عموما في قوله " فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ " .
      ومنها أنه رد فيه جميع الاحتجاجات الباطلة, التي أوردها أهل العناد وأبطلها شبهة شبهة, كما تقدم توضيحها.
      ومنها: أنه قطع الأطماع من اتباع الرسول قبلة أهل الكتاب.
      ومنها قوله " وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ " .
      فمجرد إخبار الصادق العظيم كاف شاف, ولكن مع هذا قال: " وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ " .
      ومنها: أنه أخبر - وهو العالم بالخفيات - أن أهل الكتاب متقرر عندهم, صحة هذا الأمر, ولكنهم يكتمون هذه الشهادة مع العلم.
      ولما كان توليته لنا إلى استقبال القبلة, نعمة عظيمة, وكان لطفه بهذه الأمة ورحمته, لم يزل يتزايد, وكلما شرع لهم شريعة, فهي نعمة عظيمة قال " وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ " .
      فأصل النعمة, الهداية لدينه, بإرسال رسوله, وإنزال كتابه.
      ثم بعد ذلك, النعم المتممات لهذا الأصل, لا تعد كثرة, ولا تحصر, منذ بعث الله رسوله إلى أن قرب رحيله من الدنيا.
      وقد أعطاه الله من الأحوال والنعم, وأعطى أمته, ما أتم به نعمته عليه وعليهم, وأنزل الله عليه " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " .
      فلله الحمد على فضله, الذي لا نبلغ له عدا, فضلا عن القيام بشكره.
      " وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " أي: تعلمون الحق, وتعملون به.
      فالله تبارك وتعالى - من رحمته - بالعباد, قد يسر لهم أسباب الهداية غاية التيسير, ونبههم على سلوك طرقها, وبينها لهم, أتم تبيين.
      حتى أن في جملة ذلك, أنه يقيض للحق, المعاندين له فيجادلون فيه, فيتضح بذلك الحق, وتظهر آياته وأعلامه, ويتضح بطلان الباطل, وأنه لا حقيقة له.
      ولولا قيامه في مقابلة الحق, لربما لم يتبين حاله لأكثر الخلق.
      وبضدها تتبين الأشياء.
      فلولا الليل, ما عرف فضل النهار.
      ولولا القبيح, ما عرف فضل الحسن.
      ولولا الظلمة ما عرف منفعة النور.
      ولولا الباطل, ما اتضح الحق اتضاحا ظاهرا.
      فلله الحمد على ذلك.  


        " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون "

      يقول تعالى: إن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع, والنعم المتممة, ليس ذلك ببدع من إحساننا, ولا بأوله, بل أنعمنا عليكم بأصول النعم ومتمماتها, فأبلغها, إرسالنا إليكم هذا الرسول الكريم منكم, تعرفون نسبه وصدقه, وأمانته وكماله ونصحه.
      " يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا " وهذا يعم الآيات القرآنية وغيرها.
      فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل, والهدى من الضلال, التي دلتكم أولا, على توحيد الله وكماله, ثم على صدق رسوله, ووجوب الإيمان به, ثم على جميع ما أخبر به من المعاد والغيوب, حتى حصل لكم الهداية التامة, والعلم اليقيني.
      " وَيُزَكِّيكُمْ " أي يطهر أخلاقكم ونفوسكم, بتربيتها على الأخلاق الجميلة, وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة, وذلك كتزكيتكم من الشرك, إلى التوحيد ومن الرياء إلى الإخلاص, ومن الكذب إلى الصدق, ومن الخيانة إلى الأمانة, ومن الكبر إلى التواضع, ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق, ومن التباغض والتهاجر والتقاطع, إلى التحابب والتواصل والتوادد, وغير ذلك من أنواع التزكية.
      " وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ " أي: القرآن, ألفاظه ومعانيه.
      " وَالْحِكْمَةَ " قيل: هي السنة, وقيل: الحكمة, معرفة أسرار الشريعة والفقه فيها, وتنزيل الأمور منازلها.
      فيكون - على هذا - تعليم السنة داخلا في تعليم الكتاب, لأن السنة, تبين القرآن وتفسره, وتعبر عنه.
      " وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ " لأنهم كانوا قبل بعثته, في ضلال مبين, لا علم ولا عمل.
      فكل علم أو عمل, نالته هذه الأمة فعلى يده صلى الله عليه وسلم, وبسببه كان.
      فهذه النعم هي أصول النعم على الإطلاق, وهي أكبر نعم ينعم بها على عباده.
      فوظيفتهم شكر الله عليها والقيام بها.
       
        " فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون " فلهذا قال تعالى " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ " فأمر تعالى بذكره, ووعد عليه أفضل جزاء, وهو ذكره لمن ذكره, كما قال تعالى على لسان رسوله " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " .
      وذكر الله تعالى, أفضله, ما تواطأ عليه القلب واللسان, وهو الذي يثمر معرفة الله ومحبته, وكثرة ثوابه.
      والذكر هو رأس الشكر, فلهذا أمر به خصوصا, ثم من بعده أمر بالشكر عموما فقال: " وَاشْكُرُوا لِي " أي: على ما أنعمت عليكم بهذه النعم ودفعت عنكم صنوف النقم.
      والشكر يكون بالقلب, إقرارا بالنعم, واعترافا, وباللسان, ذكرا وثناء, وبالجوارح, طاعة لله وانقيادا لأمره, واجتنابا لنهيه, فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة, وزيادة في النعم المفقودة.
      قال تعالى " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " .
      وفي الإتيان بالأمر بالشكر بعد النعم الدينية, من العلم وتزكية الأخلاق والتوفيق للأعمال, بيان أنها أكبر النعم, بل هي النعم الحقيقية؟ التي تدوم, إذا زال غيرها.
      وأنه ينبغي لمن وفقوا لعلم أو عمل, أن يشكروا الله على ذلك, ليزيدهم من فضله, وليندفع عنهم الإعجاب, فيشتغلوا بالشكر.
      ولما كان الشكر ضده الكفر, نهى عن ضده فقال " وَلَا تَكْفُرُونِ " المراد بالكفر ههنا, ما يقابل الشكر, فهو كفر النعم وجحدها, وعدم القيام بها.
      ويحتمل أن يكون المعنى عاما, فيكون الكفر أنواعا كثيرة, أعظمه الكفر بالله, ثم أنواع المعاصي, على اختلاف أنواعها وأجناسها, من الشرك, فما دونه.  
      " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين "

      أمر الله تعالى المؤمنين, بالاستعانة على أمورهم الدنيوية " بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ " .
      فالصبر هو: حبس النفس وكفها عما تكره, فهو ثلاثة أقسام: صبرها على طاعة الله, حتى تؤديها, وعن معصية الله حتى تتركها, وعلى أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها.
      فالصبر هو المعونة العظيمة على كل أمر, فلا سبيل لغير الصابر, أن يدرك مطلوبه.
      وخصوصا, الطاعات الشاقة المستمرة, فإنها مفتقرة أشد الافتقار, إلى تحمل الصبر, وتجرع المرارة الشاقة.
      فإذا لازم صاحبها الصبر, فاز بالنجاح, وإن رده المكروه والمشقة, عن الصبر والملازمة عليها, لم يدرك شيئا, وحصل على الحرمان.
      وكذلك المعصية التي تشتد دواعي النفس ونوازعها إليها وهي في محل قدرة العبد.
      فهذه لا يمكن تركها إلا بصبر عظيم, وكف لدواعي قلبه ونوازعها, لله تعالى, واستعانة بالله على العصمة منها, فإنها من الفتن الكبار.
      وكذلك البلاء الشاق, خصوصا إن استمر, فهذا تضعف معه القوى النفسانية والجسدية, ويوجد مقتضاها, وهو التسخط, إن لم يقاومها صاحبها بالصبر لله, والتوكل عليه, واللجأ إليه, والافتقار على الدوام.
      فعلمت أن الصبر محتاج إليه العبد, بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله.
      فلهذا أمر الله تعالى به, وأخبر أنه " مَعَ الصَّابِرِينَ " أي: مع من كان الصبر لهم خلقا, وصفة, وملكة - بمعونته وتوفيقه, وتسديده.
      فهانت عليهم بذلك, المشاق والمكاره, وسهل عليهم كل عظيم, وزالت عنهم كل صعوبة.
      وهذه معية خاصة, تقتضي محبته ومعونته, ونصره وقربه, وهذه منقبة عظيمة للصابرين.
      فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله, لكفى بها فضلا وشرفا.
      وأما المعية العامة, فهي معية العلم والقدرة, كما في قوله تعالى: " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " وهذه عامة للخلق.
      وأمر تعالى بالاستعانة بالصلاة لأن الصلاة هي عماد الدين, ونور المؤمنين, وهي الصلة بين العبد وبين ربه.
      فإذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة, مجتمعا فيها ما يلزم فيها, وما يسن, وحصل فيها حضور القلب, الذي هو لبها فصار العبد إذا دخل فيها, استشعر دخوله على ربه, ووقوفه بين يديه, موقف العبد الخادم المتأدب, مستحضرا لكل ما يقوله وما يفعله, مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه - لا جرم أن هذه الصلاة, من أكبر المعونة على جميع الأمور فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
      ولأن هذا الحضور الذي يكون في الصلاة, يوجب للعبد في قلبه, وصفا, وداعيا يدعوه إلى امتثال أوامر ربه, واجتناب نواهيه.
      هذه هي الصلاة التي أمر الله, أن نستعين بها على كل شيء.  
    • السؤال اعتدنا على أن نسبح دبر الصلاة ثلاثاً وثلاثين ونحمّد مثلها ونكبر أربعاً وثلاثين . لكني قرأت مؤخراً أنه يمكننا أن نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر عشر مرات بعد الظهر والعصر والعشاء ، فما صحة ذلك ؟   الجواب   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: يشرع ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل دبر الصلوات المكتوبات ، وفي ذلك صيغ متعددة ، وردت بها السنة :
        الصيغة الأولى :
      أن يسَبّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، ويحمده ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، ويكبره ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، ويقول تَمَامَ الْمِائَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ، فيكون المجموع مائة .
      لما روى مسلم (597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ) . وقد تكون هذه الصيغة : بسرد التسبيح ثلاثا وثلاثين ، ثم التحميد مثل ذلك ، ثم التكبير مثل ذلك .
      وقد تكون ، بأن يجمعها جميعا : سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ثم يكررها مجموعة ثلاثا وثلاثين مرة .
      روى البخاري (843) – واللفظ له - ، ومسلم (595) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ ، وَيُجَاهِدُونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ ، قَالَ : ( أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ) .
      فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا ، فَقَالَ بَعْضُنَا : نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ؟
      فَقَالَ : تَقُولُ : ( سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ) .   الصيغة الثانية :
      أن يسَبِّح اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيحْمَدُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيكَبِّرُهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ، فيكون المجموع مائة .
      لما روى مسلم (596) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ، ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً ، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً ، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً ) .   الصيغة الثالثة :
      أن يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله : خمسا وعشرين ، فيكون المجموع مائة .
      لما رواه النسائي (1350) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه ، قَالَ : " أُمِرُوا أَنْ يُسَبِّحُوا دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيَحْمَدُوا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيُكَبِّرُوا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ، فَأُتِيَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي مَنَامِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسَبِّحُوا دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتَحْمَدُوا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتُكَبِّرُوا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَاجْعَلُوهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ ، وَاجْعَلُوا فِيهَا التَّهْلِيلَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ: ( اجْعَلُوهَا كَذَلِكَ ) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .   الصيغة الرابعة :
      أن يسبح الله عشراً ، ويحمده عشراً ، ويكبره عشراً .
      لما رواه أبو داود (5065) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ : يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا ، وَيَحْمَدُ عَشْرًا ، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ .
      وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ ، وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ ؟ قَالَ : يَأْتِي أَحَدَكُمْ - يَعْنِي : الشَّيْطَانَ - فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ ، وَيَأْتِيهِ فِي صَلَاتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا ) ، صححه الحافظ ابن حجر فى " تخريج الأذكار " (2 / 267) ، وصححه الألباني في " الكلم الطيب " (113) .
      فهذا هو مجموع الصيغ الصحيحة الواردة بالتفصيل ، والأفضل أن ينوع بينها ، فيقول هذا أحيانا ، والآخر أحيانا .   قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
      " التسبيح خلف الصلوات ورد على أربعة أنواع :
      1 ـ سبحان الله عشراً ، والحمد لله عشراً ، والله أكبر عشراً .
      2 ـ سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين ، فالجميع تسع وتسعون ، ويختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
      3 ـ سبحان الله ثلاثاً وثلاثين ، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين ، والله أكبر أربعاً وثلاثين .
      4 ـ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمساً وعشرين مرة ، فالجميع مائة مرة " انتهى من " شرح منظومة أصول الفقه وقواعده " (ص176-177) . أما ما ذكره السائل من قول : " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، عشر مرات بعد الظهر والعصر والعشاء خاصة " : فلا نعلم من السنة ما يدل على ذلك ، بل الوارد في السنة أن هذا الذكر يقال خمسا وعشرين مرة ، ويقال بعد جميع الصلوات المفروضة ، وليس خاصا بالظهر والعصر والعشاء . والله أعلم . المصدر:  موقع الإسلام سؤال وجواب  
    • الرحمن الرحيم


      ذكر الرحمن في القرآن (170) مرة ذكر الرحيم في القرآن (228) مرة.

      المعنى : قال تعالى : " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " (البقرة 162) . الاسمان مشتقان من الرحمة ، والرحمن اسم له سبحانه وحده ، فهو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا ، وللمؤمنين في الآخرة ، أما الرحيم فهو ذو الرحمة الذي لا يقابل السيئة بمثلها . ومن رحمته سبحانه وتعالى أن أرسل إلينا رسوله وكتابه وهدانا من الضلالة وجعل الليل والنهار وأطلع الشمس والقمر .

      من الحياة :

      1- ان يتسع قلبي للجميع وتملأ الرحمة جوانحي ، "فمن لا يرحم الناس لا يرحمه الله"- البخاري .

      2- أن أكون عبدا مطيعا لله ورسوله حتى تشملني رحمة في الآخرة (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ).

      3- ألا نترك فقيرا إلا ونتعهده حتى ولو بالإعانة بالدعاء . وأن ننظر دائما إلى العصاة بعين الرحمة لا بعين الإيذاء .




      الملك


      ورد في القرآن (5) مرات "فتعالى الله الملك الحق" (طه/114)

      المعنى : الملك الحق أي بيده الملك ، هو المتصرف في كل شيء بالإبداع أي الخلق لأول مرة على غير مثال سبق ، وكذلك والخلق والموت والحياة والنشور هو الغني المطلق عن كل ما سواه .

      من الحياة :

      1- لندرك أن الإنسان مستخلف فقط فيما آتاه الله من ملك ومال وجاه وعقار فلا يظن أنه المالك الحقيقي لما يملك ، فليتصرف به حسب ما شرعه الله له

      .2- لنحاول دائما أن نجد أفكارا جديدة لعمارة الأرض ولتحقيق الخلافة فيها.

      3- لنتوجه دائما بالدعاء إلى الله في كل صغيرة وكبيرة لأنه مالك كل شيء

      .

      المُـقيت


      ورد في القرآن مرة واحدة "من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ، وكان الله على كل شيء مُقيتاً " (النساء: 85)

      المعنى : هو خالق الأقوات وموصلها إلى الأبدان وهي الأطعمة ، وإلى القلوب وهي المعرفة ، فيكون بمعنى الرزاق إلا أنه أخص منه ، إذ الرزق يتناول القوت وغير القوت ... والقوت ما يكتفي به من قوام البدن .

      من الحياة:


      1- إن أفضل رزق يرزقه الله لعباده العقل ، فلنتعهد عقولنا بالتفكير السليم ولننمها بالمعرفة والإبداع.

      2- لقد قرر الله في هذه الدنيا رزق أهلها وما يصلح لمعاشهم من الأشجار والمنافع في كل بلدة ما لم يجعله الأخرى ليعيش بعضهم مع بعض بالتجارة والأسفار.




      الحليم


      ورد في القرآن "11" مرة. " والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً " (الأحزاب 51)

      المعنى : هو الذي لا يعجل بالانتقام ويفسح الأمل أمام عباده في أن يتوبوا ويندموا ويستغفروا على ما وقعوا فيه من الذنوب فيمهلهم ولا يعجل بعقابهم ، ويؤخر الظالمين إذا شاء فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وهو الذي يشاهد معصية العصاة ، ويرى مخالفة ا؟لأمر فلا يعتريه غيظ ، ولا يحمله إلى الانتقام عجلة.

      من الحياة :


      1- عدم مؤاخذة الله سبحانه للعباد بصورة عاجلة ، وهذا يستوجب علينا دوام الشعور بمراقبة الخالق وخشيته .

      2- الحلم من الصفات الحسنة التي يجب أن نتصف بها عند الغضب .





      الخبير
        ورد في القرآن خمساً وأربعين مرة "ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير" (آل عمران180).

      المعنى : هو الذي لا تعزب عنه الأخبار الباطنة ،ولا يجرى في ملكوته شيء ، ولا تتحرك ذرة إلا ويكون عنده خبر بها وهو بمعنى عليم ، لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي صاحبها خبيراً


      من الحياة :

      1- على الإنسان أن يكون عليماً بما يجرى في قلبه وبدنه ، والخفايا التي يتصف بها قلبه من غش وخيانة وحقد وحسد وغيره فعليه أن يسعى بإصرار على التخلص منها بالاجتهاد بالعبادة والمثابرة على الطاعة.

      2- أن الله خبير بأعمال عباده وما يجول في صدورهم فلنتق الله ، ولنعبده بإحسان "وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً " النساء (128)


      الحفيظ
        ورد في القرآن "3" مرات
      " إن ربي على كل شيء حفيظ." (هود 57)

      المعنى : هو الذي يحفظ السماوات والأرض وما فيها ، وهو الذي يحفظ عباده من المهالك وهو الذي يحفظ على الخلق أعمالهم ويحصى عليهم أقوالهم ويعلم ما تكن صدورهم وهو الذي يحف أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب ويحرسهم من مكائد الشيطان.

      من الحياة :

      1- أن نتعهد بكتاب الله بالتلاوة والحفظ والفهم والتطبيق لأنه الكتاب المحفوظ من التحريف والتغيير.

      2- أن أعظم ما أمر المسلم بحفظه الصلاة وأركانها فالصلاة جالبة للبركة مبعدة عن الشيطان ومقربة للرحمن وتفتح للإنسان أبواب الخير.

      3- لنحفظ السمع والبصر ، فلا نسمع ولا نبصر إلا من يرضى الله ، ولنحفظ اليمين وأن لا نتساهل في الحلف الكذب.

       

      العلي
        ورد في القرآن في "8" مواضع
      "ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم."
      المعنى : هو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه علو الذات وعلو القدر والصفات وعلو القهر.وهو الذي على العرش استوى وبجميع صفاته العظيمة والكبرياء والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف.

      من الحياة :


      1- عندما نستشعر معنى الاسم ، ونعلم أنه سبحانه على العرش وفوق السماوات السبع ، فإذا ما نزلت بنا شدة رفعنا أيدينا إلى السماء نستغيث ربنا تبارك وتعالى .

      2- لنعلم أن العبد مهما نال من درجات العلم والمكانة لم يبلغ مكانة عليا لأنه لا يوجد درجة إلا ويكون في الوجود ما فوقها ، وأعلى الدرجات هي للأنبياء والملائكة.

       

      الجبار
        ورد في القرآن مرة واحدة "العزيز الجبار المتكبر" (الحشر /23)
      المعنى : هو المصلح أمور خلقه المصرفهم فيما فيه صلاحهم ، وهو القاهر خلقه على ما أراد من أمر ونهي إرادة حكيم ، وهو الخبير بما فيه مصلحتهم ونفعهم . وكذلك هو الذي يجبر كسر عباده ، فقد جبر الفقير حين شرع الزكاة والصدقات ، وجبر المريض حين جعل له أجرا إذا تقبل البلاء بالصبر والرضا.

      من الحياة :

      1- أن نقبل على أوامر الله ونواهيه بنفس راضية ، ليتحقق الغرض من خلقنا ، ونصل إلى التوفيق في الدنيا والنجاة في الآخرة .

      2- أن نأخذ عبرة من نهاية المتجبرين المتكبرين ، حيث كان التكبر سببا في الطبع على قلوبهم


      العزيز
        ذكر في القرآن (92) مرة "والله عزيز ذو انتقام" (آل عمران /4)
      المعنى : المنيع الذي لا ينال ولا يغالب ، وهو العزيز في انتقامه ممن أراد الانتقام منه ولا يقدر أحد أن يدفعه عنه . وهو الذي عز كل شيء فقهره.

      من الحياة :

      1- لنطلب العزة من الله دائماً ولا نبحث عنها من غير الله ، وإذا أردنا أن نكون عزيزين في الدنيا والآخرة فلنلتزم طاعة الله.

      2- أن تمتلىء أنفسنا بالثقة والشجاعة ، فالله عز وجل لا يقهر ولا يرد أمره وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن حتى لو شاء الناس وأرادوا.
      من آداب من عرف أن الله هو العزيز ألا يعتقد لمخلوق إجلالاً أو تعظيماً ويتذلل له.

       

      المهيمن
      ورد في القرآن مرة واحدة "المؤمن المهيمن" (الحشر/23)

      المعنى: هو الرقيب ولحافظ والخاضع لسلطانه كل شيء وهو المطلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور وهو الشاهد على خلقه بأعمالهم ، وهو المهيمن على كونه من لحظة خلقه وهيمنته مستمرة إلى أن تقوم الساعة ، فلا يحدث أي شيء إلا بأمره.

      من الحياة :

      1- أن ندرك أن هذا النظام الدقيق المحكم في الكون سينقلب رأساً على عقب يوم القيامة ، وإذا شاء الله له النهاية كانت له النهاية.

      2- عندما ندرك هيمنته سبحانه على كل شيء في الكون وسعة علمه ، نخشاه ونراقب أنفسنا ونستشعر مراقبة الله الدائمة.

      3- أن ندعو الله سبحانه أن يهيمن على قلوبنا يوم الفزع الأكبر ويلهمنا الثبات والسكينة وألا نكون ممن بلغت قلوبهم الحناجر من شدة الخوف بل نكون من الامنين من فزع يومئذ.



      الشكور
        ورد في القرآن "4" مرات .
      "إن ربنا لغفور شكور " (فاطر 34) .

      المعنى : هو الذي يجازي بيسير الطاعات كثير الدرجات ، يعطي بالعمل في أيام معدودة نعيما في الآخرة غير محدود .

      من الحياة :

      1- شكر العباد لربهم يكون عن طريق القلوب والألسنة ، أما القلوب فتقر له عز وجل بأنه صاحب الفضل كله ، وأما الألسنة فلا تنقطع عن شكره على سعة كرمه

      2- أن استعمل النعم التي رزقني إياها ربي في طاعته وليس في معصيته لأكون عبدا شاكرا لربي.

      3- من الخصال الحميدة أن يكون العبد شاكرا في حق العباد الآخرين ، مرة بالثناء ومرة بالمجازاة بأكثر مما صنعوا .

      4- عندما نعلم أن القليل من العمل يعطي الكثير من الثواب لا نستصغر شيئا من أعمال البر ولو كان يسيرا .

      5- إظهار النعمة والتحدث بها لأنها من صفات المؤمنين ، ولأن كفران النعمة من صفات الجاحدين

       


      الحكم
        ورد مرة واحدة في القرآن وبصيغة الجمع "5" مرات "أفغير الله أبتغى حكما "
      الأنعام(114).

      المعنى : هو الحاكم والقاضي الذي لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وهو الذي حكم على القلوب بالرضى وعلى النفوس بالانقياد والطاعة. والفرق بين الحكم والحاكم أن الحكم أبلغ من الحاكم ولا يستحق التسمية بالحكم إلا من يحكم بالحق.


      من الحياة :

      1- من يؤمن بهذا الاسم ينقطع تعلق قلبه بالمستقبل، بل يصير مشغول القلب بأنه لا يصيبه إلا الذي جرى الأزل.

      2- ليستقر اليقين في القلب أن الحلال ما أحل الله والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه الله.

      3- وحكمة الله تقتضي أن يكون القرآن حكيماً ومحكماً لأنه الكتاب الذي ليس بعده كتاب.

       

      السميع
        ورد في القرآن 450 مرة " ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم " البقرة /127

      المعنى : يسمع كل ما ينطق من قول ودعاء مع اختلاف ألسنتهم ولغاتهم ويعلم ما في قلب القائل قبل أن يقول وهو المستجيب لعباده إذا توجهوا إليه بالدعاء.


      من الحياة :

      1- أن يكون دائماً مع الله بقلوبنا ، فالله سبحانه يسمع حمد الحامدين فيجازيهم ودعاء الداعين فيستجيب لهم.

      2- في هذا الاسم تنبيه للعاقل وتذكير كي يراقب نفسه وما يصدر عنها من أقوال وأفعال.


      اللطيف
      ورد في القرآن (157) مرة. "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " (البقرة 32)

      المعنى : هو الذي لا تخفى عليه الأشياء وإن وقت ولطفت وتضاءلت وهو أيضاً البر بعباده الذي يلطف ويرفق بهم من حيث لايعلمون ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.


      من الحياة :

      1- إما علمنا أن ربنا متصف بدقة العلم ، والإحاطة بكل صغيرة وكبيرة ، حاسبنا أنفسنا على الأقوال والأفعال والحركات والسكنات.

      2- من لطف الله بنا أنه أعطانا فوق الكفاية ، وكلفنا دون الطاقة ، وسهل علينا الوصول إلى سعادة الأبد بسعي خفيف ومدة قصيرة هي العمر.

      3- ينبغي لنا أن نكون رفقاء بعباد الله ، وبخاصة في دعوتهم إلى الله والهداية من غير خصام وتعب.



      السلام
        ورد في القرآن مرة واحدة "الملك القدوس السلام " (الحشر /23)

      المعنى : هو الذي سلم من كل عيب سبحانه وبريء من كل آفة وهذه صفة يستحقها بذاته00وهو المسلم على عباده في الجنة ، وهو الذي سلم على الخلق من ظلمه.


      من الحياة :

      1- دعوة للتأمل في الكون من حولنا ، فكل ما فيه سلم من الاضطراب والخلل ويسير وفق نظام محكم وثابت.

      2- لا يوصف بالإسلام ، إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده.

      3- من أهم أسباب التآلف واستجلاب المودة إفشاء السلام على كل المسلمين من عرفنا ومن لم نعرف 00وهو أيضاً رياضة للنفس على التواضع.

      4- أن نحمد الله على نعمة السلام الدائم الذي نعيش به ليل نهار.


        العليم
      ورد في القرآن (157) مرة " قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم "

      المعنى : هو الله العالم لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وظاهرها ، أحاط بالظواهر والبواطن وبالماضي والحاضر والمستقبل.


      من الحياة :

      1- مهما بلغنا من العلم فعلمنا محدود بالنسبة لعلم الله تعالى ، كما أننا لا نعلم شيئاً عن ذاته وصفاته إلا ما أطلعنا الله سبحانه وتعالى عليه عن طريق رسوله وكتابه المنزل.

      2- دعوة للعلم لاكتشاف أسرار الحياة من حولنا لنملك الدين والعلم فيسود الإسلام شتى أنحاء الأرض.

      3- أن نظهر سريرتنا ونتغلب على وسوسة النفس لأن الله عليم بذات الصدور.



      المؤمن
      ورد في القرآن مرة واحدة "السلام ، المؤمن ، المهيمن " (الحشر/23)

      المعنى : هو الذي يؤمن عباده من كل خوف وهو لا يؤمن عباده من مخاوف الدنيا فحسب بل يؤمنهم من عذاب جهنم ويبعثهم يوم القيامة من الفزع أمنين وذلك بدعوته عز وجل لهم للإيمان به والالتزام بطاعته.


      من الحياة :

      1- إذا استجبنا لدعوة الله لنا بالإيمان يكون جزاؤنا الأمن يوم الفزع الأكبر والأمن الدائم في جنات الخلد.

      2- قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن » . قيل : من يا رسول الله ؟ ، قال : « من لا يأمن جاره بوائقه » . صحيح البخاري

      3- الإيمان يكون بإظهار الخضوع والقبول بالشريعة ، ولما أتى به –صلى الله عليه وسلم- واعتقاده وتصديقه بالقلب.


      الفتاح
        ورد مفرداً مرة واحدة وبصيغة الجمع (الفاتحين)مرة واحدة.
      " قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم". (سبأ 26)

      المعنى : هو الذي يفتح لعباده أبواب الرحمة والرزق ويسهل عليهم ما كان صعباً ، وقد يكون هذا الفتح في أمور الدين والعلم أو في أمور الدنيا فيغني فقيراً وينصر مظلوماً ويزيل كربة ، وهذا الاسم يختص في الفصل والقضاء بين العباد بالقسط والعدل وتوجهت الرسل إلى الله الفتاح سبحانه أن يفتح بينهم وبين أقوامهم المعاندين.


      من الحياة :

      1- أن الفتح والنصر من الله سبحانه ، فهو يفتح على من يشاء ويخذل من يشاء فلا نطلب الفتح ولا النصر إلا منه.

      2- علينا الاجتهاد في العبادة والطاعة وندعو الله أن يفتح علينا أبواب رحمته ويلهمنا صائب الرشد وييسر لنا التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة .


      الوهاب
        ورد في القرآن (3) مرات.
      "قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب " (ص35) .

      المعنى : كثير العطاء والجود ، لا تنفد خزائنه ، ولا ينقص فضله ، يجود بالخير والنعمة والبركة على من يشاء من عباده ، فهو المنان المعطي بلا سبب ولا حدود ، وهبته خالية من العوض والغرض .


      من الحياة :

      1- لنرض بما وهبه لنا الله ، ونكون قانعين بما قسمه لنا .

      2- أن لا ينقطع رجاؤنا ودعاؤنا لله عز وجل ، وأن لا نجعل اليأس يدخل إلى قلوبنا .

      3- أن نشتاق دائما إلى الله وإلى لذة لقائه والنظر إلى وجهه الكريم ، لأن من حرم هذا الإحساس كان كالأجير السوء الذي لا يعمل إلا بأجرة طمع فيها .

       

      القهار
        ورد في القرآن (6) مرات . "سبحانه هو الواحد القهار " (الزمر 4) .

      المعنى : الذي يقهر خلقه بسلطانه وقدرته ، فكل ما سواه مغلوب على أمره مقهور بسلطانه وجبروته وكبريائه ، وهو أيضا الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة ، وقهر الخلق كلهم بالموت .


      من الحياة :

      1- عندما ندرك أن الله تعالى قهر عباده جميعا بالموت ، نعلم أن حياتنا منتهية فلنعمل من أجل الحياة لما بعد الموت .

      2- أن السبيل الأمثل لقهر سلطان الغضب والشهوة عن طريق الانشغال بالذكر والإكثار من أعمال البر والطاعات ، فمن قهر شهوات نفسه فقد قهر الشيطان .

      3- ولنعلم أن الواحد القهار إذا أسلمنا له فيما يريد كفانا ما نريد ، فلا بد للاستسلام له ولأوامره



      الغفار
        ورد في القرآن (5) مرات "رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار" (ص/66) .

      المعنى : كثير المغفرة لعباده ، يستر المعاصي التي يرتكبونها ويغفرها لهم كلما لحقتهم الندامة على فعلها ، فقد كتب سبحانه على نفسه أن يغفر للمستغفرين بعظيم مغفرته وكثير فضله وإحسانه .

      من الحياة :

      1- ألا يتسرب اليأس إلى أنفسنا أو نقنط إذا ما أخطأنا ، لأن مغفرته سبحانه أعظم من ذنوبنا . وأن نعلم أن من فضله سبحانه أنه يبدل سيئاتنا حسنات ، إذا تبنا توبة نصوحا .

      2- ألا نسرف في الخطايا والمعاصي بحجة أن الله غفور رحيم ، فالمغفرة فقط للتائبين الأوابين .

      3- لنصفي أكدار قلوبنا من الأمراض التي يعلمها وحده سبحانه فهو لا يخفى عليه خافية .

      4- أن نستر على الآخرين ، وألا نجاهر بالمعصية ، وأن نتخلق بخلق الحياء في السر والعلانية .


      المصور
        ورد في القرآن مرة واحدة.
      "هوالله الخالق البارىء المصور" (الحشر/ 24) .
      المعنى : هو المبدع للصور ، فهو الذي يصور كل واحد من الأشخاص بصورته الخاصة ، وهو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة وهيئات متباينة من الطول والقصر والحسن والقبيح والذكورة والأنوثة ، وهو الذي صورنا في الأرحام أطوارا .


      من الحياة :

      1- لنعلم أن التعامل مع الآخرين لا يعتمد على جمال الشكل والصورة فقط لأننا جميعا مخلوقات صورنا الله عز وجل بل يضاف إليها حسن الخلق واستقامة السلوك .

      2- ليس من الأخلاق الإسلامية الاستهزاء والسخرية بصور الآخرين ، فكلنا أخوة وكلنا نعمل لغاية عظيمة .

       


      البارئ
        ورد في القرآن (3) مرات "فتوبوا إلى بارئكم " (البقرة / 54) .

      المعنى : أي الذي خلق الخلق واستحدثهم من العدم المطلق ، وخلقهم صالحين ومناسبين للمهمة والغاية التي خلقوا من أجلها .


      من الحياة :

      1- لا يوجد مخلوق على وجه الأرض إلا خلقه الله مناسبا لمهمته وغايته ، حتى تلك المخلوقات التي تعتقد أنها تمثل شرا للإنسان خلقت مناسبة للوظيفة التي تقوم بها على وجه الأرض .

      2- أن أوظف حواسي ومواهبي وطاقتي للعبادة ولخدمة هذا الدين ، لأن الله رزقني كل هذا مناسبا للوظيفة التي أقوم بها .

       

      الخالق
        ورد في القرآن (11) مرة "فتبارك الله أحسن الخالقين " (المؤمنون /14)

      المعنى : الخلق يراد به الإيجاد والإبداع تارة والتقدير تارة أخرى . والخالق هو الفاطر وهو الموجد المبدع على غير مثال سبق ؟


      من الحياة :

      1- لندرك حقيقة ثابتة أننا لم نخلق عبثا وإنما لغاية وهدف ، لذلك علينا أن نستغل فترة حياتنا الدنيا بالطاعة والعبادة .

      2- لنتأمل خلق الله الصغير والكبير ، الطويل والقصير ، الإنسان والبهيم ، الدابة والطائر والحيوان . لندرك معنى الإبداع في الخلق ، فالتأمل عبادة العلماء .



      المتكبر
        ورد في القرآن مرة واحدة "العزيز الجبار المتكبر" (الحشر/ 23) .
      المعنى : الذي تكبر بربوبيته فلا شيء من صفات الخلق مثله ، وهو المتكبر سبحانه على كل سوء . وهو الذي له الكبرياء والسلطان والعظمة في السماوات والأرض .


      من الحياة :

      1- ما أجمل خشوعنا وخضوعنا لرب كبير متكبر ، فلا نكون من المتكبرين الذين يرفضون الانقياد لأوامره وعبادته لأن نهايتهم إلى الهلاك ، فالكبر كان من أسباب طرد إبليس من رحمة الله .

      2- لا نترفع ولا نتكبر عن طلب العلم والسؤال عنه والجلوس بين يدي العلماء ، ولكن لنتكبر ونترفع عن الشهوات والمعاصي .


      المصدر

      مع الله

       
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182635
    • إجمالي المشاركات
      2536460
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93297
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    Hend khaled
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

< إنّ من أجمل ما تُهدى إليه القلوب في زمن الفتن أن تُذكَّر بالله، وأن تُعادَ إلى أصلها الطاهر الذي خُلِقت لأجله. فالروح لا تستقيم بالغفلة، ولا تسعد بالبعد، ولا تُشفى إلا بالقرب من الله؛ قريبٌ يُجيب، ويعلم، ويرى، ويرحم

×