اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57245
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180510
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8235
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32132
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4160
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52990
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31793
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  9. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33904
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (36940 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • معلوم أن الله عز وجل ذكر قصص الأنبياء في القرآن للعظة والعبرة والتذكير والمواساة، وفي كل قصة من هذه القصص فوائد وأحكام وتنبيهات يدركها من يطالعها، ومن هذه القصص قصة سيدنا شعيب، ففيها من الفوائد والعبر الكثير والكثير نبَّه عليها أئمة التفسير في كتبهم، ولما كانت هذه الفوائد منثورة في موضع القصة في القرآن وفي كتب التفسير أردتُ جمعها وتقريب فوائدها رجاء الأجر والمثوبة ودعوة صالحة، وقدمت ذلك بذكر سياق القصة في موضعين في القرآن﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [الأعراف: 85 - 87] ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ * قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 84 - 88].




      الفوائد والعبر:
      التوحيد هو الأساس:
      ﴿ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ فهذا هو أساس دعوة نبي الله شعيب بل أساس دعوة الأنبياء جميعًا، وهو توحيد الله عز وجل وعبادة الله وحده.






      تطفيف الكيل:
      ومع الدعوة إلى التوحيد تأتي الدعوة لترك كبريات الخطايا التي درج عليها القوم، وفي هذا ما فيه من التنبيه على عظم هذه الخطايا؛ لأن النهي عنها قُرِن بالنهي عن الشرك.



      فكانت أول خطيئة نهى سيدنا شعيب قومه عن ارتكابها -بعد الشرك- هي خطيئة نقص الكيل والميزان، وإنك لتدرك عظم هذه الخطيئة وسوء مغبتها عندما ترى النهي عنها والنهي عن الشرك قرينين في آية واحدة، ثم تأمل سياق الآيات في سورة هود "ففِي الْآيَةِ الْأُولَى نَهَى عَنِ النُّقْصَانِ، وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَمَرَ بِإِعْطَاءِ قَدْرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ وَالْيَقِينُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ إِلَّا عِنْدَ أَدَاءِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الزِّيَادَةِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى نَهَى أَوَّلًا عَنْ سَعْيِ الْإِنْسَانِ فِي أَنْ يَجْعَلَ مَالَ غَيْرِهِ نَاقِصًا لتحصل له تلك الزيادة، وفي الثاني أَمَرَ بِالسَّعْيِ فِي تَنْقِيصِ مَالِ نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ بِالْيَقِينِ عَنِ الْعُهْدَةِ، وَقَوْلُهُ: ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ يَعْنِي بِالْعَدْلِ، وَمَعْنَاهُ: الْأَمْرُ بِإِيفَاءِ الْحَقِّ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ الْيَقِينُ بِالْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ، فَالْأَمْرُ بِإِيتَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ"[1]، فإذا أردنا موضعًا آخر يُنبِّه فيه الشارع على عظيم جرم هذه الخطيئة، فستجد سورة مسماة بهذا الاسم "المطففين" يفتتحها الله عز وجل بوعيد شديد ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ "[المطففين: 1 - 4]، وهو وعيد شديد مع ما جاء في السنة"ولا انتقَص قوم المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم"[2].






      النهي عن البخس:
      ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ [الأعراف: 85] الخطيئة الثانية التي دعا سيدنا شعيب قومه لتركها خطيئة بخس الناس حقوقهم المادية والمعنوية، فقال كما حكاه القرآن: ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ وَالْبَخْسُ هُوَ النَّقْصُ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ، وَقَدْ َ دَلَّتْ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى الْمَنْعِ مِنَ النَّقْصِ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ النَّقْصِ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ[3]، ويدخل في ذلك بخس الرجل حقَّه من حسن المعاملة والتوقير اللائق به، وبيان فضله على ما هو عليه للسائل عنه"[4].



      «البخس في لسان العرب هو النَّقْص بالتعييب والتَّزهيد أو المخادعة عن القيمة أو الاحتيال في التزيد في الكيل والنّقصان منه» فلنَبْنِ على أساس كلامه فنقول: البخس هو إنقاص شيء من صفة أو مقدار هو حقيق بكمالٍ في نوعه. ففيه معنى الظلم والتحيُّل، وقد ذكر ابن سِيدة في «المخصص» البَخْس في باب الذهاب بحقِّ الإنسان.. "وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْبَخْسُ مُتَعَلِّقًا بِالْكَمِّيَّةِ كَمَا يَقُولُ الْمُشْتَرِي: هَذَا النِّحْيُ لَا يَزِنُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ يَزِنُ اثْنَيْ عَشَرَ رطْلًا، أَوْ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى هَذَا النَّخْلِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ قَنَاطِيرَ تَمْرًا فِي حِينِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ عِشْرِينَ قِنْطَارًا، وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالصِّفَةِ كَمَا يَقُولُ: هَذَا الْبَعِيرُ شَرُودٌ وَهُوَ مِنَ الرَّوَاحِلِ، وَيَكُونُ طَرِيقُ الْبَخْسِ قَوْلًا، كَمَا مَثَّلْنَا، وَفِعْلًا كَمَا يَكُونُ مِنْ بَذْلِ ثَمَنٍ رَخِيصٍ فِي شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَاعَ غَالِيًا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْبَخْسِ أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَاخِسُ الرَّاغِبُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبْخُوسَةِ بِأَنْ يَصْرِفَ النَّاسَ عَنِ الرَّغْبَةِ فِيهَا فَتَبْقَى كَلًّا عَلَى جَالِبِهَا؛ فَيَضْطَرُّ إلى بَيْعِهَا بِثَمَنٍ زَهِيدٍ، وَقَدْ يُقْصَدُ مِنْهُ إِلْقَاءُ الشَّكِّ فِي نَفْسِ جَالِبِ السِّلْعَةِ بِأَنَّ سِلْعَتَهُ هِيَ دُونَ مَا هُوَ رَائِجٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَدْخُلُهُ الْيَأْسُ مِنْ فَوَائِدِ نِتَاجِهِ؛ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْبَخْسَ هُوَ بِمَعْنَى النَّقْصِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْفَاعِلِ بِالْمَفْعُولِ، لَا النَّقْصُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الشَّيْءِ النَّاقِصِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ النَّقْصِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا.."[5].



      فلَمَّا مَنَعَ قَوْمَهُ مِنَ الْبَخْسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مَنَعَهُمْ الْبَخْس وَالتَّنْقِيص بِجَمِيعِ الْوُجُوهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْعُ مِنَ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَانْتِزَاعِ الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْحِيَلِ[6]، فعلى هذا يكون الْبَخْسُ وَالتَّطْفِيفُ عِبَارَةٌ عَنِ الْخِيَانَةِ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ وَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَحٌ فِي الْعُقُولِ وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَتِ الْبَيِّنَةُ وَالشَّرِيعَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُرْمَةِ فَلَمْ يَبْقَ لَكُمْ فِيهِ عُذْرٌ[7].






      النهي عن الفساد:
      ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56] وهذا النهي متعلق بالأمرين السابقين"؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَخْذُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ رِضَاهَا يُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَهُمَا يُوجِبَانِ الْفَسَادَ لَا جَرَمَ قَالَ بَعْدَهُ: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ وَقَدْ ذَكَرُوا في تَفْسِير هَذِهِ الْكَلِمَةِ وُجُوهًا، فَقِيلَ: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ بِأَنْ تُقْدِمُوا عَلَى الْبَخْسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُهُ الْفَسَادُ.



      وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ فَسَادًا حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ.



      وَقِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ مَنْعٌ مِنْ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ مَنْعٌ مِنْ مَفَاسِدِ الدِّينِ حَتَّى تَكُونَ الْآيَةُ جَامِعَةً لِلنَّهْيِ عَنْ مَفَاسِدِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ.



      وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ﴿ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ قِيلَ: بَعْدَ أَنْ صَلَحَتِ الْأَرْضُ بِمَجِيءِ النَّبِيِّ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِخُلُوِّهَا مِنْهُ فَنَهَاهُمْ عَنِ الْفَسَادِ وَقَدْ صَارَتْ صَالِحَةً.



      وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَلا تُفْسِدُوا بَعْدَ أَنْ أَصْلَحَهَا اللَّهُ بِتَكْثِيرِ النِّعَمِ فِيهِمْ، وَحَاصِلُ هَذِهِ التَّكَالِيفِ يَرْجِعُ إلى أَصْلَيْنِ: التَّعْظِيم لِأَمْرِ اللَّهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، وَالشَّفَقَة عَلَى خَلْقِ الله ويدخل فيها ترك البخس وترك الفساد، وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلى تَرْكِ الْإِيذَاءِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِيصَالُ النَّفْعِ إلى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ، وَأَمَّا كَفُّ الشَّرِّ عَنِ الْكُلِّ فَمُمْكِنٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الأمور قَالَ: ﴿ ذلِكُمْ ﴾ وَهُوَ إِشَارَةٌ إلى التوحيد وإيفاء الكيل وعدم البخس.. وَالْمَعْنَى: خَيْرٌ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ بِالْآخِرَةِ، والمراد: اترك الْبَخْسِ، وَتَرْكُ الْإِفْسَادِ خَيْرٌ لَكُمْ فِي طَلَبِ الْمَالِ... لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا عَلِمُوا مِنْكُمُ الْوَفَاءَ وَالصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ رَغِبُوا فِي الْمُعَامَلَاتِ مَعَكُمْ؛ فَكَثُرَتْ أَمْوَالُكُمْ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾؛ أَيْ: إن كنتم مصدقين لي في قولي[8].



      فإن قيل: العثوُّ: الفسادُ التَّامُّ، فقوله: ﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ ﴾ جارٍ مجرى قولك: ولا تُفسِدُوا في الأرض مفسدين، فالجوابُ من وجوه:
      الأول: أَنَّ مَنْ سَعَى فِي إِيصَالِ الضَّرَرِ إلى الْغَيْرِ فَقَدْ حَمَلَ ذَلِكَ الْغَيْرَ عَلَى السَّعْيِ إلى إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ مَعْنَاهُ: وَلَا تَسْعَوْا فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ سَعْيٌ مِنْكُمْ فِي إِفْسَادِ مَصَالِحِ أَنْفُسِكُمْ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ مَصَالِحَ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ. وَالثَّالِثُ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ مصالح الأديان[9].






      الحلالُ خيرٌ من الحرام:
      - ﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾.



      قوله: ﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ ﴾ قال ابن عباس: معناه الذي يبقي الله لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل والوزن خيرٌ لكم مما تستكثرون أنتم به على غير وجهه[10].



      - قوله: ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾:
      فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنِّي نَصَحْتُكُمْ وَأَرْشَدْتُكُمْ إلى الْخَيْرِ ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾؛ أَيْ: لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى مَنْعِكُمْ عَنْ هَذَا الْعَمَلِ الْقَبِيحِ.



      الثَّانِي: قَدْ أَشَارَ إلى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ يُوجِبُ زَوَالَ نِعْمَةِ اللَّه تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ [هود: 85، 86]؛ يَعْنِي لَوْ لَمْ تَتْرُكُوا هَذَا الْعَمَلَ الْقَبِيحَ لَزَالَتْ نِعَمُ اللَّه عَنْكُمْ، وَأَنَا لَا أَقْدِرُ على حفظها عليكم في تلك الحالة[11].






      عرقلة المصلحين مهمة شيطانية:
      - قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾ [الأعراف: 86]:
      "اعْلَمْ أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَمَّ إلى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّكَالِيفِ أَشْيَاءَ:
      الْأَوَّل: أَنَّهُ مَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَقْعُدُوا عَلَى طُرُقِ الدِّينِ وَمَنَاهِجِ الْحَقِّ لِأَجْلِ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ عَنْ قَبُولِهِ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: يُحْمَلُ الصِّرَاطُ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَسْلُكُهُ النَّاسُ؛ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ عَلَى الطُّرُقَاتِ وَيُخَوِّفُونَ مَنْ آمَنَ بِشُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ الصِّرَاطُ عَلَى مَنَاهِجِ الدِّينِ[12]. قال في الكشاف: ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾؛ أَيْ: وَلَا تَقْتَدُوا بِالشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16][13].



      إن هذه الآية تعبر تعبيرًا بليغًا وواقعيًّا عما كان يقوم به قوم شعيب وعما يقوم بهم من على شاكلتهم حتى اليوم؛ وهو الوقوف أمام الناس ومنعهم من سلوك طريق مرضاة الله فنجد أصنافًا يقفون في وجوه الناس بحجج مختلفة لصدهم عن الصدقة، وتجد أصنافًا من الناس يقفون في وجه القائمين بالإصلاح بين الناس بحجج مختلفة لمنعهم، وإفساد جهدهم في الإصلاح، وهكذا تجد صور الصد والمنع كثيرة، ومحصلة عمل هؤلاء هو القيام بمهمة إبليس في منع الناس وصدهم عما يقربهم إلى الله، ولا يقف القرآن عند الإشارة إلى هذا التصرف القبيح بل يبين لنا طريقتهم فيه، وهي طريقة كل ظالم وباغٍ يريد منع الناس وصدهم عن طرق الخيرات، وهي طريقة الوعد والوعيد، فقال: ﴿ تُوعِدُونَ ﴾ [الأعراف: 86] يَحْصُلُ بِذَلِكَ إِنْزَالُ الْمَضَارِّ بِهِمْ، وَأَمَّا الصَّدُّ فَقَدْ يَكُونُ بِالْإِيعَادِ بِالْمَضَارِّ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْوَعْدِ بِالْمَنَافِعِ بِمَا لَوْ تَرَكَهُ وَقَدْ يَكُونُ بِأَلَّا يُمَكِّنَهُ مِنَ الذَّهَابِ إلى الرَّسُولِ لِيَسْمَعَ كَلَامَهُ[14].



      ولعل رسولنا صلى الله عليه وسلم أشار بصورة ما إلى هذا الصنف من الناس، فقال مبينًا عاقبة فعلهم فيما يرويه سيدنا سهل بن سعد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطُوبى لعبد جعله الله مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحًا للشر، مغلاقًا للخير»[15].



      أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [الأعراف: 86] فَالْمُرَادُ: إِلْقَاءُ الشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ شُعَيْبًا مَنَعَ الْقَوْمَ مِنْ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ مِنْ قَبُولِ الدِّينِ الْحَقِّ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنُهُ مَنْعَ غَيْرِهِ مِنْ قَبُولِ مَذْهَبٍ أَوْ مَقَالَةٍ إِلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ[16].



      التذكير بالنعم مما انتهجه نبي الله شعيب في دعوة قومه تذكيرهم بنعم الله عليهم، فقالَ: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ﴾ [الأعراف: 86]، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إِذَا تَذَكَّرُوا كَثْرَةَ إِنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْمَعْصِيَة.



      قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: كَثَّرَ عَدَدُكُمْ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَكَثَّرَكُمْ بِالْغِنَى بَعْدَ الْفَقْرِ، وَكَثَّرَكُمْ بِالْقُدْرَةِ بَعْدَ الضَّعْفِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ أَوْ ضُعَفَاءَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَلِيلِ فِي أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْ وُجُودِهِمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ. فَأَمَّا تَكْثِيرُ عَدَدِهِمْ بَعْدَ الْقِلَّةِ فَهُوَ أَنَّ مَدْيَنَ بن ابراهيم تزوَّج رئيا بِنْتَ لُوطٍ فَوَلَدَتْ حَتَّى كَثُرَ عَدَدُهُمْ.



      ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: ﴿ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 86]، وَالْمَعْنَى: تَذَكَّرُوا عَاقِبَةَ الْمُفْسِدِينَ وَمَا لَحِقَهُمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ زَاجِرًا لَكُمْ عَنِ الْعِصْيَانِ وَالْفَسَادِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ﴾ الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إِذَا تَذَكَّرُوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمُ انْقَادُوا وَأَطَاعُوا وَقَوْلُهُ: ﴿ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ الْمَقْصُودُ مِنْهُ: أَنَّهُمْ إِذَا عَرَفُوا أَنَّ عَاقِبَةَ الْمُفْسِدِينَ الْمُتَمَرِّدِينَ لَيْسَتْ إِلَّا الْخِزْيَ وَالنَّكَالَ احْتَرَزُوا عَنِ الْفَسَادِ وَالْعِصْيَانِ وَأَطَاعُوا، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ حَمْلَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ بِطَرِيقِ التَّرْغِيبِ أَوَّلًا وَالتَّرْهِيبِ ثَانِيًا[17].






      مواساة المؤمنين وزجر المعرضين:
      - ثُمَّ قَالَ: ﴿ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا ﴾ [الأعراف: 87] وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَسْلِيَةُ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَزَجْرُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ فَاصْبِرُوا ﴾ تَهْدِيدٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا ﴾ [الأعراف: 87]، وَالْمُرَادُ: إِعْلَاءُ دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِظْهَارُ هَوَانِ الْكَافِرِينَ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ قَدْ تَظْهَرُ فِي الدُّنْيَا فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فِي الدُّنْيَا فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا فِي الْآخِرَةِ.



      ثُمَّ قَالَ: ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [الأعراف: 87] يَعْنِي أَنَّهُ حَاكِمٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ وَالْحَيْفِ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَخُصَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ بِالدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ، وَالْكَافِرَ الشَّقِيَّ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [ص: 28][18].



      الخوف على النفس من الانتكاس:
      -﴿ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 89]:
      مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنَّ نَعُودَ إلى مِلَّتِكُمْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعِيدَنَا.



      وَلَمْ تَزَلِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَكَابِرُ يَخَافُونَ الْعَاقِبَةَ وَانْقِلَابَ الْأَمْرِ؛ أَلَا تَرَى إلى قَوْلِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وَكَثِيرًا مَا كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ»[19].






      لا يحكم في مصير العباد إلا الله:
      لما قال قوم شعيب له: ﴿ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [الأعراف: 88] فحصروا الموضوع في أمرين: إما عودته في ملتهم أو إخراجه، فبيَّن لهم شعيب أنه لن يعود في ملتهم وليس بيدهم مصير العباد، فربنا وسع كل شيء علمًا، فَرُبَّمَا كَانَ فِي عِلْمِهِ حُصُولُ قِسْمٍ ثَالِثٍ؛ وَهُوَ أَنَّ نَبْقَى فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعُودَ إلى مِلَّتِكُمْ بَلْ يَجْعَلُكُمْ مَقْهُورِينَ تَحْتَ أَمْرِنَا ذَلِيلِينَ خَاضِعِينَ تَحْتَ حُكْمِنَا[20]، وهو ما حدث بالفعل حيث أهلكهم الله.



      التحذير من رفض الحق لأجل مُعاداة قائله والاعتبار بمن سبق:
      لَا يَنْبَغِي أَنْ تَحْمِلَكُمْ عَدَاوَتِي عَلَى مَذْهَبٍ وَدِينٍ تَقَعُونَ بِسَبَبِهِ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ مِنَ اللَّه تَعَالَى، كَمَا وَقَعَ فِيهِ أَقْوَامُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وما قوم لوط منكم ببعيد، فَإِنَّ الْقُرْبَ فِي الْمَكَانِ وَفِي الزَّمَانِ يُفِيدُ زِيَادَةَ الْمَعْرِفَةِ، وَكَمَالَ الْوُقُوفِ عَلَى الْأَحْوَالِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: اعْتَبِرُوا بِأَحْوَالِهِمْ وَاحْذَرُوا مِنْ مُخَالَفَةِ اللَّه تَعَالَى وَمُنَازَعَتِهِ حَتَّى لَا يَنْزِلَ بِكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَذَابِ[21].









      أهمية العشيرة:
      - ﴿ قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ﴾ [هود: 91]، عائلتك التي قد تعاديها وتقاطعها وتمنع عنها خيرك بغير سبب قد تكون سببًا لدفع الشرور عنك، وعلى الجانب الآخر فمن الحماقة وقلة الدين أن يعمل الناس حسابًا لأصحاب الجاه وأصحاب القوة، ولا يخافون من الله، والله محيط بأعمالهم، فإنهم زَعَمُوا أَنَّهُمْ تَرَكُوا إِيذَاءَهُ رِعَايَةً لِجَانِبِ قَوْمِهِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَتْرُكُونَ قَتْلِي إِكْرَامًا لِرَهْطِي، واللَّه تَعَالَى أولى أن يتبع أمره، فكأنه يقول: حفظكم إِيَّايَ رِعَايَةً لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى أَوْلَى مِنْ حِفْظِكُمْ إِيَّايَ رِعَايَةً لِحَقِّ رَهْطِي.



      وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ﴾ [هود: 92] فَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ نَسِيتُمُوهُ وَجَعَلْتُمُوهُ كَالشَّيْءِ الْمَنْبُوذِ وَرَاءَ الظَّهْرِ لَا يُعْبَأُ بِهِ[22].






      الثقة في وعد الله:
      ﴿ وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ [هود: 93].



      اعْمَلُوا حَالَ كَوْنِكُمْ مَوْصُوفِينَ بِغَايَةِ الْمُكْنَةِ وَالْقُدْرَةِ وَكُلُّ مَا فِي وُسْعِكُمْ وَطَاقَتِكُمْ مِنْ إِيصَالِ الشُّرُورِ إِلَيَّ فَإِنِّي أَيْضًا عَامِلٌ بِقَدْرِ مَا آتَانِي اللَّه تَعَالَى مِنَ الْقُدْرَةِ[23].



      فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: فَمَاذَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ من الكاذب فانْتَظِرُوا الْعَاقِبَةَ ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾؛ أَيْ: مُنْتَظِرٌ.






      العاقبة والعقوبة:
      لقد عذب الله قوم شعيب بثلاث عقوبات: الصيحة والرجفة وعذاب يوم الظلة.



      فالصَّيْحَةُ وَهِيَ صَيْحَةُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ، وَالْجَاثِمُ: الْمُلَازِمُ لِمَكَانِهِ الَّذِي لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ؛ يَعْنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا صَاحَ بِهِمْ تِلْكَ الصَّيْحَةَ زَهَقَ رُوحُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي مَكَانِهِ مَيِّتًا.



      ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾ [الأعراف: 91]؛ أَيِ: الزَّلْزَلَةُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ وَهِيَ الزَّلْزَلَةُ الشَّدِيدَةُ الْمُهْلِكَةُ، وفي الشعراء قال: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾ [الشعراء: 189].



      فَإِنْ قِيلَ: الْهَلَاكُ الَّذِي أَصَابَ قَوْمَ شُعَيْبٍ ذَكَرَ تَعَالَى فِي الْأَعْرَافِ أَنَّهُ رَجْفَةٌ، وَذَكَرَ فِي هُودٍ أَنَّهُ صَيْحَةٌ، وَذَكَرَ فِي الشُّعَرَاءِ أَنَّهُ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ.



      فَالْجَوَابُ: مَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ كُلُّهُ أَصَابَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ، وَهِيَ سَحَابَةٌ أَظَلَّتْهُمْ فِيهَا شَرَرٌ مِنْ نَارٍ وَلَهَبٍ وَوَهَجٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ جَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَرَجْفَةٌ مِنَ الْأَرْضِ شَدِيدَةٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَزَهَقَتِ الْأَرْوَاحُ، وَفَاضَتِ النُّفُوسُ، وَخَمَدَتِ الْأَجْسَامُ؛ ا هـ[24]، ولكل نوع من هذا العذاب مناسبة.



      "فأخْبَرَ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ "هُودٍ" فَقَالَ: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [هود: 94] وَالْمُنَاسَبَةُ فِي ذَلِكَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-أَنَّهُمْ لَمَّا تَهَكَّمُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ شُعَيْبٍ فِي قَوْلِهِمْ: ﴿ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87] فَجَاءَتِ الصَّيْحَةُ فَأَسْكَتَتْهُمْ.



      وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 189] وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ فِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ: ﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 187]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ"[25]، ولعلها رسالة على قدر ظلمك وعصيانك على قدر ما ينزل بك من عقوبة.


      متاع الدنيا كأنه لم يكن:
      - ﴿ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ﴾ [الأعراف: 92]: يُقَالُ: غَنِيَ الْقَوْمُ فِي دَارِهِمْ إِذَا طَالَ مَقَامُهُمْ فِيهَا، أو كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا مُسْتَغْنِينَ.



      ﴿ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ﴾؛ أَيْ: كَأَنْ لَمْ يُقِيمُوا فِي دِيَارِهِمْ أَحْيَاءً مُتَصَرِّفِينَ مُتَرَدِّدِينَ، وهكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فبؤس الدنيا مهما طال يذهبه أول لحظة في الجنة ونعيمها مهما طال ينسيكه أول لحظة في النار؛ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "يُؤْتى بأنعم أهل الدُّنْيَا من أهل النَّار يَوْم الْقِيَامَة، فيصبغ فِي النَّار صبغةً ثمَّ يُقَال: يَا بْن آدم، هَل رَأَيْت خيرًا قطُّ؟ هَل مَرَّ بك نعيمٌ قطُّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله يَا رب، وَيُؤْتى بأشد النَّاس بؤسًا فِي الدُّنْيَا من أهل الْجنَّة، فَيُقَال لَهُ: يَا بْن آدم، هَل رَأَيْت بؤسًا قطُّ؟ هَل مَرَّ بك شدةٌ قطُّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله، مَا مَرَّ بِي بؤسٌ قطُّ، وَلَا رَأَيْت شدَّة قطُّ"[26].

      [1] مفاتيح الغيب للفخر الرازي (18/ 385).

      [2] أخرجه ابن ماجه في السنن مطولًا برقم 4259، قال البوصيري في إتحاف الخيرة (7/ 445): رواته ثقات.

      [3] مفاتيح الغيب (18/ 385).

      [4] روح المعاني للألوسي (4/ 413).

      [5] التحرير والتنوير لابن عاشور (8/ 242).

      [6] مفاتيح الغيب (14/ 314).

      [7] مرجع سابق (14/ 313).

      [8] مفاتيح الغيب (14/ 314).

      [9] اللباب في علوم الكتاب لابن عادل (10/ 545).

      [10] المحرر الوجيز (3/ 199).

      [11] مفاتيح الغيب (18/ 386).

      [12] مرجع سابق (14/ 314).

      [13] الكشاف للزمخشري (2/ 121).

      [14] مفاتيح الغيب (14/ 315).

      [15] ابن ماجه في سننه ج1/ ص87 ح238، قال المنذري: وفي سنده لين.

      [16] مفاتيح الغيب (14/ 315).

      [17] مفاتيح الغيب (14/ 315).

      [18] مرجع سابق.

      [19] تفسير الخازن (2/ 228).

      [20] مفاتيح الغيب (14/ 318).

      [21] مرجع سابق (18/ ,389 -390).

      [22] مفاتيح الغيب (18/ 392).

      [23] مرجع سابق.

      [24] أضواء البيان للشنقيطي (2/ 36).

      [25] تفسير ابن كثير (3/ 448).

      [26] أخرجه مسلم برقم (2807).


      د. مصطفى حسن مكي


      شبكة الالوكة

           
    • ♦ مقصد وموضوع سورة الكهف: كيف ينجح الإنسان عند الابتلاء بالنعم والعطاءات. ♦ علاقة أول السورة بالقصص الواردة فيها. ♦ عدد القصص الواردة في السورة. ♦ وقفات مع تلك القصص وما فيها من دروس وعبر.   مع سورة الكهف: وفيها خمس قصص أو إن شئت فقل: خمسة عطاءات: قصة أصحاب الكهف، وإشارة إلى موقف من مواقف تعامل المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع المستضعفين، وإشارة إلى قصة سيدنا آدم مع إبليس، وقصة صاحب الجنتين، وقصة موسى والخضر، وقصة ذي القرنين.   وهناك قصة لا تكاد تخلو منها سورة؛ قصة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ أخلاقه، معاملاته مع المسلمين وغير المسلمين، غزواته.   ولهذا بدأت السورة بالثناء على الله، ثم بالثناء على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بمقام العبودية، أعلى منزلة يصل إليها الإنسان أن يكون عبدًا لله الواحد الديان، ثم خُتمت السورة ببيان مهمة الرسل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].   وفي ثناياها بيانٌ لبعض المواقف النبوية التي تدل على رحمته صلى الله عليه وسلم؛ كقوله تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، يقول تعالى مسلِّيًا رسوله صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين؛ لتركهم الإيمان وبُعدِهم عنه؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر: 8]، وقال: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 127]، وقال: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3]؛ ﴿ بَاخِعٌ ﴾: أي: مهلك نفسك بحزنك عليهم؛ ولهذا قال: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]؛ يعني: القرآن، ﴿ أَسَفًا ﴾: يقول: لا تُهلِك نفسك أسفًا؛ [تفسير الإمام ابن كثير]، وكقوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].   بداية السورة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].   هناك علاقة وثيقة بين القصص الواردة في السورة، وبين تلك البداية التي تُعلي من شأن العبودية لله الواحد الأحد، وتلك العلاقة هي بيان أن الواجب على الإنسان أن يكون عبدًا لله وحده؛ مهما أُعطيَ من زينة الدنيا، ومهما أُوتيَ من فُتُوَّةٍ وشباب، فلا يغتر؛ ولْيَجْعَلْ ذلك عونًا له على طاعة الله تعالى، كما في قصة الفتية أصحاب الكهف.     1- العطاء الأول: الشباب والفتــوة مع الغِـنى، عنــدما يتبصَّر عقـل الفتى وتســمو روحـه، باحــثًا عن الحق، مستمسكًا به، مضحِّيًا في سبيله: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].   الشباب والفتــوة مع الغِنى من العطاءات التي يُمتحن بها الإنسان، فهؤلاء الفتية الذين لم يُفتنوا بزينة الدنيا، ولا بشبابهم وفتوتهم وصحتهم، وقد بيَّن النبي أن الشباب والصحة غُنْمٌ ينبغي للعاقل ألَّا يُضيِّعَهُ، وتأتي قصة أصحاب الكهف لتبين كيف نجح أولئك الفتية في الاختبار، وتعرفوا على العزيز الغفار، رغم خطورة فترة الشباب، وفي هذا جواب على سؤال الشباب الذين يشكون تكالُبَ الفتن عليهم، فالحل هنا: أن تبدأ بالقرب إلى الله خطوة، وسترى كم هو رحيم ودود؛ كما في الحديث القدسي الجليل: ((من تقرَّب مني شبرًا تقربتُ منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا، تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشى أتيتُهُ هرولة))؛ [رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء]، وقال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف: 13، 14].   ﴿ آمَنُوا ﴾ بالله وحده لا شريك له من دون قومهم، فشكر الله لهم إيمانهم، فزادهم هدًى؛ أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان، زادهم الله من الهدى، الذي هو العلم النافع، والعمل الصالح؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]؛ [تفسير الشيخ السعدي رحمه الله].   كيف يقضي شبابنا أوقاتهم؟ وما تطلعاتهم وآمالهم؟ وقد بيَّن النبي أن فترة الشباب مَغنمٌ لا يصح لعاقل تضييعه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغِناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك))؛ [رواه الحاكم وصححه].   ولــم يُفتن هــؤلاء الفتية بكونهم أبناءَ ملوكٍ أكابرَ، يعيشون في رَغَدٍ من العيش، كل هــذا لم يمنعهم من البحث عن الحق، واتباعه، والتضحية في سبيله؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في شأنهم: "كانوا في زمن ملك يُقال له: دقيانوس، وكانوا من أبناء الأكابر، واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم، فرَأَوا ما يتعاطاه قومهم من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان، فنظروا بعين البصيرة، وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة، وألهمهم رشدهم، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء، فخرجوا عن دينهم، وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له".   ومثل أصحاب الكهف في البحث عن الحق واتباعه والثبات عليه امـــرأةُ فرعــون: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].   وسُنَّةُ الله فيمن آثــر الحق على كل شيء أن ينصرَهُ الله تعالى، وأن يُسخِّر له جميع الكائنات: ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ [الكهف: 17 - 19].     2- العطــاء الثــاني: الجــاه والشـــرف، هــل سيكون سبيلًا للكِـــبر، واحتقـــار أهل الحـــق؟ للأسف انصرف كثير من قريش عن الحق في بداية الدعوة، فأرادوا من النبي أن يطـــرد الفقـــراء؛ حتى يتبعـــه الأشــراف والســادة؛ فنزل قـــول الله: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، وهذه الآيـــة أصل عظيم في إجــلال أهل الطاعة ومحبتهم ورعايتهم؛ فعن سعد بن أبي وقاص، قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نَفَرٍ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرُد هؤلاء؛ لا يجترئون علينا! قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هُذيل، وبلالٌ، ورجلان نسيت اسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 52]))؛ [الحديث أخرجه مسلم].   ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾؛ قال ابن عباس: "ولا تجاوزهم إلى غيرهم: يعني: تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة".   ورُوي عن الحسن: "﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾؛ أي: لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلبًا لزينتها"؛ حكاه اليزيدي، وقيل: "لا تحتقرهم عيناك، كما يُقال: فلان تنبو عنه العين؛ أي: مستحقرًا".   ﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾؛ أي: تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء الذين اقترحوا إبعاد الفقراء من مجلسك.   "ولم يُرِدِ النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك، ولكن الله نهاه عن أن يفعله، وليس هذا بأكثر من قوله: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر: 65]، وإن كان الله أعاذه من الشرك"؛ [تفسير القرطبي رحمه الله].     3- العطـــاء الثالث: المــال، هل يمكــن أن يغــترَّ الإنسان بالـمال، ويكــفر بالكـــبير المتعال؟ الهدف والمقصد من قصص سورة الكهف: أنه مهما أُوتيَ الإنسان من الحرث والمال، فليكن عبدًا لله العزيز الغفار؛ حتى لا يستعبده الدرهم والدينار؛ كما هو حال صاحب الجنتين: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 35، 36].   وهذا مفتون آخـــرُ مغرورٌ بعطاء الدنيا، غير شاكر لله؛ حيث ظن أنه يملك استدامة تلك النعمة، واستمرار ذلك العطاء، ونسيَ أنه مُمتحَن بالعطاء؛ فلمَّا سلبه الله النعمة، أدرك ضــلاله، وتذكر المنعم ونــدم، ولكن متى؟ بعد فوات الأوان: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ﴾ [الكهف: 42، 43].   فالعاقل لا يغتر بهذه الدنيا؛ لأنه يعــرف حقيقتها: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45].   ولا يستعبده الدرهم والدينار كما فعل صاحب الجنتين؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعِسَ عبدالدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِيَ رضيَ، وإن لم يُعطَ لم يرضَ))؛ [رواه البخاري].   تسخير الكائنات لمن شكر رب الأرض والسماوات: ولئن كان صاحب الجنتين، رَسَبَ في الامتحان بالعطاء، فإن هناك مَن نجح في امتحان العطاء، فلم يبخل، ولم يجحد نِعَمَ الله، واستحق المزيد بشكره لله؛ حتى سخَّر الله له السحاب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجل بفَلاة من الأرض، فسمع صوتًا في سحابة: اسقِ حديقةَ فلان، فتنحَّى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حَرَّة، فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبَّع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يُحوِّل الماء بمِسحاتِهِ، فقال له: يا عبدالله، ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبدالله، لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسقِ حديقة فلان - لاسمك - فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلتَ هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثُلُثِهِ، وآكل أنا وعيالي ثُلُثًا، وأردُّ فيها ثلثه))؛ [رواه مسلم].     4- العطـــاء الــرابـع: العلم؛ فبالعلم يسعد الإنسان، وربما يشقى به، فمهما أُوتي من علم، فلا يستكبر على غيره، وليكن حريصًا على بذل العلم ونفع الخلق، مع نسبة هذا كله الله؛ كما فعل العبد الصالح الخضرُ في قصته مع سيدنا موسى عليه السلام؛ يقول ابن القـــيم: "من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زِيد في علمه، زِيد في تواضعه ورحمته، ومن علامات الشقاوة أنه كلما زِيد في علمه، زِيد في كِبره وتِيهِهِ.   من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زِيدَ في علمه، زِيد في تواضعه ورحمته، وكلما زِيدَ في خوفه وحذره، وكلما زيد في عمره، نقص من حرصه، وكلما زيد في ماله، زِيد في سخائه وَبَذْلِهِ، وكلما زيد في قدره وجاهِهِ، زِيد في قربه من النَّاس وقضاء حوائجهم، والتواضع لهم.   ومن علامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه، زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله، زِيد في فخره واحتقاره للنَّاس، وحسن ظنه بنفسِهِ، وكلما زيد في عمره، زيد في حرصه، وكلما زيد في ماله، زيد في بخله وإمساكه، وكلما زيد في قدره وجاهه، زيد في كبره وتيهه، وهذه الأمور ابتلاء من الله، وامتحان يبتلي بها عباده، فيسعد بها أقوام، ويشفى بها أقوام وكذلك"؛ ا.هـ؛ [كتاب الفوائد].   وتــأمل كيف تواضع سيدنا موسى عليه السلام وهو يطلب العلم، ثــم كيف ازداد الخضر بالعلم تــواضعًا لله: ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82]، فالعلم المقترن بالإيمان والرحمة هو الذي ينفع صاحبه، كما قال تعالى واصفًا عبده الصالح الخضر: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ [الكهف: 65].   أما العلم بدون الإيمان والرحمة، فهو وبالٌ على صاحبه ودمار للمجتمع، واسألوا من اخترع قنبلة هيروشيما: كم قتلت؟ وكم أصابت من البشر؟ وما زال من أُصيب بها من اليابانيين يعانون من أمراض، وانظروا كم يعاني العالم اليوم بسبب التقدم العلمي المجرد عن الأخلاق والإيمان والرحمة!   والعلم بدون تزكية للنفس مَهلَكَةٌ لصاحبه؛ كما في قصة بلعام بن باعوراء: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الأعراف: 175].   "فذكر أهل الكتاب قصة عرفوها في التوراة، واختُلف في تعيين الذي أوتي الآيات؛ فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، ويقال ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، وكان بحيث إذا نظر رأى العرش، وهو المعني بقوله: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾، ولم يقل: آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه، ثم صار بحيث إنه كان أول من صنف كتابًا في أن (ليس للعالم صانع)، قال مالك بن دينار: بعث بلعام بن باعوراء إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان، فأعطاه وأقْطَعَهُ، فاتبع دينه وترك دين موسى، ففيه نزلت هذه الآيات"؛ [تفسير الإمام القرطبي].   من العطاءات التي يُمتحن بها الإنسان عطاء العبادة، وفي السورة مثالٌ آخر لمن اغترَّ بهذا العطاء، العابد بدون تزكية للنفس، إبليس كان عابدًا كما ذكر سيدنا ابن عباس، فلما أمره الله، ظهر ما كان يُخفي في قلبه من استكبارٍ وحسدٍ؛ فاتَّهم الذات الإلهية بالحَيْفِ عياذًا بالله؛ فردَّ الأمر على العلي القدير، زاعمًا أنه خير من آدم، وما منعه إلا الحسد والكبر والفسوق؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].     5- العطـــاء الخــامس: المــلك والتــمكين في الأرض: من مقاصد سورة الكهف، أنه مهما أُوتيَ الإنسان من ملك، فلا يطغى ولا يظلم، إن الملك كــثيرًا مــا يُطغي الإنســـان، وقـــد يزداد الإنسان بــه قــربًا من اللـــــــــه، وخـــدمة للــضعفاء ونشـــرًا للعـــدل؛ كما فعـــل ذو القرنين: ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [الكهف: 95].   وانظروا كيف وضع الملك العادل ذو القرنين منهج الحكم العادل الرشيد: ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 87، 88].   ومهما يكن عـــطاء الدنـــيا، فهـــو لا يســــاوي شيئًا، مقـــارنة بعطـــاء الآخـــــــرة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108].   ومهما أُوتيَ من جاهٍ ونسبٍ، فلا يسخر من الفقراء والضعفاء، كما فعل عيينة بن حصن الفزاري؛ حيث ((أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُسلِمَ، وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان، وعليه شَمْلَةُ قد عرِق فيها، وبيده خُوصَةٌ يشُقُّها، ثم ينسِجها، فقال عيينة للنبي صلى الله عليه وسلم: أَمَا يؤذيك ريحُ هؤلاء، ونحن سادات مضرَ وأشرافها، فإن أسلمنا، أسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، فنحِّهم عنك حتى نتْبَعَك، أوِ اجعل لنا مجلسًا ولهم مجلسًا؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾ [الكهف: 28]))؛ [تفسير الإمام ابن كثير].     أيها المؤمنون، الجميع يعلم أن المنع والمصائب بلاءٌ يحتاج إلى صبر، بيدَ أن القليل من يعلم أن العطاءات والنِّعَمِ ابتلاءاتٌ تحتاج إلى شكر؛ قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وأدرك إبليس هذا: ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]، وقد جاء في سورة الكهف أصول نعم الدنيا: الفتوة والشباب، المال والحرث، العلم والفهم، العبادة والنسك، الملك والسلطان، أضف إليها الجاه والنسب"، وكل هذه العطاءات امتحان واختبار، فكيف ينجح الإنسان في اختبار الابتلاء بالعطاء، ومن خلال سورة الكهف والقصص الوارد فيها نتعلم الآتي: 1- التعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، هذا باب لكل خير، مع التدبر لكتابه، فلينظر العاقل إلى قدرة الله من خلال قصة أصحاب الكهف؛ ليُعلم أنه سبحانه يُحيي الموتى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 25، 26]؛ قال قتادة: "لا أحد أبصرُ من الله ولا أسمع"؛ [تفسير الإمام القرطبي].   فمن أراد حُجَّةً، فالقرآن يكفيه؛ قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الكهف: 27]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 57].   ومن أراد مؤنسًا، فالله يكفيه، ومن أعرض عن ذكر الله، فلا يلومَنَّ إلا نفسه، فلا قِبَلَ لأحدٍ بحرب الله؛ قال تعالى فيمن جحد نعم الله: ﴿ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ [الكهف: 43، 44]، وقال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 58، 59]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف: 109].   2- معرفة حقيقة الدنيا، وأنها إلى زوال؛ فهي ممرٌّ، وليست دار مستقر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴾ [الكهف: 7، 8]؛ يخبر تعالى: أنه جعل جميع ما على وجه الأرض؛ من مآكلَ لذيذةٍ، ومشاربَ، ومساكنَ طيبة، وأشجار، وأنهار، وزروع، وثمار، ومناظرَ بهيجة، ورياض أنيقة، وأصوات شجية، وصور مليحة، وذهب وفضة، وخيل وإبل ونحوها - الجميع جعله الله زينة لهذه الدار، فتنة واختبارًا؛ ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7]؛ أي: أخلصه وأصوبه، ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات فانية مُضمحلة، وزائلة منقضية؛ [تفسير الشيخ السعدي رحمه الله]، فالعاقل يوازن بين متطلبات الدنيا والدين؛ قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46].   3- معرفة حقيقة الآخرة، وأنها دار القرار، فهنا تــأتي الآيات لتبين أن عطاء الدنيا لا شيءَ مقارنة بعطاءات الآخـــــــــــرة؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 30، 31].     4- الخسران الحقيقي هو خسران رضوان الله والجنة في الآخرة، فالخاسر من كفر، فاستحق النار: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29]، وانظر لهذا المشهد من أهوال يوم القيامة، واعمل لهذا اليوم ألف حساب: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 47 - 49]، هل ينفعك في هذا اليوم أحد، هل يشفع لك من أشركتهم مع الله: ﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴾ [الكهف: 52، 53]، ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الكهف: 103 - 106].   فكل نعيم في الدنيا دون الجنة فهو عذاب، وكل عذاب دون الجنة فهو نعيم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108].   اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.   أحمد رضوان محمد وزيري   شبكة الالوكة  
       
    • اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله بارك الله فيكم أم عبد الله احسنتي احسن الله إليكم وأسأل الله العظيم ان يجنبنا وذرياتنا الفتن ما ظهر منها وما بطن 
    • الله يعلم حكمته من أمره سبحانه وتعالى لعباده أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلموا تسليماً، وقد نلتمس طرفاً مما يتركه هذا الأمر من أثر، مما ذكره السادة العلماء، ومما ينقدح في أذهان المتأملين.   فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي عنوان محبته والعرفان له بفضله – بعد الله عز وجل – على أمته، فالفضل عائد بالأساس لله سبحانه وتعالى في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم للناس؛ فكان من شكر الله عز وجل على تلك النعمة، الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، عرفاناً لله بالفضل في الرسالة والرسول؛ فكان الدعاء للرسول صلى الله عليه وسلم (بالصلاة عليه) شكراً له وشكراً لله من قبله أن أرسل إلينا هذا الرسول بتلك الرسالة العظيمة، يقول ابن القيم رحمه الله "الصلاة عليه أداء لأقل القليل من حقه وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة ولا إرادة ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه"[1]     وهو كذلك إظهار لمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن من يحب أحداً ينشغل بذكره والحديث عنه ومدحه والدعاء له، يقول ابن القيم أيضاً عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنها "سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الايمان الذي لا يتم إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب ، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه - تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه. واذا أعرض عن ذكره (...)، نقص حبه من قلبه. ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره (...). إذا قوي هذا في قلبه، جرى لسانه بمدحه والثناء عليه، وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك"[2]     فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هي تحقيق للعبودية المطلقة لله عز وجل بإظهار محبة من أرسله للعالمين والدعاء له وتعظيمه تعظيماً للمرسل جل في علاه وتقديراً للرسالة المرسلة منه سبحانه وتعالى. وهي كذلك نوع من العرفان لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم بالدعاء له والإكثار من ذكره تجديداً دائماً لمحبته في نفوس أتباعه لكي يظل الحب له متقداً حاضراً، والقدوة كذلك ماثلة مع هذا التذكر الدائم بواجب الصلاة عليه، والتي تتضمن في معانيها طلب زيادة التشريف والرفعة له صلى الله عليه وسلم من رب العالمين. فكلما ذكر المحبوب ازدادت محبته في قلوب المحبين، وكلما لهج اللسان بالدعاء تعاظمت القدوة في نفوس الذاكرين.   ثم هو عنوان للمروءة والعرفان بالجميل لهذا الحبيب الذي جاءنا مثلما وصفه الله عز وجل { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}[3]، فكانت تلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم نوع من المكافأة وشيء من رد الجميل له صلى الله عليه وسلم بحسب قدرات أتباعه على الرد، وهي الدعاء له والطلب من رب العزة مزيداً من الرفعة والعظمة والتشريف لنبيه صلى الله عليه وسلم، يقول العز بن عبد السلام: "ليست صلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاعة منا له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه، لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا، وأفضاله علينا، إذ لا إحسان أفضل من إحسانه - صلى الله عليه وسلم"[4]     وهو نوع من التوسل إلى الله عز وجل بالصلاة على نبيه - كما يقول ابن القيم – "بالصلاة على من نالت أمته هذه النعمة على يده وسعادته؛ فكأن المصلي توسل إلى الله سبحانه بعبوديته، ثم بالثناء عليه والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، ثم الصلاة على رسوله"[5] ثم يأتي التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم كتحية دائمة سابقة لكل مخلوق مثلما قدمها الله عز وجل في الصلاة الإبراهيمية، تعظيماً لشأن النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أفراد أمته. فالصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والتسليم عليه هي إظهار لمحبة الله سبحانه وتعالى بذكر محبوبه وطلب مزيد التشريف له، وهو تذكير دائم بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم واستحضار قدوته ماثلة كلما لهج اللسان بذكره تعظيماً ودعاءً، وهو نوع من المكافأة على ما قدمه الرسول الكريم لأمته، وهذا العرفان وهذا الاستحضار هو الذي يبقى الوجود الدائم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بسيرته ورسالته في نفوس المؤمنين بحيث لا تغيب عنهم لحظة حتى وإن غاب النبي صلى الله عليه وسلم بجسده عن عالمنا؛ فإن استحضار تلك الصورة الوضيئة عبر الدعاء له صلى الله عليه وسلم والسلام عليه رافع لمستوى الإيمان في نفوس المؤمنين، وفي ذلك كذلك ربط مستمر بين التابع والمتبوع، وهو تهذيب للنفس لا ينقطع على شكر أصحاب الإحسان والاعتراف لهم بأفضالهم، وفي صدارتهم هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم الذي لولاه لما عرف المؤمنون طريق الحق والتزموه.     [1] جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام - ابن قيم الجوزية ص 536 [2] المصدر السابق - ص 525 -526 [3] سورة التوبة: 128 [4] سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي (12/411) [5] ذوق الصلاة عند ابن القيم ص 82 لعادل بن عبد الشكور بن عباس الزرقي   موقع المسلم  
    • من كتاب قواعد قرآنية - 50 قاعدة قرآنية في النفس والحياة - د. عمر المقبل القاعدة الحادية والعشرون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين)   الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
      فهذا مرفأ جديد إلى حلقة جديدة من هذه السلسلة الموسومة بـ(قواعد قرآنية)، نعيش فيها مع قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل مع الخالق سبحانه وتعالى والتعامل مع خلقه، هي قاعدة تمثل سفينةً من سفن النجاة، وركناً من أركان الحياة الاجتماعية، وهي ـ لمن اهتدى بهديها ـ علامة خير، وبرهان على سمو الهمة، ودليل على كمال العقل، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}[التوبة: 119].   أيها الإخوة: هذه القاعدة المحكمة جاءت تعقيباً على قصة جهاد طويل، وبلاء كبير في خدمة الدين، والذب عن حياضه، قام به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه رضي الله عنهم،وذلك في خاتمة سورة التوبة ـ التي هي من آخر ما نزل عليه – صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117، 119].   والمعنى: إن هؤلاء الذين تاب الله عليهم ـ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، والثلاثة الذين خلفوا ـ هم أئمة الصادقين، فاقتدوا بهم.   وأنت ـ أيها المبارك ـ إذا تأملتَ مجيء هذه القاعدة القرآنية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} بعد هذه الآيات، أدركتَ أن الصدق أعمّ من أن يختصر في الصدق في الأقوال! بل هو الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال، التي كان يتمثلها نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، قبل البعثة وبعدها.   ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم صادق اللهجة، عف اللسان، أميناً وفيّاً حافظاً للعهود قبل بعثته، عرف بالصادق الأمين، وكان ذلك سبباً في إسلام بعض عقلاء المشركين، الذين كان قائلهم يقول: لم يكن هذا الرجل يكذب على الناس أفتراه يكذب على الله؟!   أيها الإخوة: كثيرٌ من الناس حينما يسمع هذه القاعدة القرآنية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} لا ينصرف ذهنه إلا للصدق في الأقوال، وهذا في الحقيقة تقصير في فهم هذه القاعدة، وإلا لو تأمل الإنسان سياقها لعلم أنها تشمل جميع الأقوال والأفعال والأحوال! كما تقدم.   يا أهل القرآن! إن للصدق آثاراً حميدة، وعوائد جليلة; وهو دليل على رجحان العقل، وحسن السيرة، ونقاء السريرة.
      ولو لم يكن للصدق من آثار إلا سلامته من رجس الكذب، ومخالفة المروءة، والتشبه بالمنافقين! فضلاً عما يكسبه الصدق من عزة، وشجاعة، تورثه كرامة، وعزة نفس، وهيبةَ جناب، ومن تأمل في قصة الثلاثة الذين خلفوا أدرك حلاوة الصدق ومرارة الكذب ولو بعد حين.
      ومن تأمل في الآيات الواردة في مدح الصدق والثناء على أهله وجدَ عجبا عجاباً!   ولو أخذتُ في سرد الآيات الواردة فيه سرداً فقط لانقضى وقت الحلقة قبل أن تنقضي الآيات، ولكن حسبنا أن نشير إلى جملة من الآثار التي دلّ عليها القرآن للصدق وأهله في الدنيا والآخرة:
      1.    فالصادق سائر على درب الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ الذين أثنى الله عليهم في غير ما آية بالصدق في الوعد والحديث.   2.    والصادق معانٌ ومنصورٌ، ويسخر الله له من يدافع عنه من حيث لا يتوقع، بل قد يكون المدافع خصماً من خصومه، تأمل في قول امرأة العزيز: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[يوسف: 51].   3.    والصادق يسير في طريق لاحب إلى الجنة، ألم يقل النبي ج: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا" أخرجه الشيخان(1)، وقد قال الله عز وجل ـ مبيناً صفات أهل الجنة ـ: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: 17].   4.    وأهل الصدق هم الناجون يوم العرض الأكبر على ربهم، كما قال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}[المائدة: 119].   5.    والصادقون هم أهلٌ لمغفرة الله وما أعده لهم من الأجر والثواب العظيم، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) [الأحزاب: 35].   وبعد هذا.. فإن من المحزن والمؤلم أن يرى المسلم الخرق الصارخ ـ في واقع المسلمين ـ لما دلّت عليه هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}!
      فكم هم الذين يكذبون في حديثهم؟ وكم هم الذين يخلفون مواعيدهم؟ وكم هم أولئك الذين ينقضون عهودهم؟
      أليس في المسلمين من يتعاطى الرشوة ويخون بذلك ما اؤتمن عليه من أداء وظيفته؟ أليس في المسلمين من لا يبالي بتزوير العقود، والأوراق الرسمية؟ وغير ذلك من صور التزوير؟
      لقد شوّه ـ هؤلاء ـ وللأسف بأفعالهم وجهَ الإسلام المشرق، الذي ما قام إلا على الصدق!   وإنك لتعجب من مسلم يقرأ هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}! ومع ذلك يمارس كثير من المسلمين الكذب مع وفرة النصوص الشرعية التي تأمر بالصدق وتنهى عن الكذب!   ليت هؤلاء يتأملون هذا الموقف، الذي حدّث به أبو سفيان س قبل أن يسلم، حينما كان في أرض الشام، إذ جيء بكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، فقال هرقل: هل ها هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم، قال: فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسباً من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه، فقال له: قل لهم: إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه، فقال أبو سفيان: وايم الله لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب لكذبت(2).   فتأمل ـ أيها المؤمن ـ كيف حاذر هذا الرجل الذي كان مشركاً يومئذ من الكذب؛ لأنه يراه عاراً وسُبةً لا تليق بالرجل الذي يعرف جلالة الصدق، وقبح الكذب؟! إنها مروءة العربي، الذي كان يعد الكذب من أقبح الأخلاق!
      ولهذا لما سئل ابن معين: عن الإمام الشافعي قال: دعنا، والله لو كان الكذب حلالاً لمنعته مروءته أن يكذب(3)!
      وجاء في ترجمة الحافظ إسحاق بن الحسن الحربي (ت: 284) أن الإمام إبراهيم الحربي سئل عنه، فقال: ثقة، ولو أن الكذب حلال ما كذب إسحاق(4)!
      وكان إبراهيم الحربي (ت: 285) يقول في الإمام المحدث هارون الحمال: لو أن الكذب حلال لتركه هارون تنزهاً(5).
      ولله درُّ الإمامِ الأوزاعي: أنه قال: والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت!   فأين من هذا أولئك الذين استمرأوا الكذب، بل وامتهنوه، ولم يكتفوا بهذا بل روّجوا شيئاً من عادات الكفار في الكذب، كما هو الحال فيما يسمى بكذبة إبريل! ويزعم بعضهم أن تلك كذبة بيضاء! وما علموا أن الكذب كله أسود! إلا ما استثناه الشرع المطهر.   ويقال: لو لم يكن من خسارة يجنيها هؤلاء الذين يكذبون إلا أنهم يتخلفون بكذبهم هذا عن ركب المؤمنين الصادقين، الذين عناهم الله بهذه القاعدة القرآنية المحكمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}.   ما أحرانا معشر الآباء والمربين، أن نربي أجيالنا على هذا الخلق العظيم، وبغض الكذب، وأن نكون لهم قدوات حية يرونها بأعينهم.   يقول الأستاذ الأديب الكبير محمد كرد علي: "لو عَمَدنا إلى الصدق نجعله شعارنا الباطنَ والظاهر في عامة أحوالنا؛ لوفرنا على أنفسنا وعلى من يحتفون بنا وعلى القائمين بالأمر فينا أوقاتاً وأموالاً ولغواً وباطلاً، ولعشنا وأبناءنا سعداء لا نقلق ونَرَوّع، ممتعين بما نجني، مباركاً لنا فيما نأخذ ونعطي، ولعشنا في ظل الشرف، وتذوقنا معنى الإنسانية، ونَعِمْنا بالقناعة، وعَمّنا الرضى"(6). انتهى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.   _______________ (1)    البخاري ح ()، ومسلم ح ().
      (2)    صحيح البخاري ح (؟)، وصحيح مسلم ح (74).
      (3)    لسان الميزان 5/416.
      (4)    تاريخ بغداد (6/382).
      (5)    تاريخ بغداد (14/22) وفي النص خلل، صحح من تذكرة الحفاظ 2/478.
      (6)    أقوالنا وأفعالنا (178).   موقع المسلم  
  • أكثر العضوات تفاعلاً

    لاتوجد مشارِكات لهذا الاسبوع

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181935
    • إجمالي المشاركات
      2535163
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93134
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    أأم محمد
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×