اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57232
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180507
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8234
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32130
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4160
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52990
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97008
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31793
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15478
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  9. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41314
      مشاركات
    2. 33909
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (36925 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • (ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ ) فاطر٣٢   الكتاب هو القرآن، إذن: هذا الميراث كان بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل على أن المرحلة التي بعد رسول الله مرحلة ميراث للكتاب وللمنهج؛ يرثه العلماء عن رسول الله؛ لذلك جاء في الحديث: "إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" .
      فالنبي صلى الله عليه وسلم كان هو المبلِّغ والمعلِّم حال حياته، أما بعد وفاته فقد وَكَل الله هذه المهمة إلى العلماء. ومعنى { أَوْرَثْنَا } [فاطر: 32] يعني: طلبنا منهم أنْ يفعلوا فيه فَعْل الوارث في المال؛ لأن الوارث للمال يُوجِّهه وجهةَ النفع العام، وهذه هي وِجْهة الرسالة أيضاً.
        لذلك قال تعالى: { { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: 143] فنحن ورثة محمد، ومَنْ علم مِنَّا حكماً فعليه أنْ يبلغه. فالرسول شهيد على مَنْ بلَّغهم، كذلك أمته سيكونون شهداء على الناس الذين يُبلِّغونهم.
        ومعنى { ٱصْطَفَيْنَا } [فاطر: 32] أي: اخترنا وفضَّلنا على سائر الأمة   ثم يُقسِّم الحق سبحانه هؤلاء إلى ثلاثة أصناف: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } [فاطر: 32] ظلمها بالتقصير في حَقِّ هذا الكتاب الذي ورثه، فلم يعمل به كما ينبغي أنْ يعمل، بل قد يرتكب كبيرة والعياذ بالله.
      وهذا الصنف ظلم نفسه؛ لأنه حرمها الثواب؛ فكُلُّ تكليف يطلب منك العمل اليسير ويعطيك عليه الجزاء الوفير، فحين تُقصِّر في اليسير من العمل فإنك لا شكَّ ظالمٌ لنفسك.
      { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [فاطر: 32] يعني: يعمل به في بعض الأوقات، فيخلط عملاً صالحاً بآخر سيء.
      { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } [فاطر: 32].
      اللهم اجعلنا منهم إنْ شاء الله،   وكلمة (سابق) تدل على أن هناك سباقاً ومنافسة: أيّ المتسابقين يصل أولاً إلى الغاية الموضوعة للسباق، وأهل هذا الصنف يتسابقون في الخيرات.
        وقوله تعالى: { ٱصْطَفَيْنَا } [فاطر: 32] دلتْ على أن كلمة التوحيد لها ثمن، والإيمان برسول الله له ثمن، والعمل بما جاء به رسول الله له ثمن، وإنْ كان من بين هؤلاء المصطفين مَنْ يظلم نفسه بالتقصير بل وارتكاب المعاصي، وهو مع هذا كله من المصطفين؛ لأنه قال لا إله إلا الله، والحق سبحانه لا يُسوِّي بين مَنْ قال هذه الكلمة ومَنْ جحدها "لا إله إلا الله حِصْني، مَنْ قالها دخل حصني".
      لذلك ذكر الحق سبحانه لهؤلاء المؤمنين الذين وَرِثوا الكتاب وصفين: { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } [فاطر: 32] فوصفهم بالاصطفاء، والعبودية له سبحانه.
      إذن: نزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم وورثتْ أمته الكتاب من بعده، فهي امتداد لرسالته؛ لذلك أَمِن الله على هذه الأمة على أنْ تحمل منهج الله إلى الناس كافة إلى أن تقوم الساعة، في حين لم يأْمَن غيرنا.
        وقد تكفل الحق سبحانه بحفظ هذا الكتاب، ولم يكِلْ حفظه إلى أحد كما حدث في الكتب السابقة على القرآن، كما قال سبحانه: { { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ .. } [المائدة: 44].
      ومعنى { ٱسْتُحْفِظُواْ } [المائدة: 44] طُلِب منهم أنْ يحفظوه، لكنهم قصَّروا فَنَسُوا بعض الآيات، وحرَّفوا بعضها، وكتَموا بعضها، بل ومنهم مَنْ كان يأتي بكلام من عنده ويقول هو من عند الله، ولأن القرآن هو الكتاب الخاتم حفظه الله بنفسه، ولم يأْمَن أحداً على حفظه.
      فإنْ قُلْتَ: كيف يكون الظالمُ نفسَه من المصطفين، وهو مرتكب للذنوب وربما للكبائر؟ نقول: بمجرد أن يقول العبد أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهو مُصْطفىً، اصطفاه الله على الكفار بهذه الكلمة، وإنْ حدثت منه المعصية بعد ذلك.
       
      والمقتصد: هو الذي تساوتْ حسناته وسيئاته، وخلط عملاً صالحاً بآخر سيء، وفي موضع آخر يقول تعالى فى حق هذا الصنف: { { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 102].
      يقول النحاة: إن عسى تدل على الرجاء، وأغلب الرجاء التوقّع واحتمال الحديث، على خلاف (ليت) التي وُضعت للتمني، والتمني يكون لشيء بعيد أو مستحيل الحدوث، فهي لمجرد إظهار المحبوبية للشيء المتمنَّى فقط، ولا تدل على رجاء.
      ومن ذلك قول الشاعر: ألاَ لَيْتَ الشبابَ يَعُود يَوْماً فَأخْبِرُ بِمَا فَعَلَ المشِيبُ وسبق أنْ قُلنا: إن عسى وإنْ دَلَّتْ على رجاء حدوث الفعل، إلا أنها درجات بعضها أوثق من بعض ومراتب، فمثلاً إنْ كان الرجاء في بشر مثلك كأن تقول: عسى فلان أنْ يعطيني. فهذا رجاء على درجة معينة من احتمال التحقق، فإنْ قُلْتَ عسى أن أعطيك بصيغة المتكلم، فهي أقوى من الأولى وأوثق، فإنْ قُلْتَ: عسى الله أنْ يعطيك فهي أوثق؛ لأنه رجاء في الله، فإنَّ قوله سبحانه: { { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 102] فعسى هنا للرجاء المحقق، إذن: هذه من أرجى الآيات التي ينتظرها المقتصد المقصِّر في حَقِّ ربه.
        أما السابق بالخيرات، فهو الذي يعمل بالأمر ويُتمه ويأتي به على أكمل أوجه، ومن ذلك قوله تعالى: { { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } [المطففين: 26].
      وتأمل مثلاً قوله تعالى في سيدنا إبراهيم عليه السلام: { { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124].
      يعني: أتمَّ ما أمر به أولاً بالقدرة العادية، ثم بالحيلة والقدرة العقلية، فلما أمره الله مثلاً بأنْ يرفع القواعد من البيت: { { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ } [البقرة: 127] ماذا طلب منه؟ وماذا فعل هو؟
      طلب منه أنْ يرفع قواعد البيت، وكان يكفي في طاعة هذا الأمر أنْ يبني القواعد على قدر ما تطوله يده من الارتفاع، لكنه زاد على ذلك واستخدم الحيلة العقلية، فبعد أنْ وفَّى الأمر وأدَّاه أراد أنْ يزيد شيئاً من عنده، وأن يحسن العمل فوق ما طُلِبَ منه، فكان يأتي بالحجر الضخم ويضعه كـ (السقالة)، ويقف عليه ليرفع البناء بقدر ارتفاع الحجر، وولده إسماعيل يناوله.
      كذلك لما ابْتُلي في شبابه بالإحراق صبر ووثق بالله، فلما جاءه جبريل عليه السلام يعرض عليه المساعدة، وهو الواسطة بينه وبين ربه أبَى وقال: أما إليك فلا، يعني: أنت وَصَلْتني بالله فلم يَعُد بيني وبين ربي واسطة.
      وهذه مسألة عجيبة، ودرجة من الإيمان عالية، وثقة بالله لا يتطرق إليها شك ولا ارتياب؛ لذلك أنقذه الله وخرق له العادة، وأبطل من أجله قانون النار والإحراق، فقال سبحانه للنار { { يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69].
      وتأمل هذا الاحتياط من رب الأمر { { كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً } [الأنبياء: 69] لذلك قال العلماء: لو أن الأمر كان للنار كُوني برداً (وفقط) لتحولتْ عليه برداً قاتلاً ربما أشد من النار.
        ثم إن هذا الابتلاء وقع لإبراهيم عليه السلام في نفسه وهو صغير والإنسان قبل أنْ يكون له ولد يكون كل حظه في نفسه، فإنْ رُزق الولد انتقل حظّه إلى ولده فيحبه أكثر من حُبه لنفسه، ويتمنى أن يُعوِّض في ولده ما لم يستطعه في نفسه، لذلك يقولون: إن الإنسان لا يحب أن يكون أحدٌ أفضل منه إلا ولده، إذن: عصبية الإنسان في حبه لولده أكثر من عصبيته لنفسه.
      وسيدنا إبراهيم - عليه السلام - بعد أن نجح في الابتلاء في النفس ابتلاه الله في الولد، وتعلمون أن سيدنا إبراهيم رزقه الله بالولد على كِبَر وبعد يأس من الإنجاب، فجاء إسماعيل على شوق من إبراهيم حتى إذا شَبَّ الولد وبلغ مبلغ السعي مع أبيه يأتيه الأمر من السماء أنْ يذبحه، وجاء هذا الأمر في صورة رؤيا، والرؤيا تحتمل التأويل، لكن إبراهيم عليه السلام لم يؤولها، وأخذها على الحقيقة. وهذا الابتلاء في الحقيقة ينطوي على ابتلاءات أربع: الأول: أن يذبح الولد الذي جاءه على كِبَر وبعد طول انتظار. الثاني: ألاّ يذبحه شخص آخر فيكون غريماً لإبراهيم عليه السلام. الثالث: أنْ يذبحه هو بيده, الرابع: أنْ يشرك ولده معه في الابتلاء وألاَّ يأخذه على غِرَّة.
        ذلك أن إبراهيم عليه السلام لما هَمَّ بتنفيذ ما أُمِرَ به لم يُرِدْ أنْ يأخذ ولده غِرَّة لِعدْة أمور: أولاً: حتى لا يُتَّهم بالقسوة والغلظة. ثانياً: لكي لا تتغير خواطر الولد نحو والده فيتهمه بما لا يليق. ثالثاً: ليشركه ولده معه في الابتلاء وفي الثواب، وفي الرضا بقضاء الله؛ لذلك قال له: { { يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } [الصافات: 102].
      فكأنه يأخذ رأيه في الموضوع: { { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ .. } [الصافات: 102] ولم يقل مثلاً: افعل ما تريد، فالأمر انصياع وخضوع لأمر الله: { { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [الصافات: 102].
      وهكذا اشترك الاثنان في الرضا، وفي الصبر، وفي الجزاء وخطفَ إسماعيلُ الفوز في الابتلاء في آخر الشوط؛ لذلك قال تعالى: { { فَلَمَّا أَسْلَمَا } [الصافات: 103] الولد وأبوه { { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } [الصافات: 103] يعني: هَمَّ بذبحه، أو كاد يفعل { { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [الصافات: 104-107].
        وحين تتأمل هذه القصة تجد أن الحق سبحانه قابلَ هذه الابتلاءات الأربعة، بعطاءات أربعة: أنقذ إسماعيل من الذبح، وفداه بذبح عظيم، ثم بشَّر إبراهيم بإسحاق. ومن وراء إسحاق يعقوب، ثم جعلهم جميعاً من الأنبياء فضلاً من الله.
      { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } [فاطر: 32] نعم، الحق سبحانه يعاملنا بالفضل الكبير، ويعطينا مُثُلاً ليحبِّبنا في الدين، فالحسنة عنده بعشر أمثالها، أو يزيدها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بمثلها.
      ومَنْ غلبت حسناته سيئاته يُرْجَى له الجنة، ومَنْ غلبت سيئاته حسناته فهو مُرْجأ لأمر الله، إنْ شاء عذبه بعدله ومآله إلى الجنة، وإنْ شاء غفر له بفضله، فإنْ بادر بالتوبة النصوح وأخلص بدَّل الله سيئاته حسنات.
      حتى أن بعض الظرفاء يقول: ليتني كنت من أهل الكبائر. وجاء في دعاء العارفين: اللهم عاملنا بالفضل لا بالعدل، وعاملنا بالإحسان لا بالميزان، وعاملنا بالجبر لا بالحساب.
      يعاملنا ربنا بالفضل بدليل أنه أدخل الظالم لنفسه، وأدخل المقتصد في ساحة المصطفين من عباده.   التفاسير العظيمة
    • من شؤم الذنوب: أنها يدعو بعضها بعضًا. الذنب الأول: قلة الحياء من الملائكة. الذنب الثاني: الاستمتاع بالذنب والضحك عند فعله. الذنب الثالث: الفرح بالذنب عند التمكن منه أعظم من الذنب. الذنب الرابع: الحزن عند فوات الذنب. الذنب الخامس: الخوف من المخلوقات بل والجمادات، والجرأة على رب الأرض والسماوات.   مع أي ذنب يقترفه الإنسان قد يقترن به خمسة ذنوب، وهو لا يعلم أنها أعظم من الذنب الذي ارتكبه؛ حيث إن للذنوب مصدرين: ذنوب الجوارج، وذنوب القلوب، فعندما يفعل الإنسان ذنبًا بجوارحه، قد يتْبَعُهُ خمسة ذنوب بقلبه، والجوارح التي تقترف الذنب: اليد، الرجل، العين، اللسان، الأذن، الفَرْجُ، البطن، ومع هذه الجوارح يقترف القلب خمسة ذنوب، يحذرنا منها سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فيقول: "يا صاحب الذنب، لا تأمن سوء عاقبته"، وما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته، قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال، وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك - أعظم من الذنب؛ [الجواب الكافي لابن القيم رحمه الله].   الذنب الأول: قلة الحياء من الملائكة، وهذا ذنب مصدره القلب، وهو أعظم من الذنب الذي اقترفته الجوارح، والاعتقاد بوجود بالملائكة ركن من أركان الإيمان، ولأهمية الإيمان بالملائكة؛ فقد ورد لفظ الملائكة ثمانيةً وثمانين مرةً في القرآن الكريم، ومنهم الموكَّلون بكتابة أعمال العباد وحفظها؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12]؛ ﴿ كِرَامًا ﴾: فلا تقابلوهم بالقبائح، فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم؛ [تفسير الإمام ابن كثير].   الذنب الثاني: الاستمتاع بالذنب، وضحكك عند فعل الذنب أعظم من الذنب، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يجتمع في القلب ملاحظة نظر الله والمتعة بالذنب أبدًا؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، وفي رواية: والتوبة معروضة بعد...))؛ [في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه].   يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وما ورد من نفي الإيمان عمَّن ارتكبه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...))، فكل من نفي الله عنه الإيمان والجنة، أو كونه من المؤمنين فهو من أهل الكبائر؛ لأن هذا النفي لا يكون لِتَرْكِ مستحب، ولا لفعل صغيرة، بل لفعل كبيرة".   هل نفي الإيمان هنا يفيد الكفر؟ المراد نفي كمال الإيمان، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويجيب الإمام النووي رحمه الله: "فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي، وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، ويُراد نفي كماله ومختاره، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة".   الذنب الثالث: الفرح بالذنب عند التمكن منه أعظم من الذنب؛ يقول ابن القيم رحمه الله: "الفرح بالمعصية دليلٌ على شدة الرغبة فيها، والجهل بقدر من عصاه، والجهل بسوء عاقبتها وعظَمِ خطرها، ففرحه بها غطى عليه ذلك كله، وفرحه بها أشد ضررًا عليه من مواقعتها"؛ [مدارج السالكين].   الذنب الرابع: الحزن عند فوات الذنب، ولو عقل، لفرح بفوات الذنب، ولَشَكَرَ الله الذي عصمه من الذنب، لكن من يحزن لعدم قدرته على فعل الذنب من المصرين على الفواحش عياذًا بالله، فمن المنجيات عدم الإصرار على الذنوب والموبقات؛ كما وصف الله المتقين فقال: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].   الذنب الخامس: الخوف من المخلوقات بل والجمادات، والجرأة على رب الأرض والسماوات.   الدروس المستفادة من هذا الأثر: 1) ألَّا يحتقر المسلم من الذنوب شيئًا، فكل ذنب مهما صغر قد تقترن به تلك الذنوب الخمسة؛ ولهذا حذَّرنا رسول الله من شؤم الصغائر؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مَثَلُ محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تُهْلِكه))؛ [رواه الإمام أحمد، عن سهل بن سعد رضي الله عنه].   2) ويقول ابن القيم رحمه الله: "وها هنا أمرٌ ينبغي التفطُّن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى المراتب، وهذا أمرٌ مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره".   3) والصغائر يكفرها اجتناب الكبائر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31].   4) ومن مكفرات الصغائر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّراتٌ ما بينهن إذا اجتُنبت الكبائر))؛ [صحيح مسلم من حديث أبي هريرة].   5) الإيمان يزيد وينقص.   6) الحياء من الملائكة يحفظ العبد من الذنوب.   7) من ذاق حلاوة طعم الإيمان، آثر نور الإيمان على ظلمة المعاصي والذنوب؛ فلا يستمتع ويضحك بفعل الذنوب إلا من حُرِم لذة الطاعة والأنس بملك الملوك سبحانه.   😎الخوف من الله وخشيته دليل العلم بالله، والعكس صحيح؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]، فمن خاف من الله، أمَّنه الله من كل شيء، ومن تجرأ على محارم الله، أخافه الله من كل شيء؛ قال تعالى: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 81، 82].   9) كما أن احتقار الذنب مَنهيٌّ عنه، فكذلك تعظيم الذنب حتى يظن العبد أن الله لا يغفر؛ فيقْنُط من رحمة الله، ويتمادى في لَجَجِ المعاصي عياذًا بالله تعالى فهذا من المهلكات، أَلَا فليعلم الإنسان أن باب التوبة مفتوح، وأن الله لا يتعاظمه ذنب، ولا يضره عصيان العصاة، فليبادروا بالتوبة والاستغفار والرجاء في رحمة الله تعالى؛ كما في الحديث القدسي الجليل الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرتُ لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنانَ السماء، ثم استغفرتني غفرتُ لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقِيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].   أحمد رضوان محمد وزيري   شبكة الالوكة
    • سورة الشعراء : ============   1/ قال الله تعالى في ذكر دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)) سورة الشعراء هذه الآية تخويف للمؤمنين شديد أن يعملوا ولا يتكلوا .. فإذا كان خليله  طامعا في غفران خطيئته فمن بعده من المؤمنين أحرى أن يكون أشد خوفا من خطاياهم . القصاب - نكت القرآن . 2/ إذا كان بجانبك مصحفا فافتحه غير مأمور على سورة الشعراء الآية ١٠٥ وتأمل الآتي : ذكر الله سبحانه قصة نوح مع قومه فقال : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106)) سورة الشعراء ثم ذكر سبحانه قصة هود مع قومه عاد فقال : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ(124)) سورة الشعراء ثم ذكر سبحانه قصة صالح مع قومه ثمود فقال : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142)) سورة الشعراء ثم ذكر سبحانه قصة لوط مع قومه فقال : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)) سورة الشعراء ثم ذكر سبحانه قصة شعيب مع قومه فقال : (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)) سورة الشعراء ولم يقل أخوهم كما ذكر سبحانه ذلك في بقية الأنبياء فما الحكمة في ذلك ؟.. لم يقل هنا أخوهم شعيب لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة وهي شجرة فنزه الله نبيه عن ذلك و قطع نسب الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه وإن كان أخاهم نسبا . ابن كثير - تفسير القرآن العظيم . قلت : والدليل على ما ذكر  أن الله  قال في سورة الأعراف : (وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) سورة اﻷعراف 85 .. فوصفه هنا بأنه أخاهم لأن النسبة للقرية فلما كانت النسبة للشجرة وهي تعبد من دون الله نفى وصف الإخوة عنه؛ تنزيها له عن الشرك . نعود لكلام ابن كثير : ومن الناس من لم يتفطن لهذه النكتة فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين والصحيح أنهم أمة واحدة .                      سورة النمل : ===========   1/ قال تعالى مخبراً عن دعاء سليمان عليه السلام في سورة النمل 19: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ) .. هذا من تمام بر الوالدين، كأن هذا الولد خاف أن يكون والداه قصرا في شكر الرب عز وجل، فسأل الله أن يلهمه الشكر على ما أنعم به عليه وعليهما ليقوم بما وجب عليهما من الشكر إن كانا قصرا. ابن هبيرة - ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب   2/ ورأس مال الأمر وعموده دوام التفكر وتدبر آيات القرآن ، بحيث يستولي على الفكر ، ويشغل القلب ، فإذا صارت معاني القرآن الكريم مكان الخواطر من قلبه وهي الغالبة عليه ، بحيث يصير إليها مفزعه وملجؤه ، تمكن حينئذ الإيمان من قلبه ، وجلس على كرسيه ، وصار له التصرف ، وصار هو الآمر المطاع أمره ؛ فحينئذ يستقيم له سيره ، ويتضح له الطريق ، وتراه ساكناً وهو يباري الريح : (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) سورة النمل 88 ابن القيم ـ الرسالة التبوكية .                سورة القصص : ============   1/ وقد اقتضت حكمته أن خِلَعَ النصر وجوائزه ، إنما تفيض على أهل الانكسار : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) سورة القصص ابن القيم ـ زاد المعاد .   2/ قال تعالى في سورة القصص : (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)) .. فيه دليل على جواز النميمة لمصلحة دينية. القرطبي - الجامع لأحكام القرآن   3/ قال تعالى عن موسى عليه السلام في سورة القصص : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)) .. فيه تنبيه لطـيف على أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى العـمل أو التكلم به إذا لم يترجح عنده أحد القولين فإنه يستهدي ربه ويسأله أن يهديه إلى الصواب من القولين بعد أن يقصد الحق بقلبه ويبحث عنه، فإن الله لا يخيب من هذه حاله. كما جرى لموسى لما قصد تلقاء مدين، ولا يدري الطريق المعين إليها قال: (عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)، وقد هداه الله وأعطاه ما رجاه وتمناه. السعدي - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان                       سورة العنكبوت : ==============   1/ قال تعالى : (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)) سورة العنكبوت هنا دقيقة قل من يتفطن لها إلا فقيه في هذا الشأن . وهي أن كل تائب لابد له في أول توبته من عصرة وضغطة في قلبه من همّ أو غم أو ضيق أو حزن ولو لم يكن إلا تألم بفراق محبوبه فينضغط لذلك وينعصر قلبه ويضيق صدره . فأكثر الخلق رجعوا من التوبة ونكسوا على رؤوسهم لأجل هذه المحنة . والعارف الموفق يعلم أن الفرحة والسرور واللذة الخاصة عقيب التوبة تكون على قدر هذه العصرة فكلما كانت أقوى وأشد كانت الفرحة واللذة أكمل وأتم . والمقصود أن هذا الأمر الحاصل بالتوبة لما كان من أجلّ الأمور وأعظمها نصبت عليه المعارضات والمحن ليتميز الصادق من الكاذب وتقع الفتنة ويحصل الابتلاء ويتميز من يصلح ممن لا يصلح . فإذا صبر على هذه العصرة قليلاً أفضت به إلى رياض الأنس وجنات الانشراح وإن لم يصبر انقلب على وجهه والله الموفق لا إله غيره ولا رب سواه . ابن القيم ـ طريق الهجرتين .   2/ لما علم الله سبحانه أن قلوب المشتاقين إليه لا تهدأ إلا بلقائه ضرب لهم أجلاً للقاء تسكيناً لقلوبهم فقال تعالى في سورة العنكبوت 5 : (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ). ابن القيم – روضة المحبين   3/ إني لأمر بالمثل من كتاب الله عز وجل ولا أعرفه فأغتم به لقول الله عز وجل: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)) سورة العنكبوت. عمرو بن مرة - فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام   4/ لقد عظمت نعمة الله على عبد أغناه بفهم كتابه عن الفقر إلى غيره: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)) سورة العنكبوت ابن القيم - بدائع الفوائد                        سورة الروم : ==========   1/ قال تعالى في سورة الروم : (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (22)) .. من بدائع آياته سبحانه وتعالى أن جعل هذه الصفات مختلفة فلا تكاد تسمع شخصين يتكلمان فيشبه صوت أحدهما صوت الآخر أو شكله .. وكذلك الصور وتخطيطها والألوان وتنويعها، ولاختلاف ذلك وقع التعارف فإنك لو رأيت توأمين متشابهين لا يتميز عندك أحدهما عن الآخر إلا بجهد فعند ذلك تعرف نعمة الله تعالى في الاختلاف. السخاوي - تفسير القرآن العظيم   2/ الحيوان البهيم يتأمل العواقب، وأنت لا ترى إلا الحاضر. ما تكاد تهتم بمؤونة الشتاء حتى يقوى البرد، ولا بمؤونة الصيف حتى يقوى الحر، والذر يدخر الزاد من الصيف لأيام الشتاء. وهذا الطائر إذا علم أن الأنثى قد حملت أخذ ينقل العيدان لبناء العش قبل الوضع، أفتراك ما علمت قرب رحيلك إلى القبر، فهلا بعثت فراش: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)) سورة الروم . ابن القيم ـ بدائع الفوائد    
    • ثلاث تجارات لاتعرف الخسارة (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ )٢٩لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ )٣٠-فاطر بعد أن ذكر الحق سبحانه العلم الكوني، وأنه وسيلة لخشية الله ومعرفة أسراره في كونه أراد سبحانه أنْ يلفت أنظارنا وأنْ يحذرنا: إياكم أنْ تُفتنوا بالعلم الكوني فينسيكم مهمتكم في أنْ تتلقَّوا عن الله ما يُسعدكم، فتحدَّث سبحانه عن المنهج: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ } [فاطر: 29] وهذا هو العلم الشرعي والذِّكْر الذي يعصم الناس من اختلاف الأهواء.
        ومعنى { يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ } [فاطر: 29] أي: تلهج به ألسنتهم، وتعيه قلوبهم { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } [فاطر: 29] وهذه عبادة تشترك فيها كل الجوارح { وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } [فاطر: 29] والإنفاق يخصُّ الناحية المالية، فهو دليل على سماحة النفس بما تنفق، وحُبها للبذل والعطاء في السِّر والعلانية، وبالإنفاق تكتمل لهذه النفس الصفات الطيبة، ويجتمع لها عمل القلب وعمل الجوارح في طاعة الله.
        وقوله: { مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } [فاطر: 29] يعني: أن الإنفاق ليس من مالك الخاص، إنما من مال الله الذي رزقك، وجعلك مُسْتخلَفاً فيه وما نفقتُكَ إلا سبب، والأسباب في الكون ستر ليد الله في العطاء.
      وهؤلاء الذين ينفقون مما رزقهم الله سراً وعلانية { يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } [فاطر: 29].
      فالإنفاق في سبيل الله تجارة مع الله { لَّن تَبُورَ } [فاطر: 29] أي: لن تكسد، وأنت حين تنفق على المحتاجين، وحين تطعم الجائع إنما تُحبِّب الله إلى خَلْقه أرأيت لو أن مَلِكاً من ملوك الدنيا له عبيد، أليس مكلَّفاً بإطعامهم وسَدِّ حاجتهم، وهذه من سمات العظمة فيه، كذلك الحق سبحانه هو خالق هؤلاء الفقراء، وهو الذي استدعاهم للوجود، وهو سبحانه المكلّف باقتياتهم.
        إذن: حين تطعمهم أنت فكأنك تؤدي مهمة الله عز وجل، وتُحبِّب خَلْق الله إلى الله، فالحق سبحانه حين يعطف مخلوقاً على مخلوق يقول: كأن عبدي يعينني على خَلْقي؛ لأن الله تعالى استدعى الخَلْق للوجود، وتكفَّل بأن يُغنيهم، فحين يأتي عبده الغني ويكون في عَوْن الفقير يقول سبحانه: كان عبدي في عون أخيه بقدرته، فلا بُدَّ أنْ أكون في عونه بقدرتي، فالعبد لا يكون أبداً أكرم من خالقه، وكيف يعطف العبد وهو لم يخلق شيئاً، ولم يستدع أحداً للوجود، ولا يعطف الخالق سبحانه؟
        فإنْ قلتَ: ما دام الحق سبحانه قد استدعى الخَلْق للوجود، فلماذا لم يضمن لهم الحياة الكريمة التي لا يحتاجون فيها لعطف أحد غيره؟
      نقول: أراد الحق سبحانه أنْ يزرع بذور المحبة والتعاطف بين خَلْقه، أراد مجتمعاً مسلماً قائماً على المحبة وعلى التعاون وعلى التكافل، ثم وَعَد سبحانه السخيَّ المعطي بأنْ يعامله بقدر سخائه وعطائه هو سبحانه.
      هذه هي التجارة مع الله التي لا تبور، والبَوْر والبَوار. أي: الفساد وهو يصيب التجارة من ناحيتين: إما فساد في الربح، كأن تتبعك التجارة ولا تربح، أو فساد في الربح وفي الأصل يعني: تخسر أصل التجارة، ومعلوم أن الإنسان لا يتاجر إلا بقصد الربح؛ لذلك قال أهل المعرفة وأهل التجارة مع الله: إنْ أردتَ الربح المحقق فتاجر مع كريم وهبك ما تجود به، وبعد ذلك يجازيك عليه.
        لذلك كان أحد الصالحين يهشّ في وجه السائل ويبشّ ويقول له: مرحباً بمَنْ جاء ليحمل عني زادي إلى الآخرة بغير أجرة.
      وسُئِل الإمام على - رضي الله عنه - يا أبا الحسن، أريد أنْ أعرف نَفسي، أأنا من أهل الدنيا؟ أم من أهل الآخرة؟ فقال: إنْ كنتَ تهشّ لمن يعطيك أكثر مَمَّن يأخذ منك، فأنت من أهل الدنيا؛ لأن الإنسان يحب مَنْ يعمر ما يحب.
       
      واستخدام أداة النفي (لن) هنا له مَلْحظ، فلن تنفي الحال والاستقبال؛ لأن الإنسان قد يموت قبل أنْ يدرك ثمرة الخير في هذا العطاء، وقبل أنْ يرى نتيجة صِدقه؛ لذلك يطمئنه ربه بأن هذه تجارة مع الله لن تبور، وسوف ينتظره جزاؤها في الآخرة وقوله تعالى: { سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } [فاطر: 29] أي: على أي حال، أما نفقة السر، فالحكمة منها أنها تبعد صاحبها عن الرياء أو المباهاة، وهي أيضاً ستر لحياء الآخذ؛ لذلك كان بعض العارفين إذا أراد أنْ يعطف على فقير أو محتاج يحتال على ذلك بحيلة تحفظ للمحتاج ماء وجهه، فيكلّفه مثلاً بعمل بسيط، ثم يعطيه المال على أنه أجره على العمل، لا على أنه صدقة.
      والبعض يتأدب في هذه المسألة، فيعطي المحتاج على أنها قرض وفي نيته أنها صدقة، وربما أكد هذا المعنى، فقال لصاحبه: ربنا يُعينك على السداد، لكن إياك (تاكله).
        وبعضهم يعطي الصدقة على أنها أمانة، لكن يقول للآخذ: إذا تيسَّر لك هذا المبلغ وأصبح فائضاً عن حاجتك فأعطه محتاجاً إليه، وقُلْ له يعطيه بدوره إلى مَنْ يحتاج إليه بعده، وهكذا تتنامى الصدقة، وتدور على ما شاء الله من المحتاجين إليها.
      هذا عن صدقة السر، أما العلانية فالحكمة منها أنها تمثل زاجراً للواجد حتى لا يبخل ولا يضنّ بما عنده، كذلك تحمي صاحبها من ألسنة الناس، وتحمي عِرْضَه أنْ يخوضَ الناس في حقه فيقولون: يبخل رغم غِنَاه. كما أن الإنفاق علانية يُعَدُّ نموذجاً وأُسْوةً للغير في العطاء.
      وقال العلماء: يُراد بالسر الصدقة الزائدة على الفريضة، وهذه ينبغي فيها الستر، ويُراد بالعلانية الزكاة المفروضة؛ لأن الجهر في العبادة مطلوب كما هو الحال في الصلاة مثلاً، والمتأمل يجد الزكاة أوْلَى بالعلانية من الصلاة، فمن اليسير إقامة الصلاة في أوقاتها، أما الزكاة فقد تكون واجداً لكن تشح نفسُك وتبخل بالعطاء.
      وأنت حين تُنفق تنفق على مَنْ؟ على محتاج غير قادر أو مسلوب القدرة، ومَنِ الذي سلبه القدرة؟ الله، لذلك كلفك الله أنْ تنفق على مَنْ سلبه القدرة، وأنْ تعينه: أولاً حتى لا يحقد عليك، وحتى يتمنى لك المزيد من الخير؛ لأن خيرك سيعود عليه، لذلك كنا نرى أهل الريف مثلاً يحزنون ويبكون إنْ ماتت بقرة فلان أو جاموسة فلان، لماذا؟ لأنها كانت تسقي الفقراء من لبنها، وتحرث أرض المحتاج.
        ثانياً: وهذه حكمة أسمى من الأولى، وهي أن النفقة على غير القادر تجعله لا يغير خواطره على ربه وخالقه وتحميه من الاعتراض على قَدر الله الذي منعه وأعطى غيره، وضيَّق عليه ووسَّع على الآخرين.
      النفقة على غير القادر تجعله يشعر أنه أحظُّ حالاً من الغنى، ولم لا وهو يُسَاق له رزقه دون تعب منه ودون عناء؟ ويأتيه الغنى إلى بابه ليعطيه حقه في مال الله. لذلك قال العلماء: الفقير شرط في إيمان الغني، وليس الغني شرطاً في إيمان الفقير.
        لذلك يعلمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: ".. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" .
      والحق سبحانه وتعالى لما تكلَّم عن المحسنين الذين يكلِّفون أنفسهم فَوْق ما كلَّفهم الله، ومن جنس ما كلَّفهم الله، يقول سبحانه: { { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [الذاريات: 15-19].
      فالحق غير المعلوم هو الصدقة، أما الزكاة المفروضة التي هي حق الفقير في مال الغني فقد وردتْ في صفات المؤمنين في سورة سأل فقال سبحانه: { { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [المعارج: 25].
        بعض فقهاء الأندلس رضي الله عنهم قال: لو مُكنت بولاية أمر على المؤمنين، فرأيتُ مَنْ يمنع الفقير حقَّه بمقدار نصاب لأَتيتُه لأقطع يده، فتأمل هذا الاجتهاد من العلماء، وكيف ساووا بين منع الفقير حَقَّه والسرقة.
      وسواء أكان الإنفاق سِرّاً أم جهراً وعلانية، فلا بُدَّ أن تتوفر له النية الخالصة لله
       وأنت في عطائك تتعامل مع الله، والله واجد ماجد كريم، لا يبخسك حقك، وتجارتك معه سبحانه لا بُدَّ أن تكون رابحة؛ لذلك قال بعدها: { يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } [فاطر: 29].
      كذلك يحذرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرياء الذي يحبط الأعمال، ويفسدها ويحرم صاحبها من ثمرتها يوم القيامة، حيث يقال له: فعلتَ ليقال وقد قيل.
      ويحذرنا سيدنا رسول الله أن تكون أعمالنا كأعمال الكافرين الذين قال الله فيهم: { { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [النور: 39].
        ثم يقول سبحانه: { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ .. } [فاطر: 30] أي: أنهم سيأخذون جزاء أعمالهم وعطائهم بوفاء من الله، ثم يزيدهم بعد ذلك من فضله تكرُّماً، قالوا هذه الزيادة أن تقبل شفاعتهم فيمن يحبون، فإنْ شفعوا لأحد من أحبابهم قَبِل الله شفاعتهم، لماذا؟ لأن لهم أياديَ سابقة على الفقراء والمحتاجين من عباد الله، يكرمهم الله من أجلها، ويتفضَّل عليهم كما تفضَّلوا على عباده.
      { إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 30].
        ولك أنْ تسأل: لماذا ذُيِّلت الآية باسم الله (الغفور)، مع أنها تحدثت عن أعمال الخير من تلاوة كتاب الله، وإقامة الصلاة، والإنفاق في سبيل الله، فأيُّ شيء من هذه يحتاج إلى المغفرة؟
      قالوا: ذكر هنا المغفرة، لأن العبد حين يضع شيئاً من هذا الخير قد يُداخله شيء من الغرور أو الإعجاب أو غيره مما يشوب العمل الصالح، فيغفرها الله له، ليلقى جزاءه خالصاً؛ لذلك ورد في حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من عمل أردتُ به وجهك فخالطني فيه ما ليس لك" .
      وقوله { شَكُورٌ } [فاطر: 30] صيغة مبالغة من شاكر، فكأن الله تعالى بعظمته يشكر عبده، بل ويبالغ في شكره؛ لأن العبد في ظاهر الأمر عاون ربه في أنْ يرزق مَنْ كان مطلوباً من الله أنْ يرزقه؛ لذلك يشكره الله ولا يبخسه حقه، مع أنه في واقع الأمر مُنَاول عن الله.
      وأنت حين تقرؤها: { إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 30] وتعلم أنه تعالى يشكرك لا تملك إلا أنْ تشكره سبحانه، وعندها يزيدك من النعمة، إذن: نحن أمام شكر دائم لا ينقطع، وعطاء لا ينفد.   التفاسير العظيمة      
    • {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف:١٢]   آفة الكبر آفة عظيمة، والكبر -كما تعلم- إنما هو بطر الحق وغمط الناس، بمعنى احتقار الناس وازدرائهم والنظر إليهم على أنهم أقل درجة من الإنسان، وعدم قبول الحق ممن يأتي منه فإن التكبر هو إظهار العامل إعجابه بنفسه بصورة تجعله يحتقر الآخرين في أنفسهم وينال من ذواتهم   جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدجل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال: أن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس)   { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } أي: أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم)     يقولُ ابنُ قُدامةَ المَقدِسيُّ: (واعلَمْ‏‏ أنَّ العُلَماءَ والعُبَّادَ في آفةِ الكِبْرِ على ثلاثِ دَرَجاتٍ‏:‏
        - الأولى‏:‏ أن يكونَ الكِبْرُ مُستقرًّا في قلبِ الإنسانِ منهم، فهو يرى نفسَه خيرًا من غيرِه، إلَّا أنَّه يجتَهِدُ ويتواضَعُ، فهذا في قَلبِه شجرةُ الكِبْرِ مغروسةٌ، إلَّا أنَّه قد قطَع أغصانَها‏.‏
        - الثَّانيةُ‏:‏ أن يُظهِرَ لك بأفعالِه من التَّرفُّعِ في المجالِسِ، والتَّقدُّمِ على الأقرانِ، والإنكارِ على من يُقصِّرُ في حقِّه، فترى العالمَ يُصَعِّرُ خَدَّه للنَّاسِ، كأنَّه مُعرِضٌ عنهم، والعابِدُ يعيشُ ووجهُه كأنَّه مستقذِرٌ لهم، وهذان قد جَهِلا ما أدَّب اللهُ به نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم، حينَ قال‏: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: ‏215].
        - الدَّرجةُ الثَّالثةُ‏:‏ أن يُظهِرَ الكِبْرَ بلسانِه، كالدَّعاوى والمفاخِرِ، وتزكيةِ النَّفسِ، وحكاياتِ الأحوالِ في مَعرِضِ المفاخرةِ لغيرِه، وكذلك التَّكبُّرُ بالنَّسَبِ؛ فالذي له نَسَبٌ شريفٌ يستحقِرُ من ليس له ذلك النَّسَبُ وإن كان أرفَعَ منه عملًا‏.‏ قال ابنُ عبَّاسٍ‏:‏ يقولُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ‏:‏ أنا أكرَمُ منك، وليس أحدٌ أكرَمَ من أحدٍ إلَّا بالتَّقوى‏.‏ قال اللهُ تعالى‏:‏ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [‏الحجرات‏: ‏13]، ‏وكذلك التَّكبُّرُ بالمالِ، والجَمالِ، والقُوَّةِ، وكثرةِ الأتباعِ، ونحوِ ذلك) .       {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف:١٢]

      {أنا خير منه} هي كلمة إبليس التي هلك بسببها... ويكررها بعضنا في نفسه كل يوم !!!

      أول ذنب عُصِيَ الله به سببه الكبر ، وأول حجة له قياس فاسد ، فإبليس استكبر فعصى..   {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} من قاس الدّين برأيه فقد ضاهى إبليس و قرَنه الله مع إبليس .   احذر أربع كلمات مهلكات : أنا ، لي ، عندي ، نحن . {أنا خير منه} {أليس لي ملك مصر} {قال إنما أوتيته على علم عندي} {نحن أولوا قوة}     مازاد أحدٌ كبراً إلا زاده الله ذلاً في نفوس الناس ، ومن تكبر على الله أذله {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}
      والذنوب ليست بحجمها فصغيرة مع كبر ، أعظم من كبيرة مع غفلة.   اللهم نعوذ بك من الكبر ، وهنيئاً لمن تواضع وخضع لله فرفعه في عليين .  
  • أكثر العضوات تفاعلاً

    لاتوجد مشارِكات لهذا الاسبوع

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181924
    • إجمالي المشاركات
      2535146
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93126
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    أأم محمد
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×