اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57221
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180505
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259982
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8234
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32130
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4160
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52990
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97008
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31793
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15478
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31145
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  9. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41314
      مشاركات
    2. 33909
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (36918 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 12 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    2 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 14، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ)١٨ -فاطر   { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } [فاطر: 18] لا تحمل نفس آثمة { وِزْرَ أُخْرَىٰ } [فاطر: 18] حِمْل نفس أخرى؛ لأنها هي الأخرى مُثْقَلة بحِمْلها، والوزر هو الحِمْل الثقيل الذي لا يطيقه الظهر، ومنه قوله تعالى في مسألة الوحي: { { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } [الشرح: 2-3] يعني: أتعبك نتيجة التقاء الملائكية بالبشرية.
        لذلك "كان صلى الله عليه وسلم يتفصَّد جبينه عرقاً من لقاء جبريل، وهو الذي قال مُصوِّراً هذا اللقاء: ضمَّني حتى بلغ مني الجهد وعاد إلى أهله يقول: زملوني زملوني، دثروني دثروني" . ومع هذا كله لما فتر الوحي اشتاق إليه وتمناه أنْ يجيء، لأنه ذاق حلاوته، وحلاوة الشيء تُنسيك ما تلاقيه من المتاعب في سبيله.
        والمعنى: لا تحمل وزر وذنب نفس أخرى مُثْقَلة بالذنوب والآثام، وقد شرح الحق لنا هذا المعنى فى قوله سبحانه: { { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 34-37] فكلٌّ مشغول بنفسه، مُرْتهَنٌ بعمله، لا وقت للمجاملة؛ لذلك يقول الوالد لولده: يا بني حِمْلي ثقيل عليَّ، فخُذْ عني شيئاً منه. فيقول الولد: حسبي حِمْلي يا أبي.
        كذلك هنا { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا } [فاطر: 18] أي: نفسي مُثْقَلة بالآثام تطلب مَنْ يحمل عنها شيئاً من ذنوبها ولكن هيهات { لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [فاطر: 18] أي: لو كان هذا النداء لأقرب الناس إليها ما أجاب وما حمل عنها، وكيف تحمل نفسٌ وِزْر نفس أخرى، وهي مشغولة بحِمْلها مثقلة به؟
        لذلك يُكذِّب الحق سبحانه قَوْل الذين كفروا حين يتعرَّضون لحمل خطايا أتباعهم، فيقول سبحانه: { { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [العنكبوت: 12-13].
      إذن: هذه مسألة واضحة، فكلٌّ مشغول بنفسه { { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [المدثر: 38].
        فالإنسان في الدنيا مرتبط إما بقرابة لها حقوق عليه، وإما بإخوان وأصدقاء، وإما بمنقذ يستنجد به، وإنْ لم يكن قريباً ولا صديقاً، لكن يوم القيامة ستنحلُّ كل هذه العُرَى؛ لأن الموقف لا يحتمل المجاملات ولا التضحيات.
        لذلك لما سمعتْ السيدة عائشة رضي الله عنها سيدنا رسول الله وهو يُحدِّثهم عن القيامة، ويذكر أن الشمس تدنو من الرؤوس والخَلْق يقفون عرايا، استاءتْ وسألت رسول الله: كيف يقف الناس عرايا ينظر بعضهم إلى عورة بعض؟ فأجابها رسول الله أن كل امرئ مشغول بنفسه، وأن الأمر أعظم من أنْ ينظر أحد لعورة أحد في هذا الموقف.
        ثم يقول سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } [فاطر: 18] يعني: إنذارك يا محمد وتحذيرك لا ينفع إلا الذين يخشون ربهم بالغيب، أما الآخرون فقد ظلموا أنفسهم حين حرموها الخير الكثير الذي أراده الله لهم، ظلموها حين غرَّتهم الدنيا بنعيمها الفاني، وشغلتهم عن نعيم الآخرة الباقي الدائم.
      والإنذار: التخويف من شَرٍّ قبل أوانه لتتوقَّاه، والفرصة سانحة قبل أنْ يداهمك، فأنت مثلاً حين تريد أن تحثَّ ولدك على المذاكرة وتحذره من الإهمال الذي يؤدي إلى الفشل لا تقول له هذا ليلة الامتحان، إنما قبله بوقت كافٍ ليتدارك أمره، ويصحح ما عنده من قصور أو إهمال.
      والإنذار والتخويف لا يُجدي إلا مع مَنْ يؤمن بما تخوِّفه به، فحين ينذر رسول الله بعذاب الآخرة لا ينتفع بهذا الإنذار إلا مَنْ يؤمن بالله ويؤمن بالقيامة.
          ومعنى { يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } [فاطر: 18] الخشية هي الخوف، لكن بحب وتوقير، لا خوف بكراهية، فأنت تخاف مثلاً من بطش جبار ظالم. لكن تخافه وأنت كاره له، إنما خَوْفك من الله خَوْف ناتج عن حب وتوقير، لذلك يصحب هذا الخوف رجاء وطمع في رحمته تعالى، فأنت تسير في رحلة حياتك بجناحين: خوف من العذاب، ورجاء في الرحمة.
      والإنسان ينبغي ألاَّ ينظر إلى الفعل في ذاته، بل ينظر إلى الفعل وإلى قابل، فقد يكون الفعل واحداً لكن يختلف مستقبل الفعل، فالقرآن مثلاً سمعه قوم عند رسول الله، فحكى الله عنهم: { { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً .. } [محمد: 16].
      في حين سمعه آخر فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يُعْلَى عليه.
      وسمعه عمر فَلاَنَ قلبه ورَقَّ فأسلم، فالقرآن واحد، لكن فَرْق بين مَنْ يسمعه وهو له كاره، فيغلق عليه وبين مَنْ يستقبله بقلب وَاعٍ مفتوح لإشراقات القرآن وتجلياته.
        ألاَ ترى أن الحديد يستجيب لك حين تطرقه وهو ساخن، فيصير كالعجينة في يدك، أما إنْ طرقْته وهو بارد فإنه لا يتفاعل معك، كذلك قلنا مثلاً: إنك في اليوم البارد تنفخ في يدك لتشعر بالدفء، وتنفخ أيضاً في كوب الشاي مثلاً لتبرده، فكيف تجتمع هذه المتضادات لفعل واحد؟ نقول: لأن الفاعل وإنْ كان واحداً إلا أن المستقبل للفعل مختلف.
        كذلك إنذاره صلى الله عليه وسلم إنذار واحد، لكن استقبله قوم بخضوع ورغبة في الهداية فآمنوا، واستقبله قوم بعناد وإصرار فلم يستفيدوا منه ولم ينتفعوا بثمرته.
        وقوله { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } [فاطر: 18] دلتْ على أن الإيمان اكتمل في نفوس هؤلاء اكتمالاً يستوي فيه مشهد الحكم بغيبه. ومن ذلك قول الإمام على رضي الله عنه: لو انكشف عني الحجاب ما ازددتُ يقيناً.
        "ولما سأل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر: كيف أصبحتَ يا أبا ذر؟ قال: أصبحت مؤمناً حقاً، قال: فإن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفَتْ نفسي عن الدنيا، حتى استوى عندي ذهبها ومدرها، وكأنِّي أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون، فقال له رسول الله: عرفتَ فالزم" .     ثم يذكر الحق سبحانه صفة أخرى للذين استجابوا لإنذار رسول الله وانتفعوا به: { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } [فاطر: 18] فهم مع خشيتهم لله خشية أوصلتهم إلى إيمان يستوي فيه الغيب بالمشاهدة، هم أيضاً يقيمون الصلاة أي: يؤدونها على أكمل وجه، والصلاة كما ذكرنا هي العبادة الوحيدة التي لا تسقط عن المكلَّف بِحال، فقد يطرأ عليك ما يُسقِط الزكاة أو ما يُسقط الصيام أو الحج فلم تَبْقَ إلا شهادة ألاَّ إله إلا الله محمد رسول الله. وهذه يكفي أنْ تقولها ولو مرة واحدة.
      أما الصلاة فهي العبادة الوحيدة الملازمة للمسلم؛ لأن الصلاة في حقيقتها استدامة الولاء لله تعالى، فَرَبُّك يدعوك إلى لقائه خمس مرات في اليوم والليلة يناديك لتعرض الصنعة على صانعها، وما بالك بصنعة تُعرض على صانعها خمس مرات في اليوم والليلة؟ أيكون بها عَطَب بعد ذلك؟
        أما إذا أردتَ مقابلة عظيم من عظماء الدنيا فَدُونه أبواب وحُرَّاس ومواعيد وإجراءات صارمة، ولا تملك أنت من عناصر هذا اللقاء شيئاً، بل يحدد لك الموعد والموضوع وحتى ما تقوله، إنك تستأذن في أوله ولا تملك الانصراف في آخره.
      أما لقاؤك بربك فخلاف ذلك، ففي يدك أنت كل عناصر اللقاء، فأنت تبدؤه متى تحب، وتنهيه كما تحب، وتناجي ربك فيه بما تريد، تبثُّه شكواك، وتعرض عليه حاجتك، فيسمع ويجيب.
            وبعد أنْ ذكر الحق سبحانه هذه العبارة الدائمة يقرر هذه الحقيقة { وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } [فاطر: 18] يعني: عبادتك عائدة إليك أنت لا ينتفع الله تعالى منها بشيء، فهو سبحانه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين.
      فهو سبحانه غني عَنَّا، ونحن بعبادتنا لله لم نزده سبحانه صفة كمال لم تكن له؛ لأنه بصفة الكمال أوجدنا وبصفة الكمال كلَّفنا. لذلك جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسَكم وجِنَّكم، وشاهدكم وغائبكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنَّكم وشاهدكم وغائبكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من مُلكي شيئاً، ذلك أنِّي جَوَاد ماجد واجد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أنْ أقول له كن فيكون" .
      إذن: نحن صَنْعة الله، وما رأينا صانعاً يعمد إلى صَنْعته فيحطمها أو يعيبها، إنما يصلحها ويُهذِّبها ويعتني بها، حتى إنْ أصابك عطب أو إيلام فاعلم أنه في النهاية لصالحك.
      { وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } [فاطر: 18] يعني: المرجع والمنقلب يوم القيامة ليفصل بين الخصوم، ولينال كل ما يستحق، فمَنْ أفلت من العقاب في الدنيا فهناك مصير سيرجع إليه.     التفاسير العظيمة    
    • (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ)١٥-فاطر إن الإنسان فقير إلى الله، محتاجٌ إلى مولاه في كل حال، وفي كل مرحلة من مراحل عمره إلى أن يلقاه. محتاج إليه وهو مريض أن يشفيه، محتاج إليه في صحته أن يحفظها له، ويستعملها في طاعته؛ لئلا يكفر بنعمته. فقير إلى الله إذا قل ما في يده، وعضه الجوع، ونابه الدهر، ومحتاج إلى الله في غناه وإقبال الدنيا عليه أن يحمي ثروته وتجارته، وييسرَ أمره، ويمتعَه بما رزقه. محتاج إلى الله حال كونه لم ينل شيئاً من حظوظ الدنيا في الجاه فلا أحد يلتفت إليه، إن قال لم يُسمع، وإن شفع لم يشفع، وإن سأل لم يُعط؛ كما أنه محتاج إلى الغني الكريم وقد بُسط له في الجاه، وحظي باحترام الآخرين أن يستر الله عليه عيوبه فلا تظهر للخلق، إذ لو ظهرت لسقط من عيونهم. فقير إلى الله أن يحفظ له عقله ورأيه، فلو ضعفت نعمة العقل والرأي بضعف الذاكرة أو تزاحم الهموم فلن يظل هو ذلك الشخص المرموق الذي يحترمه الكثيرون. إن الناس بحاجةٍ دائمة إلى تذكر نعم الله تعالى، كما أنهم في حاجة متجددة إلى سؤال اللهِ تعالى من فضله؛ لأنهم فقراءُ إليه في كل شيء فقدوه أو وجدوه. الناس بحاجة إلى تذكر هذه الحقيقة لئلا يقتلَهم اليأس والقنوط من رحمة الله حين يفقدون نعمه، أو لئلا يركبهم الغرور حين يرون نعم الله تفتح لهم وتتدفق عليهم وينالون من فضله الكثير.   معشر الأفاضل: وفي الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15] بيَّن الله تعالى أن الناس فقراءٌ إليه في كل شيء، يدل عليه تعريف لفظ الفقراء بـــ أل، وكأنهم -لشدة افتقارهم إليه- هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه، من الناس وغيرهم. وقد بين الله -سبحانه- في موضع آخر أن العباد ضعاف، قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [الروم:54]، وفي الآية معنى أن الناس فقراء، فاجتمع وصفان: الفقر والضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر وأشد حاجة، وهكذا الانسان بالنسبة إلى ربه. لكن الله تعالى هنا في الآية أثبت فقر الناس إليه وغناه عنهم، أكد أن الغِنى ينفع إذا كان الغَني جواداً مُنعِماً، فإذا كان كذلك وهو -سبحانه- استحق الحمد، فقال -سبحانه-: (واللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15]. وقال في آية أخرى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة:267]، وفي آية ثالثة: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [لقمان:26]، وفي آية رابعة: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28]، وفي آية خامسة: (... فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) [النساء:131]. فاحمدوه، واسألوه من فضله، ولوذوا بجنابه، وتبرأوا من حولكم وقوتكم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، مدوا أيديكم إليه، وأنزلوا حاجتكم به، فإنه يحب أن يُسأل، وقادر على الإجابة. وفرِّغوا قلوبكم من التشوف والتطلع إلى ما في أيدي الناس تصلوا مرتبة الأغنياء، فإن الإنسان مهما توفر لديه من المادة، إذا كان يطمع ويرجو نوال فلان وعطاءه، فهو فقير أو مسكين!.   أيها المسلمون: فقد أخرج الإمام أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو فيقول: "اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى". والهدى هو كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق، يسأل الله تعالى أن يهديه لأحسن الأقوال مع والديه ومع أهله وأولاده وزملائه، ومع الناس أجمعين، والله تعالى يقول: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) [الحج:24]. ويقول سبحانه-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء:53]؛ لأن القول إذا حسُن مخرجه، واختار صاحبه ألفاظاً طيبة، وعبارات منتقاة، كان أثره بالغاً، ونتيجته محمودة، وهذا توفيق من الله، ومِنّة ينبغي على العبد أن يسأل الله تعالى ذلك. يسأل ربه الهدى في العمل سواءً ما يتعلق بأعمال الآخرة التي هي عبادة محضة، أو الأعمال التي تتعلق بمعيشته في هذه الحياة الدنيا. كم من الناس يحتاج إلى الإصلاح في منزله، أو صيانة في سيارته ونحوها، وقد يبذل مالاً كثيراً، وجهداً مضاعفاً، ووقتاً طويلاً ثم لا يهدى، ولا ييسر لليسرى! بل عنت ومشقة، وتوتر أعصاب وغفلة عن الدعاء وشكر لله تعالى. وعلى المسلم أن يدعو ربه ويسأله التقوى في تناول أعماله كلها، سواءً منها ما كان عبادة محضة كالصلاة والصوم والحج ونحوها، أن تكون خالصة لله، مجردة من حظوظ النفس، أو ما كان من الأعمال والأقوال التي ليست عبادات في أصل مشروعيتها، لكنها تتحول بالنية الصالحة إلى عبادة يؤجر عليها صاحبها؛ كالنفقة على من تلزمه نفقتهم، ومعاونة المحتاجين، وإكرام الضيف، ونحوها. أيها المؤمنون: ورد في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- العفاف والغنى، والعفاف والعفة هو التنزه عما لا يباح، والكف عنه. أن تُعِف نفسك -أيها المسلم- عن أكل الحرام أياً كان، ولو قليلاً، تعف نفسك أن تشرب ما حرم الله ويضر بصحتك ولو كان يسيراً. تُعِف نفسك فلا تنظر إلى امرأة أجنبية، ولا تتحدث معها إلا لحاجة، وبقدر الحاجة فقط، تُعِف نفسك أن تتطلع إلا ما في أيدي الغير، فإذا تعففت عما في أيدي الغير وزهدت فيه أحبك الناس؛ لأنهم ضمنوا واطمأنوا إلى أنك لا تزاحمهم في شيء من دنياهم. وقد أتى رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ازهد فيما عند الله يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" أخرجه ابن ماجة والحاكم والبيهقي وصححه الألباني. وأما الغنى: فهو الغنى بالله وبرزقه، والقناعة بما فيه، وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية، وإذا اغتنت النفس والقلب فهو الغنى الحقيقي، حتى لو قل المال؛ ترى صاحبه مطمئناً، راضيَ النفس، قنوعاً بما أعطاه الله، وإن كان يسعى لاكتساب الرزق فهذا أمر واجب عليه. أما إذا افتقرت النفس، وافتقر القلب، فلو كان عند الرجل أموال قارون لرأيته يشعر بالحاجة، متخوفا على مستقبله، قلقا ومتوجسا دائماً. اللهم إنا نسألك غنىً لا يطغينا، اللهم اجعلنا من أغنى خلقك بك، وأفقرهم إليك، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، والرضا بعد القضاء...   صالح بن عبد الله الهذلول   ملتقى الخطباء    
    • إن مصيبة المصائب، والطَّامَّة الكبرى التي تهون عندها كل مصيبة أن يتعب المرء بأنواع من القربات والطاعات، وأصناف من الأعمال والعبادات، وهو يظن أنه يحسن عملًا، ويحسب أنه سيجد ذلك في الحسنات؛ فإذا بهذه الطاعات والحسنات التي أفنى فيها عمره قد ذهبت أدراج الرياح، وحبط ما صنع وما قدَّم من أعمال، وصارت كلها: ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39].   إنها أعمال ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 104].   ‏إنه الهباء المنثور الذي ذكره الله تعالى بقوله: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].   إن فعل الطاعات وأداء العبادات فيه كُلْفة؛ فقد يلاقي العبدُ بعضَ المشقة في أدائها؛ لكن الأهم من ذلك كله هو المحافظة على هذه الطاعات، والحرص على هذه العبادات؛ حتى لا تذهب هباء، ولا تضيع سُدًى؛ فقد ترى العبدَ يحافظ على الصلوات الخمس مع المسلمين في جماعة، ويصوم ويحج ويعتمر ويُزكِّي ويَصِل الرَّحِم، ويعمل أعمال الخير والبر، ثم يستحوذ عليه الشيطان فيُوقِعُه في المحبِطات والمبطِلات، فيذهب تعبه، ويخسر آخرته عياذًا بالله.   فما هي هذه المحبطات؟ 1- أخطر ما يحبط العمل: هو الشرك؛ قال الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [التوبة: 17].   ‏وتأملوا هذا الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، ‏وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217].   فالشرك والعياذ بالله يحبط جميع الأعمال مهما كانت كثيرة وكبيرة.   2- ومن المحبطات: الشرك الخفي؛ الرياء، كما روى الإمام أحمد من حديث محمود بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ))، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: ((الرِّياءُ، يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ إذا جَزَى النَّاسَ بأعمالِهم: اذهَبوا إلى الذينَ كنتم تُراؤونَ في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدونَ عِندَهم جزاء)).   وفي المسند أيضًا عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، مرفوعًا: خرج علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ ونحنُ نتذاكرُ المسيحَ الدجالَ، فقال: ((ألَا أُخبركم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدجالِ؟)) قالوا: بلى! قال: ((الشركُ الخفيُّ؛ أن يقومَ الرجلُ فيُصلي فيُزيِّنُ صلاتَه لما يرى من نظرِ رجلٍ)).   ‏وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه)).   ‏وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيتَ رجلًا غَزَا يلتمس الأجرَ والذِّكْرَ، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا شيءَ له))، فأعادها ثلاثَ مراتٍ، ثم قال: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغي به وجهه))؛ [رواه أبو داود، والترمذي].   ‏ولنتأمل هذا الحديث في بيان أول من تُسعَّر بهم النار: فهذا قارئ للقرآن يقول: ((كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ)).   ‏وهذا مُتصدِّق يقول: ((كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ)).   ‏وهذا مجاهد يقول: ((أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ)).   ‏قال الله جل في علاه: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16].   3- ومن المحبطات: ذنوب الخلوات: روى ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا))، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَلَّا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: ((أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ؛ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا!)).   يقول ابن القيم رحمه الله: "أجمَع العارفون أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن طاعة السر هي أصل الثبات".   ‏وقال سحنون رحمه الله: "إياك أن تكون عدوًّا لإبليس في العلانية، صديقًا له في السر".   ‏وقال وهيب بن الورد رحمه الله: "اتقِ أن يكون اللهُ أهونَ الناظرين إليك".   4- ومن المحبطات: الغيبة: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له مظلمةٌ لأخيه من عرضه أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليوم قبل ألَّا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)).   تأمل.. حسناتك التي جمعتها من أعمال الخير، وفيها بعض الجهد والتعب، قد تضيِّعها بلسانك بكل سهولة وتهديها لمن تكره؛ ولذلك يعلمنا ابن المبارك رحمه الله فقهًا عجيبًا، فيقول: "لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ؛ لأنهما أحقُّ الناس بحسناتى!".   قال ابن القيم رحمه الله: "وإنَّ العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله".   5- ومن المحبطات: الحسد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ))؛ [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ].   6- ومن المحبطات: الأذى للغير؛ بظلمهم، والاعتداء عليهم بالقول أو الفعل. في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟)) قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)).   ‏وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ: دِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ: فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴾  [المائدة: 72]، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا: فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ أَوْ صَلَاةٍ تَرَكَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا: فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، الْقِصَاصُ لَا مَحَالَةَ)).   7- ومن المحبِطات: التكذيب بالقَدَر: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو كان لكَ مثل أُحُد ذهبًا، أو مثل جبل أُحُد ذَهَبًا تُنفِقُه في سبيل الله ما قَبِلَه اللهُ منكَ حتى تؤمِنَ بالقَدَرِ كُلِّهِ))؛ [رواه أحمد وابن ماجه].   8- ومن المحبِطات: إتيان الكُهَّان والسحرة والعرَّافين والمنجِّمين: ففي الحديث الصحيح: ((مَنْ أتى عرَّافًا فسأله عن شيء لم تُقبَل له صلاةٌ أربعينَ ليلةً))؛ [رواه مسلم].   ‏قال العلماء: سؤال الكُهَّان يَمنَع قبولَ الصلاة أربعينَ ليلةً، وتصديقهم بما يقولون يُوقِع في الكفر.   9- ومن المحبِطات: قطيعة الرحم: فقد جاء في الحديثٍ الحسنِ: ((إن الأعمال تُعرَض كل خميس وليلة الجمعة، فلا يَقبَل اللهُ عملَ قاطعِ رحمٍ)).   وقاطعُ الرحمِ مستحِقٌّ لِلَّعنِ؛ كما قال الله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23].   10- ومن المحبِطات: ترك صلاة العصر: فقد أمر الله عز وجل بالمحافظة على الصلوات الخمس عمومًا، وأكد على صلاة العصر خصوصًا لأهميتها؛ فقال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].   ‏وفي صحيح البخاري عن بريدة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله)).   ‏وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله)).   11- ومن المحبطات أيضًا: التألِّي على الله تعالى: ففي صحيح مسلم عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله تعالى: من ذا الذي يتألَّى على ألَّا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك)).   12- ومن المحبطات أيضًا: المنَّان الذي يَمُنُّ بعطيته: والمنُّ هو: ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها؛ مثل: أن يقول المرء لآخر: قد أحسنت إليك وأعطيتك وما قصرت معك، أو يتحدث مع الناس بما أعطى لفلان حتى يبلغ ذلك المُعطى فيؤذيه.   ‏وترجع خطورة المنِّ أنه ينقص المال ولا ينال صاحبه أجرًا ولا حمدًا على ذلك؛ ولذا فقد ذم الله تعالى هذا الفعل وأخبرنا أنه يحبط العمل؛ فقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264]، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن المراد بالمَنِّ: المَنُّ على الله تعالى، والأذى: الأذى للفقير".   قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: "قال جمهور العلماء في هذه الآية: إن الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمنُّ أو يؤذي بها فإنها لا تقبل".   وقالوا: أكثر الناس خسارةً هو المَنَّان؛ لأنه يُقَدِّم لك ويَخْسَر، ثم يَمُنُّ عليك ويَخْسَرُك، ولا يبقَى معه سوى الخسران!   ‏وقد مدح الله سبحانه وتعالى وأثنى على المنفقين الذين يبذلون الخير ولا يمنون على من أحسنوا إليهم، وينسون معروفهم في الدنيا راجين من الله الأجر والثواب؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 262].   نسأل الله العظيم أن يحفظ لنا أعمالنا، وأن يجعلنا من عنده من المقبولين.   رمضان صالح العجرمي   شبكة الالوكة    
    • من كتاب قواعد قرآنية - 50 قاعدة قرآنية في النفس والحياة - د. عمر المقبل االقاعدة الثامنة عشرة: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه)   الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
      فهذا موعد جديد لموضوعنا المتنور: (قواعد قرآنية)، نعيش فيها مع قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل مع الخلق، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} [فاطر: 43].   وهذه القاعدة القرآنية جاءت ضمن سياق آيات في سورة فاطر، يحسن ذكرها ليتضح معناها، يقول تعالى عن طائفة من المعاندين(1): {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيْقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلا بَأَهْلِه فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}[فاطر: 42، 43].     ومعنى هذه القاعدة التي تضمنتها هذه الآية باختصار: أن هؤلاء الكفار المعاندين أقسموا "بالله أشد الأَيْمان: لئن جاءهم رسول من عند الله يخوِّفهم عقاب الله ليكونُنَّ أكثر استقامة واتباعًا للحق من اليهود والنصارى وغيرهم، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ما زادهم ذلك إلا بُعْدًا عن الحق ونفورًا منه، وليس إقسامهم لقَصْد حسن وطلبًا للحق، وإنما هو استكبارٌ في الأرض على الخلق، يريدون به المكر السيِّئ، والخداع والباطل، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فهل ينتظر المستكبرون الماكرون إلا العذاب الذي نزل بأمثالهم الذين سبقوهم، فلن تجد لطريقة الله تبديلاً ولا تحويلاً فلا يستطيع أحد أن يُبَدِّل، ولا أن يُحَوِّل العذاب عن نفسه أو غيره" (2).   وهذا المعنى الذي قررته هذه القاعدة، جاء معناه في آيات أخر من كتاب الله تعالى، تأمل قوله عز وجل: {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم} وقولَه تعالى: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه}، بل قد قرر الله تعالى أن هذا الأسلوب ـ وهو المكر ـ إنما هو منهجٌ من مناهج أعداء الرسل مع الأنبياء والرسل، فقال ـ في سورة الرعد: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد: 42]، وقال عز وجل: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 46].   وأما الأمثلة الفردية التي تبين معاني هذه القاعدة، فكثيرة في كتاب الله تعالى، لكن حسبنا أن نشير إلى بعضها، فمن ذلك: 1 ـ ما قصه الله تعالى عن مكر إخوة يوسف بأخيهم، فماذا كانت العاقبة؟ يقول تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}[يوسف: 102] صحيح أن إخوته تابوا، لكن بعد أن آذوا أباهم وأخاهم بأنواع من الأذى، فعاد مكرهم على غير مرادهم، وفاز بالعاقبة الحسنة، والمآل الحميد من صبر وعفى وحلَم. 2 ـ وتأمل في قول الله تعالى عمن أرادوا كيداً بنبي الله عيسى؛: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]! 3 ـ ولما تحايل المشركون بأنواع الحيل لأذية نبينا صلى الله عليه وسلم، قال الله عنهم: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].   وأما في السنة، وفي التاريخ فكثيرٌ جداً، ومن قرأ التاريخ قراءة المتدبر المتأمل، وجد من ذلك عبراً، وأدرك معنى هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه}.   ولهذا، ولما كان المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً، والكيدُ له عظيماً، سلاه الله بآية عظيمة، تبعث على الثقة والطمأنينة، والأمل والراحة، ليس له صلى الله عليه وسلم وحده، بل لكل داعية يسير على نهجه ممن قد يشعر بكيد الكائدين ومكر الماكرين، فقال ـ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: 127، 128].   "فالله حافظه من المكر والكيد، لا يدعه للماكرين الكائدين وهو مخلص في دعوته لا يبتغي من ورائها شيئاً لنفسه، ولقد يقع به الأذى لامتحان صبره، ويبطئ عليه النصر لابتلاء ثقته بربه، ولكن العاقبة مظنونة ومعروفة: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ومن كان الله معه فلا عليه ممن يكيدون وممن يمكرون"(3)، والمهم أن يحفظ سياج التقوى، ولا يقطع إحسانه إلى الخلق، ثم ليبشر بعد ذلك ببطلان كيد الماكرين.   أيها القارئ المحب لكلام ربه: لعلك تلاحظ أن المكر ـ في هذه القاعدة القرآنية: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} ـ لعلك تلاحظ أن المكر أضيف إلى السوء، وهذا يوضح أن المكر من حيث هو لا يذم ولا يمدح إلا بالنظر في عاقبته، فإن كان المكرُ لغاية صحيحة فهو ممدوح، وإلا فلا، ومن بلاغة البيان القرآني التعبير بالحيق مع كلمة المكر، في قوله: (ولا يحيق)، فالعرب تقول: حاق به المكروه يحيق به حيقاً، إذا نزل به وأحاط به، ولا يطلق إلا على إحاطة المكروه خاصة، فلا تقول: حاق به الخير، بمعنى: أحاط به(4).   ولعلك تتأمل معي ـ أيها المستمع الكريم ـ في الحكمة من اتباع هذه القاعدة القرآنية بقوله ـ: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} ليتبين أن هذه القاعدة القرآنية مطردة، وفي ذلك من التحذير من مكر السوء ما فيه، لمن تدبر ووعى، كما سبق في ذكر الآيات الكريمة الدالة على ذلك.   وإذا تقرر أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإنه يدخل في هذه الآية كل مكرٍ سيء،يقول العلامة ابن عاشور: مبيناً علة اطراد وثبات هذه القاعدة {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه}:
      "لأن أمثال هذه المعاملات الضارة تؤول إلى ارتفاع ثقة الناس بعضهم ببعض، والله بنى نظام هذا العالم على تعاون الناس بعضهم مع بعض؛ لأن الإنسان مدني بالطبع، فإذا لم يأمن أفراد الإنسان بعضهم بعضاً تنكر بعضهم لبعض، وتبادروا الإضرار والإهلاك؛ ليفوز كل واحد بكيد الآخر قبل أن يقع فيه؛ فيفضي ذلك إلى فساد كبير في العالم، والله لا يحب الفساد، ولا ضر عبيده إلا حيث تأذن شرائعه بشيء.
      وكم في هذا العالم من نواميس مغفول عنها، وقد قال الله _تعالى_: [وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ].   وفي كتاب ابن المبارك في "الزهد" بسنده عن الزهري بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمكر، ولا تُعن ماكراً فإن الله يقول: [ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله]".   ومن كلام العرب: من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً!.
      فكم انهالت من خلال هذه الآية من آداب عمرانية، ومعجزات قرآنية، ومعجزات نبوية خفية"(5).   أيها الممعن النظر: وإذا أردنا أن ننظر في آثار هذه القاعدة {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} على أهلها في الدنيا والآخرة، فلنتأمل هذه القصص التي ذكرها ربنا في كتابه عن أهل المكر بأوليائه والدعاة إلى سبيله، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره عن جملة من الأنبياء، نجد أمثلة أخرى لأتباعهم، نجاهم الله فيها من مكر الأعداء، ومن ذلك: ـ فهذا فرعون! كم كاد لبني إسرائيل لمّا آمنوا به! ومن جملتهم ذلك الرجل الذي عرف بـ"مؤمن آل فرعون" الذي قصّ الله خبره في سورة غافر! تأمل قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر: 45، 46] فنجى الله المؤمن، وأما فرعون وجنوده فهم الآن، بل منذ ماتوا وهم يعذبون وإلى يوم القيامة.   ـ وهذا الإمام البخاري: ـ صاحب الصحيح ـ كان كثير من أصحابه يقولون له: إن بعض الناس يقع فيك! فيقول: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} [النساء 76] ويتلو أيضاً: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} [فاطر: 43]، فقال له أحد أصحابه: كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض"، وقال صلى الله عليه وسلم: (من دعا على ظالمه، فقد انتصر)(6).   ـ وقد ذكر ابن القيم: أمثلةً تطبيقية وعملية من واقع الناس لهذه القاعدة: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} ـ في سياق حديثه عن المتحايلين على الأحكام الشرعية، كالمتحايلين على أكل الربا ببعض المعاملات، أو يحتالون على بعض الأنكحة، وأمثال هؤلاء، فقال: "فالمحتال بالباطل مُعَاملٌ بنقيض قصده شرعاً وقَدَرَاً، وقد شاهد الناس عيانا أنه من عاش بالمكر مات بالفقر، ولهذا عاقب الله ـ من احتال على إسقاط نصيب المساكين وقت الجداد بحرمانهم الثمرة كلها(7)، وعاقب من احتال على الصيد المحرم بأن مسخهم قردة وخنازير، وعاقب من احتال على أكل أموال الناس بالربا بأن يمحق ماله، كما قال تعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} فلا بد أن يمحق مال المرابي ولو بلغ ما بلغ، وأصل هذا: أن الله سبحانه جعل عقوبات أصحاب الجرائم بضد ما قصدوا له بتلك الجرائم،... إلى أن قال: وهذا بابٌ واسعٌ جداً عظيمُ النفع، فمن تدبره يجده متضمناً لمعاقبة الرب سبحانه من خرج عن طاعته بأن يعكس عليه مقصوده شرعاً وقدراً، دنياً وأخرى، وقد اطردت سنته الكونية سبحانه في عباده بأن: من مكر بالباطل مكر به، ومن احتال احتيل عليه، ومن خادع غيره خُدِعَ، قال الله تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم}، وقال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه}، فلا تجد ماكراً إلا وهو ممكورٌ به، ولا مخادعا إلا وهو مخدوع ولا محتالا إلا وهو محتال عليه" انتهى كلامه، وبه تنتهي هذه الوقفات المختصرات مع هذه القاعدة القرآنية الكريمة، ولم تنته بعد وقفاتنا التي نريدها مع بقية القواعد، فإلى لقاء قادم بإذن الله تعالى.   _______________ (1)    ينظر في تحديدهم: التحرير والتنوير 12/73 في تفسير ابن عاشور لهذه الآية.
      (2)    التفسير الميسر (تفسير المجمع).
      (3)    في ظلال القرآن 4/499.
      (4)    ينظر: أضواء البيان 4/153.
      (5)    التحرير والتنوير 22/335_336.
      (6)    سير أعلام النبلاء (23 / 455).
      (7)    يشير بذلك إلى قصة أصحاب الجنة في سورة القلم.      
    • يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ١٣-فاطر
        صحيح أن الليل والنهار يتساويان في بعض الأحايين، لكن يطول الليلُ في الشتاء فيأخذ جُزْءاً من النهار، ويطول النهار في الصيف فيأخذ جزءاً من الليل، إذن طُول أحدهما نَقْص من الآخر، هذا معنى { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } [فاطر: 13] يعني: يُدخِل هذا في هذا.
      وظاهرة إدخال الليل في النهار وإدخال النهار في الليل ناشئة من ميل المحور، فالحق سبحانه كما وزَّع الماء وحفظه في البحر الواسع، كذلك وزَّع الحرارة، فالشمس لولا وجود المحور المائل لاحترقتْ الجهة المقابلة للشمس وتجمدتْ الجهة الأخرى.


      ومن عجائب الخلق أن الإنسان الذي يعيش عن القطب الشمالي أو القطب الجنوبي حرارته 37 مثل الذي يعيش عند خط الاستواء، لأن الجسم البشري مبنيٌّ على هندسة خاصة تحفظ له حرارته المناسبة أيَّاً كان، بل تحفظ لكل عضو فيه حرارته التي تناسبه مع أن الأعضاء كلها في جسم واحد، والحرارة تُشِعُّ وتستطرق في المكان كله.
      عجيب أن الكبد مثلاً لا يؤدي وظيفته الطبيعية إلا في درجة حرارة 40، والعين لا تزيد حرارتها عن 7، فمَنْ يمنع حرارة الكبد أن تستطرق في الجسم كله وتصل إلى العين مثلاً؟ إنه الخالق { { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [الأعلى: 2-3].


      وقوله سبحانه: { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } [فاطر: 13] يعني: ذلَّلهما للإنسان، وجعلهما في خدمته دون قدرة له عليهما، ودون إرادة منه، فالشمس والقمر آيتان في الهيكل العام للكون لا دّخْلَ للإنسان فيهما، ولو كان له دَخْل لَفَسد أمرهما وما استقام، وصدق الله: { { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ .. } [المؤمنون: 71].
      فإنْ قُلْت: إفساد الإنسان في الأرض أمر ممكن، فكيف يكون إفساده للسماء؟ قالوا: ألم يتمَنَّ قوم أنْ تسقط السماءُ عليهم، فقالوا: { { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً } [الإسراء: 92] فلو اتبع الحقُّ أهواءَ هؤلاء لَخَرِبَتْ الدنيا.


      وهذه مسألة تكلمتْ فيها المدرسة الفلسفية في ألمانيا أمام مدرسة أخرى، وكان لهما رأيان متناقضان، وهما في عصر واحد، وكل منهما تتخذ من رأيها دليلاً على الإلحاد وقولاً بعدم وجود إله، وهذا عجيب.
      فواحدة تقول: لا شذوذ في العالم، فهو يسير على قوانين مستقيمة أشبه ما تكون (بالميكانيكا)، ولو كان لهذا الكون إله خالق لاختلف الخَلْق وحدث فيه شذوذ.
      والأخرى تقول: إن الكون لا يسير على نظام ثابت، بل يحدث فيه شذوذ في الخَلْق، بدليل أن البعض يُولَد مثلاً مُعوَّقاً، ولو كان للعالم إله خالق لجاء الخَلْق واحداً مستوياً لا اختلافَ فيه.
      سبحان الله، فهم يريدون الإلحاد على أيِّ وجه، فمزاجهم أنْ يلحدوا.
      ونقول لهؤلاء: تعالوا نردّكم إلى الصواب وإلى كلمة سواء: يا مَنْ تريد شذوذ الأشياء دليلاً على وجود إله قادر الدليل موجود، ويا مَنْ تريد ثبات الأشياء دليلاً على وجود إله حكيم الدليل موجود، لكن الجهة مُنفكة، كيف؟


      النظام الثابت الذي لا شذوذَ فيه موجود في الكون العلوي الذي يسير على رتابة ونظام لا يتخلَّف، فحركة الشمس والقمر والكواكب والأفلاك تسير كلها على نظام واحد لا يختلُّ أبداً، والآن استطعنا مثلاً تحديد لحظة الكسوف والخسوف، وفعلاً نشاهده في وقته بالضبط.
      إذن: إنْ أردتَ الثبات دليلاً فَخُذْه من الأفلاك العليا؛ لأنها لا بُدَّ أنْ تُبنى على نظام ثابت لا شذوذَ فيه، وإلا لاَخْتلَّ الكون كله.
      فإنْ كنت تريد الشذوذ فشاهده في الجزئيات؛ لأن شذوذَ الجزئيات لا يؤثر على النظام العام للكون؛ لذلك ترى: هذا سليم، وهذا أعمى، وهذا أعور.. إلخ. إذن: الثبات في موضعه لحكمة والشذوذ في موضعه لحكمة، وهذا وذاك دليلان على وجود الإله الخالق القادر.


      وقوله تعالى {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى } [فاطر: 13] أي: الشمس والقمر يجري كل منهما إلى وقت معلوم يتم فيه فَنَاؤهما ونهايتهما { ذَلِكُمُ } [فاطر: 13] أي: الذي فعل هذا وقدَّره {ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ} [فاطر: 13] أي: العالم المحسّ المشَاهَد لك، أما الذي لا تراه من مُلْك الله فهو عَالَم الملكوت، وهو ما غاب عنك، ولا تدركه حواسُّك.


      لذلك لما نجح سيدنا إبراهيم في الابتلاء كما قال تعالى: { { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124] أعطاه الله منزلة عظيمة، وأطلعه على الملكوت الذي غاب عن غيره، فقال سبحانه: { { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الأنعام: 75] وما يترتب من عالم المُلْك المشاهد لنا ناشئ عن عالم الملكوت الذي لا ندركه.
      والحق سبحانه وتعالى يشير إلى هذا العالم - عالم الملكوت - في قوله تعالى: { { يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } [الأنفال: 29].
      كيف، ونحن ما اتقينا الله إلا بالفرقان أي: بالقرآن، فما معنى { { يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } [الأنفال: 29]؟ قالوا: الفرقان هنا أن يُريك الله ملكوتَ السماوات والأرض.


      وقوله سبحانه: {وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13] يعني: إنْ كان الإله الحق خلق لكم كذا كذا، وسخَّر لكم الشمس والقمر، فإن آلهتكم المدَّعاة المزعومة { مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } [فاطر: 13] فما القطمير؟


      المتأمل في القرآن الكريم يجده يُولي اهتماماً كبيراً للنخلة، وأول ما خاطب خاطب العربَ، وهم أول مَنْ وُوجهوا بالإسلام ودُعوا إليه، فخاطبهم القرآن بما يناسبهم، وذكر لهم أمثلة من بيئتهم، والنخلة مشهورة في البيئة العربية، ولها في ديننا منزلة، حتى أنه نُسِب إلى سيدنا رسول الله أنه قال "أكرموا عمتكم النخلة".
      وهذا القول وإن لم يصح عن رسول الله إلا أن الذي قاله لم يَقُلْهُ من فراغ، ولا بُدَّ أن لهذا القول أصلاً، وأن هناك صلة بين الإنسان والنخلة.
      وقد صَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها" .
      فلما سمع عبد الله بن عمر هذا قال لأبيه: لقد وقع في نفسي أنها النخلة، لأنها لا يسقط ورقها، وهي أشبه بالمؤمن، فكل ما فيها نافع فبكَّر عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، إن ابني عبد الله قال عن الشجرة التي ذكرتَ أنها النخلة. فقال: صدق، فقال عمر: فوالله ما يسرني أنْ يكون لي بها حُمر النعم، يعني: فرح أن يفهم ابنه مقالة رسول الله.


      وقد حاول العلماء تقريب هذه الحقيقة إلى الأذهان وإثبات النسب بين الإنسان والنخلة، وأنها ربما تكون قد خُلِقَت من بقية طينة سيدنا آدم، فقالوا: إن رائحة طلع النخلة الذي يتم به التلقيح هي نفس رائحة المنيِّ عند الإنسان، وهذا يرجح صِدْق قول مَنْ قال إنها عمَّتنا.
      وفي خَلْق النخلة على هذه الصورة عجائب وأسرار، ويكفي أن كل ما فيها نافع، ولا يُرْمى منها شيء، وقد جعلها الله موضعاً للمثَل والعبرة، فلما حدَّثَ العرب عن الهلال، قال: { { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } [يس: 39].
      والعرجون هو السُّباطة التي تحمل البلح حين تيبس تلتوي وتتقوَّس، فقرَّب لهم الأعلى بذِكر الأدنى المعروف لهم.


      خُذْ مثلاً نواة التمرة، وهي أهون ما يكون، إلا أن الله تعالى كرَّمها حين ذكر منها ثلاثة أجزاء جعلها أمثالاً توضيحية. ذكر القطمير الذي معنا في هذه الآية { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } [فاطر: 13] وهو الغشاء الشفاف الذي يحيط بالنواة، ونجد مثله بين بياض البيضة وقشرتها.


      وذكر النقير في قوله سبحانه: { { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } [النساء: 124] والنقير تجويف صغير، أو نقرة في ظهر النواة.
      وذكر الفتيل في قوله تعالى: { { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } [النساء: 77] والفتيل خيط أبيض تجده في بطن النواة، وهذه الثلاث: القطمير والنقير والفتيل تُضرب مثلاً للشيء اليسير المتناهي في القلة.
      ثم يقول الحق سبحانه:


      التفاسير العظمة
         
  • أكثر العضوات تفاعلاً

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181914
    • إجمالي المشاركات
      2535130
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93123
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    شرين حاتم
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×