اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57240
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180511
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8234
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32130
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4160
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52990
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97008
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31793
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15478
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  9. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33904
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (36933 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 18 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    2 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 14، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • قال تعالى عن أصحاب الكهف وهم نيام: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: 18]، قد لا ننتبه إلى أن هذه الكلمات القليلة تُمثِّل إعجازًا علميًّا يفوق حدَّ الخيال؛ فإنَّ مِن الأمراض الخطيرة التي يعاني منها المرضى في المشافي (قرحة الفراش)، فالمرضى الذين تضطرهم أمراضُهم إلى البقاء طويلًا على السرير ككسر في الحوض، أو العمود الفقري، أو شلل، أو في حالات النوم الطويل، هذه الحالاتُ المرضية تستوجب أن يبقى المريضُ مستلقيًا على ظهره أيامًا طويلة بل شهورًا!   فالإنسانُ له وزن كليٌّ، لكن إذا استلقى على السرير فإن وزن هيكله العظمي مع ما فوقه من عضلات وأنسجة يضغط على الجزء الذي تحت الهيكل العظمي، وإذا ضغطت العضلات والنسيج، فالأوعيةُ الدموية التي في هذه العضلات والنسيج تَضيق؛ فيقلّ وصولُ الدم إلى هذه الأماكن، وينشأ حولها تقرُّحات مُزعجة جدًّا.   فلو نظرنا إلى الإنسان وهو نائمٌ يتقلَّب في الليلة الواحدة ما يزيد على أربعين مرة، وهو لا يدري ذلك؛ لأن الجسم إذا ضغط على جهة معينة ضاقت الشرايين فيَضْعُف وصول الدم، ومن ثَم ينتقل هذا الإحساسُ بالضغط إلى المخ والإنسان نائم، والمخ يصدر أمرًا بالحركة، ومن الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: 18]، لو قلَّبَهم في جهة واحدة لوقعوا من المكان الذي ينامون عليه، ولكن التقلُّب ذات اليمين وذات الشمال لكي يبقوا في إطار المكان.   فالمرضى الذين لا بد مِن أن يبقوا على السرير مدةً طويلةً تزيد على بضعة أشهر، لا بد من تقليبهم باليد، وإلا تقرَّحتْ أجسامهم وتسلَّختْ، وقد يُشفى المريض من المرض الذي أقعده، ويموت بسبب هذا المرض اللعين (قرحة الفراش)، ومِن هنا قدَّم التقدم العلمي بعض الأسِرَّة التي تهتزُّ بشكل دائم بفعل مُحرِّك كهربائي مِن أجل أن تقي المريض قرحةَ السرير، فلولا أن الله قلَّب أهل الكهف ذات اليمين وذات الشمال، لما بقَوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعًا، دون أن يُصابوا بهذه التقرُّحات.   إنَّ أكثرَ الأجزاء مِن الجسد إصابةً بهذا المرض الخطير: المنطقة العضدية والأليتان، ولوحا الكتفين، وكعبا القدمين، هذه الأماكن فيها عظام فيضغط وينعدم وصول الدم [إليها] فيموت النسيج، ويسود ويتقرَّح الجلد عفنًا، عافاكم الله.   الحكمة الطبية من وراء إسدال العذبة: أثبت الأطباءُ الحكمة مِن وراء فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتمَّ أسدل طرفي العمامة بين منكبيه، وكما هي هيئة رجال الجمعية الشرعية لأَخْذِهم مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.   فإسدالُ العذبة على منطقة جذع المخ يُؤدي إلى حماية مراكز تحكُّم وتنظيم درجة حرارة الجسم الموجودة في جذع المخ؛ فإسدال العذبة حمايةٌ لهذه المنطقة، ومظلة لها مِن ضربة الشمس.   وقد وَرَد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذيُّ وحسَّنه ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسدل عمامته بين كتفيه، وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي عن جابرٍ رضي الله عنه قال: دَخَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم فَتْح مكة، وعليه عمامة سوداء، زاد النسائي: قد أرخى طرف العذبة بين كتفيه، ورُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عليكم بالعمائم؛ فإنها سيماء الملائكة، وأرخوها خلْفَ ظهوركم »؛ رواه الطبراني عن طريق عيسى بن يونس عن ابن عمر رضي الله عنهما.   وروى أبو يعلى والبزار - برجال ثقات - وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي في الزُّهد، وحَسَّن إسناده أبو الحسن الهيثمي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله أمر عبدالرحمن بن عوف أن يتجهَّز لسرية يَبْعَثُها، فأصبح عبدالرحمن وقد اعتمَّ بعمامة كرابيس سوداء، فنقضها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعمَّمه، وأرخى له أربع أصابع، أو قريبًا مِن شبرٍ، ثم قال: « هكذا فاعتم يا بن عوف؛ فإنه أعرب وأحسن ».   موضوعات متنوعة: لو أَطْلَقْنا لأنفسنا العنان في تدبُّر عظمة الخالق في خَلْق الإنسان، فلن ننتهي مِن الحديث عنه أبدًا.   ويطول بنا المقامُ لو تتبَّعنا عمل الأجهزة المختلفة في جسم الإنسان، وما فيها مِن خوارق ومعجزاتٍ، وإنما نضرب الأمثلةَ لبعض هذه المعجزات التي يحتويها جسمُ الإنسان، وما ذاك إلا قطرة مِن هذا البحر الزاخر من الإعجاز الرباني والإبداع الإلهي في خلق الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]،وقال:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].   لقد أجهد العلماء في البحث عن إبراز هذه الحقائق الثابتة في الخلق، وما زال البحثُ مستمرًّا للكشف عما تحتويه كلماتُ القرآن الكريم.   جنود الله للدفاع عن جسم الإنسان: مِن المعلوم أن جهاز المناعة في جسم الإنسان هو المسؤول عن حمايته مِن الجراثيم والميكروبات، فهو أشبه بجيشٍ يمتلك أعظمَ الأسلحة الحديثة لمواجهة الأعداء، فالجهاز المناعي لا يترك ثغرةً يتسلَّل منها عدوٌّ لمهاجمة الجسم، وهناك أربعة خطوط للدفاع عن الجسم: الأول: يتمثَّل في الجلد وإفرازاته التي تُقاوم الفطريات والميكروبات، ودموع العين التي تحتوي على أملاح مقاومة لبعض الميكروبات.   الثاني: يتمثَّل في الخلايا الليمفاوية التي تعمل على مدار 24 ساعة بيقظةٍ ونشاطٍ.   الثالث: يتمثَّل في نوعٍ مِن الخلايا المقاتلة، تتمُّ صناعتها بسرعة بعد الحصول على معلوماتٍ دقيقةٍ عن نوع العدو الذي عجزتْ خطوط الدفاع الأخرى عن مواجهتها؛ لكي تتمكَّن وتُصبح قادرةً على هزيمتها.   الرابع: كرات الدم البيضاء، وعددها 5000 - 11 ألفًا، تزداد في حالة هجوم ميكروبي للجسم، وتقلُّ إذا حدَث خلل في الجهاز المناعي، وهذا يُؤدي إلى تعرُّض الجسم إلى أقل وأضعف ميكروب؛ ولهذا فإن مدافع وصواريخ جهاز المناعة تُصاب أحيانًا بخللٍ يُفقدها الاتجاه الصحيح؛ فتنطلق بعضُ قذائفها ضد أحد أعضاء الجسم بدلًا مِن تصويبها نحو العدو، فعند إصابة هذا الجهاز بالمرض أو العَجْز، تتسلَّل إلى الجسم الميكروبات بلا حاجزٍ أو رادعٍ بسبب عجزه عن مواجهتها، ولعل مرض الإيدز خيرُ مثالٍ على هذا، فلا يمكن محاسبة جهاز المناعة عن هجوم فيروس الإيدز عليه؛ لأنه يكون في حالة عجزٍ عن مواجهة الميكروبات، وهناك جدلٌ بين العلماء والأبحاث العلمية حول عَجْز المناعة عن التمييز بين العدو والصديق أو القريب، فإذا حدث خللٌ في الجهاز توهَّم أنَّ أحد أجزاء الجسم دخيلٌ عليه أو عدوٌّ فيُعلن التعبئة العامة، ويحشد جيوشه لتبدأ أغرب مأساة داخل الجسم الواحد، فيُهاجم جهازُ المناعة جزءًا مِن كيانه بسبب اضطرابٍ في التمييز بين العدوِّ والصديق، أو بين جزء من الجسم أو مِن خارجه؛ لذلك ظهرتْ مجموعة أمراض سُميتْ أمراض المناعة الذاتية وهي كثيرةٌ، ومِن أشهر أمراض المناعة المعروفة لدى الجميع (الروماتويد)؛ حيث تهاجم أسلحة جهاز المناعة المفاصل والغضاريف مما يُسفر عن آلامٍ صعبة، وغالبًا ما يتركَّز في الأطراف مثل مفاصل اليد وأصابعها.   فالأبحاثُ العلمية الحديثة أشارتْ إلى اتهام جهاز المناعة بمسؤوليته عن الإصابة بمرض السكر، فهو الذي يهاجم الخلايا الحيوية في البنكرياس المسؤولة عن إفراز هرمون الأنسولين، واقترحتْ بعض الدراسات إعطاء بعض العقاقير منذ الصغر حتى يتمَّ وقف الهجوم ضد خلايا البنكرياس!   حركات لا إرادية ولا شعورية بداخلك: وهذه الحركاتُ كثيرة داخل الإنسان؛ حيث إنها تبدأ مع السطور الأولى للحياة منذ أن كان المرء طفلًا، ففي أقل من ربع ثانية يحدث تنسيقٌ دقيق لثلاث عمليات أثناء بلع الطعام هي: 1- ينفتح المدخل التنفُّسي للقصبة الهوائية بواسطة لسان المزمار. 2- ينفتح مدخل المريء. 3- يتوقَّف الجهاز التنفُّسي لفترة قصيرة جدًّا.   وهذه الحركاتُ اللاإرادية واللاشعورية تحدث في اليوم الواحد آلاف المرات، ولا يشعر بها الإنسانُ.   وإذا أردتَ أن تحسَّ بذلك، فاصرفْ حسَّك وشعورك وركِّزهما عند حركات فمك الداخلية عند بَلْع الريق، مُركزًا الانتباه لما يحدث عند قاع الفم، وستشعر أن هناك مجرًى قد انفتح وآخر قد انغلق، وأنك لا يمكنك أن تُخرج أو تُدخل النفَس في تلك اللحظة، وتتكرر العملية نفسها حركيًّا وديناميكيًّا أثناء المعاشرة الجنسية عند قذف السائل المنوي، في تلك اللحظة يكون الجهاز التناسلي كلُّه محتقنًا، وإفرازات البروستاتا جاهزة، وعندما تتوتَّر العضلات ويأذن لها المؤثِّر الخارجي بالإفراغ، يُعطيها العصب السمبثاوي الإشارة؛ فيقوم صمام المثانة مباشرةً بغلق ممرِّ البول، وفتح ممرِّ البروستاتا والسائل المنوي مِن الخصية، فتحدث عمليتان في لحظة خروج السائل هما: 1- غلق ممر ماء البول. 2- فتح قناة البروستاتا؛ حتى لا يختلطَ البول بالسائل المنوي.   وللتأكُّد مِن ذلك: يُلاحظ الرجلُ أنه بعد الممارسة الجنسية، وبعد عملية القذف مباشرةً، لو حاول التبوُّل لوَجَد شبه احتباس بولي مؤقَّت، ويحتاج إلى شيء من الضغط حتى ينزل البول؛ لأن الصمام البولي للمثانة ما زال تحت تأثير الإشارات العصبية القوية.   هل تعلم ما هي منطقة الكذب والصدق في جسدك؟ إنها الناصية التي ذُكِرَتْ في القرآن الكريم منذ ما يزيد عن 1400 سنة في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق: 15، 16]، والناصيةُ: هي مُقدمة الرأس، وقد أُجريت العديد مِن الأبحاث والتجارب، وتم الْتِقاط العديد مِن الصور لجميع أجزاء الدماغ، فوَجَد العلماء أن الإنسان عندما يكذب، فإنَّ هناك نشاطًا كثيرًا تُظهره الصورُ المغناطيسية في منطقةٍ محددةٍ في المخ، وهي أعلى مُقدمة الرأس، وعندما يكون الإنسان صادقًا تكون هذه المنطقة مِن الدماغ في حالة نشاط أيضًا؛ فأمكن للعلماء استنتاج أن منطقة الناصية هي المسؤولة عن الصدق والكذب، ولقد أثبتت التجارب الجديدة على المخ بطريقة التصوير بالرنين المغناطيسي أن الإنسان عندما يكذب فإن دماغه يعمل أكثر، ومن ثَم يتطلَّب طاقةً أكبرَ، وهذا يعني: أن الصدق يُوفِّر طاقةً للمخ.   واستطاع العلماءُ الكَشْف عن الكذب عند المجرمين الذين يخدعون أجهزة الكشف عن الكذب باستخدام تقنية مسح المخ؛ حيث إن الإنسان لا يستطيع التحكُّم في المنطقة الأمامية في دماغه التي تكون أكثر نشاطًا عندما يكذب، وذلك برصد حركة الدم وسرعة تدفُّق الدم، وبالطبع فإن المنطقة ذات التدفُّق الأكبر تكون هي الأنشط، وكما هو معروف فإن الجزء الأمامي من الدماغ هو أهم جزء في الدماغ؛ حيث يتمُّ فيه توجيه الإنسان والحيوان، ويتمُّ فيه اتخاذ القرارات المهمة والتخطيط للخير والشر؛ فبهذه الأبحاث أُكِّدتْ هذه الحقائق منذ سنواتٍ قليلة، مع أن القرآن الكريم أول كتاب تحدَّث عن هذه المنطقة؛ يقول ربُّ العزة: ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56] ، وقال سبحانه: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق: 15، 16]،هكذا ينسب القرآن الكذب والخطأ إلى الناصية منذ أكثر مِن أربعة عشر قرنًا، وفي الحديث الشريف قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمَتِك، ناصيتي بيدِك))؛(أخرجه أحمد والطبراني)، فمن هنا يُفهم أيضًا أن الناصية مركز القيادة، ولحكمةٍ يعلمها الله شرَع الله أن تسجدَ هذه الناصية لله تعالى.   معجزة البصمة: لقد توصَّل العلم إلى البصمة في القرن التاسع عشر، وبيَّن أن البصمةَ تتكوَّن من خطوط بارزة في بشرة الجلد، تجاورها منخفضات، ويوجد بها فتحات المسام العَرَقية، وتتلوَّى هذه الخطوط، وتتفرَّع فروعًا لتأخذ في النهاية وفي كل شخص شكلًا مميزًا.   وقد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثَل في شخصينِ في العالم، حتى في التوائم المتماثلة التي أصلها مِن بويضةٍ واحدة، وإن تشابهتْ في (DNA)؛ حيث تتكوَّن البصمة في الجنين في الشهر الرابع، وتظلُّ ثابتةً ومميزةً له طوال حياته؛ ولذلك تعدُّ البصمة دليلًا قاطعًا ومميزًا لشخصية الإنسان، معمولًا بها في أنحاء العالم للكشف عن المجرمين واللصوص.   ويلفت القرآنُ الكريم الانتباه إلى أطراف الإنسان بصفة خاصةٍ في قوله تعالى: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 4]؛ ليبين للإنسان ولو بعد قرون مِن نزول القرآن أنَّ الله قادر على أن يُعيد بناء ما يميِّزه عن باقي بني البشر مِن سيدنا آدم إلى قيام الساعة، وهذا بيانٌ كافٍ لأن يؤمن الإنسانُ بأن البعث حقٌّ، كما أن الموت حقٌّ.   هل تعلم أن بجسدك 360 مفصلًا؟ روى الإمام مسلم عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه خُلِقَ كلُّ إنسان مِن بني آدم على ستين وثلاثمائة مَفْصلٍ؛ فمَنْ كبَّر الله، وحمد الله، وسبَّح الله، واستغفر الله، وعزَلَ حجرًا عن طريق الناس أو شوكةً أو عظمًا عن طريق الناس، وأَمَر بمعروفٍ، ونهى عن منكرٍ، عَدَدَ تلك الستين والثلاثمائة السُّلامى، فإنه يمشي يومئذٍ وقد زَحْزَحَ نفسه عن النار)). فالمفاصلُ هي التقاءُ العظام بعضها مع بعض، وأغلبها مُتحرِّك، ولكن بعضها ثابت كمفاصل جمجمة الرأس.   والأمرُ المُعجِز في هذا الحديث: أن يُحدِّد المصطفى صلى الله عليه وسلم عددَ مفاصل جسم الإنسان هذا التحديد الدقيق في زمنٍ لا يعرف الإنسانُ فيه أدنى علم عن تشريح الإنسان! وقد أثبت العلمُ الحديث هذه الحقيقة في أواخر القرن العشرين، وبيَّن أن منها 147 مفصلًا بالعمود الفقري، و24 مفصلًا بالصدر، و86 مفصلًا بالنصف العلوي مِن الجسم، و88 مفصلًا بنصفه السفلي، و15 مفصلًا بالحوض.   فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة العلمية إعجازٌ رباني؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الإنسانَ سيصل في يوم من الأيام إلى إدراك هذه الحقيقة التشريحية لجسم الإنسان، فتكون معجزةً له صلى الله عليه وسلم دالةً على صِدْق النبوة واتصاله بوحي السماء.   والمعجزةُ الإلهية أنه مِن البدهي أن أية مادة تحتكُّ وتتحرَّك بالنسبة لمادة أخرى، لا بد أن تبلى، طال الزمانُ أو قَصُر، وإنْ توافر لها عواملُ التزييت والتشحيم، أما مفاصل الإنسان فقد امتلكت الحيوية والكفاءة الربانية التي تمدها (بزيتها) العمر كله، وهو زيتٌ يختلف كل الاختلاف عن زيوتنا وشحوماتنا؛ لأن زيت الحياة سائلٌ مائي أشبه ما يكون ببلازما الدم، وهذا السائلُ يخرج مِن نهاية المفاصل، ونهاية المفاصل بدورها محاطة بطبقة مِن النسيج الغضروفي المرن، ويحيط به غشاء صُلْب نسبيًّا يُعرف باسم: الغشاء المزلقي، وللعلم فإنَّ سُمك السائل الفاصل بين المفاصل يقع في حدود جزءٍ مِن عشرة ملايين جزء مِن المليمتر، وهذه دقة في الصنع ما بعدها دقة! فتبارك الله أحسن الخالقين.   لما كان الإنسانُ كثيرَ النسيان، فقد أمره الله سبحانه وتعالى بالتأمُّل في ذاته؛ ليرى العجائبَ والمعجزات الكثيرة التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، ويرى كيف ركب في هذا البناء الدقيق الذي يحتوي بداخله على أسرار وألغازٍ يُظهرها البحث العلمي بين الحين والحين.   والسؤالُ الذي يَطْرَح نفسه الآن: لماذا خَلَقَنا الله تعالى على هذه الهيئة؟ حين نُجيب عن ذلك: نجد أن هيئة الإنسان بها صناديق متعددة لتحويَ بداخلها أعضاء مهمة وخطيرة؛ فالقلبُ والرئتان داخل قفص عظميٍّ يتكون من العمود الفقري وضلوع الصدر لحمايتهما مِن أي مؤثرات خارجية، فتخيَّل لو أن القلبَ في متناول الصدمات والكدمات لحدثتْ مشكلات كثيرة تضرُّ بالإنسان!   وكذلك نجد الأعضاء الرقيقة - كالمخ والنخاع - تحتويها صناديقُ عظمية، مُبطَّنة بأغشية ومواد سائلة لَزِجة لحمايتها مِن الصدمات. نجد المثانة والرحم والمبايض في صندوقٍ عظميٍّ فيما يُسمَّى بعظم الحوض لحمايتها مِن العبَث بها.   وإذا دقَّقْنا النظر في عِلْم التشريح نجد أن الأعضاء الزوجية تقع على بُعدٍ متساوٍ تمامًا، سواء أكانتْ هذه الأعضاءُ ظاهرةً أم باطنةً، فإذا مُدَّ خط وهمي رأسي مِن منتصف الرأس ليقسم الإنسان إلى قسمين، نرى أن كل عين على مسافة متساوية مِن هذا الخط مع العين الأخرى، وكذلك الأنف والأذن والكليتان والمبايض والخصيتان والثديان والرجلان واليدان وغير ذلك، فإن وَضْع أعضاء الجسم في هذا النظام الرباني يُحقِّق أحسنَ تقويم للإنسان، وصدَق رب العزة إذ يقول: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين:4].   أخي الكريم، انظرْ إلى أي عضو في جسمك، وركِّز النظرَ لتجد آيةً مِن آيات الله تنطق بحال لسان هذا العضو على عظَمة الخالق سبحانه، فمثلًا الأوعية الدموية التي تجعل الدم يسير في اتجاهٍ واحدٍ مهما تغيَّرتْ أوضاع الإنسان.   ولو نظرتَ إلى قدرة الله التي جعلت القصبة الهوائية مفتوحةً على الدوام بأنْ خَلَقَها على هيئة حلقات غضروفية مفتوحة باستمرار مِن حيث إنَّ حاجة الجسم إلى الهواء مستمرة.   وانظر إلى العين تجد بها جفنًا يحميها مِن الأذى، وكذلك للجفن شعر يعكس الشمس عنها كمظلة إلهية لهذا العضو الحساس، وكذلك تجد للعين ماءً تفرزه غُددٌ، يجعلها لا تجفُّ ويحميها مِن الإصابة بالأمراض والميكروبات؛ حيث أثبت العلم الحديث أن ماء العين به مواد كيميائية تحمي العين مِن غَزْو الميكروبات.   وتجد في الأنف شعيرات تحجز الأتربة، وتدفئ الهواء ليدخل التجويف، وهو متلائم مع درجة الحرارة الداخلية. وانظرْ كيف تخرج إفرازات الأذن مِن الداخل إلى الخارج بواسطة الأهداب التي لا تُرى بالعين المجرَّدة، كما أنه توجد أهداب تُساعد على دخول أشياء مثل أهداب قناة فالوب التي تلتقم البويضة مِن المبيض، ثم تُدخلها إلى القناة، ثم إلى تجويف الرحم.   لماذا خَلَق الله تعالى الخصية في كيس خارج الجسم؟ فلو نَظَرْنا إلى عظَمة خلق الخصية، وهي العضوُ الوحيد الذي يقوم بوظائفه المتعددة في درجة حرارة أقل مِن درجة حرارة الجسم، وهي لذلك جعلها رب العزة خارج الجسم، وبداخل كيس الصفن الذي يحتوي على خلايا مُنظِّمة لدرجة الحرارة (تكييف رباني) لإنتاج الحيوانات المنوية، فإذا بقيت الخصيةُ داخل جسم الإنسان (الخصية المعلقة)؛ أي: التي لم تنزل في الكيس - فإن الخصية تتعرَّض للتلف الأبدي، فتفقد المقدرة على تكوين النُّطَف المنوية؛ ومن ثَم قد يُصاب هذا الذكَرُ بالعقم، وسبب تلف الخصية المستوقفة أنها وُضعتْ في مكانٍ لا يتلاءم مع الحرارة المطلوبة لتكوين الحيوانات المنوية؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2].   كلُّ هذه الظواهر وغيرها تُشير إلى أن وراءها خالقًا حكيمًا سبحانه، جَعَل هذه الأجهزة تتناغم مع بعضها بعضًا، كلُّ عضو بل كل خلية تقوم بدورها على أحسن وجهٍ، حتى وقت نوم الإنسان وذهاب الوعي لا تتوقف عن العمل، فالتنفُّس يعمل، والدورة الدموية لا تنام، والقلب يَقِظ للعمل بانتظام.   النهي عن الشُّرب والأكل واقفًا: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشُّرب قائمًا؛ (رواه مسلم)، وهناك أحاديثُ كثيرة في هذا الشأن، ولكن حسبي هنا أن أبرز البحث العلمي، وما توصَّل إليه العلماءُ في ذلك؛ فالشُّربُ وتناول الطعام جالسًا أصحُّ وأسلمُ وأهنأُ؛ حيث ينزل الماء والأكل على جدران المعدة بتُؤَدة ولطفٍ، وأما الشرب واقفًا فيؤدي إلى تساقُط السائل بعنف إلى قعر المعدة، ويصدمها صدمًا، وإن تَكرار هذه العملية يؤدي إلى استرخاء المعدة، وعُسر الهضم، وقرحة المعدة!   ويرى الأطباء أن الإنسان في حالة الوقوف يكون متوترًا، ويكون الجهاز العصبي نشطًا للسيطرة على عضلات الجسم؛ لكي تتمَّ عملية التوازن والوقوف منتصبًا.   وأثبت العلمُ أن الطعام والشراب قد يؤدي تناولهما في حالة الوقوف إلى إحداث انعكاساتٍ عصبيةٍ شديدةٍ، تقوم بها نهايات العصب المبهم المنتشرة ببطانة المعدة، هذا العصب مربوط بالمعدة والقلب؛ فالتنبيه العنيف لهذا العصب بالماء البارد مثلًا يؤدي إلى انعكاساتٍ خطيرة، وإطلاق شرارة النهي العصبي الخطيرة ربما نبَّه القلب فأوقفه عن العمل، وهناك حالات موت مفاجئ كثيرة بسبب التنبيه الشديد جدًّا لهذا العصب المبهم!   وأثبت أطباء الأشعة أن قرحات المعدة تكثر في المناطق التي تكون عرضةً لصدمات اللقم وجرعات الأشربة بنسبة تبلغ 95% مِن حالات الإصابة بالقرحة.   كما أثبت الطب الحديث أن عملية التوازن أثناء الوقوف تُرافقها تشنُّجات عضَلية في المريء تُعيق مرور الطعام بسهولة إلى المعدة.   ومِن هنا ننصح في حالات الحر الشديد، وفي الجهد العالي - أن يشرب الماء القليل وعلى فترات، وهذا ما أرشدنا إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثه عن أنس بن مالك، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفَّس في الشراب ثلاثًا، ويقول: ((إنه أَمْرَأُ وأَرْوَى))؛ (رواه مسلم)؛ أي: إنه يشرب على ثلاث دفعات.     الوضوء وقاية مِن الميكروبات والجراثيم: أثبت العلم الحديث أنَّ الإنسان الذي يتوضَّأ في اليوم خمس مرات، يُنظف أنفه وفمه مِن الجراثيم والأتربة والمتعلقات.   ولقد أُجري العديد مِن الفحوصات على عددٍ مِن الذين يتوضَّؤون باستمرار، وظَهَر عندهم الأنفُ والفم نظيفينِ خاليينِ مِن الميكروبات، أمَّا الذين لا يتوضَّؤون فقد وُجِدَتْ عندهم كميات كبيرة مِن الميكروبات العنقودية الشديدة العدوى والكروية السبحية السريعة الانتشار وغير ذلك، وأثبت العلماء أن التسمُّم الذاتي يحدث نتيجة نمو وتكاثُر الميكروبات الضارة في تجويفي الأنف والفم، ومنهما إلى داخل المعدة والأمعاء، وتؤدي إلى الالتهابات المتعددة؛ لذلك شرع الاستنشاق بصورة متكررة ثلاث مرات في كل وضوء.   أما المضمضة فقد ثبت علميًّا أنها تحفظ الفم والبلعوم مِن الالتهابات وتقيُّح اللثة، وتقي الأسنان مِن التسوس، وإضافة إلى ذلك فإن المضمضة تُنمِّي وتقوِّي بعض عضلات الوجه، أمَّا غسل الوجه واليدين إلى المرفقين والقدمين - فيزيل الغبار وما يحتوي عليه من الجراثيم، فضلًا عن تنظيف البشرة مِن المواد الدهنية التي تُفرزها الغُدد الجلدية، بالإضافة إلى إزالة العرق، فإذا أهمل الإنسانُ في نظافة جلده فترةً طويلةً بدون غسلٍ، فإن إفرازات الجلد المختلفة مِن دهون وعرق تتراكم على سطح الجلد مُحدثةً حكَّةً شديدةً.   وهناك فائدة أخرى للوضوء، وهي تنشيط الدورة الدموية في الأطراف العلوية مِن اليدين والساعدين، والأطراف السفلية مِن القدمين والساقين، فإن تدليكها يُنشِّط الأطراف، ويزيد مِن نشاطها وفعاليتها.   كما توصَّل أحدُ العلماء إلى أنَّ سقوط أشعة الضوء على الماء أثناء الوضوء يُؤدي إلى انطلاق أيونات سالبة، ويُقلِّل الأيونات الموجبة؛ مما يُؤدي إلى استرخاء الأعصاب والعضلات، ويتخلَّص الجسم مِن ارتفاع ضغط الدم والآلام العضليَّة، وحالات القلق والأرق؛ إذًا فالوضوء هو أفضل وسيلة للاسترخاء وإزالة التوتر، ومِن هنا يتجلَّى الإعجاز العلمي في شرعية الوضوء في الإسلام لمصلحة جسم الإنسان.   الإعجاز النبوي في تخليل الأصابع: لقد ثبَت طبيًّا أن أمراض الحساسية في الجلد يكون سببها ناشئًا مِن بين أصابع الرجلين؛ خاصة لأنَّ أصابع الرجلين محبوسة طوال اليوم، وبخاصة في فترة العمل تكون داخل الحذاء؛ مما يؤدي إلى أمراض والتهابات وتكوين فطريات.   أما بالنسبة لليدين: فالأصابع فيهما عرضةٌ للتلوث؛ لأنهما أداة العمل، والأخذ والعطاء، وعادة تتراكم القاذورات والأوساخ بين الأصابع؛ لذلك اعتنت السنة المطهَّرة بتخليل الأصابع؛ صيانةً للجسد من الأذى، ومعلوم أن صحة الأبدان لها أثرها الفعَّال في أداء العبادات، والقدرة على أداء مهام حياة الإنسان، وهناك فوائدُ كثيرة، وإنما هذا غيضٌ من فيض، وقليلٌ مِن كثير.   الصلاة تلك المصحَّة الربانية: الصلاة هي الدواء الناجع، والشفاء الرباني لكل أمراض الدنيا البدنية والعضوية والنفسية والعصبية؛ ففي عملية الصلاة تتحرَّك كلُّ عضلة مِن عضلات الجسم، صغرتْ أم كبرتْ، وفي هذا صيانةٌ لها، وتدريبٌ لتقويتها.   فجِسْمُ الإنسان يتكوَّن مِن عظامٍ ومفاصل وعضلات وشرايين وأوردة وأعصاب وأجهزة، ولكنها تحتاج إلى تزييتٍ وتشحيمٍ كلَّ يومٍ بالحركة المنتظمة، فالنومُ والراحة التامة يصيبانها بالكسل والملل والتيبُّس، ولعل وجَع الظهر أو جلطة الساقين الوريدية تأتي للأفراد الذين يُؤْثِرون الراحة التامة.   مِن فوائد الصلاة البدَنيَّة: تحسينُ عمَل القلب، وتوسيعُ الشرايين والأوردة، وإنعاش الخلايا، وتنشيط الجهاز الهضمي، ومكافحة الإمساك، وإزالة العصبية والأرق، وزيادة المناعة، وتقوية العضلات، وزيادة مُرونة المفاصل، وإزالة التيبُّس، وتقوية الأوتار والأربطة، وزيادة مرونتها، وإصلاح العيوب الجسمية، وتشوُّهات القوام والوقاية منها.   وقد ثبَت علميًّا أنه يندر بين المصلين ضيق الصدر الذي هو بسبب تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الرئتين؛ فأداءُ الصلاة خمس مرات كلَّ يومٍ - خيرُ وسيلة لجني فوائد التمرينات الرياضية، فأوقاتها أنسب الأوقات التي يُوصى فيها بأداء التمارين، فقبل الشروق حيث الجو النقي، وحيث الجسم ما زال متأثرًا بالنوم، وفي الظهيرة حيث حلَّ بالجسم تعبُ العمل، وفي العصر حيث قارب يوم العمل أن ينتهي، وفي الغروب حيث يبدأ الإنسان استعداده لراحة الليل، وفي العشاء حيث يختم الإنسانُ يومه؛ يقول بعض علماء الطب: لعلَّ الصلاة هي أعظم طاقة مولِّدة للنشاط عُرفتْ إلى يومنا هذا! وكم من أمراضٍ فشلت العقاقير في علاجها، فلما رفع الطب يديه عجزًا وتسليمًا دخلت الصلاة، فبرأتهم مِن عِلَلِهم! ومِن هنا نجد ما يؤكِّد لنا هذا في السنة النبوية وهو حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((يا بلال، أرحنا بالصلاة)).   مِن فوائد السجود سَحْب الشحنات الكهربائية الضارة من الجسم: جِسْمُ الإنسان يستقبل قدرًا كبيرًا مِن الأشعة الكهرومغناطيسية يوميًّا مِن الأجهزة الكهربائية التي يستخدمها الإنسانُ والآلات المتعددة التي لا يُستغنى عنها، ويعتبر جسم الإنسان جهاز استقبال كميات كبيرة مِن الأشعة الكهرومغناطيسية، ويعني ذلك أنك مشحون بالكهرباء وأنت لا تشعر، ومن هنا قدَّم باحثٌ غربيٌّ غير مسلم بحثًا علميًّا مفاده: إن أفضل طريقة لتخلُّص جسم الإنسان مِن الشحنات الكهربائية الموجبة التي تؤذي الجسم - أن يضع جبهته على الأرض أكثر مِن مرة في اتجاه مركز الأرض وهو الكعبة؛ ذلك لأن الأرض سالبة، فهي تسحب الشحنات الموجبة؛ لذا فإنَّ السجودَ في الصلاة هو الحالة الأمثل لتفريغ تلك الشحنات الضارة.   وكذلك فإنَّ السجود مِن شأنه أن يرويَ الدماغ بالدم، خاصة في حالات التيه، وخرف الشيخوخة، الذي مِن بعض أسبابه نَقْص في وصول الدم إلى المخ؛ لذلك فإن السجود يجعل الدم ينصبُّ على أوعية الرأس، وبحكم فِعل الجاذبية أيضًا.   وكذلك يُعالج السجود نظافة الجيوب الأنفية، بسَحْب إفرازاتها أولًا بأول، وبقية الجيوب الأنفية التي بالرأس يزداد تدفُّق الدم إلى المخ والجيوب؛ مما يمدُّه بالأكسجين والمواد الغذائية؛ فيؤدي وظيفته على أحسن وجه.   والسجود أيضًا يساعد على تخفيف الاحتقان بمنطقة الحوض؛ ومن ثَم يساعد على الوقاية من الإصابة بالبواسير وحدوث الجلطات. والسجود يعالج انقلاب الرحم عند الإناث، وعلاجُه تمرينات تُشبه تمامًا حركات الصلاة.   وكما هو معلوم فإن الإنسان هو قبضة مِن طين، ونفخة من روح، وقد خلقه الله تعالى بصورةٍ تُناسب مهام الاستخلاف في الأرض، فهو صاحب العقل، ميَّزه الله تعالى به عن باقي المخلوقات كي يفكِّر، وجعل الله له عينين ولسانًا وشفتين، وكل الأعضاء الخارجية والداخلية، فلو نقص عضوٌ أو زاد لكان المنظر قبيحًا، ولا يمكن أن يكون في خلق الله نقصٌ ولا زيادةٌ ولا عبثٌ؛ فكل شيء عنده بمقدار، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، فهذه آيات محكمات دالة على جليل صُنع الخالق؛ لذا سوف نتوقَّف عند قوله تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]؛ لكي نتعرَّف على بعض الأسرار: فإن هذه الآية التي بها كلمات معدودات تحمل بين طياتها أحلى المعاني، وأدقَّ التعبيرات، ففيها يلفت الله سبحانه وتعالى أنظارنا إلى ما تحتوي عليه أجسامنا مِن الآيات والمعجزات التي تدلُّ على عظمة الخالق وجمال الخَلْق؛ ففي هذه الأجسام البشرية نلمس دقة التكوين، وتماسُك البناء، وحُسن المظهر، وهو ما لا نستطيع إدراكه بالعقل المجرد؛ فالجسمُ البشري بناءٌ ضخمٌ، دقيقُ التركيب إلى درجة تدعو إلى الدهشة والإعجاب، فلم يتوصَّل العلم الحديث إلى بعض أسراره إلا بعد دراسات شاقَّة، وبحوث وتجاربَ كثيرةٍ، قام بها عددٌ كبيرٌ مِن العلماء في مختلف العلوم؛ فنِعَمُ الله علينا كثيرةٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى، فمنها: أن في رأس الإنسان أربعة سوائل: مالح في عينيه يمنعها من اليبس، وعذب في فمه يسوغ به طعامه وشرابه، ومر في أذنه يحميه من الحشرات، ولزج في أنفه يمنع الغبار مِن الدخول إلى رئتيه!   ولو نظرنا إلى تركيب جسم الإنسان لَوَجَدْنا أن الوحدة الأساسية فيه هي الخلية، وتعتبر الخلية المصنع العملاق الذي لا يُرى بالعين المجردة، ويحتوي جسم كل واحد منا على ما يقرب من بليون خلية (ألف مليون خلية)، وتؤدي تلك الخلايا وظائفها الحيوية وفق نظام دقيق جدًّا وضَعه لها الخالق عز وجل، وتوجد هذه الخلايا البشرية في طبقات متزامنة، على أحسن ما يكون البناء، فلو جمعنا مليون خلية مِن هذه الخلايا في مكانٍ واحدٍ، لأصبح حجمُها بقدر رأس الإبرة تقريبًا.   فخلايا جسم الإنسان ليستْ كلها على نمطٍ واحد، مِن حيث الشكل أو الحجم أو الوظيفة؛ بل إنها تختلف فيما بينها اختلافات تُثير الدهشة والإعجاب.   فالخليةُ بإيجاز شديد تُغلَّف مِن الخارج بغشاء رقيق، كما توجد في وسطها نواة، وتسيطر النواة على كل نشاطات الخلية، فهي بمثابة القلب من الجسد، فإذا نُزعتْ من الخلية سرعان ما تموت، وتحيط النواة محتويات أخرى، منها: جهاز جولجي، والجسم المركزي، والسيتوبلازم، وغيرها، فالخلية الواحدة لا تستطيع أن تقوم بوظائفها إلا بالتعاون والتنظيم مع الخلايا المختلفة؛ ليؤدي الإنسان الاحتياجات اليومية، فهذا التنظيم المتجانس يُطلق عليه علماء الأحياء اسم النسيج، ويتركَّب النسيج من ملايين عدة من الخلايا التي تندمج مع بعضها بعضًا، ثم تندمج الأنسجة في تنظيمات أكبر لتكون أعضاءً، ثم تندمج الأعضاء التي تؤدي إلى تكون الجهاز، وهو أكبر التنظيمات الجسدية، وأكثرها تعقيدًا على الإطلاق، فإنَّ الأجهزة الموجودة في جسم الإنسان، هي: الجلد، والجهاز الهضمي، والتنفُّسي، والدوري، والعصبي، والحسي والهيكلي، والعضلي، وجهاز الإفراز الداخلي (الغدد الصماء).   فمجموع هذه الأجهزة التي تختلف في سلوكها ووظائفها وصفتها التشريحية - يتركَّب جسم كل واحد منها مِن الخلايا، الأنسجة، الأعضاء.   هل تعلم مكونات جسم الإنسان المادي؟ أثبتت المعامل والأبحاث أن جسم الإنسان العادي يحتوي على مائة وأربعين رطلًا مِن الماء ومن الدهون، ما يكفي لصنع سبع قطع مِن الصابون، ومن الرصاص ما يكفي لصناعة ستة آلاف قلم رصاص، ومن الملح ما يملأ ملعقة صغيرة، ومن الفسفور ما يكفي لصناعة ألفي عود ثقاب مِن الكبريت، ومن الماغنسيوم ما يكفي لجرعة مِن الأملاح الملينة، ومن الحديد ما يكفي لصنع مسمار طويل، ومن البوتاسيوم ما يكفي لقدح زناد مدفع من مدافع الأطفال، ومن السكر ما يملأ زجاجة عادية.   هذا هو الإنسان الذي خُلق مِن تراب، فإذا مات عاد إلى الأرض وتحلَّل جسمُه إلى هذه العناصر، ودخَل في تركيب أجسام أخرى حيوانية ونباتية، وصدق الله العظيم: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].     عُجْب الذنَب أصل الإنسان الذي لا يبلى: وهو آخر عظمة في العمود الفقري ويُسمَّى: العصعص، وقد جاء ذكرُه في الأحاديث النبوية على أنه هو أصل الإنسان، والبذرة التي يُبعث منها يوم القيامة، وأن هذا الجزء لا يبلى، ولا تأكله الأرض!   قال صلى الله عليه وسلم: ((ثم ينزل من السماء ماء، فيَنبتون كما يَنبت البقل، وليس في الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظمًا واحدًا، وهو عَجْبُ الذَّنَب))؛ (أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما).   الزائدة الدودية تشهد على وجود الله: يظن الناس خطأً أن الزائدة الدودية عضو زائد في جسم الإنسان لا فائدة لها، وقد اكتشفت الأبحاث العلمية الحديثة الدور الحقيقي للزائدة الدودية ومنافعها الهائلة للإنسان، فقد ثبت أنها مسؤولة عن إنتاج وحفظ مجموعة متنوعة مِن البكتيريا والجراثيم التي تلعب دورًا مفيدًا للمعدة.   فإنَّ عدد الجراثيم والبكتيريا التي يحويها جسم الإنسان تفوق عددَ خلاياه، لكن السواد الأعظم من هذه الكائنات الدقيقة يمارس دورًا إيجابيًّا داخل الجسم، ويساعد على هضم الأطعمة.   وتُشير الدراسة إلى أن أمراضًا معينة مثل الكوليرا أو الإسهال الشديد قد تُؤدي إلى إفراغ الأمعاء مِن هذه البكتيريا والجراثيم المفيدة، وهنا يبدأ دور الزائدة التي تقوم في هذه الحالة بالعمل على إعادة إنتاج وحِفْظ تلك الجراثيم.   أكبر عضو في جسم الإنسان: يعتبر الجلد أكبر عضو في جسم الإنسان؛ إذ تبلُغ مساحته 2 م2! تنمو خلايا الجلد وتموت وتستبدل نفسها باستمرار، ويعتبر الجلد الكاميرا المخفية في جسم الإنسان، فهو ستار محكم للأعضاء؛ حيث لا يسمح للجراثيم بالدخول إلى الجسم، فضلًا عن أنه قادر على تحطيم هذه الجراثيم بمساعدة المواد التي تفرزها غددُه، وكذلك لا يسمح بدخول الماء والغازات، فهو يسمح بخروج الماء ولا يسمح له بالدخول، رغم مسامه التي تساعد على الإخراج.   ومِن أهم وظائف الجلد حِفْظ الجسم عند درجة حرارة ثابتة؛ إذ إنَّ أعصاب الأوعية الدموية في الجلد تنشطها عندما يشتد حرُّ الجو كي تشعَّ منه الحرارة، وتفرز غدد العرَق ما يزيد على لتر مِن الماء، فتخفض درجة حرارة الجو الملاصق للجلد، أما إذا اشتدَّ برد الجو، انقبضت الأوعية الدموية؛ فتحتفظ بحرارتها، ويقل العرَق.   ومِن عِظَم قدرة الخالق في هذا العضو أن انتشار الأعصاب تحت الجلد شيء لا يكاد يُصدَّق؛ حيث تنتهي الألياف العصبية بجسيمات خاصة يختصُّ كل نوع منها بنقل حس معين، فهناك جسيمات تنقل البرد، وأخرى تنقل الحرَّ واللمس والألم... إلخ، وهكذا تتنوَّع الإحساسات وتتباين، فعندما يُصاب المرء بحروق شديدة، فإن بعض وظائف الجلد تتوقَّف أو تتعطَّل، وقد يكون توقُّفُها أخطرَ مِن فَقْد الجلد نفسه؛ لأنه يتعطَّل نقل الإحساس، ولا سبيل لإعادته إلا بتجديد الجلد وتبديل التالف؛ يقول رب العزة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56]؛ إذًا فالقرآن قد تكلم عن هذه الحقيقة العلمية قبل أن تصبح حقيقة مستقرة ثابتة.     الحكمة الإلهية مِن وُجود الأظافر: مِن البدهي أن الإنسان إذا سألته عن فوائد الأظافر لقال لك: إنها للتجميل والتزيُّن والحماية مِن الاحتكاك وتآكل الأصابع... إلخ، ولكن هناك حكمة إلهية أثبَتَها العلمُ الحديث؛ حيث إن الأظافر تغطي شبكة من الشعيرات الدموية التي تعمل بدورها على توازن درجة حرارة الجسم، وهذه الشعيراتُ تعتبر نهاية الدورة الدموية في جسم الإنسان.   أ. د. علي فؤاد مخيمر   شبكة الالوكة  
    • وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً٤٥-فاطر الحق سبحانه وتعالى رحيم يُوالي نعمه حتى على الكافرين به، والعاصين لأوامره، ولو أن الله تعالى آخذهم بظلمهم - وظلمهم كثير - ما ترك أحداً منهم، فلماذا يعاملنا الله هذه المعاملة؟ ولماذا يمهلنا هذا الإمهال؟ قالوا: لأنه تعالى ربنا وخالقنا، ويعلم أن الإنسان ضعيف أمام شهوات نفسه، ضعيف أمام هواه وأمام شيطانه؛ لذلك سبق حِلْمُه غَضَبه، وسبق عفوُه مؤاخدته، وقال سبحانه { { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 30].
      وورد في الأثر أن الحق سبحانه يخاطبنا بقوله تعالى: " .. لو لم تذنبوا لخلقتُ خلقاً غيركم يذنبون، فيستغفرون فأغفر لهم" وإلاَّ فكيف يُوصف الحق سبحانه بأنه توَّاب غفَّار، فالحق سبحانه يريد أنْ يثبت لنفسه سبحانه كل صفات الكمال، وأولها الوجود الواجب، ثم الحياة، وكل الصفات تابعة لهاتين الصفتين.
        وهذه الصفات لله تعالى يمكن أنْ تقسم إلى قسمين: قسم له مقابل: وهي صفات الفِعْل من الله تعالى، مثل: المحيي يقابلها المميت، والمعز يقابلها المذل، وقسم ليس له مقابل وهي صفات الذات مثل: الحي العزيز القهار الحليم، فهي صفات لا نقيضَ لها.
        والحق سبحانه لا يُؤاخذ الناسَ بما كسبوا. أي: من التعدي والظلم؛ لأن الله خلق الإنسان، وخلق له شهوات وغرائزَ، وكل أمور الدين جاءت لِتُعلي هذه الشهوات، وتسمو بهذه الغرائز، لا لتمحوها، جاءت لتهذبها لا لتقضي عليها، وإلا لو أن الحق سبحانه أراد ألاَّ تحدث هذه التعديات وهذا الظلم ما جعل الغرائز أصلاً.
      فمثلاً غريزة الجنس خلقها الله لعمارة الكون، ويريد الله من الإنسان أنْ يُعلي من هذه الغريزة بحيث تكون في الحلال وتحت مظلة الشرع، وسبق أنْ بيَّنا الفرق في هذه المسألة حين تتم في النور وتحت مظلة شرع الله، وعلى كلمات الله، وكيف نفرح بها ونعلنها ونفخر بها، أما لو تمت في الخفاء بعيداً عَمَّا شرعَ اللهُ فنحاول كتمانها، والتخلص من ثمرتها إنْ كان لها ثمرة، وإنْ ظهرت للناس كانت وصمةَ عار لا تُمحَى.
      لذلك جاء في الحديث "أن رجلاً من الصحابة كان شديد الغيرة على بناته، فلما تقدم رجل لخطبة واحدة منهن ذهب ليخبر رسول الله، فتبسَّم رسول الله وقال له: جدع الحلال أنف الغيرة" .
      يعني: الأمر الذي كنت تغار منه ولا تقبله، الآن تفرح به وتدعو الناس إليه، لماذا؟ لأنه جاء من طريق الحلال الذي شرعه الله، وكلمة الحق هي التي أبرزتْ العواطف، وجعلتْ المهيِّج المثير مُسْعِداً لا غضاضة فيه.
        كذلك غريزة حب الاستطلاع موجودة في الإنسان ليتأمل الكون من حوله، ويبحث عن أسرار الله فيه، وما جعلها الله للتلصُّص على الناس، وتتبُّع عوراتهم وأعراضهم. كذلك الأكل والشرب غريزة جعلها الله لأنها مُقوِّم من مُقوِّمات الحياة، وينبغي أنْ تكون في هذه الحدود حدود استبقاء الحياة، لا أنْ تتحوَّل إلى نَهَم وشَراهة، وتصل إلى حَدِّ التُّخمة.
      والغريزة جعلها الله في الإنسان لحكمة، فالولد مثلاً يتحمل أبوه مشقة تربيته والإنفاق عليه، ويظل الولد عالة على أبيه طيلة خمس عشرة سنة، ولولا أن الله تعالى ربط النسل بالعملية الجنسية، وجعل فيها لذة الجماع لزَهدَ كثيرون في الإنجاب، كذلك الأم تتحمل مشقة الحمل والولادة والرضاعة .. إلخ، حتى أنها لتُقسم في الولادة أنها لا تحمل مرة أخرى، لكن عندما يذهب ألم الوضع، ويكبر الولد تشتاق إلى غيره .. وهكذا.
        وحين تتأمل مسألة الغريزة تجد أن الخالق سبحانه جعل في الإنسان الغريزة ونقيضها، فتراه في موقف رحيماً وفي موقف آخر غَضُوباً، أو عزيزاً في موقف، ذليلاً في موقف آخر، وهاتان الغريزتان لا تجتمعان في الإنسان في وقت واحد، فالظرف الإيماني يحكم عليه مرة بأن يكون عزيزاً، ومرة بأن يكون ذليلاً.
      واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى: { { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة: 54].
      وقوله سبحانه: { { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29].
      إذن: الخالق عز وجل جعل فيك الغرائز المتناقضة، لا يكبت شيئاً منها، لكن لِتُستعمل كل غريزة منها في موقعها المناسب.
        ومعنى: { يُؤَاخِذُ } [فاطر: 45] يعني: يعاقب ويجازي { بِمَا كَسَبُواْ } [فاطر: 45] نقول: كسب واكتسب، كلمة كسب تدل على وجود تجارة فيها ربح ومكسب زيادة على رأس المال، وهي تدل على المكسب الذي يأتي طبيعياً، أما اكتسب ففيها مفاعلة، وهي على وزن افتعل، ففيها افتعال وتكلُّف.
      لذلك يستعمل القرآن كسب في الخير واكتسب في الشر { { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } [البقرة: 286] لأن فعل الخير يأتي منك طبيعياً، لا تكلفَ فيه ولا افتعال على خلاف الشر، فيحتاج إلى محاولات وإلى حِيَل واحتياط وتلصُّص .. الخ.
      لذلك قلنا: إن الطاعة لا تُكلِّف الإنسان شيئاً، أما المعصية فهي التي تكلف الكثير؛ لأن الطاعة تأتي منك طبيعية، أما المعصية فتحتاج إلى حِيَل واحتيال وافتعال.
        فإن قُلْتَ: فما بَالُ قوله تعالى في السيئة { { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } [البقرة: 81].
      نقول: استعمل القرآن كسب مع السيئة؛ لأنه يتحدث عن الذين أسرفوا على أنفسهم، وبالغوا في المعصية حتى أحبوها وعشقوها، بل ويتحدثون بها ويجاهرون، وحتى أن المعصية تأتي منهم طبيعية، كأنها طاعة، ويفعلونها بلا افتعال ولا احتياط، فهي في حَقِّهم كسبٌ لا اكتساب، ويفرحون بها كأنها مكسب فلا يُؤنِّبون أنفسهم، ولا يلومونها، ولا يندمون على معصيتهم.
      والآية هنا بنفس هذا المعنى { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ .. } [فاطر: 45] يعني: عشقوا المعصية والظلم وفرحوا به كأنه مكسب. ثم يأتي جواب الشرط: { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ .. } [فاطر: 45] معنى الدابة: كل ما يدبّ على الأرض. أي: يمشي عليها الهُوَيْنَا، لكن غلبتْ الكلمة على ما يُركب ويحمل الأثقال.
      لذلك قال العربي لآخر: لقد أَعْيَيْتَني شبَّ ودبَّ يعني في شبابك، وفي شيخوختك، وأنت تدبّ وتمشي الهُوَيْنا.
        لكن، ما ذنب الدوابِّ تتحمل عاقبة ظلم الإنسان؟ قالوا: العلاقة هنا أن الدابة مخلوقة مُذلَّلة لخدمة الإنسان وراحته، فمعنى هلاك الدواب أنْ تمتنع راحة الإنسان، وأنْ يمتنع المطر وتجدب الأرض، وعندها لا يجد الإنسان قُوته، لا من لحوم الدواب ولا من نبات الأرض، وفي هذا إذلال للإنسان الذي يرى وسائل حياته وأسباب راحته تُسلَب منه دون أنْ يفعل شيئاً، ولا يقدر على شيء.
      وحين نتتبع آيات القرآن نجد أنه تكلَّم عن هذا المعنى في موضعين:
      الأول: في سورة النحل: { { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [النحل: 61].
      والآخر هنا في فاطر: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } [فاطر: 45].
        قد يرى البعض في الآيتين تكراراً، وحاشا لله أن يكون في كلامه تكرار، فإذا تأملتَ لوجدتَ بينهما خلافاً، يجعل لكل منهما معناها الخاص. فالأولى تتكلم عن ظلم الناس، والأخرى عَمَّا اكتسبوه من السيئات عامة، وكل من اللفظين يعطيك لقطة جديدة لأنني قد أظلم، لكن أندم على ظلمي، ولا أفرح به، ولا أتمادى فيه، أما إنْ صار عادةً لي حتى عشقته، فهو اكتساب وافتعال بالمعنى الذي ذكرنا.
      الأولى تقول: { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا } [فاطر: 45] والأخرى: { { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا } [النحل: 61] كذلك في تذييل الآيتين، ففي الأولى يتحدث الحق سبحانه عن الزمن والأجل الذي لا يتقدم ولا يتأخر، وفي الأخرى يتحدث عن الجزاء، وأن الله تعالى بصير بأعمال عباده، لا يخفى عليه منهم شيء، إذن: فالآيتان متكاملتان، ليس فيهما تكرار أبداً.
      وضمير الغائب في { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا } [فاطر: 45] و { { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا } [النحل: 61] هذا الضمير متصل بالآية قبلها: { { ..وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [فاطر: 44] فالضمير يعود على أقرب مذكور، وهو الأرض، ويفهم هذا المرجع أيضاً بالقرينة العقلية؛ لأن المعنى ينصرف إليها.
        وهذه الآية لها معنا قصة ونحن صغار في كُتَّاب الشيخ حسنرحمه الله ، وكان الشيخ يكلف العريف أنْ يُصحِّح لنا الألواح، وفي هذا اليوم جلس الشيخ حسن يصحح لنا بنفسه، لكن في هذا اليوم لم أكُنْ صححت اللوح (وطلعت خالص) وانتظرت الفَلَكة والمقرعة (تشتغل)، لكن الشيخ قال لي: اسمع أنا سأعلمك كيف تقرأ هذه الآية دون أنْ تخلطها بآية النحل، لا تجمع الظائين ولا السينين يعني: إن قلت (بِظُلمِهِمْ) فلا تقل (عَلَى ظَهْرِهَا) وإنْ قلتَ (بِمَا كَسَبُوا) فلا تقل (لاَ يَسْتأخِرون سَاعةً) وهكذا كان شيخنارحمه الله يعايش القرآن ويتفاعل معه، وصدق الله العظيم { { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر: 22].
      وكان لي معه أيضاً - رحمة الله عليه - قصة أخرى، ما زلت أذكرها في سورة الشورى، وجلس الشيخ يُصحِّح لنا اللوح وكنا هربنا ولم نصحح، فلما جلستُ أمام الشيخ قرأت (حم عسق) وقد مرت بنا حم وطه وغيرهما لكن لم يمر بنا مثل (عسق) فقرأتها كما هي عَسَق، فضربني الشيخ فقرأتُ أيضاً عَسَق فضربني، وفي المرة الثالثة عرف أنني لم أصحح اللوح على العريف، فقال: قُلْ عين سين قاف، فظلت ملازمة لي لا أنساها حتى الآن، رحمهم الله ورَضي عنهم أجمعين.
        والمراد بالأجل في { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } [فاطر: 45] أي: القيامة والعذاب، أو جاء أجل إفنائهم بعذاب يستأصلهم، وعرفنا أن عذاب الاستئصال مثل الصيحة والرجفة والخسف .. الخ لا ينزل إلا على يأس من هداية القوم، بحيث لم يَعُدْ هناك أمل في حياتهم، كما جاء في قصة سيدنا نوح - عليه السلام - لما قال: { { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [نوح: 26-27].
      لكن إنْ كان هناك أمل في أنْ يؤمن بعض القوم فلا ينزل بهم مثل هذا العذاب.
      أو: يراد بالأجل هنا أجل الأمة، كما قال سبحانه: { { لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } [يونس: 49] فكأن الآجال ثلاثة: أجل للدنيا ونهايته قيام الساعة، وأجل للشخص الواحد بانتهاء عمره، وأجل للأمة كلها حين يأتيها عذاب عام يقضى عليهم جميعاً مرة واحدة.
      أو: لكل أمة أجل تنتصر فيه، وتغلب مع وجود المعاندين والكافرين، كما حدث لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا انتصر المسلمون في بدر، فقد كان لأمة الظلم والكفر أجل انتهى بالإسلام وقوة المسلمين، مع أن الأمل كان بصيصاً من نور، بحيث يغلب اليأسُ على الأمل.
      حتى أن سيدنا عمر - رضي الله عنه - يقول لما نزلت: { { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45] قال عمر: أىُّ جمع هذا ونحن عاجزون عن حماية أنفسنا؟
      فلما جاءت بدر وانتصر المسلمون، قال: صدق الله { { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45] فقد اشتدتْ شوكة الإسلام، وقوَى المسلمون، وأذنت دولة الكفر بالزوال، انتهى أجل الأمة الكافرة الظالمة، وبدأ أجل الأمة المؤمنة.
        لذلك حين نتأمل قوله تعالى: { { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ * وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ * وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ .. } [فاطر: 19-22].
      نجد أربعة متقابلات، الأولان منها مطابقان لحاله صلى الله عليه وسلم مع أمته قبل انتشار الإسلام في فترة غلبة الجاهلية على سيدنا رسول الله وأتباعه في مكة، فالأعمى أي: الجاهل بالحكم، والبصير العالم به، والظلمات يعني: الضلال والكفر، والنور هو الإيمان، لأنهم كانوا عمياً، فأراد الله أنْ يُبصِّرهم، وكانوا في ظلمات الجهل والضلال فأخرجهم الله منها إلى نور الإيمان.
      أما المتقابلان الأخيران فيطابقان حاله صلى الله عليه وسلم مع أمته بعد أن أرسى الإسلامُ دعائمه، وتمكّن من نفوس المؤمنين { { وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ } [فاطر: 21-22] فتراه بدأ بصفة الإيجاب فلم يقل الحرور ولا الظل كما قال { { ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } [فاطر: 19] لماذا؟ لأن الحديث هنا عن أمة النصر وأمة الإيمان، فناسب أنْ يبدأ التقابل بصفة الخير التي تناسب هذه الأمة الجديدة.
      وفي هذا المعنى إشارة لطيفة إلى انتهاء الجاهلية وظلماتها وعماها، وإيذان ببداية أجل جديد، لأمة الإيمان الوليدة التي تستظل بواحة الإيمان بعد أنْ أحياهم الله بالإيمان وكانوا أمواتاً بالكفر، كما قال سبحانه في آية أخرى: { { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا .. } [الأنعام: 122].
      وسبق أنْ بيَّنا الفرق بين مَيْت وميِّت، الميِّت بالتشديد هو مَنْ يؤول أمره إلى الموت وإنْ كان حياً، ومن ذلك خطاب الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم: { { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [الزمر: 30] يعني: سيؤول أمرك إلى الموت. أما ميْت بالسكون فهو الذي مات بالفعل.
        إذن: نستطيع أن نقول { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } [فاطر: 45] أي: بنُصْرة الإيمان على الكفر { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } [فاطر: 45] كلمة عباد وعبيد جمع لعبد، ومع أنهما جَمْع لمفرد واحد إلا أن معناهما مختلف؛ لأن الإنسان العبد مِلْك سيده، وما دام مِلْكه فهو مطيع لأوامره، والإنسان المؤمن له اختيار، فالله تعالى يخاطبه وهو يطيع أو يعصي، في حين أن العبد لا يعصي سيده إنْ كان من البشر.
      نعم قد يخالف أمر الله، لكنه لا يخالف أمر سيده، كيف؟ قالوا: لأن الله تعالى هو الحليم الغفار، أما السيد من البشر فلا يخلو من جبروت، أو طغيان، أو استبداد وتسلُّط.
      وفَرْق بين طاعة العبد وهو مختار أنْ يعصي وطاعته وهو مقهور على الطاعة، وسبق أنْ مثَّلْنا لهذه المسألة بعبدين سعيد وسعد، سعيد شُدَّ إلى سيده بسلسلة لا يستطيع الفكاك منها، وسعد أُطلِق حُراً لا يقيده شيء، وحين ينادي السيد على أحدهما يأتيه، فأيهما أطوع؟ لا شك أن سعداً أطوع من سعيد؛ لأنه يأتي سيده وهو قادر مختار ألاَّ يأتي، أما سعيد فلا يملك إلا أنْ يجيب؛ لأنه لو عصى لجذبه السيد من السلسلة.
        كذلك الحق سبحانه خلق الخَلْق مختارين، ووضع لهم هذه القاعدة: { { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف: 29] مَنْ شاء أطاع، ومَنْ شاء عصى، وهذا تصرُّف العبيد مع سيدهم، فإنْ قال العبد: يا ربِّ أنت خلقتني ورزقتني وجعلتَ لي الجوارح، وجعلتني مختاراً، وأنا عبد من عبيدك؛ لذلك أتنازل عن اختياري لاختيارك، وعن مرادي لمرادك، لقد اختار هذا العبد أنْ يكون مقهوراً لربه مسخراً كما سُخِّرت السماء والأرض.
      وهؤلاء هم العباد، وهم الصفوة من الخَلْق الذين آثروا مراد الله على مراد أنفسهم؛ لذلك يتحدث عنهم الحق سبحانه ويعطينا صورة لهم: { { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } [الفرقان: 63] يعني: متواضعين غير متكبرين، وعلامَ التكبر { { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } [الإسراء: 37]. { { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً * وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً * وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً * وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [الفرقان: 63-68].
      هذه صفات ثمانٍ ترسم لنا صورة كاملة لمن استحقوا أن يكونوا عباد الله؛ لذلك يخاطبهم ربهم في موضع آخر: { { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزمر: 53].
        ومن رحمة الله بعباده أن الحسنة تمحو السيئة، كما قال سبحانه: { { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } [هود: 114].
      بل وأعظم من ذلك، ألاّ تقتصر رحمة الله على محو السيئة، إنما تُبدَّل السيئة بعد التوبة حسنة: { { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان: 70].
        وحول معنى (عباد) و (عبيد) الذي أوضحناه سمعنا مَنْ يعترض ويقول: في القرآن ما يناقض هذا المعنى، وهو قوله تعالى في موقف القيامة يخاطب الكبراء والسادة الذين أضلُّوا الناس وزيَّنوا لهم الكفر: { { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } [الفرقان: 17].
      ونقول: ليس بين الآيات تعارض كما تقولون؛ لأن الحديث هنا عن الآخرة، وليس في الآخرة اختيار، فلا فَرْق بين (عباد) و (عبيد) في الآخرة.
      وقوله تعالى: { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } [فاطر: 45] ذكر هنا صفة البصر؛ لأنها أقوى وسائل العلم والإدراك، فللعلم وسائل متعددة ذكرها الحق سبحانه في قوله: { { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل: 78].
        فالسمع أول وسائل الإدراك، وهو أول جارحة تتنبه وتؤدي مهمتها في المولود، بدليل أنك تضع مثلاً أصبعك أمام عينه، فلا تطرف، أما إنْ صرخْتَ في أذنه ينزعج ويستجيب للصوت، والسمع كذلك هو الحاسة التي لا تتعطل أثناء النوم؛ لأن بها يتم الاستدعاء، والسمع هو الوسيلة الأولى في القيم والمعنويات، وبه يستقبل الإنسان منهج الله.
      أما البصر وإنْ جاء في المرتبة الثانية إلا أنه أكبر من السمع وأقوى؛ لأنك قد تسمع عن الشيء، لكن لا تلتفت إليه، فإنْ تحوّل من السمع إلى البصر فقد وصل إلى قمة الإدراك الذي لا شكَّ فيه؛ لذلك يقولون: ليس من العين أين. والشيء الذي تسمع عنه قد يكون كاذباً، أمَّا الشيء الذي تبصره فإنه لا يكون إلا حقاً.
      لذلك، فالحق - سبحانه وتعالى - حين يريد أن يؤكد لنا معلومة، يقول سبحانه: { { أَلَمْ تَرَ } [الزمر: 21] لأن الذي تراه العين هو الآكد. وأبو جعفر لما قال لمقاتل: عِظني يا مقاتل، قال له: أعظك بما سمعتُ، أم ربما رأيتُ؟ بالله أجيبوا أنتم بماذا؟ قال: عِظْني بما رأيتَ، نعم لأنك قد تسمع كذباً، أمَّا إنْ رأيتَ بالعين فهو الحق.   التفاسير العظيمة  
    • عناصر الخطبة:   العنصر الأول: تعريف حسن الخاتمة. العنصر الثاني: علامات حسن الخاتمة. العنصر الثالث: أسباب حسن الخاتمة. العنصر الرابع: نماذج لبعض الناس خُتمت لهم بخاتمة السَّعادة.     الأدلة والبيان. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.   وبعد: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وقال يوسف - عليه السلام -: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].   وقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، هذه الآيات وغيرها يوصي الرؤوف الرحيم عباده بالثبات على الدين والموت على الإسلام، لأنه من حصل له ذلك فاز الفوز العظيم الذي لا فوز أكبر منه، وسعد السعادة التي لا شقاوة معها، فإن من علامات سعادة العبد حسن خاتمته، ولا أحسن، ولا أفضل من أن يموت العبد مؤمنًا بربه، راضيًا بدينه، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بخواتيمها"     العنصر الأول: تعريف حسن الخاتمة: حسن الخاتمة هو: أن يوفق العبد قبل موته للتقاصي عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة، ومما يدل على هذا المعنى ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك.   ولحسن الخاتمة علامات، منها ما يعرفه العبد المحتضر عند احتضاره، ومنها ما يظهر للناس.   أما العلامة التي يظهر بها للعبد حسن خاتمته فهي ما يبشر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضلا منه تعالى، كما قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم، وفي قبورهم، وعند بعثهم من قبورهم.   ومما يدل على هذا أيضا ما رواه البخاري ومسلم في (صحيحيهما) عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ فقال: (ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه).   وفي معنى هذا الحديث قال الإمام أبو عبيد القاسم ابن سلام: (ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته، لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة)، وقال: (ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قوما بحب الحياة فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ﴾ [يونس: 7].   وقال الخطابي: (معنى محبة العبد للقاء الله إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحب استمرار الإقامة فيها، بل يستعد للارتحال عنها، والكراهية بضد ذلك)   وقال الإمام النووي رحمه الله: (معنى الحديث أن المحبة والكراهية التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمحتضر، ويظهر له ما هو صائر إليه)     العنصر الثاني علامات حسن الخاتمة: أما عن علامات حسن الخاتمة فهي كثيرة، وقد تتبعها العلماء رحمهم الله باستقراء النصوص الواردة في ذلك، ونحن نورد هنا بعضا منها، فمن ذلك: 1- النطق بالشهادة عند الموت: ودليله ما رواه الحاكم وغيره أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)   كان حبيب العجمي يبكي ويقول: من ختم له بلا إله إلا الله دخل الجنة، ثم يبكي ويقول: ومن لي بأن يختم لي بلا إله إلا الله.   قصة: رجل عاش أربعين سنة يؤذن للصلاة لا يبتغي إلا وجه الله، وقبل الموت مرض مرضاً شديداً فأقعده في الفراش وأفقده النطق، فعجز عن الذهاب إلى المسجد، فلما اشتد عليه المرض بكى ورأى المحيطون به على وجهه أمارات الضيق وكأنه يخاطب نفسه قائلاً: يا رب أؤذن لك أربعين سنة وأنت تعلم أني ما ابتغيت الأجر إلا منك، وأحرم من الأذان في آخر لحظات حياتي، ثم تتغير ملامح هذا الوجه إلى البشر والسرور ويقسم أبناؤه أنه لما حان وقت الأذان وقف على فراشه واتجه إلى القبلة ورفع الأذان في غرفته، وما إن وصل إلى آخر كلمات الأذان: لا إله إلا الله خر ساقطاً على الفراش، فأسرع إليه بنوه فوجدوه قد مات.   2- الموت برشح الجبين أي: أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لما رواه بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (موت المؤمن بعرق الجبين) رواه أحمد والترمذي.   قصة: وأخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول والحاكم عن سلمان الفارسي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرقبوا الميت عند موته ثلاثًا».   إن رشحت جبينه وذرفت عيناه وانتشرت منخراه فهي رحمة من الله قد نزلت به. وإن غط غطيط البكر المخنوق وخمد لونه وأزبد شدقاه فهو عذاب من الله قد حل به.   وأخرج سعيد بن منصور في سننه والمروزى في الجنائز عن ابن مسعود قال إن المؤمن يبقى عليه خطايا يجازي بها عند الموت فيعرق لذلك جبينه.   وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن علقمة بن قيس أنه حضر ابن عمٍ له وقد حضرته الوفاة فمسح جبينه فإذا هو يرشح.   فقال الله أكبر حدثني ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «موت المؤمن يرشح الجبين وما من مؤمن إلا له ذنوب يكافأ بها في الدنيا ويبقى عليه بقية يشدد بها عليه عند الموت».   وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن علقمة أنه حضر ابن أخ له لما حضر (أي حضره الموت) فجعل يعرق جبينه فضحك فقيل له ما يضحكك..   قال سمعت ابن مسعود يقول: إن نفس المؤمن تخرج رشحًا وإن نفس الكافر أو الفاجر تخرج من شدقة كما تخرج نفس الحمار.   وإن المؤمن ليكون قد عمل السيئة فيشدد عليه عند الموت ليكفر بها وإن الكافر أو الفاجر ليكون قد عمل الحسنة فيهون عليه عند الموت.   وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن سفيان قال: كانوا يستحبون العرق للميت قال بعض العلماء إنما يعرق جبينه حياءً من ربه لما اقترف من مخالفته لأن ما سبق منه قد مات.   3- الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر).   4- الاستشهاد في ساحة القتال في سبيل الله، أو موته غازياً في سبيل الله، أو موته بمرض الطاعون أو بداء البطن كالاستسقاء ونحوه، أو موته غرقاً.   ودليل ما تقدم ما رواه مسلم في صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد).   سمعت طلحة بن خراش قال: سمعت جابرا يقول: لقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: (يا جابر! مالي أراك منكسرا)؟ فقلت: يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالا ودينا فقال: (ألا أبشرك بما لقي الله به أباك)؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: (ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وإن الله أحيا أباك فكلمه كفاحا فقال: يا عبدي! تمن أعطك قال: تحييني فأقتل قتلة [ص:135] ثانية قال الله: إني قضيت أنهم لا يرجعون) ونزلت هذه الآية: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].   5- الموت بسبب الهدم لما رواه البخاري ومسلم عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله).   6- ومن علامات حسن الخاتمة، وهو خاص بالنساء: موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو هي حامل به ومن أدلة ذلك ما رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عبادة بن الصامت أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبر عن الشهداء، فذكر منهم: (والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة) يعني بحبل المشيمة الذي يقطع عنه.   7- الموت بالحرق وذات الجنب ومن أدلته أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أصنافاً من الشهداء فذكر منهم الحريق، وصاحب ذات الجنب: وهي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع.   8- الموت بداء السل: حيث أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شهادة.   9- ومنها أيضاً ما دل عليه ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ما له فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد).   10- الموت رباطا في سبيل الله: لما رواه مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان). ومن أسعد الناس بهذا الحديث رجال الأمن وحرس الحدود براً وبحراً وجواً على اختلاف مواقعهم إذا احتسبوا الأجر في ذلك.   11- الموت على عمل صالح: لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ختم له بها دخل الجنة) رواه الإمام أحمد وغيره.   فهذه نحو من عشرين علامة على حسن الخاتمة علمت باستقراء النصوص، وقد نبه إليها العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه القيم (أحكام الجنائز).     العنصر الثالث: أسباب حسن الخاتمة: 1-الاستقامة: في الاستقامة لِحَاقٌ برَكْبِ الأنبياء و المرسلين و الصديقين و الشهداء و الصالحين، قال تعالى: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء:69].   وقد بيَّن المولى سبحانه أن اللحاق بركب المستقيمين والظفر بصحبتهم هي أمنية الأنبياء والمرسلين؛ فذَكَرَ من دعاء سليمان عليه السلام: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل:19].   وحكَىَ عن يوسف عليه السلام ابتهاله إلى ربه بقوله: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف:101].   قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]   محمد بن المُنكدر رحمه الله: يقول صفوان بن سليم رحمه الله: "أتيتُ محمدَ بنَ المنكدر وهو في الموت فقلت: يا أبا عبدالله، كأني أراك قد شَقَّ عليك الموت، فما زال يُهوِّن عليه الأمرَ، ويَنجلي عن محمد، حتى لَكان وجهُه المصابيحَ، ثم قال محمدُ بن المنكدر لصفوان: لو تَرى ما أنا فيه لَقرَّت عينُك، ثم مات"؛ (الثبات عند الممات: ص141).   آدم بن أبي إياس العسقلاني رحمه الله: قال أبو علي المقدسي: "لما حضرت آدمَ بنَ إياس الوفاةُ، خَتم القرآنَ، وهو مُسجًّى، ثم قال: بحُبِّي لك، إلا رَفقت بي في هذا المصرع، كنتُ أُؤمِّلُك لهذا اليوم، كنتُ أرجوك، ثم قال: لا إله إلا الله، ثم قضى"؛ (الثبات عند الممات: ص159).   2-حسن الظن بالله: مفهوم حسن الظن بالله تعالى: هو ظنّ ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما تفتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله تعالى. قال علي بن طالب رضي الله عنه: حسن الظنّ بالله ألا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلا ذنبك.   عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( يقول الله تعالى أن عند حسن ظن عبدي بي )) رواه البخاري ومسلم.   عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال: «كيف تجدك؟»، قال: والله يا رسول الله، إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف».   ودخل واثِلَةُ بن الأسْقَع على أبي الأسود الجُرَشي في مرضه الذي مات فيه، فسلم عليه وجلس. فأخذ أبو الأسود يمين واثلة، فمسح بها على عينيه ووجهه، فقال له واثلة: واحدةٌ أسألك عنها.   قال: وما هي؟ قال: كيف ظنك بربك؟ فأومأ أبو الأسود برأسه، أي حسن.   فقال واثلة: أبشر؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء» رواه أحمد.   3-التقوى: و التقوى عباد الله هي سفينة النجاة التي من ركبها نجا و من تخلف عنها هلك في أمواج﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61] الفتن قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].   أبو بكر بن أبي مريم رحمه الله: يقول يَزيد بنُ عبدربه رحمه الله: "عُدت أبا بكر بن أبي مريم وهو في النَّزع، فقلت له: رحمك الله، لو جَرعت جرعة ماء؟ فقال بيده: لا، وكان صائمًا، ثم جاء اللَّيل، فقال: أُذِّنَ؟ فقلت: نعم، فقطرنا في فمِه قَطرةَ ماءٍ ثم مات"؛ (الثبات عند الممات: ص152).   4-الصدق: والصدق مفتاح الهداية طريق البر فمن صدق الله تعالى في نياته و في أحواله صدقه الله تعالى بالسلامة و حسن الخاتمة قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]   عن شداد بن الهادِ رضي الله عنه، أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: " أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيًا فقسَّم، وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم.   فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أُرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهمٍ فأموت فأدخل الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن تصدق الله يصدقك ".   فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتي به النبي صلى الله عليه وسلم يُحملُ قد أصاب السهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه ". ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: " اللهم هذا عبدك، خرج مهاجرًا، فقُتل شهيدًا، أنا شهيد على ذلك ".   5-التوبة: التوبة هي بداية الطريق ووسطه و نهايته هي عنوان السعادة و منشور الولاية من منحها كان من المفلحين الفائزين قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].   وقد قص النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل أسرف على نفسه ثم تاب وأناب فقبل الله توبته، والقصة رواها الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا، فهل له من توبة، فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة، فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. قال قتادة: فقال الحسن: ذُكِرَ لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره ).أخرجه أحمد و مسلم.   6-الدعاء: و الدعاء هو سلاح المؤمن و المجاهد لا يدع سلاحه حتى تنتهي المعركة و معركتي و معركتك مع الشيطان و لا تنتهي بالظفر و الانتصار حتى يختم للعبد بخاتمة السعادة لذا فالمؤمن لا يفتر لسانه بالدعاء فها هو حبيبك صلى الله عليه وسلم كان لا يفتُر لسانه عن هذا الدعاء: ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))؛ (الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - وصححه الألباني في صحيح الجامع: 7987).   وها هو الحق -جل وعلا -: يُعلِّمنا ويحثنا على أن ندعو بهذا الدعاء العظيم: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]. وكان من دعاء الصالحين أن يتوفَّاهم اللهُ تعالى على الإيمان، وأن يُكفِّر عنهم السيِّئات، وأن يتوفاهم مع الأبرار، وفي ذلك يقول عنهم الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193].   وقد كان مَطلب يوسفَ الصِّدِّيق عليه السلام: حين دعا ربَّه عند انقضاء أجلِه وذَهاب عمُره أن يُميتَه على الإسلام، ويَحشرَه في زُمرة الصالحين، كما قال ربُّ العالمين عنه: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].   فاعلم أخي الحبيب. أنه لا ملجأ من الله إلا إليه؛ فعليك أن تلجأَ إليه في كل وقتٍ وحِينٍ ودائمًا وأبدًا، وأدعو الله أن يرزقَك حسنَ الخاتمة، وأن يُكرمك بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجَنَّة، وألا يحرمك من نعمة النَّظر إلى وجهه الكريم -عز وجل.     العنصر الرابع: نماذج لبعض الناس خُتمت لهم بخاتمة السَّعادة: وأخيرا نقف مع صور من حسن الخاتمة نسأل الله تعالى أن يحسن ختامنا   مجاهد بن جَبر رحمه الله يموت وهو ساجدٌ: يقول الفَضل بنُ دُكَين رحمه الله: "مات مجاهدٌ وهو ساجدٌ"؛ (الثبات عند الممات: ص123).   عبد الله بن المبارك رحمه الله: قيل: إن عبدالله بنَ المُبارك لما حضرته الوفاةُ فتح عينيه، وضحِك، وقال: ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ [الصافات: 61].   وهذا حدث أيضًا مع شيخ القُرَّاء أبي بكر النَّقاش، وأبي بكر النَّيسابُوري، ورِبعي بن حِراش العبسي.   العلاء بن زياد العدوي رحمه الله: يقول زُهير بن أبي عطيَّة: "لما احتضر العلاءُ بن زياد العدوي، بكى، فقيل له: ما يُبكيكَ؟ قال: كنتُ - واللهِ - أحِبُّ أن أستقبل الموتَ بالتوبة، فقيل له: فافعل رحمك الله، قال: فدعا بطَهور، فتطهَّر، ثم دعا بثَوبٍ له جديدٍ، فلبِسَه، ثم استقبل القبلةَ، فأومأ برأسِه مرَّتين.. أو نحو ذلك، ثم اضجع، فمات"؛ (المحتضرين لابن أبي الدنيا: ص126).   إبراهيم بن عبدالواحد المقدسي رحمه الله: "حُكِي عنه أنه لما جاءه الموتُ، جعل يقول: يا حيُّ يا قيُّوم، برحمتك أستغيث! واستقبل القبلةَ، وتشهَّد"؛ (سير أعلام النبلاء: 22/51).   في "صفة الصَّفوة": عن عبدالعزيز بن أبي رواد قال: "دخل قومٌ حُجَّاجٌ ومعهم امرأة تقول: أين بيتُ ربي.. أين بيت ربي؟ فيقولون: الساعة تَرَينه، فلما رأوه قالوا: هذا بيتُ ربِّك، أما ترينه؟ فخرجت تشتد وتقول: "بيت ربي.. بيت ربي"، حتى وضعت جبهتها على البيت، فوالله ما رُفِعَت إلا ميتة.   وقال الشيخ القحطاني في "تذكرة الإخوان": "حدَّثَنى صاحبٌ لنا أنه مات رجل من قريتِهم، وكان مُؤذِّنًا للقرية ولا يأخذ على ذلك أجرًا، وكانت له مزرعة، لا يمنع أحدًا الأكلَ منها، لا من إنسان، ولا من حيوان، وكان كثيرَ الصَّدَقة، فمرِض قبل موته لمدة أربعة أيام، وعند احتضاره اجتمعنا، وكان لا يكلمنا، وكان يردد: "أستغفر الله، لا إله إلا الله"، وفجأة رفع يده في الهواء، كأنه يصافح أحدًا، وهو يقول: أهلاً بصديقي وحبيبي، ثم مات.   وقال أيضًا: "إنه أنزل رجلاً في قبره في ليلة ظلماء، شديدة الظُّلمة، وكان الجوُّ غائمًا، وكان هذا الرجل من الدعاة، وقد مات ليلة الجمُعة، وصلَّى عليه الشيخ ابنُ باز، ثم ذهبنا للمقبرة، وطلبنا من أحد الإخوة أن يأتينا بسراج أو كشَّاف لكي ننير القبر، ولكنه أبطأ علينا، فأخذت أعسُّ اللحد بيدي، فقلت للإخوة: أعطوني الميت، فلمَّا سللته من جهة الرِّجلَين، ووضعته في قبره، وفككت تلك الأربطة، وإذا بالأنوار خرجت من ذلك القبر، وأنارت القبر، ورآه كلُّ مَن كان معي، وكانت رائحة المسك تخرج من ذلك القبر.     مات وهو على هيئة الصلاة: وهذه قصة رجلٌ يُدعى "ناصرًا"، وكان رجلاً صالحًا يَعمل نجَّارًا في الرياض، وكان كلما حان وقت سُنَّة الضحى، أغلق دكَّانه، وانطلق إلى المسجد المجاور للدُّكان، ثم توضأ وصلَّى سُنَّة الضُّحى، فبعد أن يَنتهي من صلاته: يَعود فيفتح دكانه، ثم يَعمل فيه، وفي يوم مِن الأيام أغلق دكانه كعادته، ودخل المسجد ليُصلِّي الضحى فتوضأ، ثم كبَّر وصلَّى، وما أن انتهى من الرَّكعة الأولى، وشرع في الركعة الثانية، فوضع يده اليمنى على اليسرى على الصدر، ثم مات وهو يُناجي ربه، مات وهو يُصلِّي، وما علموا بموته إلا عندما دخل المؤذن ليُؤذِّن لصلاة الظهر، فحملوه إلى بيته، وقاموا بتغسيله، فكلما أعادوا يده إلى جنبه، أعادها مرَّة أخرى إلى صدره، فكفَّنوه ويده موضوعة على صدره، كهيئتها في الصلاة، وسيُبعث هكذا إن شاء الله، فمَن مات على شيء، بُعِث عليه.   ماتت وهي ساجدة:   "وهذه قصة امرأة عَجوز، بلغت الثَّمانين من عُمُرها في مدينة الرِّياض، وكلَّما جلست مع النِّساء، رأت أن المجلس لا يُصرف إلا في القِيل والقال، وفي إضاعة الأوقات، فاعتزلت هذه المجالس، وجلست في بيتها تذكر اللهَ تعالى آناء الليل وأطراف النَّهار، وجعلت تصوم النهار، وتقوم اللَّيل، وكان لها ولدٌ بارٌّ بها، وفي ليلة من الليالي قامت لتُصلِّي، يقول ابنها: وفي آخر الليل إذا بها تنادي عليَّ، قال: فتقدَّمْتُ وذهَبْتُ إليها، فإذا هي ساجِدة - على هيئة السُّجود - وتقول: يا بُنيَّ، ما يتحرك فيَّ الآن سوى لساني، قال: إذًا أذهب بكِ إلى المستشفى، قالت: لا، وإنما أقعدني هنا، قال: لا والله، لأذهبنَّ بكِ إلى المستشفى، وقد كان هذا الابن حريصًا على برِّها، فأخذها وذهب بها إلى المستشفى، وتجمَّع الأطباء واحتاروا في أمرها، ولم يَعرفوا السَّبب الذي جعل جسدها يتيبَّس على هيئة السجود، ولما عجزوا قالت لابنها: أسألك اللهَ أن تردَّني على سجادتي في بيتي، فأخذها وذهب بها إلى البيت، ثم وضَّأها وأعادها على سجادتها، فقامت تُصلِّي، يقول: وقبل الفجر بوقتٍ ليس بطويل، وإذا بها تُناديني، وتقول: يا بُنيَّ، أستودعك اللهَ الذي لا تَضيع ودائعُه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، لتصعد رُوحها إلى بارئها - جل وعلا - وهي ساجدة، فغسَّلُوها وهي ساجدة، وكفَّنُوها وهي ساجدة، وحملوها إلى الصلاة عليها وهي ساجدة، وحملوها بنعشها إلى القبر وهي ساجدة، ودُفنت وهي ساجدة، وستبعث إن شاء الله وهي ساجدة؛ فمَن مات على شيء بُعِثَ عليه؛ (ا.هـ. بتصرف من محاضرة للشيخ علي القرني بعنوان "كلنا ذوو خطأ").     السيد مراد سلامة   شبكة الالوكة  
    • ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]   أولًا: يؤكد القرآن الكريم العديد من السنن الكونية والاجتماعية التي تنظم حركة الكون، وحركة الاجتماع البشري، وهذه السنن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسُّنَّة الأصل، والقاعدة الأساس التي أثبتها الله تعالى الدالة على عظمته وقدرته، وحكمته ووحدانيته جل جلاله في تدبير الملكوت الواسع، وما فيه من أكوان وخَلْقٍ لا يُحصَي عدده، ولا يحيط بعلمه إلا الله وحده، جلت قدرته، وعَظُمَ شأنه؛ قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29].   قال الطبري رحمه الله: "هو كلَّ يوم في شأن خلقه، فيفرج كرب ذي كرب، ويرفع قومًا، ويخفض آخرين، وغير ذلك من شؤون خلقه".   ثانيًا: إن السنن الكونية تسير بالتسخير؛ يعني: ليس هناك اختيار للشمس ولا للقمر: ﴿ أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [فصلت: 11]، أما بالنسبة لسنن الله في الناس والأفراد والمجتمعات، فإنها مرتبطة بإراداتهم وأفعالهم واختيارهم.   قال الطبري رحمه الله عند تأويل قوله تعالى: ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [فصلت: 11]؛ "أي: جئنا بما أحدثتَ فينا من خَلْقِكَ، مستجيبين لأمرك لا نعصي أمرك".   أما أعمال الناس وأفعالهم، فهي مبنية على إراداتهم واختياراتهم؛ قال تعالى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾ [المدثر: 37].   قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، جُوزِيَ بثواب لا ينقطع، ومن تأخَّر عن الطاعة وكذَّب محمدًا صلى الله عليه وسلم، عُوقِبَ عقابًا لا ينقطع"؛ [القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، سورة المدثر].   ثالثًا: أقرب مثالٍ للسنن الاجتماعية الشائعة التي يلمسها الناس؛ سنة التغيير؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، وقال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53].   قال ابن باز رحمه الله: "إن الله جل وعلا يغيِّر ما بالناس إذا غيَّروا، فإذا كانوا على طاعة واستقامة ثم غيَّروا إلى المعاصي، غيَّر الله حالهم من الطمأنينة والسعادة، واليُسر والرخاء، إلى غير ذلك".   رابعًا: أوضح السعدي رحمه الله في تفسير الآية موضوع المقال: "﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا ﴾ [محمد: 38] عن الإيمان بالله، وامتثال ما يأمركم به ﴿ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38] في التولِّي، بل يطيعون الله ورسوله، ويحبون الله ورسوله؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54].   خامسًا: ركَّزت الآية موضوع المقال بوضوح على سنة الاستبدال في الجانب الديني عقيدة وشريعة، وهناك آية أخرى متوافقة معها؛ وهي قوله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 39].   قال ابن كثير رحمه الله: "﴿ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾ [التوبة: 39]؛ أي: لنصرة نبيه، وإقامة دينه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].   سادسًا: لما كانت عقيدة التوحيد هي أساس الدين، ومنطلق شرائعه، كان الالتزام بها واجبًا، وكذا الحرص على تطبيقها واقعًا، قولًا وعملًا؛ لأن مآل ذلك خير عظيم، وتوفيقٌ لا حدَّ له، وسعادة دائمة لا تنقطع في الدنيا والآخرة، ومن حادَ عن ذلك واستبدل الأدنى بما هو خير، فقد أضر نفسه، ولا يضر الله شيئًا، بل قد خسر خسرًا مبينًا، فالموفَّق من وفَّقه الله.   سابعًا: إن تأسيس البنيان على قواعد متينة وراسخة أدعى للبقاء والاستمرار، مهما عصفت به الرياح، وطالت به السنون، وكذلك من اعتمد في كل شؤونه على عقيدة صافية، ومنهج قويم مستمد من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وعلى وَفْقِ منهج سلف الأمة الصالح، فقد استمسك بالعروة الوثقى، وسار واتجه في المسار الصحيح؛ وصدق الله العظيم: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].   قال ابن باز رحمه الله: "المعنى: إن من اتبع الهدى، واستقام على الحق الذي بعث الله به نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يضل في الدنيا، بل يكون مهتديًا مستقيمًا، ولا يشقى في الآخرة، بل له الجنة والكرامة". وصدق القائل: وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلا لَهُ عَمَدٌ وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ   ثامنًا: يتسع معنى الآية الكريمة موضوع المقال، فلا يقتصر فقط على الجانب العقدي والإيماني، فهي تشمل مناحي الحياة كلها، فمن تولى عن أمرٍ، أو مجالٍ، أو أي شأن فيه خير وصلاح ونفع عام أو خاص، فإن سنة الاستبدال تطوله، وهذا واقع مشاهد وملموس، فالحياة وشؤونها لا يقتصر تسيير الأعمال وتمامها وإنجازها على شخص بعينه، أو أشخاص معينين، بل قد تكون سنة الاستبدال حلًّا ناجعًا، وقدرًا إلهيًّا فيه خير كثير لم يكن متوقعًا.   تاسعًا: من أقوى العلاقات الاجتماعية، بل أعظم المواثيق، ميثاق عقد النكاح، وعليه تقوم نشأة المجتمع والأمة بأسرها؛ قال تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21].   قال ابن عثيمين رحمه الله: "الميثاق العهد، والغليظ المشدَّد، أو الشديد؛ أي: أخذن منكم ميثاقًا غليظًا، وذلك بعقد النكاح".   قال الشعراوي رحمه الله: "وهذا الميثاق الغليظ يحتِّم عليك إن تعثرت العشرة أن تتحملها وتعاملها بالمعروف، وإن تعذرت وليس هناك فائدة من استدامتها فيصح أن تستبدلها".   وعلى الرغم من قدسية هذه العلاقة، وميثاقها الغليظ، فإذا تصدَّعَ بنيانها، ولم يفلح صلاحها بالطرق الشرعية المعتبرة، وباءت كل محاولات الإصلاح الشرعية بين الطرفين بالفشل، وحصل حينئذٍ الفُراق، فقد حان الاستبدال؛ قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130].   قال ابن كثير رحمه الله: "أخبر تعالى أنهما إذا تفرَّقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه، بأن يعوِّضه بها من هو خير له منها، ويعوِّضها عنه بمن هو خير لها منه، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130]؛ أي: واسع الفضل، عظيم الْمَنِّ، حكيمًا في جميع أفعاله وأقداره وشرعه.   عاشرًا: خُتمت آية الفراق بين الزوجين باسم الله الواسع، ومن مدلولاته أن أيَّ أمرٍ من أمور الحياة - وإن كان عظيمًا - ظاهره المشقة، ولم يفلح معه التوجيه والإصلاح، فالله تعالى - بسَعَةِ قدرته وعظيم حكمته - يوجد المخارج المناسبة الكفيلة بتيسيره على أحسن حال وأفضل مما كان عليه.   ويؤكد الدكتور باسم عامر أن من آثار اسم الله "الواسع": أنه يفتح للعبد أبواب الرجاء كلما ضاقت عليه الأمور، ويعطيه آمالًا كبيرة عندما تواجهه المصائب والعقبات، وتُوصَد عليه الأبواب، ولا يبقى له باب إلا باب الله الواسع، الذي بيده مقاليد كل شيء"؛ [معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها، موقع الألوكة].   الحادي عشر: الأولَى عدم المبالغة في التمسك بالأشخاص، أو عموم الأشياء، فمن تولَّ برغبته، ولم يتبين معه الحرص على البقاء وبذل أسبابه، وبخاصة إذا تأزَّمت الأمور، وبدأ يحصل معه التنافر والشِّقاق، ولا أمل يُرتجى في إصلاح الحال، فحينئذٍ يأتي دور السنة القرآنية: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].   الثاني عشر: إن العناية بتقوى الله تعالى، والالتزام بشرعه بأداء الفرائض، والإكثار من نوافل العبادات لها أثر قوي في إنارة البصيرة، وحصن حصين وملجأ آمِنٌ بحول الله وقوته من أي انحراف وزيغ عن جادة الصواب، في أمور الحياة الدينية والدنيوية، فيكون العبد في رعاية الله وحفظه في يومه وليله، وحاضره ومستقبله.   الثالث عشر: ينبغي على المسلم التحلي بالصبر، وحسن الأخلاق في التعامل مع أهله وإخوانه، وجيرانه وأقرانه، والناس أجمعين، والحذر الشديد من التهور والاستعجال في اتخاذ القرارات، وخاصة المصيرية منها إلا بعد الاستخارة الشرعية، والاستشارة من أهل الخبرة والرأي السديد، المعروفين بالصلاح والتقوى.   والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.   د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي شبكة الالوكة
    • تُعَدُّ مواقف الصحابة رضوان الله عليهم نماذجَ سامقةً في قوة إيمانهم، واعتمادهم على الله، وكم نحن اليوم بحاجة ماسة إلى الاقتداء بسيرتهم، وترسُّم خُطاهم، وسوف أعرض جملةً من هذه المواقف على النحو الآتي: 1- موقف لصحابي من الأنصار رضي الله عنه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يطلُع عليكم الآنَ رجلٌ من أهل الجنة))، فطلع رجل من الأنصار، تَنْطِفُ لحيتُه من وضوئه، قد تعلَّـقَ نعليه في يده الشمال، فلمَّا كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلـع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تَبِعَه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحَيْتُ أبي، فأقسمت ألَّا أدخلَ عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تُؤْويني إليك حتى تمضي، فعلتُ، قال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يحدث: أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعارَّ وتقلَّبَ على فراشه، ذكر الله عز وجل، وكبَّرَ حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلَّا خيرًا، فلما مَضَتِ الثلاثُ ليالٍ، وكِدْتُ أن أحقِرَ عملَه، قلت: يا عبدالله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثَمَّ؛ ولكن سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مِرار: ((يطلُع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة))، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردْتُ أن آوي إليك؛ لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرَكَ تعمل كثيرَ عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيتَ، قال: فلما ولَّيْتُ دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا أحسُدُ أحدًا على خير أعطاه الله إيَّاه، فقال عبدالله: هذه التي بَلَغَتْ بك، وهي التي لا نُطِيق [1].   2- موقف للصحابي الحباب بن المنذر بن الجموح رضي الله عنه: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، نزل على أدنى ماء هناك؛ أي: أول ماء وجده، فتقدم إليه الحباب بن المنذر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، هذا المنزل الذي نزلته، منزل أنزلكه الله، فليس لنا أن نجاوزه، أو منزل نزلته للحرب والمكيدة؟ فقال: ((بل منزل نزلته للحرب والمكيدة))، فقال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل؛ ولكن سِرْ بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم، ونغور ما وراءه من القلب، ونستقي الحياض، فيكون لنا ماء، وليس لهم ماء، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل كذلك [2].   3- موقف للصحابي أبي طلحة مع زوجته رضي الله عنهما: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: اشتكى ابنٌ لأبي طلحة، قال: فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأتُه أنه قد مات، هيَّأت شيئًا، ونحته في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأتْ نفسُه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة، قال: فبات، فلمـا أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمَتْه أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما))، قال سفيان: فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن[3].   4- موقف للصحابي أبي الدحداح مع زوجته رضي الله عنهما: عن أنس رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لفلان نخلةً، وأنا أقيم حائطي بها، فأْمُرْه أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعطها إيَّاه بنخلة في الجنة))، فأبى، فأتاه أبو الدَّحْداح، فقال: بعني نخلتك بحائطي، ففعل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني قد ابتعتُ النخلة بحائطي، قال: فاجعلها له، فقد أعطيتكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كم من عِذْقٍ رَداحٍ لأبي الدَّحْداح في الجنة))؛ قالها مرارًا قال: فأتى امرأته، فقال: يا أمَّ الدحداح، اخرُجي من الحائط، فإني قد بعتُه بنخلة في الجنة. فقالت: ربِح البيع، أو كلمةً تُشبهها [4].     5- موقف للصحابي أسيد بن حضير رضي الله عنهما: كان أسيد بن حضير رضي الله عنهما رجلًا صالحًا ضاحكًا مليحـًا، فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدِّث القوم، ويُضحكهم، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته، فقال: أوجعتني، قال: ((اقتص))، قال: يا رسول الله، إن عليك قميصًا، ولم يكن علي قميص، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه، فاحتضنه، ثم جعل يقبل كشحه [الخصر: وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي]، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أردت هذا [5]   6- موقف للصحابي أبي أيوب رضي الله عنه: عن أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، نزل عليه، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفـل، وأبو أيوب في العلو، قال: فانتبه أبو أيوب ليلةً، فقال: نمشي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنحوا فباتوا في جانب، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلـم، فقـال النبي صلى الله عليه وسلم: ((السفل أرفق))، فقال: لا أعلو سقيفةً أنت تحتها، فتحول النبي صلى الله عليه وسلم في العلو وأبو أيوب في السفل[6].   7- موقف للصحابي ربعي بن عامر رضي الله عنه: أرسل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قبل القادسية ربعي بن عامر رسولًا إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم، فدخل عليه، وقد زيَّنوا مجلسه بالنمارق، والزرابي الحرير، وأظهر اليواقيت، واللآلئ الثمينة العظيمة، وعليه تاج وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي رضي الله عنه بثياب صفيقة، وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل عليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه، فقالوا له: ضع سلاحك، قال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت؛ فقال رستم: آذنوا له، فأقبل يتوكَّأ على رمحه فوق النمارق، فخرق عامتها، فقالوا: ما جاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومـن جور الأديان إلى عدل الإسلام[7].   8- موقف للصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه رضي الله عنه قال: كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: اجتمع يومًا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يُسمعهموه؟ فقال عبدالله بن مسعود: أنا، قالوا: إنَّا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلًا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإن الله سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام، ثم قرأ: [بسم الله الرحمن الرحيم]، رافعًا بها صوته: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ [الرحمن: 1، 2]، قال: ثم استقبلها يقرؤها، قال: فتأملوه، فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه، وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدًا، قالوا: لا، حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون[8].   9- موقف للصحابي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: عندما سأله النجاشي عن الدين الذي اعتنقوه، فقال له جعفر رضي الله عنه: أيها الملك، كنا قومًا على الشرك: نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم، بعضنا من بعض في سفك الدماء، وغيرها لا نحل شيئًا ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبيًّا من أنفسنا، نعرف وفاءه، وصدقه، وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي، ونصوم، ولا نعبد غيره[9].   10- موقف للصحابي عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: في غزوة بدر قال الصحابي الجليل: عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض، قال: نعم، قال: بخ، بخ، فقـال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قولك: بخ، بخ، قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهنَّ، ثم قـال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هـذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتِل[10].   11- موقف للصحابي بلال بن رباح رضي الله عنه: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سُمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر، فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، وألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد وأتاهم على ما أرادوا، إلا بلالًا، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهـو يقول: أحد أحد[11].   12- موقف للصحابي كعب بن مالك رضي الله عنه: حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلت: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلًا، ولكني والله لقـد علـمت، لئن حدثتك اليـوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجـد عليَّ فيه إني لأرجـو فيه عفـو الله[12].   13- موقف للصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه قال: كنت بارًّا بأمي، فأسلمت، فقالت: لتدعنَّ دينك، أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتُعيَّر بي، ويقال: يا قاتل أمه، وبقيت يومًا ويومًا، فقلت: يا أماه، لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا، فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت، ونزلت: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [العنكبوت: 8][13].   14- موقف للصحابي حنظلة الأسيدي رضي الله عنه: عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه، وكـان مـن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكـر رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت نافق حنظلة، قال: سبحان الله، ما تقول؟ قـال: قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكـرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأيَ عينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا[14].   [1] ابن حنبل؛ المسند، حديث رقم: 12236. [2] البيهقي؛ دلائل النبوة، حديث رقم: 874. [3] البخاري؛ صحيح البخاري، حديث رقم: 1301. [4] ابن حنبل؛ المسند، حديث رقم: 12025. [5] الحاكم؛ المستدرك، حديث رقم: 5264. [6] مسلم؛ صحيح مسلم، حديث رقم: 5358. [7] الطبري؛ تاريخ الطبري، ج3، ص 34. [8] ( السهيلي، الروض الأنف، ج 2، ص 81 ). [9] (ابن إسحاق، السيرة النبوية، ص 75 ). [10] ( مسلم، صحيح مسلم، حديث رقم: 4915). [11] ( ابن ماجه، سنن ابن ماجه، حديث رقم: 150). [12] ( البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 4418 ). [13] (البغوي، معالم التنزيل، ج 6، ص 2). [14] (مسلم، صحيح مسلم، حديث رقم: 6966 ).   د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي شبكة الالوكة    
  • أكثر العضوات تفاعلاً

    لاتوجد مشارِكات لهذا الاسبوع

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181928
    • إجمالي المشاركات
      2535159
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93133
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    أأم محمد
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×