اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57245
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180510
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8236
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4160
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52991
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31793
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  9. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33904
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (36941 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • باب ذكر الموت وقصر الأمل قال الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران (185)]. ---------------- في هذه الآية: وعد للمصدقين والمتقين ووعيد للمكذبين والعاصيين، وأن الفائز من نجي من النار، وأدخل الجنة، وأن من اغتر بالدنيا فهو مغرور خاسر.       قال تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} [لقمان (34)]. ---------------- قال قتادة: أشياء استأثر الله بهن فلم يطلع عليهن ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، {إن الله عنده علم الساعة}، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة، أو في أي شهر، {وينزل الغيث}، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلا أو نهارا، {ويعلم ما في الأرحام}، أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود، وما هو، {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا} أخير أم شر، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت، لعلك الميت غدا، لعلك المصاب غدا، {وما تدري نفس بأي أرض تموت}، أي ليس من أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر، أم في بر، أو سهل، أو جبل. وروى الطبراني عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما جعل الله منية عبد بأرض إلا جعل الله له فيها حاجة». وقال أعشى همدان: فما تزود مما كان يجمعه...؟؟... سوى حنوط غادة البين مع خرق...؟؟؟ وغير نفحة أعواد تشب له...؟؟... وقل ذلك من زاد لمنطلق...؟؟؟؟ لا تأسين على شيء فكل فتى...؟؟... إلى منيته سيار في عنق...؟؟؟ وكل من ظن أن الموت يخطئه...؟؟... معلل بأعاليل من حمق...؟؟؟ بأيما بلدة تقدر منيته...؟؟... إلا يسير إليها طائعا شبق...؟؟؟       قال تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف (34)]. ---------------- أي: إذا جاء وقت انقضاء أعمارهم لا يتأخرون عنه، ولا يتقدمون.       قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون * وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} [المنافقون (9: 11)]. ---------------- في هذه الآيات: النهي عن الاشتغال بالأموال، والأولاد عن طاعة الله، والأمر بالإنفاق قبل الموت، والحض على المبادرة بالأعمال الصالحة، والتوبة قبل حضور الأجل.       قال تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون * ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} إلى قوله تعالى: {... كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسئل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون * أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون (99: 115)]. ---------------- قوله تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون}، أي: ردوني إلى الدنيا {لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا}، ردع عن طلب الرجعة، واستبعاد لها {إنها كلمة هو قائلها}، لا محالة، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه {ومن ورائهم}، أي: أمامهم، {برزخ إلى يوم يبعثون}، {فإذا نفخ في الصور}، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل للبعث {فلا أنساب بينهم}، أي لا تنفع، {يومئذ ولا يتساءلون}، أي: لا يسأل قريب قريبه، بل يفرح أن يجب له حق ولو على ولده. {فمن ثقلت موازينه}، أي: موازين أعماله، {فأولئك هم المفلحون} الفائزون بالنجاة والدرجات، {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون} أي: عابسون، وهم الكفار، {ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون}. وأما المسلمون فمن خفت موازين حسناته فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، ومصيره بعد ذلك إلى الجنة. {قالوا}، أي الكفار: {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون * إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون * قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما}، نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب، وقيل: المراد السؤال عن مدة لبثهم في القبور؛ لأنهم أنكروا البعث. فقيل لهم لما قاموا من القبور: {كم لبثتم}، {قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسئل العادين}، أي: الحاسبين، وهم الملائكة، {قال إن لبثتم إلا قليلا}، أي: ما لبثتم فيها إلا زمانا قليلا، {لو أنكم كنتم تعلمون}، أي: لما آثرتم الفاني على الباقي، {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا}، لعبا وباطلا. {وأنكم إلينا لا ترجعون}، أي: في الآخرة للجزاء، {فتعالى الله الملك الحق}، أي: تقدس، أن يخلق شيئا عبثا لا لحكمة، فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك {لا إله إلا هو رب العرش... الكريم}.       قال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد (16)]. ---------------- {ألم يأن} ألم يحن، أي: أما آن للمؤمنين {أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} أي: تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهم، وتنقاد له. قال ابن عباس: إن الله استبطأ المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن أول ما يرفع من الناس الخشوع». وقال ابن مسعود: إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، فقالوا: تعالوا ندعوا بني إسرائيل إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا عليه تركناه، ومن كره أن يتابعنا قتلناه، ففعلوا ذلك. وروي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه، فإذا به قد نطق بهذه الآية، فتاب ابن المبارك، وكسر العود، وجاءه التوفيق والخشوع. {وكثير منهم فاسقون} أي: خارجون عن طاعة الله، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لتتبعن سنن من كان قبلكم».       عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر رضي الله عنهما، يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري. ---------------- الإنسان في الدنيا غريب ووطنه الحقيقي الجنة، وهي التي أنزل الله بها الأبوين ابتداء، وإليها المرجع إن شاء الله تعالى بفضل الله ورحمته، وهو مسافر في الدنيا بالأعمال الصالحة، وترك الأعمال السيئة، والمسافر لا يأخذ من المتاع إلا ما تدعوا إليه ضرورته، فإن الدنيا دار ممر، والآخرة هي دار المقر، فتزودوا من ممركم لمقركم، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار. قال الشارح محمد بن علان رحمه الله تعالى: إذا أمسيت فابتدئ الفلاحا...؟؟... ولا تهمله تنتظر الصباحا...؟؟؟ وتب مما جنيت فكم أناسا...؟؟... قضوا نحبا وقد باتوا صحاحا...؟؟       عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده». متفق عليه، هذا لفظ البخاري. ---------------- وفي رواية لمسلم: «يبيت ثلاث ليال» قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك إلا وعندي وصيتي. فيه: استحباب الوصية، واستحباب كتابتها، فإن كان عليه دين أو عنده أمانة وجب كتابتها. وفيه: أنه لا ينبغي للمسلم أن يغفل عن الموت والاستعداد له.       عن أنس - رضي الله عنه - قال: خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطوطا، فقال: «هذا الإنسان، وهذا أجله، فبينما هو كذلك إذ جاء الخط الأقرب». رواه البخاري. ***     عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: «هذا الإنسان، وهذا أجله محيطا به - أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا، نهشه هذا، وإن أخطأه هذا، نهشه هذا». رواه البخاري. ---------------- ذكر فيه صور كثيرة، وأقربها هكذا -، فالخط الأوسط هو الإنسان، والمربع: أجله، والصغار: الآفات تعرض له، والخارج من المربع أمله. وفي الحديث: التحريض على قصر الأمل والاستعداد لبغتة الأجل.       عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر»؟!. رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين ---------------- في الحديث: الأمر بالمسارعة إلى الأعمال الصالحة، قبل حصول واحدة من هذه النوازل التي تذهل الإنسان من التوجه إلى العبادات.       عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أكثروا ذكر هاذم اللذات» يعني: الموت. رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن). ---------------- هاذم اللذات بالمعجمة، أي: قاطعها. وروي بالمهملة أي مزيلها من أصلها. وفي حديث أنس مرفوعا: «أكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها... عليه».     عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلث الليل قام، فقال: «يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه» قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: «ما... شئت» قلت: الربع، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» قلت: فالنصف؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» قلت: فالثلثين؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك» قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: «إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن). ---------------- في هذا الحديث: تنبيه الناس من سنة الغفلة وتحريضهم على الطاعات. والراجفة: هي النفخة الأولى. والرادفة: الثانية. قال الله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر (68)]. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «جاء الموت بما فيه». أي: من الأهوال عند الاحتضار، وفي القبر وأهواله. وقوله: فكم أجعل لك من صلاتي، أي: من دعائي. وفيه: جواز ذكر الإنسان صالح عمله، لغرض كالاستفتاء ونحوه.       باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر       عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها». رواه مسلم. ---------------- النهي عن زيارة القبور كان في أول الإسلام، لقرب عهدهم بالجاهلية وكلماتها القبيحة، وأفعالهم التي كانوا يألفونها عند القبور، فلما علموا أحكام الشرع أمرهم بزيارتها لأنها تذكر الآخرة. وروى الحاكم عن أنس مرفوعا: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا... هجرا».       عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما كان ليلتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد». رواه مسلم. ----------------       عن بريدة - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية». رواه مسلم. ***       عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبور بالمدينة فأقبل عليهم بوجهه، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن). ---------------- في هذه الأحاديث: استحباب زيارة القبور والدعاء لأهلها.      
    • اللهم آمين يارب يا أم سارة الحبيبة  سعدت بمرورك الجميل ها هنا بارككِ الله ..
    • الناظر في كتب أصول الفقه يجد أنه لا يخلو كتاب أُلِّفَ في هذا الفن قديماً وحديثاً إلا ويوجد به تعريف للرٌّخصة الشرعية، ولهذا فقد كثرت تعريفات العلماء لها واختلفت، وأجود هذه التعريفات تعريف «السبكي» لها بأنها: (الحكم الشرعي الذي غُيّر من صعوبة إلى سهولة لعذر اقتضى ذلك، مع قيام سبب الحكم الأصلي). وهذه الرٌّخص التي جاءت بها الشريعة لها أحكامها وشروطها وضوابطها، ولذلك أفرد لها علماء الأصول أبواباً مستقلة في كتبهم تناولت ذلك كله.   والتيسير والتخفيف والترخيص عند المشقة مقصد عظيم من مقاصد الشريعة، وأصل مقطوع به من أصولها لتحفظ على الناس ضروراتهم وحاجاتهم. وبناءً على ورود هذه الآيات والأحاديث في كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرّر أهل العلم قواعد كثيرة في ذلك، منها: (المشقة تجلب التيسير)، (الحرج مرفوع)، (لا ضرر ولا ضرار)، (الضرر يزال)، (إذا ضاق الأمر اتّسع).   وقسم العلماء الرخص إلى أنواع: ·      الرٌّخصة الواجبة: كأكل الميتة للمضطر. ·      الرٌّخصة المندوبة: كالقصر في الصلاة في السفر إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. ·      الرٌّخصة المباحة: كالسَّلَم، والتكلّم بكلمة الكفر عند الإكراه مع طمأنينة القلب. والسَّلَم هو عقد على موصوف في الذمّة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد، ويسمى سلماً وسلفاً. وصورته: أن يقول رجل لرجل آخر فلاح –مثلاً-: خذ هذه عشرة آلاف دينار حاضرة بمائة صاع من التمر نوعه كذا تحل بعد سنة، فهذا هو السَّلم لأن المشتري قدّم سلماً والـمُسلَم مؤخر. ·      الرٌّخصة التي على خلاف الأولى: ومثّلوا لها بفطر المسافر الذي لا يتضرر بالصوم لقوله تعالى: {وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَّكُم} [البقرة:184] أما مجمَعُ الفِقهِ الإسلاميُّ فقد نصَّ على أنَّ الرُّخَصَ في القضايا العامَّة تُعامَل معاملةَ المسائِلِ الفقهيَّة الأصليَّة إذا كانت محقِّقةً لمصلحةٍ معتَبَرةٍ شرعًا، وصادرةً عن اجتهادٍ جماعيٍّ ممن تتوافر فيهم أهليَّةُ الاختيارِ، ويتَّصِفون بالتقوى والأمانة العلميَّة.   وأجاز مجمع الفقه الإسلامي الأخذ بالرٌّخص بمراعاة الضوابط الشرعية ومنها: 1/ أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها معتبرة شرعاً ولم توصف بأنها من شواذّ الأقوال. 2/ أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرٌّخصة دفعاً للمشقة سواء كانت حاجة عامة للمجتمع أو خاصة أو فردية. فالرُّخصةُ الشَّرعيَّةُ هي ما ثبت على خلافِ دليلٍ شَرعيٍّ لمعارض راجحٍ وهي التي تُطلَقُ في مقابِلِ «العزيمة». ودلَّت النصوصُ الشَّرعيَّة على مشروعيَّة الأخذ بها، كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها) [مسلم والنسائي بنحوه] فالرخص الشرعية الثابتة بالكتاب أو السنة لا باس بتتبعها والأخذ بها لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن الله يحب أن توتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) كما في صحيح ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما. وفي المسند عن ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن لله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته). أما المقصود بتتبٌّع رخص العلماء أي باتِّباع الأسهل من أقوالهم في المسائل العلمـية، بحـيث لا يكون اتِّباع المكلف لهذه الرٌّخص بدافع قوة الدليل وسطوع البراهين، بل الرغبة في اتِّباع الأيسر والأخف، سواء كان ذلك بهوى في النفس أو بقصد التشهي أو الجهل. فالسَّماحَ واليُسرَ في الشَّريعة مقيَّدٌ بما هو جارٍ على أصولها، وليس تَتَبُّع الرُّخَصِ ولا اختيارُ الأقوالِ بالتشهِّي بثابتٍ من أصولها، بل هو مما نُهِيَ عنه في الشريعةِ؛ لأنَّه ميلٌ مع أهواءِ النفوس، والشَّرعُ قد نهى عن اتِّباعِ الهوى. إن قضية «تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب» مشكلة قديمة حديثة في آن واحد، ويحسن بنا في تحليلها أن نقرر بعض الثوابت والأطروحات في هذه القضية الحساسة: ** الأحكام التي يأمرنا الشارع بها مشتملة على حكم عظيمة فإذا تتبعنا الرخص وقعنا في عملية مسخ، وخرجنا من هذه الحكمة التي وضعها الله حينما وضع هذه الأحكام الشرعية، وطالبنا بالعمل بها، وكلفنا بالقيام بها وتحقيقها في واقع الحياة، ولا شك أن تتبع هذه الرخص يؤذن بالانسلاخ من الدين، وسبب لذهاب هيبة الدين، والتهاون بحرمات الشرع.   ** الشريعة من حيث العموم والإجمال قد وضعت على خلاف داعية الهوى، فإذا التبس عليك أمر فانظر إلى الهوى أين يتجه؟ فغالباً تجد أن حكم الشريعة مخالف لداعية الهوى؛ لأن الشريعة إنما وضعت لانتشال المكلف وانتزاعه ورفعه من داعية هواه ليتخلص من رق الهوى، ومن عبادة النفس والشيطان إلى عبادة الملك الديان، فإذا كان الإنسان متتبعاً للرخص فهو في الواقع يدور مع هواه حيث دار، وصار مخالفاً لقصد الشارع بوضع الشريعة، وبتكليفه بها.   ** المعتبر من المشقات هي التي لا تكون محتملة، أو تكون معتبرة بالشرع، هذه التي يترتب عليها التيسير كما هي القاعدة: (أن المشقة تجلب التيسير)، و (أن الأمر إذا ضاق اتسع) هذا معنى هذه القواعد، أما المشقة التي تكون باعتبار مخالفة الهوى فهذه مشقة ليست معتبرة، كمن يشق عله القيام للفجر، هذا معنى يسر هذه الشريعة، فهي شريعة سهلة، شريعة ميسرة بضوابطها الشرعية، أما أن يفهم الإنسان أن يسر الشريعة يعني أن نتلاعب بأحكام الله لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} [الحـج:87]، وبقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يسروا ولا تعسروا) [أخرجه الشيخان]، فيقال لهؤلاء الناس: هذه الشريعة بنيت على التسهيل والتيسير، وهي شريعة ميسرة؛ ولكن التيسير والتسهيل إنما هو مضبوط مزموم بحكم الشرع لا بالتشهي والهوى.   ** تتبع الرخص مؤذن بسقوط التكاليف، فهذا الإنسان الذي يتبع الرخص ينظر في كل مسألة ما هو الأخف؟ وما هو الأيسر في العمل؟ بل وما هي الفتيا التي ترخص له في مقارفة هذا الحرام؟ فيكون ذلك سبباً في سقوط التكليف أصلاً.. تتبع الرخص هو في الواقع تمرد على التكليف، تمرد على الشريعة، خروج عنها، وهذا الخروج بزعمه أنه بفتاوى، وهذه الفتاوى لا تنفعه عند الله -تبارك وتعالى-، وإنما هو أراد أن يبرر لنفسه أمراً.. فاختيار الأقوال بمجرد التشهي إنما هو إتباع للهوى، وليس عبودية للرب المالك المعبود. يقول الإمام النووي: "لو جاز اتّباع أيّ مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعاً لهواه ويتخير بين التحليل والتحريم والوجوب والجواز وذلك يؤدي إلى الانحلال من رِبقَةِ التكليف". وعرفها الدسوقي وغيره من المالكيَّة بأنها رفعُ مشَقَّةِ التكليف باتباعِ كُلِّ سَهلٍ.   ** لما كانت الأهواء غلابة وجدت طائفة ممن يتصدر للكلام في مسائل العلم والدين والفتيا والحلال والحرام، تفتي الناس بحسب أهوائهم وأمزجتهم، وبحسب ما يروق لهم بدعوى التسهيل والتيسير ومسايرة الواقع، حتى وجدنا من يقول لأحد اللجان الوضعية في بلاده: «ضعوا من المواد ما يبدو لكم أنه موافق الزمان والمكان، وأنا لا يعوزني بعد ذلك أن آتيكم بنصٍّ, من المذاهب الإسلامية يطابق ما وضعتم.. » وأعجب فئام من الناس بمثل هؤلاء، وصاروا أتباعاً لهم، يدافعون عنهم أشد المدافعة، بل لربما تنقصوا العلماء الذين لزموا كتاب الله وسنة نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستمروا على الجادة الصحيحة التي تنضبط بها الفتيا. ولما صارت هذه الفتاوى تصل إلى جميع الناس عن طريق وسائل التواصل الحديثة في الفضائيات وفي غيرها، صار خطر ذلك على الناس عظيماً كبيراً، مهدداً بانسلاخ من الدين وصاحَب ذلك ظن كثير من الجهال أن الإنسان يخرج سالماً من المسألة إذا جعل بينه وبين النار عالماً، وأنه ليس عليه كي يخرج من الحرج إلا أن يعلق هذه المسألة برقبة مفتٍ من المفتين، وإن لم يكن أهلاً للفتيا، فيكون بذلك بريء الساحة، لا يلحقه ذم ولا عتاب ولا مؤاخذة.   ** الحق واحد في المسائل المختلف فيها خلاف التضاد، هذا يقول: حرام، وهذا يقول: حلال، هذا يقول: يجوز، وهذا يقول: لا يجوز، هذا يقول: واجب، وهذا يقول: مباح، لكن الحق في ذلك واحد عند الله -تبارك وتعالى-، فمهما أفتاك الناس، ومهما قالوا في هذه المسألة من التحليل، وأوردوا على قولهم من الأدلة فإن ذلك لا يغير من حقيقة الحكم شيئاً فالحكم عند الله ثابت، وفتوى المفتي لا تقلب الحكم عند الله الأحكام لتثبيتها وتقريرها فصار فعلنا بالترخص نوعاً من الانفلات من حكم الشريعة، وصار الإنسان بهذا العمل متتبعاً للرخص، أي متتبعاً لهواه.   ** العلماء أجمعوا على أن من تتبع رخص الفقهاء فهو فاسق، والشارع قصد إثبات العدالة للمسلم، ونهاه عن كل موجب للفسق، فالفسق إنما يجر إليه فعل المحرمات، وترك الواجبات. وقد قال ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- والمروزي، ونقل الإجماع على فسقه ابن حزم وابن عبد البر وأبو الوليد الباجي من المالكية.   ** ما أكثر ما ورد عن العلماء الربانيين في ذم هذا المسلك فمن ذلك ما قاله الإمام سليمان التيمي -رحمه الله- يقول: " لو أخذتَ برخصة كُلِّ عالِم اجتمع فيك الشرُّ كلُّه"، وعقب على هذا القول الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- بقوله: "هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً"، أي أنه لا يجوز تتبع الرخص، وأن ذلك مظنة لاجتماع الشر في الإنسان. // ويقول الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام" // وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ -يعني المسكر- وأهل المدينة في السماع -يعني سماع المعازف- وأهل مكة في المتعة كان فاسقاً". // قال ابن النجار: يحرم على العامي تتبٌّع الرٌّخص ويفسق به. // ويقول الإمام إسماعيل القاضي المالكي: "دخلت على المعتضد فدفع إلي كتاباً فنظرت فيه وقد جمع فيه الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم، فقلت: مصنف هذا زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح المسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء، ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب" // ويقول الحافظ بن حزم -رحمه الله- في بيان طبقت المختلفين: "وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهوائهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له غير طالبين ما أوجبه النص عن الله تعالى وعن رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد حكي ابن حزم -رحمه الله- الإجماع على أن تتبع رخص المذاهب بغير مستند شرعي فسق لا يحل. // ويقول أبو الوليد الباجي المالكي مبنياً ما وقع في زمانه من عموم هذه البلوى، ومن فشوها وانتشارها حيث إن العامة صاروا يسألون العلماء عن المسألة فإذا أفتوهم قالوا: ألا يوجد قول آخر؟ أليس في المسألة رخصة؟ فاجترأ هؤلاء العامة على العلماء بسبب أن بعض العلماء فتح لهم هذا الباب.. يقول –رحمه الله-: "وكثيراً ما يسألني من تقع له مسألة من الأيمان ونحوها -رجل يحلف-: لعل فيها رواية أو لعل فيها رخصة وهم يرون أن هذا من الأمور الشائعة الجائزة، ولو كان تكرر عليهم إنكار العلماء لمثل هذا لما طالبوا به". // يقول الإمام الزركشي -رحمه الله- في ذلك: "وفي فتاوى النووي الجزم بأنه لا يجوز تتبع الرخص، وقال في فتاوٍ له أخرى؛ وقد سئل عن مقلد مذهب: هل يجوز له أن يقلد غير مذهبه في رخصة لضرورة ونحوها؟، أجاب: يجوز له أن يعمل بفتوى من يصلح للإفتاء إذا سأله اتفاقاً من غير تلقّط الرخص ولا تعمد سؤال من يعلم أن مذهبه الترخيص في ذلك".   ** قال الخطابي -رحمه الله- بعدما ذكر الخلاف في مسألة المسكر من غير عصير العنب، يقول عن بعض الناس الذين يفتون الناس بالرخص، أو يبحثون عن الرخص لأنفسهم، فينفلت من أحكام الشريعة، يقول هذا القائل: "إن الناس لما اختلفوا في الأشربة، وأجمعوا على تحريم خمر العنب، واختلفوا فيما سواه حرمنا ما اجتمعوا على تحريمه، وأبحنا ما سواه" يريد أن يقول: نحن نبقى على الأمر المتفق عليه، وأما الأمور المختلف فيها فنحن نتخير فيها ما نشاء. يقول الخطابي -رحمه الله-: "وهذا خطأ فاحش، وقد أمر الله تعالى المتنازعين أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ولو لزم ما ذهب إليه هذا القائل للزم مثله في الربا والصرف -أي بيع الدرهمين بالدرهم، وبيع الدينارين بالدينار- فقد رخص بهذا بعض الفقهاء"، ونكاح المتعة فقد جاء أيضاً عن بعض السلف القول بجوازه فلم يبلغهم النسخ"، إلى أن قال: "وليس الاختلاف حجة، وبيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين، فلا يحتج أحد بأن هذه المسألة خلافية، ثم يتخير بعد ذلك من الأقوال ما شاء" هذه نقطة أساسية ينبغي أن ندركها وأن نعرفها. قال عبد الله بن المبارك: حاجني أهل الكوفة في المسكر فقلت لهم: إنه حرام، فأنكروا ذلك وسموا من التابعين رجالاً، مثل إبراهيم النخعي ونظرائه، فقالوا: لقوا الله عز وجل وهم يشربون الحرام؟ فقلت لهم رداً عليهم: لا تسموا الرجال عند الحِجَاج، فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاووس ونظرائهم من أهل الحجاز، فقالوا: خيار. فقلت: فما تقولون في الدرهم بالدرهمين؟ فقالوا: حرام. فقلت لهم: أيلقون الله عز وجل وهم يأكلون الحرام. دعوا عند الحجاج تسمية الرجال. فالإمام عبد الله بن المبارك -رحمه الله- حينما جاء إلى الكوفة وكانوا يرخصون في النبيذ المسكر، كانوا يقولون: بأن المسكر المحرم إنما هو من عصير العنب فقط؛ لأنه هو الذي كان يشرب في وقت نزول القرآن، فيقولون: هذا هو الحرام، أما المسكرات من الأشياء الأخرى فإنها لا تحرم، فلما قدم عليهم ابن المبارك اجتمعوا عليه، وعرضوا عليه هذه المسألة فأخبرهم بأن ذلك لا يحل، فقالوا: قد رخص فيه فلان وفلان وفلان، وذكروا جماعة من علماء التابعين، فقال لهم: دعونا من تسمية الرجال، وأنتم ما تقولون: في فلان وفلان وفلان؟ وذكر لهم عطاء الخرساني، وذكر لهم طاووس بن كيسان، وذكر لهم جابر بن زيد، وذكر لهم جملة من علماء التابعين، فقال: ما تقولون في هؤلاء؟ فقالوا: هؤلاء علماء وأئمة، ولهم قدرهم ومنزلتهم، قال: فما تقولون في بيع الدينار بالدينارين والدرهم بالدرهمين؟ فقالوا: رباً لا يجوز، قال: إن هؤلاء يرخصون فيه، فما تقولون؟ فإن قلتم: هؤلاء علماء فهؤلاء أيضاً علماء، فإذا استرخصتم في شيء تشتهونه وهو شرب بعض المسكر؛ لأن هؤلاء العلماء أفتوا بجوازه أيضاً رخصوا في الأشياء الأخرى، لماذا تقولون: إنها حرام؟   ** اجتماع الرخص شر محض لأنه يؤدي إلى حالة مركبة لا يقرٌّها أحد من المجتهدين، والخروج عن قول جميع العلماء، مما ينتج عن ذلك إحداث قول جديد في المسألة لم يقل به مجـتهد، فعلى سبيل المثال: // من تزوج امرأة بلا ولي ولا شهود، مقلّداً الإمام أبا حنيفة في عدم اشتراط الولاية، ومقلّداً الإمام مالكاً -في رواية له- في عدم اشتراط الشهادة بذاتها، ويكفي إعلان الزواج. فهذا الزواج غير صحيح لأنه لا يجيزه الإمام أبو حنيفـة ولا الإمام مالك على هذه الصورة الملفّقة لأنه تولّد منه قول آخر مخالف لرأي هؤلاء العلماء على كيفية لا يصححونها، ولا يصح أيضاً لأنه مخالف للأدلة الصحيحة الواردة في هذه المسألة، ولأن الأصل في الأبضاع (الفروج) التحريم، ولا شك أن فيه تلاعباً بالشريعة وخروجاً عن مقاصدها // رجل أخذ بقول الإمام مالك -رحمه الله- بأن القهقهة لا تبطل الصلاة، أو أنها لا تنقض الوضوء، والأحناف يقولون: بأن القهقهة تبطل الوضوء وبالتالي تبطل معها الصلاة، فإذا أخذ بقول مالك وهو مثلاً من الأحناف، ثم هو أيضاً أخذ بقول آخر في أن الوضوء يكفي فيه مسح ثلاث شعرات من الرأس، ومعلوم أن هذا القول أيضاً لبعض الفقهاء، وأخذ بقول آخر هو أنه يكفي في الرجلين المسح فقط، وهذا قال به أيضاً بعض الفقهاء أخذاً بقراءة الجر، في قوله -تبارك وتعالى-: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَين} [المائدة:6] فتصور هذا الإنسان الذي يمسح على رجليه في الوضوء، ويمسح في رأسه ثلاث شعرات فقط، ويرى أن القهقهة مثلاً -وهي كذلك- لا تبطل الوضوء، فهو في الواقع خرج على قول الجميع، فجميع العلماء لا يقولون: بأن هذه القضايا مجتمعة غير مؤثرة؛ لكن بعضهم يرى أن هذه القضية غير مؤثرة، والآخر يرى أن القضية الأخرى غير مؤثرة، والثالث يرى أن القضية الثالثة غير مؤثرة، لكن ما أحد منهم يقول: إن هذه القضايا جميعاً إذا اجتمعت في إنسان فإن صلاته صحيحة، إذا اجتمعت فيه فصلاته باطلة عند الجميع وهكذا.   ** يحتج بعضهم أيضاً بأن الخلاف رحمة، ويحتجون بقول بعض السلف: "خلاف أمتي رحمة"، وبقول عمر بن عبد العزيز: "ما أحب أن أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يختلفوا، إنهم لو لم يختلفوا لما كان توسعة لمن بعدهم" لكن المقصود أن الخلاف رحمة بمعنى أن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما اختلفوا كان ذلك مسوغاً لمن كان جاء بعدهم أن يجتهد، وأن يتلمس الأحكام، وأن يتعرف عليها، فهو قد يخطئ وقد يخالفه غيره، فلا يكون ذلك سبباً للحوق الحرج فيه، ولا يكون ذلك داخلاً في توعد الله للمختلفين: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] ولهذا يقول الإمام إسماعيل القاضي المالكي من علماء القرن الثالث الهجري: "إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توسعة في اجتهاد الرأي، فأما أن يكون توسعة لأن يقول بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا؛ ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا"، وقد علق الإمام ابن عبد البر -رحمه الله- على قول الإمام إسماعيل القاضي، علق عليه بأنه: قول جيد جداً.   ** وجود الخلاف لا يسوغ بأخذ بما شاء من الأقوال، يقول الخطيب البغدادي -رحمه الله-: "فإن قال قائل: فكيف تقول في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟" يقول: "نقول له -إن شاء الله-: هذا على وجهين، أحدهما: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقل أن يعقل، وإذا فهم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم، فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان عقله يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده". // وقال الطوفي -رحمه الله- في «شرح مختصر الروضة»: قَوْلُهُ: «فَإِنِ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ»، أَيْ: إِنِ اسْتَوَى الْمُجْتَهِدَانِ عِنْدَ الْمُسْتَفْتِي فِي الْفَضِيلَةِ، وَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: يَتَّبِعُ «أَيَّهُمَا شَاءَ» مُخَيَّرًا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. الثَّانِي: يَأْخُذُ بِأَشَدِّ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ «الْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِيٌّ وَالْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِيٌّ»، كَمَا يُرْوَى فِي الْأَثَرِ. وَفِي الْحِكْمَةِ: إِذَا تَرَدَّدْتَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، فَاجْتَنِبْ أَقْرَبَهُمَا مِنْ هَوَاكَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَشَدَّهُمَا وَفِي لَفْظٍ: أَرْشَدَهُمَا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لِلْحَدِيثِ أَنَّ الرُّشْدَ فِي الْأَخْذِ بِالْأَشَدِّ. الثَّالِثُ: يَأْخُذُ بِأَخَفِّ الْقَوْلَيْنِ لِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّخْفِيفِ فِي الشَّرِيعَةِ، كَقَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.   ** المسلم إذا اختلفت أمامه الأقوال، واحتاج إلى معرفة الحكم عليه أن يسأل من هو مستوفٍ لشروط الإفتاء، لا يسأل كل أحد، ولهذا يقول بعض العلماء: بأن المفتي من استكمل ثلاثة أمور: 1/ الاجتهاد أن يكون عالماً مؤهلاً للاجتهاد، لا يكون من الجاهلين. 2/ العدالة: فلا يكون هذا الإنسان فاسقاً كأن يكون حليق اللحية مثلاً ويفتي، أو يكون هذا الإنسان مثلاً ممن يتعاطى المحرمات، أو يتبجح بها في الصحف، ويذكر مثلاً أنه يشاهد القنوات الفضائية، ويحب استماع أغنية أم كلثوم مثلاً، ويسمع الموسيقى الهادئة في أوقات الإرهاق بعدما يتعب من التأليف والكتابة كما يقول بعضهم متبجحاً بذلك في الصحف، أو في القنوات التي تجرى له مقابلات فيها، فمثل هذا لا يكون عدلاً، وإنما فاسقاً ومجاهراً بفسقه، فهذا حقه أن يعزر لا أن يستفتى ويسأل ويتعرف على الأحكام الشرعية عن طريقه، فلا بد في المفتي أن يكون عدلاً. 3/ الكف عن الرخص، وعن التساهل فيما يجريه على نفسه، أو فيما يفتي به للعامة، فإنه إذا كان معروفاً بتتبع الرخص والتساهل والبحث عما يسوغ للناس، وعما يصلح لهم مما يجري على وفق أهوائهم فإن هذا لا يستحق بحال من الأحوال أن يستفتى، سواء كان تساهل هذا الإنسان في الفتيا عن طريق التساهل في معرفة الحكم فهو يبادر إلى الجواب دون نظر ولا تمهل ولا تمعن في المسألة، ودون الرجوع إلى الأدلة المعتبرة مثلاً فيها، فهو يبادر في الجواب لسبب أو لآخر، أو كان تساهله عن طريق تتبع الرخص. يقول ابن الصلاح: (لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى، ومن عرف بذلك لم يجز أن يُستفتى، وذلك قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، وربما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعة، والإبطاء عجز ومنقصة، وذلك جهل، ولأن يُبطئ ولا يخطئ، أجمل من أن يعجل فيضلَّ ويُضل.. ) وقد جعل ابن السمعاني -رحمه الله- من شروط أهل الاجتهاد: الكف عن الترخيص والتساهل، ثم صنف المتساهلين نوعين: 1- أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر فهذا مقصر في حق الاجتهاد ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز . 2 - أن يتساهل في طلب الرخص وتأول السنة فهذا متجوز في دينه وهو آثم من الأول.   ** أوضح بعض العلماء كابن الصلاح والنووي وابن القيم وغيرهم، أن من صح مقصده، واحتسب فـي تطلّب حيـلة لا شبهة فيها، ولا تجرّ إلى مفسدة للتخلّص –مثلاً- من ورطة يمين ونحوها، وهو ثقة، فذلك حســن جمــيل، وعليـه يحمـل ما جاء عن بعض السلف، كقول سفيان: (إن العلم عندنا الرٌّخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد( قال ابن الصلاح: (وهذا خارج على الشرط الذي ذكرناه، فلا يفرحن به من يفتي بالحيل الجارة إلى المفاسد).   ** ينبغي أن يراعي في هذا الباب هو أن على العبد إذا اختلفت أمامه الأقوال أن يكثر من التضرع إلى الله -تبارك وتعالى-، ويكثر من سؤال ربه -جل وعلا- أن يهديه إلى الصواب، فيما اختلف فيه بإذنه، ويدعو هذا الدعاء الوارد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقول: (اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [مسلم] وفي الصحاح قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ، لَا يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْحَلَالِ هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ؟ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ: أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ). ** يندب المرء إلى التورع والاحتياط فلا يتعجل أو يميل إلى الأقوال التي توافق هواه، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ، إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَة) [الترمذي وأحمد] وكون الصدق طمأنينة، والكذب ريبة معناه: إذا وجدت نفسك ترتاب في الشيء فاتركه، فإن نفس المؤمن كما قال بعض العلماء: تطمئن إلى الصدق، وترتاب في الكذب، فارتيابك من الشيء منبئٌ عن كونه مظنة للباطل فاحذره، وطمأنينتك للشيء مشعر بحقيقته فتمسك به. ويقول بعض أهل العلم في معنى الريبة هنا يقول: "هي قلق النفس واضطرابها، فإن كون الأمر مشكوكاً فيه مما تقلق له النفس، وكونه صحيحاً صادقاً مما تطمئن إليه النفس" جاء في هذا المعنى أيضاً حديث وابصة بن معبد عند الإمام أحمد والدارمي والطبراني في الكبير بإسناد صحيح -إن شاء الله- قال: أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (جئت تسأل عن البر والإثم؟) قلت: نعم، قال: (استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك). يقول ابن رجب -رحمه الله-: "وأما ما ليس فيه نص من الله ولا رسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان -يعني لا المؤمن الذي يتتبع الأهواء- المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين" يقول يعني إذا وقع منه شيء وحاك في صدره في شبهة موجودة، ولم يجد من يفتي بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يوثق بعلمه ودينه، يقول: إذا ما وجدت أحد تثق في فتواه في هذه الحالة، وليس في المسألة دليل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من أقوال السلف وفي قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وإن أفتاك المفتون) يقول ابن رجب: "يعني أن ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وأن أفتاه غيره أنه ليس بإثم فما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وأن أفتاه غيره أنه ليس بإثم، فهذا مرتبة ثانية، وهو أن يكون الشيء مستنكر عند فاعله دون غيره، وقد جعله أيضاً إثماً، وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه مما شُرح صدره للإيمان، وكان المفتي يفتي بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي، فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي فالواجب على المستفتي الرجوع إليه، وإن لم ينشرح له صدره، وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدر كثير من الجهال، فهذا لا عبره به" // ويقول ابن عبد البر -رحمه الله-: "والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول منها، وذلك لا يعدم، فإذا استوت الأدلة وجب الميل مع الأشبه بما ذكرنا من الكتاب والسنة، فإذا لم يَبِن ذلك وجب التوقف ولم يجز القطع إلا بيقين، فإذا اضطر أحد إلى استعمال شيء من ذلك في خاصة نفسه جاز له ما يجوز للعامة من التقليد، واستعمل عند إفراط التشابه والتشاكل وقيام الأدلة على كل قول بما يعضده قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر)   المصادر ·      التحذير من تتبع رخص الفقهاء     الشيخ خالد السبت تتَبُّـعُ الرُّخَصِ  الشيخ هشام السعيد

       
      جمع وترتيب د/ خالد سعد النجار   صيد الفوائد  
    • معلوم أن الله عز وجل ذكر قصص الأنبياء في القرآن للعظة والعبرة والتذكير والمواساة، وفي كل قصة من هذه القصص فوائد وأحكام وتنبيهات يدركها من يطالعها، ومن هذه القصص قصة سيدنا شعيب، ففيها من الفوائد والعبر الكثير والكثير نبَّه عليها أئمة التفسير في كتبهم، ولما كانت هذه الفوائد منثورة في موضع القصة في القرآن وفي كتب التفسير أردتُ جمعها وتقريب فوائدها رجاء الأجر والمثوبة ودعوة صالحة، وقدمت ذلك بذكر سياق القصة في موضعين في القرآن﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [الأعراف: 85 - 87] ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ * قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 84 - 88].




      الفوائد والعبر:
      التوحيد هو الأساس:
      ﴿ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ فهذا هو أساس دعوة نبي الله شعيب بل أساس دعوة الأنبياء جميعًا، وهو توحيد الله عز وجل وعبادة الله وحده.






      تطفيف الكيل:
      ومع الدعوة إلى التوحيد تأتي الدعوة لترك كبريات الخطايا التي درج عليها القوم، وفي هذا ما فيه من التنبيه على عظم هذه الخطايا؛ لأن النهي عنها قُرِن بالنهي عن الشرك.



      فكانت أول خطيئة نهى سيدنا شعيب قومه عن ارتكابها -بعد الشرك- هي خطيئة نقص الكيل والميزان، وإنك لتدرك عظم هذه الخطيئة وسوء مغبتها عندما ترى النهي عنها والنهي عن الشرك قرينين في آية واحدة، ثم تأمل سياق الآيات في سورة هود "ففِي الْآيَةِ الْأُولَى نَهَى عَنِ النُّقْصَانِ، وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَمَرَ بِإِعْطَاءِ قَدْرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ وَالْيَقِينُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ إِلَّا عِنْدَ أَدَاءِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الزِّيَادَةِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى نَهَى أَوَّلًا عَنْ سَعْيِ الْإِنْسَانِ فِي أَنْ يَجْعَلَ مَالَ غَيْرِهِ نَاقِصًا لتحصل له تلك الزيادة، وفي الثاني أَمَرَ بِالسَّعْيِ فِي تَنْقِيصِ مَالِ نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ بِالْيَقِينِ عَنِ الْعُهْدَةِ، وَقَوْلُهُ: ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ يَعْنِي بِالْعَدْلِ، وَمَعْنَاهُ: الْأَمْرُ بِإِيفَاءِ الْحَقِّ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ الْيَقِينُ بِالْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ، فَالْأَمْرُ بِإِيتَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ"[1]، فإذا أردنا موضعًا آخر يُنبِّه فيه الشارع على عظيم جرم هذه الخطيئة، فستجد سورة مسماة بهذا الاسم "المطففين" يفتتحها الله عز وجل بوعيد شديد ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ "[المطففين: 1 - 4]، وهو وعيد شديد مع ما جاء في السنة"ولا انتقَص قوم المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم"[2].






      النهي عن البخس:
      ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ [الأعراف: 85] الخطيئة الثانية التي دعا سيدنا شعيب قومه لتركها خطيئة بخس الناس حقوقهم المادية والمعنوية، فقال كما حكاه القرآن: ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ وَالْبَخْسُ هُوَ النَّقْصُ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ، وَقَدْ َ دَلَّتْ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى الْمَنْعِ مِنَ النَّقْصِ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ النَّقْصِ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ[3]، ويدخل في ذلك بخس الرجل حقَّه من حسن المعاملة والتوقير اللائق به، وبيان فضله على ما هو عليه للسائل عنه"[4].



      «البخس في لسان العرب هو النَّقْص بالتعييب والتَّزهيد أو المخادعة عن القيمة أو الاحتيال في التزيد في الكيل والنّقصان منه» فلنَبْنِ على أساس كلامه فنقول: البخس هو إنقاص شيء من صفة أو مقدار هو حقيق بكمالٍ في نوعه. ففيه معنى الظلم والتحيُّل، وقد ذكر ابن سِيدة في «المخصص» البَخْس في باب الذهاب بحقِّ الإنسان.. "وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْبَخْسُ مُتَعَلِّقًا بِالْكَمِّيَّةِ كَمَا يَقُولُ الْمُشْتَرِي: هَذَا النِّحْيُ لَا يَزِنُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ يَزِنُ اثْنَيْ عَشَرَ رطْلًا، أَوْ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى هَذَا النَّخْلِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ قَنَاطِيرَ تَمْرًا فِي حِينِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ عِشْرِينَ قِنْطَارًا، وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالصِّفَةِ كَمَا يَقُولُ: هَذَا الْبَعِيرُ شَرُودٌ وَهُوَ مِنَ الرَّوَاحِلِ، وَيَكُونُ طَرِيقُ الْبَخْسِ قَوْلًا، كَمَا مَثَّلْنَا، وَفِعْلًا كَمَا يَكُونُ مِنْ بَذْلِ ثَمَنٍ رَخِيصٍ فِي شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَاعَ غَالِيًا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْبَخْسِ أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَاخِسُ الرَّاغِبُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبْخُوسَةِ بِأَنْ يَصْرِفَ النَّاسَ عَنِ الرَّغْبَةِ فِيهَا فَتَبْقَى كَلًّا عَلَى جَالِبِهَا؛ فَيَضْطَرُّ إلى بَيْعِهَا بِثَمَنٍ زَهِيدٍ، وَقَدْ يُقْصَدُ مِنْهُ إِلْقَاءُ الشَّكِّ فِي نَفْسِ جَالِبِ السِّلْعَةِ بِأَنَّ سِلْعَتَهُ هِيَ دُونَ مَا هُوَ رَائِجٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَدْخُلُهُ الْيَأْسُ مِنْ فَوَائِدِ نِتَاجِهِ؛ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْبَخْسَ هُوَ بِمَعْنَى النَّقْصِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْفَاعِلِ بِالْمَفْعُولِ، لَا النَّقْصُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الشَّيْءِ النَّاقِصِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ النَّقْصِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا.."[5].



      فلَمَّا مَنَعَ قَوْمَهُ مِنَ الْبَخْسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَنَعَهُمْ الْبَخْس وَالتَّنْقِيص بِجَمِيعِ الْوُجُوهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْعُ مِنَ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَانْتِزَاعِ الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْحِيَلِ[6]، فعلى هذا يكون الْبَخْسُ وَالتَّطْفِيفُ عِبَارَةٌ عَنِ الْخِيَانَةِ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ وَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَحٌ فِي الْعُقُولِ وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَتِ الْبَيِّنَةُ وَالشَّرِيعَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُرْمَةِ فَلَمْ يَبْقَ لَكُمْ فِيهِ عُذْرٌ[7].






      النهي عن الفساد:
      ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56] وهذا النهي متعلق بالأمرين السابقين"؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَخْذُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ رِضَاهَا يُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَهُمَا يُوجِبَانِ الْفَسَادَ لَا جَرَمَ قَالَ بَعْدَهُ: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ وَقَدْ ذَكَرُوا في تَفْسِير هَذِهِ الْكَلِمَةِ وُجُوهًا، فَقِيلَ: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ بِأَنْ تُقْدِمُوا عَلَى الْبَخْسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُهُ الْفَسَادُ.



      وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ فَسَادًا حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ.



      وَقِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ مَنْعٌ مِنْ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ مَنْعٌ مِنْ مَفَاسِدِ الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الْآيَةُ جَامِعَةً لِلنَّهْيِ عَنْ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.



      وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ﴿ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ قِيلَ: بَعْدَ أَنْ صَلَحَتِ الْأَرْضُ بِمَجِيءِ النَّبِيِّ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِخُلُوِّهَا مِنْهُ فَنَهَاهُمْ عَنِ الْفَسَادِ وَقَدْ صَارَتْ صَالِحَةً.



      وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَلا تُفْسِدُوا بَعْدَ أَنْ أَصْلَحَهَا اللَّهُ بِتَكْثِيرِ النِّعَمِ فِيهِمْ، وَحَاصِلُ هَذِهِ التَّكَالِيفِ يَرْجِعُ إلى أَصْلَيْنِ: التَّعْظِيم لِأَمْرِ اللَّهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، وَالشَّفَقَة عَلَى خَلْقِ الله ويدخل فيها ترك البخس وترك الفساد، وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلى تَرْكِ الْإِيذَاءِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِيصَالُ النَّفْعِ إلى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ، وَأَمَّا كَفُّ الشَّرِّ عَنِ الْكُلِّ فَمُمْكِنٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الأمور قَالَ: ﴿ ذلِكُمْ ﴾ وَهُوَ إِشَارَةٌ إلى التوحيد وإيفاء الكيل وعدم البخس.. وَالْمَعْنَى: خَيْرٌ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ بِالْآخِرَةِ، والمراد: اترك الْبَخْسِ، وَتَرْكُ الْإِفْسَادِ خَيْرٌ لَكُمْ فِي طَلَبِ الْمَالِ... لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا عَلِمُوا مِنْكُمُ الْوَفَاءَ وَالصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ رَغِبُوا فِي الْمُعَامَلَاتِ مَعَكُمْ؛ فَكَثُرَتْ أَمْوَالُكُمْ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾؛ أَيْ: إن كنتم مصدقين لي في قولي[8].



      فإن قيل: العثوُّ: الفسادُ التَّامُّ، فقوله: ﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ ﴾ جارٍ مجرى قولك: ولا تُفسِدُوا في الأرض مفسدين، فالجوابُ من وجوه:
      الأول: أَنَّ مَنْ سَعَى فِي إِيصَالِ الضَّرَرِ إلى الْغَيْرِ فَقَدْ حَمَلَ ذَلِكَ الْغَيْرَ عَلَى السَّعْيِ إلى إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ مَعْنَاهُ: وَلَا تَسْعَوْا فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ سَعْيٌ مِنْكُمْ فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ أَنْفُسِكُمْ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ مَصَالِحَ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ. وَالثَّالِثُ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ مصالح الأديان[9].






      الحلالُ خيرٌ من الحرام:
      - ﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾.



      قوله: ﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ ﴾ قال ابن عباس: معناه الذي يبقي الله لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل والوزن خيرٌ لكم مما تستكثرون أنتم به على غير وجهه[10].



      - قوله: ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾:
      فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنِّي نَصَحْتُكُمْ وَأَرْشَدْتُكُمْ إلى الْخَيْرِ ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾؛ أَيْ: لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى مَنْعِكُمْ عَنْ هَذَا الْعَمَلِ الْقَبِيحِ.



      الثَّانِي: قَدْ أَشَارَ إلى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ يُوجِبُ زَوَالَ نِعْمَةِ اللَّه تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [هود: 85، 86]؛ يَعْنِي لَوْ لَمْ تَتْرُكُوا هَذَا الْعَمَلَ الْقَبِيحَ لَزَالَتْ نِعَمُ اللَّه عَنْكُمْ، وَأَنَا لَا أَقْدِرُ على حفظها عليكم في تلك الحالة[11].






      عرقلة المصلحين مهمة شيطانية:
      - قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾ [الأعراف: 86]:
      "اعْلَمْ أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَمَّ إلى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّكَالِيفِ أَشْيَاءَ:
      الْأَوَّل: أَنَّهُ مَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَقْعُدُوا عَلَى طُرُقِ الدِّينِ وَمَنَاهِجِ الْحَقِّ لِأَجْلِ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ عَنْ قَبُولِهِ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: يُحْمَلُ الصِّرَاطُ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَسْلُكُهُ النَّاسُ؛ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ عَلَى الطُّرُقَاتِ وَيُخَوِّفُونَ مَنْ آمَنَ بِشُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ الصِّرَاطُ عَلَى مَنَاهِجِ الدِّينِ[12]. قال في الكشاف: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾؛ أَيْ: وَلَا تَقْتَدُوا بِالشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16][13].



      إن هذه الآية تعبر تعبيرًا بليغًا وواقعيًّا عما كان يقوم به قوم شعيب وعما يقوم بهم من على شاكلتهم حتى اليوم؛ وهو الوقوف أمام الناس ومنعهم من سلوك طريق مرضاة الله فنجد أصنافًا يقفون في وجوه الناس بحجج مختلفة لصدهم عن الصدقة، وتجد أصنافًا من الناس يقفون في وجه القائمين بالإصلاح بين الناس بحجج مختلفة لمنعهم، وإفساد جهدهم في الإصلاح، وهكذا تجد صور الصد والمنع كثيرة، ومحصلة عمل هؤلاء هو القيام بمهمة إبليس في منع الناس وصدهم عما يقربهم إلى الله، ولا يقف القرآن عند الإشارة إلى هذا التصرف القبيح بل يبين لنا طريقتهم فيه، وهي طريقة كل ظالم وباغٍ يريد منع الناس وصدهم عن طرق الخيرات، وهي طريقة الوعد والوعيد، فقال: ﴿ تُوعِدُونَ ﴾ [الأعراف: 86] يَحْصُلُ بِذَلِكَ إِنْزَالُ الْمَضَارِّ بِهِمْ، وَأَمَّا الصَّدُّ فَقَدْ يَكُونُ بِالْإِيعَادِ بِالْمَضَارِّ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْوَعْدِ بِالْمَنَافِعِ بِمَا لَوْ تَرَكَهُ وَقَدْ يَكُونُ بِأَلَّا يُمَكِّنَهُ مِنَ الذَّهَابِ إلى الرَّسُولِ لِيَسْمَعَ كَلَامَهُ[14].



      ولعل رسولنا صلى الله عليه وسلم أشار بصورة ما إلى هذا الصنف من الناس، فقال مبينًا عاقبة فعلهم فيما يرويه سيدنا سهل بن سعد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطُوبى لعبد جعله الله مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحًا للشر، مغلاقًا للخير»[15].



      أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [الأعراف: 86] فَالْمُرَادُ: إِلْقَاءُ الشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ شُعَيْبًا مَنَعَ الْقَوْمَ مِنْ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ مِنْ قَبُولِ الدِّينِ الْحَقِّ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنُهُ مَنْعَ غَيْرِهِ مِنْ قَبُولِ مَذْهَبٍ أَوْ مَقَالَةٍ إِلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ[16].



      التذكير بالنعم مما انتهجه نبي الله شعيب في دعوة قومه تذكيرهم بنعم الله عليهم، فقالَ: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ﴾ [الأعراف: 86]، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إِذَا تَذَكَّرُوا كَثْرَةَ إِنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْمَعْصِيَة.



      قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: كَثَّرَ عَدَدُكُمْ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَكَثَّرَكُمْ بِالْغِنَى بَعْدَ الْفَقْرِ، وَكَثَّرَكُمْ بِالْقُدْرَةِ بَعْدَ الضَّعْفِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ أَوْ ضُعَفَاءَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَلِيلِ فِي أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْ وُجُودِهِمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ. فَأَمَّا تَكْثِيرُ عَدَدِهِمْ بَعْدَ الْقِلَّةِ فَهُوَ أَنَّ مَدْيَنَ بن ابراهيم تزوَّج رئيا بِنْتَ لُوطٍ فَوَلَدَتْ حَتَّى كَثُرَ عَدَدُهُمْ.



      ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: ﴿ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 86]، وَالْمَعْنَى: تَذَكَّرُوا عَاقِبَةَ الْمُفْسِدِينَ وَمَا لَحِقَهُمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ زَاجِرًا لَكُمْ عَنِ الْعِصْيَانِ وَالْفَسَادِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ﴾ الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إِذَا تَذَكَّرُوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمُ انْقَادُوا وَأَطَاعُوا وَقَوْلُهُ: ﴿ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ الْمَقْصُودُ مِنْهُ: أَنَّهُمْ إِذَا عَرَفُوا أَنَّ عَاقِبَةَ الْمُفْسِدِينَ الْمُتَمَرِّدِينَ لَيْسَتْ إِلَّا الْخِزْيَ وَالنَّكَالَ احْتَرَزُوا عَنِ الْفَسَادِ وَالْعِصْيَانِ وَأَطَاعُوا، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ حَمْلَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ بِطَرِيقِ التَّرْغِيبِ أَوَّلًا وَالتَّرْهِيبِ ثَانِيًا[17].






      مواساة المؤمنين وزجر المعرضين:
      - ثُمَّ قَالَ: ﴿ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا ﴾ [الأعراف: 87] وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَسْلِيَةُ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَزَجْرُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ فَاصْبِرُوا ﴾ تَهْدِيدٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا ﴾ [الأعراف: 87]، وَالْمُرَادُ: إِعْلَاءُ دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِظْهَارُ هَوَانِ الْكَافِرِينَ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ قَدْ تَظْهَرُ فِي الدُّنْيَا فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فِي الدُّنْيَا فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا فِي الْآخِرَةِ.



      ثُمَّ قَالَ: ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [الأعراف: 87] يَعْنِي أَنَّهُ حَاكِمٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ وَالْحَيْفِ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَخُصَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ بِالدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ، وَالْكَافِرَ الشَّقِيَّ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [ص: 28][18].



      الخوف على النفس من الانتكاس:
      -﴿ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 89]:
      مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنَّ نَعُودَ إلى مِلَّتِكُمْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعِيدَنَا.



      وَلَمْ تَزَلِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَكَابِرُ يَخَافُونَ الْعَاقِبَةَ وَانْقِلَابَ الْأَمْرِ؛ أَلَا تَرَى إلى قَوْلِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وَكَثِيرًا مَا كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ»[19].






      لا يحكم في مصير العباد إلا الله:
      لما قال قوم شعيب له: ﴿ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [الأعراف: 88] فحصروا الموضوع في أمرين: إما عودته في ملتهم أو إخراجه، فبيَّن لهم شعيب أنه لن يعود في ملتهم وليس بيدهم مصير العباد، فربنا وسع كل شيء علمًا، فَرُبَّمَا كَانَ فِي عِلْمِهِ حُصُولُ قِسْمٍ ثَالِثٍ؛ وَهُوَ أَنَّ نَبْقَى فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعُودَ إلى مِلَّتِكُمْ بَلْ يَجْعَلُكُمْ مَقْهُورِينَ تَحْتَ أَمْرِنَا ذَلِيلِينَ خَاضِعِينَ تَحْتَ حُكْمِنَا[20]، وهو ما حدث بالفعل حيث أهلكهم الله.



      التحذير من رفض الحق لأجل مُعاداة قائله والاعتبار بمن سبق:
      لَا يَنْبَغِي أَنْ تَحْمِلَكُمْ عَدَاوَتِي عَلَى مَذْهَبٍ وَدِينٍ تَقَعُونَ بِسَبَبِهِ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ مِنَ اللَّه تَعَالَى، كَمَا وَقَعَ فِيهِ أَقْوَامُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وما قوم لوط منكم ببعيد، فَإِنَّ الْقُرْبَ فِي الْمَكَانِ وَفِي الزَّمَانِ يُفِيدُ زِيَادَةَ الْمَعْرِفَةِ، وَكَمَالَ الْوُقُوفِ عَلَى الْأَحْوَالِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: اعْتَبِرُوا بِأَحْوَالِهِمْ وَاحْذَرُوا مِنْ مُخَالَفَةِ اللَّه تَعَالَى وَمُنَازَعَتِهِ حَتَّى لَا يَنْزِلَ بِكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَذَابِ[21].









      أهمية العشيرة:
      - ﴿ قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ﴾ [هود: 91]، عائلتك التي قد تعاديها وتقاطعها وتمنع عنها خيرك بغير سبب قد تكون سببًا لدفع الشرور عنك، وعلى الجانب الآخر فمن الحماقة وقلة الدين أن يعمل الناس حسابًا لأصحاب الجاه وأصحاب القوة، ولا يخافون من الله، والله محيط بأعمالهم، فإنهم زَعَمُوا أَنَّهُمْ تَرَكُوا إِيذَاءَهُ رِعَايَةً لِجَانِبِ قَوْمِهِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَتْرُكُونَ قَتْلِي إِكْرَامًا لِرَهْطِي، واللَّه تَعَالَى أولى أن يتبع أمره، فكأنه يقول: حفظكم إِيَّايَ رِعَايَةً لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى أَوْلَى مِنْ حِفْظِكُمْ إِيَّايَ رِعَايَةً لِحَقِّ رَهْطِي.



      وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ﴾ [هود: 92] فَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ نَسِيتُمُوهُ وَجَعَلْتُمُوهُ كَالشَّيْءِ الْمَنْبُوذِ وَرَاءَ الظَّهْرِ لَا يُعْبَأُ بِهِ[22].






      الثقة في وعد الله:
      ﴿ وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ [هود: 93].



      اعْمَلُوا حَالَ كَوْنِكُمْ مَوْصُوفِينَ بِغَايَةِ الْمُكْنَةِ وَالْقُدْرَةِ وَكُلُّ مَا فِي وُسْعِكُمْ وَطَاقَتِكُمْ مِنْ إِيصَالِ الشُّرُورِ إِلَيَّ فَإِنِّي أَيْضًا عَامِلٌ بِقَدْرِ مَا آتَانِي اللَّه تَعَالَى مِنَ الْقُدْرَةِ[23].



      فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: فَمَاذَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ من الكاذب فانْتَظِرُوا الْعَاقِبَةَ ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾؛ أَيْ: مُنْتَظِرٌ.






      العاقبة والعقوبة:
      لقد عذب الله قوم شعيب بثلاث عقوبات: الصيحة والرجفة وعذاب يوم الظلة.



      فالصَّيْحَةُ وَهِيَ صَيْحَةُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ، وَالْجَاثِمُ: الْمُلَازِمُ لِمَكَانِهِ الَّذِي لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ؛ يَعْنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا صَاحَ بِهِمْ تِلْكَ الصَّيْحَةَ زَهَقَ رُوحُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي مَكَانِهِ مَيِّتًا.



      ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾ [الأعراف: 91]؛ أَيِ: الزَّلْزَلَةُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ وَهِيَ الزَّلْزَلَةُ الشَّدِيدَةُ الْمُهْلِكَةُ، وفي الشعراء قال: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾ [الشعراء: 189].



      فَإِنْ قِيلَ: الْهَلَاكُ الَّذِي أَصَابَ قَوْمَ شُعَيْبٍ ذَكَرَ تَعَالَى فِي الْأَعْرَافِ أَنَّهُ رَجْفَةٌ، وَذَكَرَ فِي هُودٍ أَنَّهُ صَيْحَةٌ، وَذَكَرَ فِي الشُّعَرَاءِ أَنَّهُ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ.



      فَالْجَوَابُ: مَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ كُلُّهُ أَصَابَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ، وَهِيَ سَحَابَةٌ أَظَلَّتْهُمْ فِيهَا شَرَرٌ مِنْ نَارٍ وَلَهَبٍ وَوَهَجٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ جَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَرَجْفَةٌ مِنَ الْأَرْضِ شَدِيدَةٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَزَهَقَتِ الْأَرْوَاحُ، وَفَاضَتِ النُّفُوسُ، وَخَمَدَتِ الْأَجْسَامُ؛ ا هـ[24]، ولكل نوع من هذا العذاب مناسبة.



      "فأخْبَرَ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ "هُودٍ" فَقَالَ: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [هود: 94] وَالْمُنَاسَبَةُ فِي ذَلِكَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-أَنَّهُمْ لَمَّا تَهَكَّمُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ شُعَيْبٍ فِي قَوْلِهِمْ: ﴿ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87] فَجَاءَتِ الصَّيْحَةُ فَأَسْكَتَتْهُمْ.



      وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 189] وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ فِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ: ﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 187]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ"[25]، ولعلها رسالة على قدر ظلمك وعصيانك على قدر ما ينزل بك من عقوبة.


      متاع الدنيا كأنه لم يكن:
      - ﴿ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ﴾ [الأعراف: 92]: يُقَالُ: غَنِيَ الْقَوْمُ فِي دَارِهِمْ إِذَا طَالَ مَقَامُهُمْ فِيهَا، أو كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا مُسْتَغْنِينَ.



      ﴿ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ﴾؛ أَيْ: كَأَنْ لَمْ يُقِيمُوا فِي دِيَارِهِمْ أَحْيَاءً مُتَصَرِّفِينَ مُتَرَدِّدِينَ، وهكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فبؤس الدنيا مهما طال يذهبه أول لحظة في الجنة ونعيمها مهما طال ينسيكه أول لحظة في النار؛ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "يُؤْتى بأنعم أهل الدُّنْيَا من أهل النَّار يَوْم الْقِيَامَة، فيصبغ فِي النَّار صبغةً ثمَّ يُقَال: يَا بْن آدم، هَل رَأَيْت خيرًا قطُّ؟ هَل مَرَّ بك نعيمٌ قطُّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله يَا رب، وَيُؤْتى بأشد النَّاس بؤسًا فِي الدُّنْيَا من أهل الْجنَّة، فَيُقَال لَهُ: يَا بْن آدم، هَل رَأَيْت بؤسًا قطُّ؟ هَل مَرَّ بك شدةٌ قطُّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله، مَا مَرَّ بِي بؤسٌ قطُّ، وَلَا رَأَيْت شدَّة قطُّ"[26].

      [1] مفاتيح الغيب للفخر الرازي (18/ 385).

      [2] أخرجه ابن ماجه في السنن مطولًا برقم 4259، قال البوصيري في إتحاف الخيرة (7/ 445): رواته ثقات.

      [3] مفاتيح الغيب (18/ 385).

      [4] روح المعاني للألوسي (4/ 413).

      [5] التحرير والتنوير لابن عاشور (8/ 242).

      [6] مفاتيح الغيب (14/ 314).

      [7] مرجع سابق (14/ 313).

      [8] مفاتيح الغيب (14/ 314).

      [9] اللباب في علوم الكتاب لابن عادل (10/ 545).

      [10] المحرر الوجيز (3/ 199).

      [11] مفاتيح الغيب (18/ 386).

      [12] مرجع سابق (14/ 314).

      [13] الكشاف للزمخشري (2/ 121).

      [14] مفاتيح الغيب (14/ 315).

      [15] ابن ماجه في سننه ج1/ ص87 ح238، قال المنذري: وفي سنده لين.

      [16] مفاتيح الغيب (14/ 315).

      [17] مفاتيح الغيب (14/ 315).

      [18] مرجع سابق.

      [19] تفسير الخازن (2/ 228).

      [20] مفاتيح الغيب (14/ 318).

      [21] مرجع سابق (18/ ,389 -390).

      [22] مفاتيح الغيب (18/ 392).

      [23] مرجع سابق.

      [24] أضواء البيان للشنقيطي (2/ 36).

      [25] تفسير ابن كثير (3/ 448).

      [26] أخرجه مسلم برقم (2807).


      د. مصطفى حسن مكي


      شبكة الالوكة

           
    • ♦ مقصد وموضوع سورة الكهف: كيف ينجح الإنسان عند الابتلاء بالنعم والعطاءات. ♦ علاقة أول السورة بالقصص الواردة فيها. ♦ عدد القصص الواردة في السورة. ♦ وقفات مع تلك القصص وما فيها من دروس وعبر.   مع سورة الكهف: وفيها خمس قصص أو إن شئت فقل: خمسة عطاءات: قصة أصحاب الكهف، وإشارة إلى موقف من مواقف تعامل المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع المستضعفين، وإشارة إلى قصة سيدنا آدم مع إبليس، وقصة صاحب الجنتين، وقصة موسى والخضر، وقصة ذي القرنين.   وهناك قصة لا تكاد تخلو منها سورة؛ قصة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ أخلاقه، معاملاته مع المسلمين وغير المسلمين، غزواته.   ولهذا بدأت السورة بالثناء على الله، ثم بالثناء على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بمقام العبودية، أعلى منزلة يصل إليها الإنسان أن يكون عبدًا لله الواحد الديان، ثم خُتمت السورة ببيان مهمة الرسل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].   وفي ثناياها بيانٌ لبعض المواقف النبوية التي تدل على رحمته صلى الله عليه وسلم؛ كقوله تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، يقول تعالى مسلِّيًا رسوله صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين؛ لتركهم الإيمان وبُعدِهم عنه؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر: 8]، وقال: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 127]، وقال: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3]؛ ﴿ بَاخِعٌ ﴾: أي: مهلك نفسك بحزنك عليهم؛ ولهذا قال: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]؛ يعني: القرآن، ﴿ أَسَفًا ﴾: يقول: لا تُهلِك نفسك أسفًا؛ [تفسير الإمام ابن كثير]، وكقوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].   بداية السورة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].   هناك علاقة وثيقة بين القصص الواردة في السورة، وبين تلك البداية التي تُعلي من شأن العبودية لله الواحد الأحد، وتلك العلاقة هي بيان أن الواجب على الإنسان أن يكون عبدًا لله وحده؛ مهما أُعطيَ من زينة الدنيا، ومهما أُوتيَ من فُتُوَّةٍ وشباب، فلا يغتر؛ ولْيَجْعَلْ ذلك عونًا له على طاعة الله تعالى، كما في قصة الفتية أصحاب الكهف.     1- العطاء الأول: الشباب والفتــوة مع الغِـنى، عنــدما يتبصَّر عقـل الفتى وتســمو روحـه، باحــثًا عن الحق، مستمسكًا به، مضحِّيًا في سبيله: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].   الشباب والفتــوة مع الغِنى من العطاءات التي يُمتحن بها الإنسان، فهؤلاء الفتية الذين لم يُفتنوا بزينة الدنيا، ولا بشبابهم وفتوتهم وصحتهم، وقد بيَّن النبي أن الشباب والصحة غُنْمٌ ينبغي للعاقل ألَّا يُضيِّعَهُ، وتأتي قصة أصحاب الكهف لتبين كيف نجح أولئك الفتية في الاختبار، وتعرفوا على العزيز الغفار، رغم خطورة فترة الشباب، وفي هذا جواب على سؤال الشباب الذين يشكون تكالُبَ الفتن عليهم، فالحل هنا: أن تبدأ بالقرب إلى الله خطوة، وسترى كم هو رحيم ودود؛ كما في الحديث القدسي الجليل: ((من تقرَّب مني شبرًا تقربتُ منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا، تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشى أتيتُهُ هرولة))؛ [رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء]، وقال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف: 13، 14].   ﴿ آمَنُوا ﴾ بالله وحده لا شريك له من دون قومهم، فشكر الله لهم إيمانهم، فزادهم هدًى؛ أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان، زادهم الله من الهدى، الذي هو العلم النافع، والعمل الصالح؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]؛ [تفسير الشيخ السعدي رحمه الله].   كيف يقضي شبابنا أوقاتهم؟ وما تطلعاتهم وآمالهم؟ وقد بيَّن النبي أن فترة الشباب مَغنمٌ لا يصح لعاقل تضييعه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغِناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك))؛ [رواه الحاكم وصححه].   ولــم يُفتن هــؤلاء الفتية بكونهم أبناءَ ملوكٍ أكابرَ، يعيشون في رَغَدٍ من العيش، كل هــذا لم يمنعهم من البحث عن الحق، واتباعه، والتضحية في سبيله؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في شأنهم: "كانوا في زمن ملك يُقال له: دقيانوس، وكانوا من أبناء الأكابر، واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم، فرَأَوا ما يتعاطاه قومهم من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان، فنظروا بعين البصيرة، وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة، وألهمهم رشدهم، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء، فخرجوا عن دينهم، وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له".   ومثل أصحاب الكهف في البحث عن الحق واتباعه والثبات عليه امـــرأةُ فرعــون: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].   وسُنَّةُ الله فيمن آثــر الحق على كل شيء أن ينصرَهُ الله تعالى، وأن يُسخِّر له جميع الكائنات: ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ [الكهف: 17 - 19].     2- العطــاء الثــاني: الجــاه والشـــرف، هــل سيكون سبيلًا للكِـــبر، واحتقـــار أهل الحـــق؟ للأسف انصرف كثير من قريش عن الحق في بداية الدعوة، فأرادوا من النبي أن يطـــرد الفقـــراء؛ حتى يتبعـــه الأشــراف والســادة؛ فنزل قـــول الله: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، وهذه الآيـــة أصل عظيم في إجــلال أهل الطاعة ومحبتهم ورعايتهم؛ فعن سعد بن أبي وقاص، قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نَفَرٍ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرُد هؤلاء؛ لا يجترئون علينا! قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هُذيل، وبلالٌ، ورجلان نسيت اسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 52]))؛ [الحديث أخرجه مسلم].   ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾؛ قال ابن عباس: "ولا تجاوزهم إلى غيرهم: يعني: تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة".   ورُوي عن الحسن: "﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾؛ أي: لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلبًا لزينتها"؛ حكاه اليزيدي، وقيل: "لا تحتقرهم عيناك، كما يُقال: فلان تنبو عنه العين؛ أي: مستحقرًا".   ﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾؛ أي: تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء الذين اقترحوا إبعاد الفقراء من مجلسك.   "ولم يُرِدِ النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك، ولكن الله نهاه عن أن يفعله، وليس هذا بأكثر من قوله: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر: 65]، وإن كان الله أعاذه من الشرك"؛ [تفسير القرطبي رحمه الله].     3- العطـــاء الثالث: المــال، هل يمكــن أن يغــترَّ الإنسان بالـمال، ويكــفر بالكـــبير المتعال؟ الهدف والمقصد من قصص سورة الكهف: أنه مهما أُوتيَ الإنسان من الحرث والمال، فليكن عبدًا لله العزيز الغفار؛ حتى لا يستعبده الدرهم والدينار؛ كما هو حال صاحب الجنتين: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 35، 36].   وهذا مفتون آخـــرُ مغرورٌ بعطاء الدنيا، غير شاكر لله؛ حيث ظن أنه يملك استدامة تلك النعمة، واستمرار ذلك العطاء، ونسيَ أنه مُمتحَن بالعطاء؛ فلمَّا سلبه الله النعمة، أدرك ضــلاله، وتذكر المنعم ونــدم، ولكن متى؟ بعد فوات الأوان: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ﴾ [الكهف: 42، 43].   فالعاقل لا يغتر بهذه الدنيا؛ لأنه يعــرف حقيقتها: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45].   ولا يستعبده الدرهم والدينار كما فعل صاحب الجنتين؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعِسَ عبدالدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِيَ رضيَ، وإن لم يُعطَ لم يرضَ))؛ [رواه البخاري].   تسخير الكائنات لمن شكر رب الأرض والسماوات: ولئن كان صاحب الجنتين، رَسَبَ في الامتحان بالعطاء، فإن هناك مَن نجح في امتحان العطاء، فلم يبخل، ولم يجحد نِعَمَ الله، واستحق المزيد بشكره لله؛ حتى سخَّر الله له السحاب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجل بفَلاة من الأرض، فسمع صوتًا في سحابة: اسقِ حديقةَ فلان، فتنحَّى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حَرَّة، فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبَّع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يُحوِّل الماء بمِسحاتِهِ، فقال له: يا عبدالله، ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبدالله، لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسقِ حديقة فلان - لاسمك - فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلتَ هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثُلُثِهِ، وآكل أنا وعيالي ثُلُثًا، وأردُّ فيها ثلثه))؛ [رواه مسلم].     4- العطـــاء الــرابـع: العلم؛ فبالعلم يسعد الإنسان، وربما يشقى به، فمهما أُوتي من علم، فلا يستكبر على غيره، وليكن حريصًا على بذل العلم ونفع الخلق، مع نسبة هذا كله الله؛ كما فعل العبد الصالح الخضرُ في قصته مع سيدنا موسى عليه السلام؛ يقول ابن القـــيم: "من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زِيد في علمه، زِيد في تواضعه ورحمته، ومن علامات الشقاوة أنه كلما زِيد في علمه، زِيد في كِبره وتِيهِهِ.   من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زِيدَ في علمه، زِيد في تواضعه ورحمته، وكلما زِيدَ في خوفه وحذره، وكلما زيد في عمره، نقص من حرصه، وكلما زيد في ماله، زِيد في سخائه وَبَذْلِهِ، وكلما زيد في قدره وجاهِهِ، زِيد في قربه من النَّاس وقضاء حوائجهم، والتواضع لهم.   ومن علامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه، زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله، زِيد في فخره واحتقاره للنَّاس، وحسن ظنه بنفسِهِ، وكلما زيد في عمره، زيد في حرصه، وكلما زيد في ماله، زيد في بخله وإمساكه، وكلما زيد في قدره وجاهه، زيد في كبره وتيهه، وهذه الأمور ابتلاء من الله، وامتحان يبتلي بها عباده، فيسعد بها أقوام، ويشفى بها أقوام وكذلك"؛ ا.هـ؛ [كتاب الفوائد].   وتــأمل كيف تواضع سيدنا موسى عليه السلام وهو يطلب العلم، ثــم كيف ازداد الخضر بالعلم تــواضعًا لله: ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82]، فالعلم المقترن بالإيمان والرحمة هو الذي ينفع صاحبه، كما قال تعالى واصفًا عبده الصالح الخضر: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ [الكهف: 65].   أما العلم بدون الإيمان والرحمة، فهو وبالٌ على صاحبه ودمار للمجتمع، واسألوا من اخترع قنبلة هيروشيما: كم قتلت؟ وكم أصابت من البشر؟ وما زال من أُصيب بها من اليابانيين يعانون من أمراض، وانظروا كم يعاني العالم اليوم بسبب التقدم العلمي المجرد عن الأخلاق والإيمان والرحمة!   والعلم بدون تزكية للنفس مَهلَكَةٌ لصاحبه؛ كما في قصة بلعام بن باعوراء: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الأعراف: 175].   "فذكر أهل الكتاب قصة عرفوها في التوراة، واختُلف في تعيين الذي أوتي الآيات؛ فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، ويقال ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، وكان بحيث إذا نظر رأى العرش، وهو المعني بقوله: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾، ولم يقل: آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه، ثم صار بحيث إنه كان أول من صنف كتابًا في أن (ليس للعالم صانع)، قال مالك بن دينار: بعث بلعام بن باعوراء إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان، فأعطاه وأقْطَعَهُ، فاتبع دينه وترك دين موسى، ففيه نزلت هذه الآيات"؛ [تفسير الإمام القرطبي].   من العطاءات التي يُمتحن بها الإنسان عطاء العبادة، وفي السورة مثالٌ آخر لمن اغترَّ بهذا العطاء، العابد بدون تزكية للنفس، إبليس كان عابدًا كما ذكر سيدنا ابن عباس، فلما أمره الله، ظهر ما كان يُخفي في قلبه من استكبارٍ وحسدٍ؛ فاتَّهم الذات الإلهية بالحَيْفِ عياذًا بالله؛ فردَّ الأمر على العلي القدير، زاعمًا أنه خير من آدم، وما منعه إلا الحسد والكبر والفسوق؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].     5- العطـــاء الخــامس: المــلك والتــمكين في الأرض: من مقاصد سورة الكهف، أنه مهما أُوتيَ الإنسان من ملك، فلا يطغى ولا يظلم، إن الملك كــثيرًا مــا يُطغي الإنســـان، وقـــد يزداد الإنسان بــه قــربًا من اللـــــــــه، وخـــدمة للــضعفاء ونشـــرًا للعـــدل؛ كما فعـــل ذو القرنين: ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [الكهف: 95].   وانظروا كيف وضع الملك العادل ذو القرنين منهج الحكم العادل الرشيد: ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 87، 88].   ومهما يكن عـــطاء الدنـــيا، فهـــو لا يســــاوي شيئًا، مقـــارنة بعطـــاء الآخـــــــرة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108].   ومهما أُوتيَ من جاهٍ ونسبٍ، فلا يسخر من الفقراء والضعفاء، كما فعل عيينة بن حصن الفزاري؛ حيث ((أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُسلِمَ، وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان، وعليه شَمْلَةُ قد عرِق فيها، وبيده خُوصَةٌ يشُقُّها، ثم ينسِجها، فقال عيينة للنبي صلى الله عليه وسلم: أَمَا يؤذيك ريحُ هؤلاء، ونحن سادات مضرَ وأشرافها، فإن أسلمنا، أسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، فنحِّهم عنك حتى نتْبَعَك، أوِ اجعل لنا مجلسًا ولهم مجلسًا؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾ [الكهف: 28]))؛ [تفسير الإمام ابن كثير].     أيها المؤمنون، الجميع يعلم أن المنع والمصائب بلاءٌ يحتاج إلى صبر، بيدَ أن القليل من يعلم أن العطاءات والنِّعَمِ ابتلاءاتٌ تحتاج إلى شكر؛ قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وأدرك إبليس هذا: ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]، وقد جاء في سورة الكهف أصول نعم الدنيا: الفتوة والشباب، المال والحرث، العلم والفهم، العبادة والنسك، الملك والسلطان، أضف إليها الجاه والنسب"، وكل هذه العطاءات امتحان واختبار، فكيف ينجح الإنسان في اختبار الابتلاء بالعطاء، ومن خلال سورة الكهف والقصص الوارد فيها نتعلم الآتي: 1- التعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، هذا باب لكل خير، مع التدبر لكتابه، فلينظر العاقل إلى قدرة الله من خلال قصة أصحاب الكهف؛ ليُعلم أنه سبحانه يُحيي الموتى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 25، 26]؛ قال قتادة: "لا أحد أبصرُ من الله ولا أسمع"؛ [تفسير الإمام القرطبي].   فمن أراد حُجَّةً، فالقرآن يكفيه؛ قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الكهف: 27]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 57].   ومن أراد مؤنسًا، فالله يكفيه، ومن أعرض عن ذكر الله، فلا يلومَنَّ إلا نفسه، فلا قِبَلَ لأحدٍ بحرب الله؛ قال تعالى فيمن جحد نعم الله: ﴿ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ [الكهف: 43، 44]، وقال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 58، 59]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف: 109].   2- معرفة حقيقة الدنيا، وأنها إلى زوال؛ فهي ممرٌّ، وليست دار مستقر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴾ [الكهف: 7، 8]؛ يخبر تعالى: أنه جعل جميع ما على وجه الأرض؛ من مآكلَ لذيذةٍ، ومشاربَ، ومساكنَ طيبة، وأشجار، وأنهار، وزروع، وثمار، ومناظرَ بهيجة، ورياض أنيقة، وأصوات شجية، وصور مليحة، وذهب وفضة، وخيل وإبل ونحوها - الجميع جعله الله زينة لهذه الدار، فتنة واختبارًا؛ ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7]؛ أي: أخلصه وأصوبه، ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات فانية مُضمحلة، وزائلة منقضية؛ [تفسير الشيخ السعدي رحمه الله]، فالعاقل يوازن بين متطلبات الدنيا والدين؛ قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46].   3- معرفة حقيقة الآخرة، وأنها دار القرار، فهنا تــأتي الآيات لتبين أن عطاء الدنيا لا شيءَ مقارنة بعطاءات الآخـــــــــــرة؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 30، 31].     4- الخسران الحقيقي هو خسران رضوان الله والجنة في الآخرة، فالخاسر من كفر، فاستحق النار: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29]، وانظر لهذا المشهد من أهوال يوم القيامة، واعمل لهذا اليوم ألف حساب: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 47 - 49]، هل ينفعك في هذا اليوم أحد، هل يشفع لك من أشركتهم مع الله: ﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴾ [الكهف: 52، 53]، ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الكهف: 103 - 106].   فكل نعيم في الدنيا دون الجنة فهو عذاب، وكل عذاب دون الجنة فهو نعيم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108].   اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.   أحمد رضوان محمد وزيري   شبكة الالوكة  
       
  • أكثر العضوات تفاعلاً

    لاتوجد مشارِكات لهذا الاسبوع

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • أم أنيس تشعر الآن ب حزينة
    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181936
    • إجمالي المشاركات
      2535166
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93135
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    أأم محمد
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×