اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57484
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180557
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8256
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53012
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32200
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37417 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • أرسل الله عز وجل رسله، وأنزل كتبه، وفصل شرائع دينه؛ لتحقيق العدل الشامل فى كل مجالات الحياة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، وغيرها، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]، وقال عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ [النحل: 90].   ومن أجل تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الدولة المسلمة أعلن الإسلام الحرب على الربا، وتواترت النصوص في القرآن الكريم والسنة المطهرة التي تنص على تحريم الربا، واعتبر الإسلام الربا واحدًا من كبائر الذنوب المهلكات في الدنيا قبل الآخرة.   وامتثالًا لهذه النصوص المحكمات، والآيات البيِّنات، أجمعت الأمة على تحريم الربا، ولم يقل بحل الربا أحد قَطُّ من أمة الإسلام.   وفوائد البنوك واحدة من أوضح صور الربا التي حرمها الإسلام، وهذا موضوع أشبع حسمًا، وقتل بحثًا، وانتهت الأمة إلى الإجماع على تحريم فوائد البنوك، وصدرت عشرات الفتاوى بتحريمه من قِبَل المؤسسات العلمية، والمجامع الفقهية في كل أصقاع الدنيا.   وبالرغم من هذا الوضوح في تحريم الربا، تخرج علينا بين الفينة والأخرى أصوات ضعيفة علميًّا، مدعومة إعلاميًّا، تفتي بحل فوائد البنوك؛ لأنها معاملة حديثة لم يرد فيها نص، وأن الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يرد نص.   وسنزيد الصورة وضوحًا بذكر تعريف وتحديد العلماء لماهية الربا، وأنواعه، وماهية فوائد البنوك، ومن أي أنواع الربا هي: تعريف الربا: 1- قبل أكثر من ألف ومائة عام عرف الإمام الزجاج [ت: 311هـ] الربا في تفسيره[1] فقال: "الربا هو كل قرض يُوخَذ به أكثر منه، أو يَجر منفعة".   2– "الربا أن يدفع أحدهم للآخر مالًا لمدة ويأخذ كل شهر قدرًا معينًا، فإذا حل موعد الدين ولم يستطع المدين أن يدفع رأس المال أجَّل له مدة أخرى بالفائدة التي يأخذها منه، وهذا هو الربا الغالب في المصارف وغيرها ببلادنا، وقد حرمه الله تعالى على المسلمين وعلى غيرهم من الأمم الأخرى"[2].   أنواع الربا: الربا نوعان: ربا النسيئة، وهو ربا الجاهلية، والثاني ربا الفضل.   1- ربا النسيئة: قال الإمام النيسابوري في تعريفه: كانوا في الجاهلية يدفعون المال مدة على أن يأخذوا كل شهر قدرًا معينًا، ثم إذا حَلَّ الدَّيْن طالب المديون برأس المال، فإن تعَذَّر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل [3].   2– قال الجصاص[4] في تعريف ربا النسيئة: هو ما كان قرضًا مؤجلًا بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلًا من الأجل.   تعريف ربا الفضل: هو بيع الشيء بجنسه متفاضلًا يدًا بيدٍ، مثل أن يبيع جرامًا ذهبًا بجرامين من ذهب يدًا بيدٍ.   حكم الربا: حرام بالكتاب والسنة والإجماع. فمن الكتاب: وردت آيات كثيرة تدل على حرمة الربا، ومنها قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 275 - 279].   ومن السنة: أحاديث كثيرة، منها: 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اجْتَنِبُوا ‌السَّبْعَ ‌الْمُوبِقَاتِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)؛ متفق عليه.   2- عَنْ ‌جَابِرٍ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ ‌الرِّبَا، ‌وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَكَاتِبَهُ"؛ رواه مسلم والترمذي وأحمد.   وبعد أن اتضحت لنا ماهية الربا، وأنواع الربا، نرى أن فوائد البنوك تتطابق تمامًا مع ماهية الربا؛ بل تتفق من كل الوجوه مع أسوأ أنواع الربا وأشدها حرمة وهو ربا النسيئة (ربا الجاهلية)، ويزيد الصورة وضوحًا ما ذكره علماء الاقتصاد في تعريف فوائد البنوك.   فوائد البنوك: يرى علماء الاقتصاد أن الفائدة عبارة عن زيادة ثابتة ومشترطة ومحددة سلفًا بنسبة معينة من رأس المال، والمتفق عليه بين علماء الاقتصاد: أنها الأجرة أو الثمن الذي يدفعه المقترض مقابل استخدام النقود، أو المبلغ الذي يدفعه المدين إلى رأس المال وهي العائد لسنة واحدة، أو التعويض الذي يتقاضاه رب المال لقاء التأخير في الوفاء بالنقود [5].   فهذا هو تعريف فوائد البنوك لدى علماء الاقتصاد، وهو رصد وتصوير صحيح للواقع المشاهد والمحسوس في معاملات المصارف المالية المعاصرة، وهذا ما دفع علماء الإسلام للقول: بأن فوائد البنوك مطابقة تمامًا لماهية الربا المحرَّم، بل هي أسوأ من ربا الجاهلية، ولا يوجد أدنى فرق بين ماهية فوائد البنوك، وماهية الربا المحرم، والتي نص عليها العلماء منذ قديم الزمان، يقول الإمام الرازي [ت: 606هـ] في تفسيره [6]: "اعلم أن الربا قسمان: ربا النسيئة، وربا الفضل.   أما ربا النسيئة فهو الأمر الذي كان مشهورًا متعارفًا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرًا معينًا، ويكون رأس المال باقيًا، ثم إذا حلَّ الدين طالبوا المديون برأس المال، فإن تعذَّر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به".   فهذا هو تعريف الإمام الرازي للربا قبل أكثر من ثمانمائة عام، وهو ينطبق تمامًا على فوائد البنوك في المصارف المالية المعاصرة، وما يوجد من فروق فهي فروق شكلية بكل تأكيد لا قيمة لها ولا وزن في ميزان الشريعة الإسلامية؛ ولهذا صدرت عشرات الفتاوى بتحريم فوائد البنوك من المجامع الفقهية والمؤسسات العلمية، بإجماع كل أعضاء تلك المجامع، بل اعتبر الكثير من العلماء أن فوائد البنوك هي أشَدُّ حرمةً من ربا الجاهلية.   فوائد البنوك هي عين الربا: وتأسيسًا على ما سبق أجمع العماء على أن فوائد البنوك هي عين الربا، وأي محاولة للبحث عن فروق شكلية بينهما – أي فوائد البنوك والربا- للتوصُّل إلى تحليل ما حَرَّم الله، هي محاولة عبثية يضحك منها السفهاء فضلًا عن الحكماء، وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك في القديم والحديث.   يقول الإمام محمد أبو زهرة [7]: "لم يكن نظام الفائدة الذي هو الربا حرامًا في الإسلام وحده من بين الديانات السماوية، بل إن الديانتين السماويتين السابقتين على الإسلام قد صرح بالتحريم فيهما، فهو مُحرَّم في التوراة والإنجيل والقرآن، لا في القرآن وحده، ولا تزال بقية من هذا التحريم في التوراة التي بين أيدينا، وإن كانوا قد نسوا حظًّا مما ذكروا به، ففي سفر التثنية بالإصحاح الثالث والعشرين: لا تقرض أخاك الإسرائيلي ربًا، ربا فضة أو ربا طعام، أو ربا شيء مما يقرض بربا".   ويقول أيضًا [8]: "وربا القرآن الكريم هو الربا الذي تسير عليه المصارف ويتعامل به الناس، فهو حرام لا شكَّ فيه".   وقد يتوهم البعض أن لفظ "الفائدة" لم يعرفه علماء الإسلام قديمًا، وأنه ظهر بعد نشأة البنوك والمصارف الحديثة، وهذا وهم يكذبه الواقع، ويدحضه التاريخ، فقد عرف علماء الإسلام لفظ "الفائدة" من قديم الزمان، ونصوا على حرمته، جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية [9]: "وسئل رحمه الله عن رجل اضطر إلى قرض دراهم فلم يجد من يقرضه إلا رجل يأخذ الفائدة"   وفي فتاوى السبكي[10]: "أما المعاملة التي يعتمدونها في هذا الزمان، وصورتها أن يأتي شخص إلى ديوان الأيتام، فيطلب منهم مثلًا ألفًا، ويتفق معهم على فائدتها مائتين أو أكثر أو أقل".   فعبارات الفقهاء قديمًا وحديثًا تنص على أن فوائد البنوك هي الربا المحرم، وليس هذا اجتهادًا حديثًا توصَّل إليه الفقهاء بعد نشأة المصارف، ففي أول سطر من كتاب بحوث في الربا، نصَّ المصنِّف الإمام محمد أبو زهرة على أن الفائدة هي الربا المحرم في الإسلام واليهودية والمسيحية، ثم نقل بعد ذلك عن رجال الدين المسيحيين تأكيدهم على حرمة فوائد البنوك، وأن الربا انتشر في أوربا لعدة أسباب، من بينها أن علماء الاقتصاد كانوا يوهمون رجال الدين بأن الفائدة القليلة هي أجرة إدارة، أو نحو ذلك، مما يجري الآن للتمويه على علماء الدين المسلمين، وعلى العامة المتدينين[11].   فوائد البنوك أسوأ من ربا الجاهلية: الربا هو مبادلة مال بمال وزيادة، فإذا كانت الزيادة يدًا بيد؛ أي: فورية فهو ربا الفضل، وإن كانت الزيادة مؤجلة فهو ربا الجاهلية، وهو أشد أنواع الربا تحريمًا، ويسمى ربا القرآن؛ أي: الربا الذي نصَّ القرآن الكريم على تحريمه، وقد أجمعت الأمة على تحريم ربا الجاهلية، وأما فوائد البنوك فهي أسوأ وأقبح من ربا الجاهلية لعدة أسباب منها: 1– أهل الجاهلية كانوا يقرضون نقودًا فعلية سلعية، وهي الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية، أما البنوك فإنها إلى جانب إقراض ما لديها من ودائع تأخذ فوائد ربوية على ما خلقته من ائتمان أو نقود؛ أي: تأخذ فوائد على نقود وهمية، فالبنك يقرض بالربا ما ليس عنده، وما لا يملكه، بل ما لا وجود له في الواقع، ولا يخفى على الاقتصاديين علاقة خلق النقود بالتضخم وزيادة الأسعار، ويدركون خطر ذلك على الاقتصاد [12].   2– ربا الجاهلية كان يتم بالتراضي بين الطرفين، ويدل على ذلك قول الجصاص في أحكام القرآن[13]: والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة، على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به".   فكان ربا الجاهلية يتم بالتراضي بين الطرفين، أما الربا في معاملات البنوك فيتم فرضه فرضًا من قبل البنك دون رضا الطرف الآخر.   3– إذا اقترضت مليونًا بأي عملة من العملات، فأهل الجاهلية كانوا يدفعون المليون كاملة، أما في البنوك الحديثة فيخصم البنك من المليون 10%، أو 20% من البداية، ويعطيك تسعمائة ألف، أو ثمانمائة ألف، ثم يأخذها منك مليونًا، بفائدة 20% تزيد قليلًا أو تنقص قليلًا حسب سعر الفائدة المحدد من البنك المركزي، فلم يدفع البنك مليونًا، لكنه أخذها مليونًا مضافًا إليها الفوائد.   4– كانت الديون في الجاهلية استثمارية في الغالب، حيث كان يتم استثمارها في التجارة أو الزراعة أو تربية الأنعام، أما الآن فالديون أغلبها استهلاكية، والبنوك معظمها تجارية تقترض لتقرض فقط، ولا عمل لها في الاستثمار إلا نادرًا جدًّا.   فلهذه الأسباب وغيرها اعتبر الراسخون في العلم فوائد البنوك أشدَّ حرمة من ربا الجاهلية، وصدرت العشرات من فتاوى المجامع الفقهية بتحريم فوائد البنوك بالإجماع، ومن هذه الفتاوى على سبيل المثال لا الحصر: 1– المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف المنعقد بالقاهرة في المحرم 1385هـ مايو 1965، وحضره خمسة وثمانون فقيهًا من كبار علماء الأمة، وضم ممثلين لخمس وثلاثين دولة إسلامية، ونص في بنده الأول على أن (الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم).   2– المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي في مكة المكرمة، والمنعقد في 1396هـ= 1976م، وحضره أكثر من ثلاثمائة عالم من كبار علماء الفقه والاقتصاد في العالم الإسلامي، وأفتوا بالإجماع - دون أن يشذَّ منهم واحد - بحرمة فوائد البنوك، وأنها من الربا المحرم الذي لا شك في حرمته.   3- المؤتمر ‌الثاني ‌للمصارف ‌الإسلامية المنعقد في الكويت (1403هـ الموافق 1983م) والذي نصَّ على حرمة الفوائد البنكية.   4– قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المؤتمر الثاني بجدة في ربيع الثاني 1406هـ= ديسمبر 1985م حيث نص على أن: كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حَلَّ أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعًا.   5- قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة في مكة المكرمة في رجب 1406هـ= مارس 1986م حيث نص على كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعًا.   6- المؤتمر ‌الثالث ‌للمصارف ‌الإسلامية المنعقد في دبي (1406هـ الموافق 1986م) وفيه تم التأكيد على حرمة الفوائد البنكية.   وفتاوى المجامع الفقهية التي نصت على حرمة فوائد البنوك بالإجماع أكثر من أن تحصى، فقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي بالهند، واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية ودار الإفتاء المصرية وغيرها فتاوى يصعب حصرها كلها تنص على حرمة فوائد البنوك بالإجماع، وهذا ما يجعل هذا الأمر قطعيًّا لا مجال فيه للظَّنِّ، والله أعلم، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.   [1] تفسير الزجاج 4/ 187، الناشر: عالم الكتب – بيروت الطبعة: الأولى 1408 هـ - 1988 م. [2] الفقه على المذاهب الأربعة 2/ 222، عبدالرحمن الجزيري (ت 1360هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، 1424 هـ - 2003 م. [3] تفسير النيسابوري 2/ 60، تحقيق الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى - 1416 هـ. [4] أحكام القرآن للجصاص 2/ 186، لأحمد بن علي أبي بكر الرازي الجصاص الحنفي (ت 370هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، تاريخ الطبع: 1405 هـ. [5] تقويم التجربة المصرفية ص 66/ 67، دكتور عبدالحميد الغزالي، ودكتور عادل عيد، الناشر دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة، الطبعة الأولى 1434هـ 2013م. [6] مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير 7/ 72، لفخر الدين الرازي (ت 606هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 هـ. [7] بحوث في الربا ص 5، للإمام محمد أبو زهرة، الناشر دار الفكر العربي، القاهرة 1420هـ = 1999. [8] بحوث في الربا، ص 22. [9] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 29/ 430، الناشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، السعودية، 1416هـ = 1995م. [10] فتاوى السبكي 1/ 327، لعلي بن عبدالكافي السبكي، الناشر دار المعرفة، بيروت. [11] بحوث في الربا ص 10. [12] تقويم التجربة المصرفية 72 ،73. [13] أحكام القرآن للجصاص 2/ 184، الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت 1405هـ = 1985م، تحقيق محمد الصادق قمحاوي.   أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي   شبكة الالوكة
    • (ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ )٧-غافر   هؤلاء هم الملائكة الذين خلقهم الله لتسبيحه سبحانه، فلا عملَ لهم غير تسبيح الله وهم حملة العرش ومَنْ حوله. والتسبيح كما قلنا من المقاليد، ومعنى { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ .. } [غافر: 7] أي: يُنزهونه سبحانه عن مشابهة خَلْقه في الأسماء والأفعال والصفات.
      لذلك قلنا: إذا اشترك الحق سبحانه مع خَلْقه في شيء فلا بدَّ أنْ نأخذه في إطار { { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .. } [الشورى: 11].
      فلله فعل ولك فعل، لكن لا تَقِسْ فعلك بفعل ربك سبحانه، وهذه المسألة أوضحناها في شرح أول سورة الإسراء، فلما كان الحدث مُستغرباً بدأ الله تعالى السورة بالتسبيح { { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ .. } [الإسراء: 1] قالها بداية حتى لا نقيس فعل الله على فعل البشر ولا قدرة الله بقدرة البشر، فلله تعالى فعل ولك فعل، لكن فعل الله ليس كفعلك، فإياك أنْ تقول المسافة والزمن.
        وكلمة (سبحان الله) تعني تنزيه الله تعالى عن كل ما يشبه البشر، لذلك قالوا: كلُّ ما يخطر ببالك فالله خلاف ذلك، وهذا التنزيه ليس طارئاً بوجود مَنْ ينزه الله إنما هو أزليّ قبل أنْ يخلق الله مَنْ ينزهه، فهو سبحانه مُنزَّه في ذاته قبل أنْ يوجد مَنْ ينزهه.
        لذلك لما وُجدَتْ السماء والأرض قال: { { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ .. } [الحديد: 1] أي: سبَّحوا الله ساعة خُلِقوا فقالوا: سبحان الله الخالق العظيم، ولا يزالون يُسبِّحون، كما قال: { { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ .. } [الجمعة: 1] فالتسبيح موصول دائم، فإذا كان الكون كله سبَّح لله ولا يزال يُسبِّح، والكون مخلوق لك أيها الإنسان فأنت أَوْلَى بالتسبيح منه، لذلك قال: { { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1].
        وتسبيح الله تنزيه له سبحانه في أفعاله وفي صفاته، فحين تتأمل مثلاً مسألة الخلق تجد خَلْق الإنسان من طين، فهل يمكنك أنْ تأخذ قطعة من الطين فتُسويها على هيئة إنسان ثم تنفخ فيها أنت الروح؟ هذه العملية لا يقدر عليها إلا الخالق سبحانه.
        لذلك سيدنا عيسى عليه السلام لما أراد الله أنْ يجعل له آية ومعجزة في مسألة الخَلْق قال: { { أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ .. } [آل عمران: 49] فقال في نفخ الروح { { بِإِذْنِ ٱللَّهِ .. } [آل عمران: 49] لأنه بذاته لا يستطيع هذه العملية، إنما كوني أُصوِّر تمثالاً على هيئة إنسان أو طائر فهذه مسألة سهلة.
      إذن: كان عليك أيها الإنسان الذي كرَّمه الله، كان عليك أن تسبح، لأن الكون والجماد الذي خلقه الله لك سبَّح وما يزال.
        وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ .. } [غافر: 7] هم الملائكة حملة العرش. إذن: العرش محمول، وهؤلاء الملائكة حتى عددهم فيه إعجاز، فالحق سبحانه أخبر أنهم ثمانية { { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [الحاقة: 17].
      فلماذا لم يجعلهم أربعة فيكون كما تعوّدنا في أيِّ بناء له أربعة أركان، ولماذا لم يكونوا خمسة مثلاً. إذن: لابدَّ أن في هذا العدد بالذات حكمة وإعجازاً.
      وهذا الإعجاز العددي واضح أيضاً في قوله تعالى: { { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } [المدثر: 30] فلماذا تسعة عشر بالذات؟ لماذا لم يجعلهم عشرين مثلاً، هذا دليل على أن وراء هذا العدد حكمة، وقد أخبر الله تعالى أن هذا العدد فتنة { { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ .. } [المدثر: 31]. ( ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )، اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله: ( ثَمَانِيَةَ )، فقال بعضهم: عني به ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدّتهن إلا الله. )تفسير الطبري
        والإيمان يقتضي التصديق بما أخبر به الحق سبحانه وألاَّ تناقش مثل هذه المسائل، المهم قال أو لم يَقُل: حدث الشيء أو لم يحدث، لذلك سيدنا أبو بكر لما أخبروه أن صاحبك يدَّعي أنه رسول، ماذا قال؟ قال: ألا وقد قالها؟ قالوا: نعم، قال: فقد صدق ولم يبحث في المسألة، كذلك نحن في كل أمر يقف فيه العقل، ما دام قد جاءنا فيه خبرٌ من عند الله فعلينا أنْ نقبله ونؤمن به { { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } [النساء: 87].
      وكَوْن عقلك يستوعب هذا الخبر أو لا يستوعبه فهذا موضوع آخر، لأن هناك فرقاً بين الوجود وكيفية الوجود، فقد يوجد الشيء لكنك لا تعرف كيف وُجِد.
        تأمل في قصة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام حين قال: { { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .. } [البقرة: 260].
      تجد السطحيين في الفهم عن الله يتهمون القرآن في هذه المسألة بالتعارض، كيف؟ يقولون: معنى (بلى) يعني آمنت والإيمان يقتضي اطمئنان القلب إلى العقيدة، فلماذا يقول بعدها: { { وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .. } [البقرة: 260]؟
      ونقول له: أنت معذور، لأنك لم تفهم معنى السؤال، ولو فهمتَ معناه ما اتهمتَ القرآن، هل قال إبراهيم لربه: أتحيي الموتى أم قال { { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي .. } [البقرة: 260] فهو إذن لم يسأل عن إمكانية الفعل ولم يشُكّ في قدرة الله، ولكنه يسأل عن الكيفية { { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ .. } [البقرة: 260] إذن: فإحياء الموتى أمر سابق يسأل إبراهيم عن كيفيته، فلو قلت لك: كيف بنيتَ هذا البيت؟ فهذا يعني أن البيت قائم بالفعل.
      إذن: فقوله (بَلَى) يعني: آمنت يا رب أنك تحيي الموتى، وطلب الاطمئنان بعد ذلك للكيفية والسؤال عن الكيفية أمر ضروري في مسألة الخَلْق وكيفية الإيجاد لأنها عملية لا تتأتى كلاماً، لأن فِعْل الله تعالى ليس علاجاً كفعل البشر.
        فلو قلت لك: كيف بنيت هذا البيت؟ تقول: حفرتُ الأساس وأحضرتُ الحديد والأسمنت وفعلتُ كذا وكذا، فلان صمم، وفلان نفّذ، وفلان بنى، وفلان (غفق) .. إلخ فأعطيك كيفية الفعل بحيث تستطيع تطبيقها إنْ أردت ولا تجد فيها اختلافاً، لكن إنْ أردنا أنْ نُبين كيفية الإحياء، فكيف نبنيها؟
      إنها مسألة لا تتأتى بالكلام، ولا بدّ من إجراء العملية بالفعل، وتأمل أن الله تعالى أراد أن يُجريها إبراهيم بنفسه، وألاَّ تجرى له إنما يمارسها بنفسه. وفَرْقٌ بين أنْ تُعدِّى قدرتك لغيرك فتنفعل له، وأنْ تُعدِّى قدرتك لغيرك فتجعله يفعل بنفسه، فمثلاً قد تعجز عن حمل شيء فأحمله عنك وهذا أمر طبيعي، لكن العظمة في أن أجعلك تقدر أنت بنفسك عن حمله.
        وهذا ما فعله الحق سبحانه مع نبيه إبراهيم عليه السلام: { { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ .. } [البقرة: 260] أي: ضُمهن إليك واعرف أوصافهن { { ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا .. } [البقرة: 260] يعني: اذبحهن وفرِّقْ أجزاءهن على الجبال { { ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً .. } [البقرة: 260].
      إذن: هو الذي يذبح، وهو الذي يُقطِّع الأجزاء، وهو الذي يُفرِّقها، وهو الذي ينادي عليها بنفسه فتتجمع بقدرة الله ويأتينَ سَعْياً كما كُنَّ من قبل، فإذا كنت أقدرت ما لا يقدر على القدرة ألا أقدر أنا عليها؟
        والعرش هو سمة استتباب الملْك والسيطرة على الحكم والاستيلاء عليه، وليس من الضروري أنْ يقعد على العرش بالفعل، لذلك لما تكلم الهدهد عن ملكة سبأ قال: { { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [النمل: 23] لأن الملك لا يقعد على العرش إلا عندما تستقر له الأمور، وتدين له البلاد، فإنْ كانت هناك منطقة معترضة أو مشاغبة للملك تفرغ لها حتى تدين له، وعندها يستقر له الملْك.
        ولما تكلم الحق سبحانه عن استوائه على العرش قال سبحانه: { { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ * ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ * فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا .. } [فصلت: 9-12].
      إذن: فاستواؤه سبحانه على العرش جاء بعد أن انتهى من الخَلْق وتَمَّ له كل شيء من أمور الملك والسيطرة الكاملة.
        فقوله سبحانه: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ .. } [غافر: 7] هم الملائكة الثمانية حملة العرش. { وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ .. } [غافر: 7] وهؤلاء نوع آخر من الملائكة، وهم الكروبيون الذين لا عملَ لهم إلا تسبيح الله، وليس في بالهم هذا الكون كله، ولا يدرون عنه شيئاً، فقط { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ .. } [غافر: 7].
        لكن هؤلاء الكروبيين الذين يحيطون بالعرش ويُسبِّحون الله ولا عملَ لهم غير ذلك، هل يروْنَ الله سبحانه وهو على العرش؟ قال علماؤنا رحمهم الله: أنهم رغم منزلتهم هذه إلا أنهم لا يروْنَ الله تعالى، وأظهر هذه الأقوال قول الفخر الرازيرحمه الله ، فلما تكلم في هذه الآية { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ .. } [غافر: 7] استأنس برأي صاحب الكشاف الذي سبقه وقال: إن معنى { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ .. } [غافر: 7] أنهم لا يرونه سبحانه لأن المشهديات ليس فيها إيمان، الإيمان للغيبيات، فلو أنهم شهدوا الله وهو على العرش ما قال في حقهم { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ .. } [غافر: 7] ثم قال الفخر الرازي: ولو لم يكُنْ للإمام صاحب الكشاف إلا هذه لكفتْهُ طيلة حياته، هذا مع ما بين الإمامين من خلاف في الرأي.
      إذن: لا نفهم من مكانة هؤلاء الملائكة وقربهم من ذي الجلال سبحانه أنهم يروْنَه، لا بل هو سبحانه بالنسبة لهم غيب لا يرونه، يؤكد هذا قوله سبحانه { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ .. } [غافر: 7] فأنت الآن في هذا المجلس لا تقول مثلاً: آمنتُ بأن الشيخ الشعراوي جالس وحوله مُحبِّوه ويتكلم في كذا وكذا، لأن ما نحن فيه الآن مشهد لا دخْلَ للإيمان فيه، الإيمان لا يكون إلا بأمر غيبي وهذه ميزة الإيمان، لذلك كثيراً ما يتكرر قوله تعالى: { { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ .. } [البقرة: 3].
        وسبق أنْ ضربنا مثلاً قلنا: هَبْ أنني أخاف من اللصوص فأخذت مالي الذي أخاف عليه وذهبتُ إلى مكان بعيد في الحديقة مثلاً ووضعت المال وفوقه حجر ثقيل، ولما احتجتُ لهذا المال ناديتُ العامل: يا فلان ارفع هذا الحجر، فقال: لا أستطيع وحدي فهو ثقيل، فقلت له: تدري ماذا تحت هذا الحجر؟ تحته المال الذي سأعطيك منه راتبك، عندها يتقدم إلى الحجر ويرفعه، إذن: المهم ليس إطاعة الأمر الذي عُلِم منفعته، إنما إطاعة الأمر وهو غيب عنك.
        ومعنى { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ .. } [غافر: 7] أي: تسبيحاً مقروناً بالحمد، لأن التسبيح ثناءٌ على الله، أما الحمد فشكرٌ لله على نعمه التي سبقتْ، ومن أجلِّ النعم أنه سبحانه لا يشبهه شيء ولو وجد له شبيه لحدثَ تعارض في الكون: { { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ .. } [المؤمنون: 91] فهو وحده المعبود، وهو وحده المستحق للحمد.
      ثم بعد ذلك { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ .. } [غافر: 7] أي: أن هؤلاء الملائكة من ضمن مهمتهم أنهم يستغفرون للمؤمنين، كما حكى عنهم القرآن يقولون: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [غافر: 7].
      هذا من دعاء الملائكة للذين آمنوا، والدعاء عادة بـ (ربنا) محذوف الياء التي للنداء فلم يقُلْ: يا ربنا لأن النداء بالياء يدل على بُعْد المنادَى، أما الأبعد فيُنادى بأيا، والقريب يُنادى بالهمزة مثل: أمحمد.
      أما الحق سبحانه وتعالى فهو من القرب بحيث لا نستخدم في ندائه أيَّ حرف من حروف النداء، لأنه أقربُ لعبده من حبل الوريد، لذلك نناديه سبحانه مباشرة (ربنا)، ولك أنْ تستقرئ القرآن كله فلن تجد في ندائه سبحانه حرفاً من أحرف النداء.
      حتى الكفار لما نادوا الحق سبحانه قالوا: { { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ .. } [الأنفال: 32] ومعلوم أن الميم في آخر لفظ الجلالة هنا عِوَضٌ عن ياء النداء، فلم يقولوا: يا الله إنما قالوا: اللهم.
          التفاسير العظيمة
    • السؤال: جاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: يا رسول الله! فأجعل صلاتي كلها لك؟ قال: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك وجهوني في هذا الحديث؟ واشرحوه لي؟ جزاكم الله خيرًا، وهل يجوز أن نصلي على النبي ﷺ أثناء السجود؟        الجواب: هذا الحديث صحيح، ومعنى الصلاة هنا: الدعاء، فإذا جعل الإنسان وقتًا يصلي فيه على النبي ﷺ كثيرًا، فالله -جل وعلا- يأجره على ذلك، والحسنة بعشر أمثالها، إلى ما لا يحصى من الفضل، يقول النبي ﷺ: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك إذا أكثر من الصلاة -عليه عليه الصلاة والسلام- قال بعض أهل العلم: هذا السائل له وقت خصه للدعاء، فإذا صرف ذلك الوقت كله في الصلاة على النبي ﷺ؛ حصل له هذا الفضل: إذًا تكفى همك يعني: يكفيك الله همك  ويغفر ذنبك. فينبغي الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ، وإذا صلى على النبي ﷺ في السجود قبل الدعاء، أثنى على الله، وصلى على النبي ﷺ فهذا من أسباب الإجابة، كما أن الصلاة عليه في آخر التحيات، ثم الدعاء بعد ذلك من أسباب الإجابة. وهكذا في غير ذلك إذا حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي ﷺ ثم دعا كان هذا من أسباب الإجابة، لما ثبت عنه ﷺ أنه قال لما رأى رجلًا دعا، ولم يصل على النبي ﷺ، قال: عجل هذا ثم قال: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بما شاء فأرشد إلى أنه يحمد الله أولًا، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بما شاء، وهذا من أسباب الإجابة. فيشرع لك أيها الأخت في الله! أن تجتهدي في الصلاة على النبي ﷺ في الليل والنهار، وإذا صليت على النبي ﷺ في السجود؛ فلا بأس؛ لأن السجود محل دعاء، يقول النبي ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء ويقول ﷺ: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم يعني: فحري أن يستجاب لكم. فيشرع في ذلك الثناء على الله، والصلاة على النبي ﷺ ثم الدعاء. وهكذا في آخر الصلاة، يقرأ التحيات، ويتشهد الشهادتين، ثم يصلي على النبي ﷺ بالصلاة الإبراهيمية، ثم يتعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو بما شاء، فهو حري بالإجابة. وهكذا إذا دعا في غير ذلك في الضحى، أو في الظهر، أو في الليل، أو في أي وقت، إذا دعا يستحب له أن يبدأ دعاءه بحمد الله، والثناء على الله، ثم الصلاة على النبي ﷺ ثم الدعاء، نعم.   الامام ابن باز
    • ما أكثر الهموم في حياتنا! همَّ الرزق، وهمَّ المنصب، وهمَّ الجاه، وهمَّ الزوجة، وهمَّ الأولاد، وهمَّ الدراسة، وهمَّ المستقبل المجهول، وهمَّ السعادة المفقودة وهمَّ المرض وهمَّ العدو، وغير ذلك من الهموم وغيرها، فإذا كانت هذه هي الهموم التي تسيطر على حياتنا وسببت لنا التعاسة والشقاء وضنك العيش، فكيف نتعامل معها؟ وكيف نتجاوزها ونقلل من آثارها؟ وإذا كانت كل هذه الهموم دنيوية تدور حول الحياة فأين هَمُّ الآخرة؟ وأين نصيبه من هذا الكمِّ الهائل من الهموم؟ وهو الهمُّ الذي تزول به هموم الدنيا، وبه تحل السعادة والطمأنينة والرضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جعل الهموم همًّا واحدًا همَّ المعاد كفاه الله همَّ دنياه، ومن تشعَّبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك))؛ [ابن ماجه، ح 4106]. وفي رواية: ((من كان همُّه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيَّتُه الدنيا فرَّق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما كتب له))؛ [أحمد، ح 21080]. وفي رواية: ((من جعل الهموم همًّا واحدًا هَمَّ آخرته كفاه الله هَمَّ دنياه، ومن تشعَّبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك))؛ [ابن ماجه، ح257].   إن الإسلام دين واقعي، فعندما أمرنا بتذكُّر الآخرة وما فيها لم يغفل واقع الناس وحياتهم ومتطلباتهم وهمومهم في هذه الحياة، فالدنيا لا شك أنها مليئة بالهموم والمتاعب وقد أمرنا بالسعي فيها وتعميرها، وعندما ذَمَّها الإسلام إنما كان الذم تحذيرًا للإنسان أن ينشغل فيها عن الآخرة؛ فينسى طاعة ربه، وينسى رسالته في تعمير الأرض ودعوة الناس إلى دين الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة، وتقوية روابط المجتمع، وتقديم النفع، وكفِّ الأذى، وهذا ما فهمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجهم، فما تركوا الدنيا؛ بل عمَّروها، وأسسوا دولة وبنوا حضارةً عظيمةً، وقدَّموا خدماتهم للبشرية في شتى مجالات الحياة، ومع ذلك لم تكن الدنيا أكبرَ همِّهم بل كانت الآخرة؛ هذا عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل الذي كان ملكه يمتدُّ في ثلاث قارات، من الصين شرقًا إلى حدود فرنسا غربًا، ومع ذلك كان على وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء والتفكُّر في الآخرة، لما حضرته الوفاة قال لبنيه وكان مسلمة بن عبدالملك حاضرًا: يا بني، إني قد تركت لكم خيرًا كثيرًا، لا تمرُّون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقًّا، يا بني، إني قد خيرت بين أمرين؛ إما أن تستغنوا وأدخل النار، أو تفتقروا وأدخل الجنة، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إليَّ، قوموا عصمكم الله... قوموا رزقكم الله... قوموا عني، قال مسلمة: فقمنا وتركناه، وتنحينا عنه، وسمعناه يُردِّد قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]، فدخلنا عليه فإذا هو قد مات... واليوم لا يمتلك أحدنا مبلغًا من المال أو قطعة أرض أو يعين في منصب أو وظيفة أو يكثر أتباعه وأولاده أو يرى في نفسه صحة وعافية، فإذا به يتكبَّر ويتجبَّر وينسى آخرته؛ فيظلم ويعتدي ويعصي ربَّه ليلًا ونهارًا!   لقد كان هَمُّ الآخرة في حياة الصالحين أعظمَ من كل شيء؛ بل ربما تسابقوا وتنافسوا عليه... هذا سعد بن خزيمة بن الحارث رضي الله تعالى عنه لما أراد أن يخرج إلى غزوة بدر جاءه والده خزيمة بن الحارث قال: يا سعد، ألست بوالدك، قال: نعم، قال: اجلس مع أخواتك في البيت وأخرج أنا، قال: يا أبي، لو كان غير الجنة آثرتك، إن الأنصار يعلمون أنه ما من أهل بيت في المدينة أبر فيها ولد في والده مني، فاستهما.. فوقعت القرعة على سعد ليخرج ويقتل فيها شهيدًا رضي الله تعالى عنه... وبعد عام ينطلق في أجواء المدينة صوت منادي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يدعو المؤمنين للنفرة إلى أُحُد فيسارع خيثمة يلبي النداء، فيتلَقَّاه الرسول القائد ببسمة مشفقة، ولكأن خيثمة يدرك ما في نفس رسوله القائد من إشفاق على شيخوخته وضعفه فيقول: يا رسول الله، والله لقد كنت حريصًا أن أنفر معك إلى بَدْر؛ لكن ولدي سعدًا فاز فيها من دوني فرزقه الله الشهادة والجنة، ولقد رأيته البارحة في نومي وهو على أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ويلح عليَّ يقول: يا أبتاه، الحَقْ بنا ترافقنا في الجنة، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا، وإني يا رسول الله، قد أصبحت مشتاقًا إلى مرافقة سعد في الجنة، وقد كبرت سِنِّي، ورقَّ عظمي، وأحببت لقاء ربي، فخَلِّ بيني وبين أُحُد، وادْعُ الله لي أن يرزقني الله الشهادة فأدخل الجنة وألحق بولدي سعد... ويرق قلب الرسول القائد لخيثمة فيدعو له بما أراد، وحين احتدمت المعركة كان خيثمة بن الحارث يصول ويجول يثخن بالكافرين الجراح ويثخنون به الجراح حتى تغلبه الجراح فيخر شهيدًا في سبيل الله، ويلحق بإذن الله بولده سعد في الجنة، يسرح في ثمارها وأنهارها، رضي الله عنهم أجمعين.   أيها المؤمنون، إن الدنيا ليست بدار مقام والناس يرحلون كل يوم إلى الآخرة، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل"؛ [رواه البخاري في باب: الأمل وطوله]... ومن أراد أن يعرف الهمَّ الأكبر الذي يشغله فلينظر في أحواله: ما الذي يفكر فيه قبل نومه أو في صلاته؟ ما الذي يفرحه ويحزنه؟ وما الذي يغضبه؟ما هي أمنياته؟ وبماذا يدعو الله في سجوده؟ ما الذي يهمه في تجارته: الربح بأي طريقة ووسيلة أم الربح الحلال؟ هل يحرص على تعليم أولاده قيم الدين وأخلاقه أم أن ذلك لا يدخل في حساباته ولا في اهتماماته؟ وهل يشعر بأن الوظيفة أو المنصب الذي تولَّاه أمانة يجب أن يؤديها كاملة أو أنه يشعر بأن ذلك يعتبر مغنمًا لا يؤدي حقَّه؟ هل يندم ويتأثر إذا فاتته طاعة؟ وهل يستفيد من مواسم الطاعات والنفحات ويستبشر بها؛ كرمضان وذي الحجة وعرفة ومحرم ويوم الجمعة؟ هل يتحرَّى الحلال في طعامه وشرابه؟ هل قلبه معلق بالمساجد والصلوات وقراءة القرآن؟ وهل يبرُّ والديه، ويصِل رحمه، ويحسن إلى جاره؟ وهل يحب للمسلمين ما يحب لنفسه؟ وغير ذلك من الأمور.   إن التبصُّر في ذلك كله يدلك على الهمِّ الأول أو الأكبر في حياتك، فتعرف حينذاك أنك ممن أهمته دنياه أو آخرته قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57- 61]، دخل عمر الفاروق رضي الله على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير قد أثَّر في جنبه الشريف، فبكى عمر وقال: يا رسول الله، كسرى وقيصر وهم على كفر ينامون على الحرير والديباج وأحلى الفُرُش وأنت رسول الله وحبيب الله وأول من تفتح لك الجنة وتنام على الحصير! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفي شك أنت يا بن الخطاب؟))، قال: لا يا رسول الله، قال: ((أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة))؛ إسناده صحيح.   لقد عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب هَم الدنيا ممن يبغضهم الله تعالى ووصفهم بأوصاف ينبغي لكل مسلم أن ينأى بنفسه عنها، روى البيهقي وصححه الألباني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله يبغض كل جعظري جوَّاظ صخَّاب بالأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بالدنيا، جاهل بالآخرة))، عالم بالسياسة والاقتصاد والإعلام والرياضة والفن والقبائل وأنسابها بل والجيوش وأسلحتها والموضة ووسائل التواصل الاجتماعي وربما يعلم بعدد سكان الأرض وأين يتوزعون، إلى جانب أنه يحلل الأمور ويدرس التوقعات، عالم بدنياه جاهل بآخرته. (والجعظري: هو الفظ الغليظ المتكبر، والجوَّاظ: الجموع المنوع البخيل الشحيح)... قال تعالى: ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [البقرة: 200 - 202].   أيها المسلمون، أين صاحب همِّ الدنيا من ذلك؟! "الصحابي صهيب الرومي لما لحقت به قريش، قالوا: جئت صعلوكًا فقيرًا فآويناك وأغنيناك، أو بعد ما قويت واغتنيت تهاجر بمالك؟ والله لا ندعك، فقال: وإن تركت لكم المال؟ قالوا: نُخلِّي عنك، فوصف مكان ماله لهم وفَرَّ مهاجرًا إلى الله"، وما يغني قليل وحفنة ومتاع من الدنيا أمام الهجرة إلى الله ورسوله! فلما وقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((ربح البيع أبا يحيى))، وأنزل الله فيه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.   عباد الله، ألا فلنحرص على أن يكون هَمَّ الآخرة هو الهم الأكبر في حياتنا، فنعمق صلتنا بالله، ونتمسك بأحكام الدين، ونضبط سلوكياتنا وأخلاقنا بالشرع، ونقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر حياتنا، أما هموم الدنيا فقد دلَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وسائل وطرق إذا قام بها المسلم بثقة ويقين بالله فإن الله يذهبها عنه، من ذلك ما روى أبو سعيد الخُدْري، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: ((يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة))، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: ((أفلا أُعلِّمُك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل هَمَّك وقضى عنك دينك))، قال: قلت: بلى، يا رسول الله، قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجُبْن والبخل، وأعوذ بك من غَلَبة الدَّيْن وقَهْر الرجال))، قال: ففعلت ذلك؛ فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني؛ [أبو داود، ح 1555]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أصاب أحدًا قطُّ هَمٌّ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أَمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكْمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سمَّيْت به نفسك، أو عَلَّمْته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذَهاب همِّي، إلَّا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجًا))، قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلَّمَها))؛ [أحمد، ح 3704].   وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هَمٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب))؛ [أبو داود ح 1518، ابن ماجه ح 3819، أحمد ح 2234].   عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم - سبع مرات - كفاه الله ما أهمَّه صادقًا كان بها أو كاذبًا))؛ [أبو داود، ح 5081].   ومن ذلك الصلاة وإقامتها والمحافظة عليها، عن حذيفة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبه أمرٌ صَلَّى"؛ [أبو داود، ح 1319]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بِلالُ، أقم الصلاة أرِحْنا بها))؛ [أبو داود، ح 4985].   عبـــاد الله، ومن ذلك كثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أُبَيِّ بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: ((يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أُبَيّ: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ((ما شئت))، قال: قلت: الربع؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك))، قلت: النصف؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك))، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك))، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: ((إذًا تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك))؛ [رواه الترمذي، ح 2457، وقال: هذا حديث حسن].   اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ونسألك ألَّا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علمنـا، يا حـي يا قيوم، يا أرحم الراحمين، هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا ورُدَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا.   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.   ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغارًا.   رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.   عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90] فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].   شبكة الالوكة  
    • تفسير الشنقيطي قوله تعالى: {غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ}.

      جمع جل وعلا في هذه الآية الكريمة، بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، لأن مطامع العقلاء محصورة في أمرين، هما جلب النفع ودفع الضر، وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى:
      {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ}
      [الحجر: 49ـ50] وقوله تعالى:
      {قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}
      [الأعراف: 156] الآية.
      وقوله تعالى في آخر الأنعام:
      {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}
      [الأنعام: 165].
      وقوله في الأعراف:
      {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}
      [الأعراف: 167] والآيات بمثل ذلك كثيرة معروفة. ///////// تفسير الشعراوي (غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ )٣-غافر يريد الحق سبحانه ألاَّ ينفصل خَلْقه عنه مهما كثرتْ ذنوبهم وغلبتهم شهواتهم، يريد سبحانه أنْ يعطفهم إليه ويجمعهم في ساحته، لذلك فتح لهم باب التوبة والمغفرة وبسط لهم يَدَ العفو والتسامح، ثم لوَّح لهم بعصا العقاب حتى لا يغتروا، وهذا المنهج يعود نفعه على الكون كله وعلى الفرد خاصة؛ لأن صاحب الذنب لو علم ذنبه لن يُغفر لتمادى فيه وأكثر وعربد في الكون وأفسد، وساعتها سيشقى به المجتمع، وخاصة أهل الإيمان.
        لذلك كانت هذه الآية من أرْجَى الآيات في القرآن الكريم كما قال سبحانه في أواخر سورة الزمر: { { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزمر: 53].
        وقلنا: إن هذه الآية وأمثالها لا تتعارض وقوله تعالى: { { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ .. } [النساء: 48] لأن الكفر ليس ذنباً، لأن الذنب أنْ تخالف أمراً مأموراً به أو منهياً عنه من المشرِّع الأعلى سبحانه، أما الشرك بالله فهو خروج عن الإيمان أصلاً فلا يُقال له مذنب.
      والحق سبحانه كثيراً ما يذكر عباده بمغفرته وقبوله للتوبة حتى لا ييأس أحدٌ من رحمته تعالى، فقوله تعالى: { { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ .. } [الزمر: 53] لم يقلها الحق سبحانه إلا وهناك مَنْ أسرف على نفسه ويَئِس من رحمة ربه، لأنه بالغ في الذنوب حتى ظن أنها لن تُغفر.
        من هؤلاء وحشيّ قاتل سيدنا حمزة، لأنه بعد أن قتله أحسَّ بذنبه وعِظَم جُرْمه، وأيقن أنه هالك لن يغفر الله له، لذلك البعض يقول إنه ذهب لرسول الله يسأله في هذه المسألة وكذا وكذا، لكن الواقع أنه كان في مكة والآية نزلت في المدينة لكن نُقلت إليه فلما سمعها آمن وأسلم.
        ويُروى أن وحشياً قابل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: ما كنتُ أود أنْ أراك لولا أنك جئت مستجيراً وربي يقول: { { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ .. } [التوبة: 6].
      فقال: وأنا مستجير بك حتى أسمع كلام الله، فقرأ عليه رسول الله: { { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزمر: 53].
      فقال: لكن الله يقول: { { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً .. } [الفرقان: 70] وأنا لا أضمن أني أعمل عملاً صالحاً، فقرأ عليه رسول الله هذه الآية: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ .. } [غافر: 3].
        ومن هؤلاء الذين أصابهم اليأس من رحمة الله عياش بن أبي ربيعة، فيُروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه لما أراد أن يهاجر اتفق مع عياش وهشام بن العاص بن وائل السهمي على أن يهاجروا معاً وأن يجتمعوا عند بئر غفار، فإذا حُبِس واحد منهم انتظروه، فلما جاء الموعد لم يأتِ عياش حيث حبسه أهله عن الهجرة ثم فتنوه ففُتن ولم يهاجر مع صاحبيه، فحصل له يأس من رحمة الله.
      فلما نزلت هذه الآية: { { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } [الزمر: 53] تذكر عمر صاحبه عياشاً الذي فُتن وتذكر أنه التقى معه على الإيمان في يوم ما، وأنه كان ينوي الهجرة إلا أن أهله فتنوه فرقَّ له قلبه وبعث إليه بهذه الآية ليطمئن ويعود إلى الإيمان.
        قوله تعالى: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } [غافر: 3] أي: الذي سلف { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } [غافر: 3] أي: عن المعصية التي استقبلها { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } [غافر: 3] لحكمة يقرن الحق سبحانه بين المغفرة والعقاب حتى لا يتواكل الناس وحتى لا يغتروا برحمة الله، فالدين يقوم على الخوف والرجاء، وهما كالجناحين للطائر لابدَّ منهما معاً { ذِي ٱلطَّوْلِ } [غافر: 3] كما تقول يعني (إيده طايلة) يفعل ما يشاء، فالله ذو الطوْل أي صاحب الفضل والإنعام يعطي ويتفضَّل بما يشاء على مَنْ يشاء إلا يردّ عطاءه أحدٌ، لذلك ورد في الدعاء: "لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت".
        فإذا قال الحق سبحانه: { { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [غافر: 2] فهمنا من كلمة تنزيل عُلو المنزل والواسطة المنزل إليه والمنزل إليهم ليكون منهجاً لحركة حياتهم، وهذا العلو إنما نشأ لأن المنزل كتابٌ من الله واجب الوجود الذي له الكمال المطلق في قولنا لا إله إلا الله والله أكبر من كل شيء التي فسرناها في قوله تعالى { { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الزمر: 63].
      فلا إله إلا الله مقلاد، والله أكبر مقلاد، وسبحان الله مقلاد، وبحمده مقلاد، ونستغفر الله مقلاد، ولا حول ولا قوة إلا بالله مقلاد، وهو الأول مقلاد، وهو الآخر مقلاد، وهو الظاهر مقلاد، وهو الباطن مقلاد، بيده الخير مقلاد، وهو على كل شيء قدير مقلاد. ولن تجد شيئاً في كَوْن الله يخرج عن هذه المقاليد أبداً، وكل شيء فيها إنما هو بيد الله، كما قال سبحانه: { { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأنعام: 59].
        وبعد ذلك تكلم الحق سبحانه، فقال { { ٱلْعَزِيزِ } [غافر: 2] أي: عن خَلْقه. والعزيز هو الذي يغلب ولا يُغلب، وهذه إشارة إلى أنه إذا أنزل اللهُ كتاباً على رسول فلن يوجد مَنْ يقف أمام هذا الكتاب لأنه غالبٌ لا يُغلب، وقوله { ٱلْعَلِيمِ } [غافر: 2] أي: يضع الأشياء في أماكنها بما يعلم أنها تؤدي مهمتها بصلاحها.
        وبعد ذلك طمأن خَلْقه الذين أسرفوا على أنفسهم في بعض الأشياء، فذكر التخلية في { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } [غافر: 3] ولكنه سبحانه مع غفرانه للذنب وقبوله للتوب { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [غافر: 3] فجمع في هذه الآية صفات جلاله كلها وصفات جماله كلها.
      ونفهم من (لا إله إلا هو) أنه لا استدراك لأحد على شيء من قوله { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [غافر: 3] فلا مرجع ولا مردَّ إلا إليه.   التفاسير العظيمة
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182198
    • إجمالي المشاركات
      2535474
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93208
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×