اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57981
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180624
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259985
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8329
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30261
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53081
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40675
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97011
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36839
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29722
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41315
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91747
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32205
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13119
      مشاركات
    3. 34855
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (38420 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ ٤١ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ ٤٢ -الذاريات   أيضاً هنا الواو عاطفة تعطف { وَفِي عَادٍ .. } [الذاريات: 41] على { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [الذاريات: 20] وعلى قوله: { وَفِي مُوسَىٰ .. } الذاريات: 38] والمعنى: وفي عاد آية لكم، فكأن القرآن يُسلِّي سيدنا رسول الله يقول له: لا تحزن من عناد قومك لك، ووقوفهم في وجه دعوتك.
      فالعاقبة لك، ومصيرهم سيكون مثل مصير أمثالهم من المكذِّبين للرسل السابقين، فلك فيهم عبرة.
      { وَفِي عَادٍ .. } [الذاريات: 41] أتى باسم القبيلة ولم يذكر النبي. وفي موضع آخر قال: { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً .. } [الأعراف: 65] فذكر القبيلة لأنه يتحدث عن سوء عاقبتها وما نزل بها لما كذّبتْ نبيها، وعاد عند الأحقاف.
      وقد قال الله فيهم: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } [الفجر: 6-8] ثم ذكر بعدها { وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } [ص: 12].
      فكأن حضارة عاد كانت أقوى وأعظم من حضارة الفراعنة، لكنها مطمورة تحت التراب، لأن الله أهلكهم بالريح فدفنتهم تحت الرمال، ولا عجب في ذلك فهذه منطقة رملية إذا هبَّتْ فيها عاصفة فيمكن أنْ تطمر قافلة كاملة تبتلعها الرمال.
      لذلك نجد آثار هذه الأمم حفائر تحت الأرض.
      ومعنى { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [الذاريات: 41] أي: الريح المدمرة المهلكة، لأن الريح قد تهبُّ ليِّنة سلسة رقيقة، وتسمى النسيم، وقد تشتد فتكون إعصاراً مدمراً، فهي آية من آيات الله تكون نعمة ونقمة.
      الريح هي الهواء الذي نتنفسه، وهو أهم عنصر في عناصر استبقاء الحياة، ولو مُنع عن الإنسان يموت ولو نَفَس واحد، والهواء عنصر أساسي في تكوين الماء وبه تسير السُّحب وينزل المطر، وبه يحيا الحيوان والنبات وهو الذي يُلقِّح الثمار والمزروعات.
      وسبق أنْ قلنا إن الريح تأتي في الشر وفي الهلاك، أما الرياح بالجمع فتأتي في وجوه الخير، فقال هنا { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [الذاريات: 41] أي المدمِّرة، وقال: { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ .. } [الحجر: 22].
      ووصف الريح هنا بأنها عقيم، لأنها لا فائدةَ منها ولا تأتي بخير، لا مطر ولا لقاح، إنما تأتي بالشر والخراب.
      وقوله تعالى: { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [الذاريات: 42] معنى: (تذر) أي: تترك ومثله الفعل تدع، وكل منهما مضارع ليس له ماض في اللغة إلا في قراءة: { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } [الضحى: 1-3] في قراءة (مَا ودَعَكَ) بفتح الدال من غير تشديد.
      أما الفعل (يذر) فليس له ماضٍ، فهذه الريح لا تأتي على شيء ولا تمر على شيء إلا أهلكته وتركته { كَٱلرَّمِيمِ } [الذرايات: 42] وهو الشيء الجاف الذي تفتت وصار هباءً تذروه الرياح.    
    • (وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) ٣٨ (فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ٣٩ (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ) ٤٠ -الذاريات
        بعد أنْ حدَّثتنا الآيات عن طرف من قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام تُحدثنا الآن عن سيدنا موسى عليه السلام، لماذا؟ لأن القرآن كثيراً ما يأتي بإبراهيم وموسى في قرن واحد لما بينهما من تشابه في مسيرة الدعوة إلى الله.
      اقرأ: { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [الأعلى: 18-19] وقال: { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [النجم: 36-37].
      فالقرآن يربط بينهما لأن سيدنا إبراهيم أول ما تعرَّض في أمر الدعوة تعرَّض للرجل الذي حاجَّه في ربه، ويبدو من سياق القصة أنه ادَّعى الألوهية بدليل قوله { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ .. } [البقرة: 258].
      وبعد ذلك كان لإبراهيم مواقف في إظهار آيات الله للناس، فهو أول مَنْ علَّمهم أنْ ينظروا في الآيات الكونية، ثم كانت له مواقف مع عبدة الأصنام، خاصة مع أبيه آزر، ثم جاءت أحداث إلقائه في النار، ثم رُزِقَ الولد، وابتُلِي بالأمر بذبحه، ثم جاءت قصة بناء البيت، إلى آخر أحداث قصته. لذلك قال الله في شأنه: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124] أي: أدّاها كاملة لا بالمنطق العادي في الأشياء، إنما بمنطق الإجادة والإحسان، لذلك مدحه ربُّه فقال: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [النحل: 120] أي: يجمع من خصال الخير ما لا يتوفر إلا في أمة كاملة. كذلك مَرَّ سيدنا موسى عليه السلام بمواقف وابتلاءات مشابهة في رحلة دعوته لفرعون الذي ادَّعى الألوهية، فقال لقومه: { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي .. } [قصص: 38].
      الواو في { وَفِي مُوسَىٰ .. } [الذاريات: 38] عاطفة، فالمعنى في موسى آية من آيات الله معطوفة على قوله تعالى: { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [الذاريات: 20] كذلك في موسى آيات { إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } الذاريات: 38] أي: بحجة واضحة بيِّنة.
      وسبق أنْ أوضحنا أن السلطان قد يكون سلطانَ قوة وقهر تخضع المقابل، أو سلطانَ برهان وحجة يقنعه. سلطان القهر يقهر القالب، وسلطان الحجة يقنع العقل ويستميل القلب، وموسى عليه السلام لم يكُنْ يملك إلا حجةَ الإقناع، ولا قوة له على فرعون يقهره بها، فأعطاه الله سلطاناً مبيناً يقنع به فرعون، وهو الآيات والمعجزات التي صاحبتْ دعوته.
      والمعجزة لا تؤتي ثمارها في القوم إلا إذا كانت من جنس ما نبغوا فيه وأتقنوه، ولو تحداهم بشيء لا يعرفونه ما كان للتحدي معنى، لذلك كانت معجزة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، لأن العرب نبغوا في البلاغة والفصاحة، فتحدَّاهم بما نبغوا فيه.
      أما قوم فرعون فقد نبغوا في السحر فكانوا سحرة، لكن مُكرهين على السحر بدليل أن فرعون لما استدعاهم من الآفاق لمقابلة موسى بسحرهم قالوا { أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } [الشعراء: 41] لأن الأعمال التي كانوا يعملونها كانت سُخْرة بدون أجر، كما رأينا مثلاً في بناء الأهرامات. والأصل في دعوة سيدنا موسى أنه ما جاء ليدعو فرعون إنما ليأخذ منه بني إسرائيل، ولينقذهم من بطشه، هذا هو الأصل لكن جاءتْ دعوته لفرعون على هامش هذا الأصل وتابعة له، بدليل قوله تعالى: { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ .. } [طه: 47]. فقبل أنْ يدعو موسى بني إسرائيل كان عليه أنْ يخلصهم من فرعون واستبداده بهم، ومعلم أن فرعون اضطهد بني إسرائيل لأنهم ساعدوا الهكسوس لما أغاروا على مصر وتعاونوا معهم ضد فرعون، حتى انتصر الهكسوس وألغوا الفرعونية وجعلوها ملكية.
      لذلك عرفنا أن الهكسوس دخلوا مصر في عهد سيدنا يوسف عليه السلام، لأن القرآن لما تكلَّم عن حكام مصر تكلم عن فرعون، لكن لما ذكر يوسف ذكر لفظ الملك { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ .. } [يوسف: 50] ولم يأتِ بلفظ الفرعون. فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُخلِّص بني إسرائيل من قبضة فرعون أرسل موسى لهذه المهمة.
      وقوله تعالى: { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [الذاريات: 39] أي: فرعون أعرض عن موسى ودعوته { بِرُكْنِهِ .. } [الذاريات: 39] أي: أعرض بسبب ركنه. أي: قوته وسلطانه وجبروته واستعلائه في الأرض. أو برُكْنه يعني بجانبه. وحين تُعرض عن إنسان تعطيه جانبك، ثم تدير له ظهرك بعد أنْ كنتَ في مواجهته، وهذا المسألة صوَّرها القرآن الكريم بقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ .. } [التوبة: 34-35]. وبهذا الترتيب يكون الإعراض عن طالب الحاجة، حيث يُعرض أولاً بوجهه، ثم بجنبه، ثم بظهره، وهكذا يكون الكَيُّ يوم القيامة جزاءً وفاقاً، وعلى قَدْر حركات الامتناع عن الخير.
      وقوله: { وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [الذاريات: 39] تأمل التناقض حتى في الاتهام، فالساحر له قدرة على ترتيب الأشياء، وعنده ذكاء بحيث يُخيِّل للناس رؤية الأشياء على خلاف ما هي، أما المجنون فعلى خلاف ذلك، لأنه لا يُرتِّب الأشياء، ولا قدرةَ له على السيطرة على مراداته ونزوعه، لكنه تخبُّط الباطل وإفلاسه. ثم ينتقم الحق سبحانه من فرعون { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } [الذاريات: 40] أخذهم الله بأنْ ألقى في نفوسهم حبّ اللحاق بموسى وأغراهم بذلك حتى تبعوهم وخاضوا البحر خلفهم.
      فأطبق الله عليهم الماء فأغرقهم بعد أنْ نجَّى موسى وبني إسرائيل { فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ .. } [الذاريات: 40] ألقيناهم في البحر (وهو) أي فرعون { وَهُوَ مُلِيمٌ } [الذاريات: 40] أي: فعل ما يُلام عليه من عُتوه وجبروته وادعائه للألوهية.
      والمعنى: أن الله تعالى لم يُهلكه وجنودَه بظلم أو جبروت، إنما أهلكهم بما يستحقون من العذاب.    
    • (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ) ٢٤ (إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ) ٢٥ -الذاريات هذا إخبار من الله تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، ولأنه خبر هام وعجيب بدأه الحق سبحانه بهذا الاستفهام { هَلْ أَتَاكَ .. } [الذاريات: 24] وهل تلازم دائماً الشيء العجيب الذي يستحق أنْ نلتفت إليه.
      ويشوِّقنا الحق سبحانه إلى معرفته، كما في قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الصف: 10] يُشوِّقنا لنقول: نعم يا رب دلنا.
      ولأن قصة ضيف سيدنا إبراهيم قصة عجيبة قال الله عنها { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ .. } [الذاريات: 24] أي نبأ { ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } [الذاريات: 24]. وسيدنا إبراهيم أبو الأنبياء كرَّمه الله بقوله: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً .. } [النحل: 120] لأن فيه من الفضائل ومن خصال الخير ما يوجد في أمة بأكملها، لأن الله تعالى وزع الفضائل على الخَلْق جميعاً، فأنت لك فضيلة، وغيرك له فضيلة ثانية وثالثة وهكذا. هذا ليتكاتف الخَلْق ويتعاون الناس، وإلا لاستغنى بعضنا عن بعض ولحدث التفكك في المجتمع، لذلك تجد العاقل لا يحتقر أحداً مهما رأى نفسه أفضل منه لأنه يعلم ميزان المساواة بين الخَلْق في هذه الفضائل، فيقول في نفسه: إنْ كنت أفضل منه في شيء فلا بدَّ أنه أفضل مني في شيء آخر. وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أخفى ثلاثاً في ثلاث: أخفى رضاه في طاعته، فلا تحتقرن طاعة مهما قلَّتْ، فإن الله قد غفر لرجل لأنه سقى كلباً يأكل الثرى من العطش.
      وأخفى غضبه في معصيته فلا تحقرن معصية مهما صَغُرَتْ، فإن الله تعالى أدخل امرأة النار في هِرَّة حبستها، فلا هي أطعمتها وسَقَتْها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وأخفى أسراره في خلقه فلا تحقرن عبداً ما" .
      والإمام علي رضي الله عنه يقول: عندما ترى مَنْ هو أدنى منك في شيء فتحَسّر، لأنك لا تعرف الفضيلة التي فضَّل بها عليك، ولا بدَّ للخَلْق أنْ يعي هذه الحقيقة لأنهم أمام الله سواسية، والله تعالى لم يلد ولم يولد، وخَلْقه عنده سواء، لا يتفاضلون إلا بالتقوى والعمل الصالح. كلمة { حَدِيثُ .. } [الذاريات: 24] يعني الخبر المتداول، وفيه حقيقة أو حكمة، لذلك يتداوله الناسُ ويهتمون به { ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ .. } [الذاريات: 24] جاءت كلمة (ضيف) مفردة مع أنهم كانوا جمعاً من الملائكة، فلم يقل ضيوف ولا أضياف، إنما اختار اللفظ المفرد، فقال: (ضيف).
      قالوا: لأن (ضيف) تُطلق على المفرد والمثنى والجمع ممَّنْ استدعيته إلى بيتك أو جاءك فصار ضيفاً عليك، والمستضيف ينبغي أنْ يعامل الأضيافَ جميعاً معاملة واحدة ويستقبلهم بوجه واحد لا يُفضل أحداً على أحد، ولا يحتفي بأحد دون الآخر.
      فكأنهم عنده شخص واحد لا يميز أحداً، لا في مجلسه ولا في نظره إليهم، لذلك عبَّر القرآن عنهم بصيغة المفرد، فهم في حكم الرجل الواحد. وقد علمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدرس، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسوي بين جُلسائه حتى في نظره إليهم حتى ليظن كل منهم أنه لا يوجد في المجلس غيره. وفي القرآن الكريم مواضع كثيرة تستخدم المفرد وتريد به الجماعة، ذلك حينما يكون توجههم واحداً وهدفهم واحداً، وحينما يجتمعون على أمر الله، وأمر الله دائماً واحد لا اختلافَ فيه، والجماعة حينئذ في حكم الواحد.
      اقرأ هذا مثلاً في قوله تعالى في قصة سيدنا موسى وسيدنا هارون { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 16].
      إذن: ضيف يعني أضياف، ومعنى { ٱلْمُكْرَمِينَ } [الذاريات: 24] جمع مكرم، وهو الذي يقع عليه الكرم من غيره، والفاعل مُكرِم والمفعول مُكرَم، فوصف الملائكة بأنهم مكرمون فمَنْ أكرمهم؟
      قالوا: لها معنيان: أكرمهم الله تعالى كما قال سبحانه: { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [الأنبياء: 26-27].
      أو مُكرمون أكرمهم سيدنا إبراهيم حينما أعدَّ لهم طعاماً وباشر خدمتهم بنفسه لا بعبيده، وجعل امرأته تشاركه في خدمتهم، مع أن المرأة مستورة وأكرمهم بأن بادرهم بالتحية.
      ثم إنه لم يقدم لهم الطعام الحاضر، إنما أكرمهم وذبح لهم عجلاً مرة وصفه بأنه سمين، ومرة وصفه بأنه حنيذ وهذا كمال في الوصف، فهو سمين في ذاته. أي: ليس هزيلاً في تكوينه. وهو حنيذ، والحنيذ هو أفضل أنواع الشواء عندهم، فهو من حيث طريقة طهيه حنيذ مشوي، وهذا منتهى الإكرام. وقوله: { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ .. } [الذاريات: 25] أي: الملائكة في صورة بشر { فَقَالُواْ سَلاَماً .. } [الذاريات: 25] فردّ عليهم { سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [الذاريات: 25] أي: غير معروفين لنا، ويقال: إنه قالها في نفسه ولم يجهر بها.
      ونلاحظ هنا فرقاً بين سلام الملائكة وردّ السلام من سيدنا إبراهيم، لأنهم حيَّوْه بقولهم { سَلاَماً .. } [الذاريات: 25] هكذا بالنصب فردَّ عليهم { سَلاَمٌ .. } [الذاريات: 25] بالرفع، هم بادروه بالسلام، لأن القادم قد يخشى المقدوم عليه منه، فبادروه بالسلام ليأمن جانبهم. وكلمة { سَلاَماً .. } [الذاريات: 25] بالنصب دلَّتْ على أنها مفعول لفعل مقدّر أي: نسلم عليك سلاماً، والجملة الفعلية تدل دائماً على حدث سيحدث، وهو الأمر الذي جاءوا من أجله.
      أما ردُّ السلام فكان بالرفع { سَلاَمٌ .. } [الذاريات: 25] أي: سلام عليكم، فهي جملة اسمية، والجملة الاسمية تدلُّ على الثبوت، وهو حال المستقبل سيدنا إبراهيم.     (فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) ٢٦ (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ) ٢٧ -الذاريات معنى { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ .. } [الذاريات: 26] أي: ذهب خُفْية من الضيوف إلى امرأته، لأن العادة ساعة يدخل الضيف يقوم المضيف ليعدَّ له ما يكرمه به، فيقول له الضيف: اجلس والله ما أنت قايم، لذلك تسلَّل سيدنا إبراهيم خُفْية من أضيافه ليُعدَّ لهم الطعام دون أنْ يشعروا به، ودون أنْ يقولوا له اجلس لا نريد شيئاً.
      فلما جاءهم بالعجل السمين المشوي قرَّبه إليهم وقدَّمه أمامهم ليأكلوا، فرأى أنهم لا يُقبلون على الطعام كعادة الناس، قال لهم { أَلاَ تَأْكُلُونَ } [الذاريات: 27] يحثهم على الأكل، لكنهم لم يأكلوا ولم تمتدَّ أيديهم إلى الطعام فأحسَّ بالخوف منهم      (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ) ٢٨ (فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) ٢٩ (قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ) ٣٠ -الذاريات لما بدت على إبراهيم علامات الخوف بادرته الملائكة تُطمئنه { لاَ تَخَفْ .. } [الذاريات: 28] ثم بشَّروه بغلام عليم هو سيدنا إسحاق، ووصفه بأنه عليم يعني يبلغ في العلم مبلغاً، لكن كيف ذلك وسيدنا إبراهيم رجلٌ عجوز وامرأته سارة عقيم لا تلد. { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ .. } [الذاريات: 29] في ضجة وصيحة شديدة { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا .. } [الذاريات: 29] لطمتْه مُتعجبة من هذه البشرى { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } [الذاريات: 29] يعني: كيف ألد وأنا عجوز عقيم.
      إذن: قاستْ المسألة بمقياس الأسباب البشرية، فالأسباب البشرية تقول أنها مستحيل أنْ تلد، لكن لله تعالى مقياساً آخر، ولقدرة الله كلام آخر نطقتْ به ملائكة الله. { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } [الذاريات: 30] كلمة { كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ .. } [الذاريات: 30] يعني: ما دام قد قال سبحانه فهو أمر واقع لا شكَّ فيه، لأن قدرة الله فوق الأسباب.
      وهذا التعجب من السيدة سارة لما بُشِّرتْ بإسحاق، رأيناه من السيدة مريم لما بُشِّرت بعيسى عليه السلام { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ .. } [آل عمران: 47]. وقوله تعالى: { إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } [الذاريات: 30] الحكيم الذي يضع الشيء في موضعه، والعليم هو الذي يحيط علمه بكل شيء، ويعلم أنه إذا أمر بشيء أطاعه ولم يمتنع عليه.     (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ) ٣١ (قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ) ٣٢ (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ) ٣٣ (مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) ٣٤ -الذاريات { قَالَ .. } [الذاريات: 31] أي: سيدنا إبراهيم عليه السلام للقوم الذين دخلوا عليه { فَمَا خَطْبُكُمْ .. } [الذاريات: 31] يعني: ما شأنكم؟ وما حكايتكم؟ وما الأمر الخطير الذي جئتم من أجله؟ كلمة الخطب تدل على الأمر الخطير وحدث هام أراد أنْ يعرف ما هو وهل هو متعلق به أم بغيره؟
      وهذا الكلمة جاءت بهذا المعنى أيضاً في قوله تعالى في قصة سيدنا يوسف: { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ .. } [يوسف: 51] أي: الأمر العجيب الذي حملكن على هذا الفعل.
      وقالها سيدنا موسى لما رأى ابنتيْ سيدنا شعيب قد خرجتا لسَقْي الغنم { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا .. } [القصص: 23] أي: ما الذي ألجأكنَّ للخروج، فكأنه أمر عجيب غير عادي. إذن: هذه الكلمة وُضِعت للأمر الخطير الذي يدعو إلى الدهشة والتعجب.
      فردَّ الملائكة { قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } [الذاريات: 32] وهنا اطمأن سيدنا إبراهيم، وعرف أن الأمر لا يتعلق به، والقوم المجرمون في هذا الوقت هم قوم لوط، ثم بيَّنوا مهمتهم { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } [الذاريات: 33]. ومفهوم أن الحجارة تختلف عن الطين، الحجارة فيها صلابة وقساوة تختلف قوة وصلابة حسب نوع الحجر بداية من المرمر، ثم الجرانيت والرخام والجير.
      فكيف تكون الحجارة من طين، وهما وصفان في الظاهر متناقضان؟ قالوا: هو طين أحْمِي عليه في النار حتى صار صَلْباً قاسياً، كما نفعل مثلاً في صناعة الفخار. ومعنى { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } [الذاريات: 34] أي: مُعلَّمة، فكلُّ حجر منها يحمل اسم صاحبه وعنوانه، فهو مُخصص له لا لغيره ومُوجَّه إليه لا يخطئه. وقوله { عِندَ رَبِّكَ .. } [الذاريات: 34] دلّ على أنها نزلتْ من السماء وليستْ من حجارة الأرض، وأنها مُعلَّمة من عند الله جاءت هكذا جاهزة، ونحن مهمتنا أنْ نرميهم بها بأسماء أصحابها، فلا يختلط حجر بحجر.
      ومعنى { لِلْمُسْرِفِينَ } [الذاريات: 34] المسرف هو الذي تجاوز الحدَّ في المعصية فكأن هناك حدوداً للأمور، وحدوداً للحلال وحدوداً للحرام، وقد بيَّنها الحق سبحانه، وعلَّمنا كيف نقف عند هذه الحدود، فقال تعالى في الحلال { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا .. } [البقرة: 229].
      وقال في الحرام { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا .. } [البقرة: 187] أي: قِفْ عند حدود الحلال لا تتجاوزه إلى غيره، أما الحرام فإياك أنْ تقربه. احذر مجرد الاقتراب منه، لأنك لو اقتربتَ منه تُوشك أنْ تقع فيه فهي حماية لك.
      كما قال سبحانه لآدم { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ .. } [البقرة: 35] وقال { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ .. } [الإسراء: 32] ففي الحرام لا يمنعنا من الفعل، بل يمنعنا من الاقتراب من أسبابه.
      ففي أيِّ شيء أسرف هؤلاء المجرمون المسرفون؟ أسرفوا في فعل مُحرَّم يناقض الطبيعة النقية التي خلقها الله؛ لأن الله تعالى لما أراد أنْ يجعل خليفة في الأرض خلق آدم وخلق معه زوجه ليتم التكاثر، وتأتي القبائل التي تعمر الأرض، لأن عمارتها لا تقوم بواحد أو اثنين إنما تحتاج إلى جمهرة من الناس.
      ثم جعل التكاثر أيضاً في كل شيء يريد له النمو والاستمرار ليخدم هذا الخليفة { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ .. } [الذاريات: 49].
      فإذا كان الإنسانُ سيتكاثر فلا بدَّ أنْ تكبر رقعة الأرض التي يعيش عليها ويتكاثر النبات الذي يعيش عليه، قال تعالى: { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً .. } [النساء: 1] إذن: نحتاج إلى زرع يتناسب وهذه الزيادة.
      والمتأمل في مسألة التكاثر هذه في النبات وفي الإنسان يجدها بحسب أهمية الشيء ومدى الاستفادة منه والانتفاع به. قلنا مثلاً: حينما تزرع الفجل يمكن أنْ تأكل منه بعد عشرة أيام، والخيار بعد أربعين يوماً. والتمر بعد أربعة أعوام.
      فكل شيء قبل أن يعطيك يأخذ منك على قدر أهميته، فإنْ أردتَ الإنسان فإنه ولا شكَّ يحتاج إلى كثير من الجهود والتبعات، لذلك ربطه الخالق سبحانه في مسألة التكاثر بلذة جامحة تفوق كلَّ لذة أخرى يشعر بها الإنسانُ في كُلِّ جوارحه تفوق لذة العين حين ترى، والأذن حين تسمع، واللسان حينما يتذوق، والأنف حينما يشم، واليد حينما تلمس، لأن الجوارح لكل منها مهمته ووجهته.
      أما لذة الجنس فهي تستغرق الجوارح كلها، ولولا أن الخالق سبحانه ربط التكاثر بهذه اللذة ما أقبل أحدٌ عليه ولا تحمَّل تبعاته. ولك أنْ تتصور الفرق بين تربية طفل وتربية حَمَل أو عجل مثلاً، الحَمَل يقوم ويمشي خلف أمه بعد عدة دقائق من ولادته، والطفل يمشي بعد عام ونصف العام.
      ومَشْيه يأتي على مراحل، فبعد عدة شهور يستطيع أنْ يجلس، وبعد عدة شهور أخرى يحبو ثم يقف ثم يمشي.
      لذلك نرى طفولة الإنسان أطول طفولة في المخلوقات كلها، ومن هنا ربط الخالق سبحانه عملية التكاثر في الإنسان بهذه اللذة الجارفة التي لا يستطيع الإنسانُ مقاومتها لتكون حافزاً له على التكاثر، وإلا ما أقبل على تحمُّل هذه المسئولية وهذه المعاناة. ومن هنا أيضاً اهتم الإسلام بتكوين الأسرة، ووضع لها من الضوابط ما يكفل لها النجاح، فهذه الغريزة لا تأتي هكذا كما في الحيوانات، إنما جعل لها قواعد لاختيار الزوجة الصالحة، وحَثَّ على اختيار ذات الدِّين، وجعل فترة للخطوبة ليتعرَّف كلُّ طرف على الآخر.
      وأباح لكل منهما أنْ ينظر إلى الآخر ليختار كلٌّ من الزوجين ما يناسبه ويُرضى ذوقه ورغبته في الجنس الآخر، ثم شرع المهر وعقد القرآن، كل ذلك لتكون نواة الأسرة قوية متينة، مُعدَّة لاستقبال الحياة بكلِّ ما فيها من تبعات ومسئوليات. والجريمة التي ارتكبها هؤلاء القوم واستحقوا بها ما حاق بهم من ألوان العذاب أنهم صرفوا هذه الغريزة التي جعلها الله في الإنسان عن وجهها الحلال إلى وجه آخر محرم لا فائدة منه ولا ثمرةَ له.
      وجه ينافي الفطرة السليمة والأذواق المستقيمة، فكانوا يأتون الذكران بدل أنْ يأتوا النساء كما أحل الله، ومعلوم أن الإتيان مقصور على مكان الحرث والاستنبات. { { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ .. } [البقرة: 223].
      إذن: فعلتهم هذه كانت إسرافاً منهم على أنفسهم، ومجاوزة للحد الذي شرعه الله، والإتيان في غير المحلِّ يستوي فيه إتيان الرجل وإتيان المرأة فكله محرم.
      ولما كان هذا الفعل زنا يستحق الرجم رجمهم الله لا بحجارة من الأرض، إنما بحجارة من السماء تنزل على كلِّ واحد منهم باسمه تخصُّه دون غيره، بحيث لم تُبْقِ منهم أحداً وأبادتهم عن بَكْرة أبيهم.     (فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ) ٣٥ (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ) ٣٦ (وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ) ٣٧ -الذاريات أي: قبل أنْ ينزل بهم العذاب أخرجنا مَنْ كان في القرية من المؤمنين، والمعنى: ما قلنا لهم اخرجوا، إنما هيأنا لهم سبيل الخروج بخواطر قذفناها في نفوسهم، فخرجوا ولم يُصبْهم العذاب.
      { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا .. } [الذاريات: 36] أي: في القرية { غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [الذاريات: 36] إذن: تكلم أولاً عن المؤمنين ثم عن المسلمين، ومعلوم أن الإيمان أعم من الإسلام، فالإيمان أمر عقديّ، والإسلام أمر سلوكي، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً. والإيمان والإسلام يلتقيان في أنك لا تُسلم زمامك في التكليف إلا لمَنْ آمنتَ بحكمته في التكليف، أما إنْ نافق المؤمنُ أو راءى فموضوع آخر، لذلك قال تعالى: { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا .. } [الحجرات: 14] فردَّ عليهم { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا .. } [الحجرات: 14] أي: الإسلام الظاهري { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ .. } [الحجرات: 14].
      إذن: هنا قال في الناجين المؤمنين والمسلمين، وفي موضع آخر قال: { إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ } [العنكبوت: 33] لأن الأهلية على حقيقتها ليستْ أهلية الدم والنسب، إنما أهلية الدعوة، أهلية اتباع بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سلمانُ منَّا أهل البيت" .
      وسيدنا نوح لما قال لربه عز وجل: { رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي .. } [هود: 45] قال له: { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ .. } [هود: 46]. وقوله سبحانه: { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [الذاريات: 37] أي: في القرية والمكان الذي حدثت فيه هذه العملية، قالوا: الآية الباقية بعد هلاكهم هي الحجارة التي أهلكهم الله بها ما تزال موجودة، ومَنْ يراها يقول: هذه ليست من حجارة الأرض، بل هي نوع آخر هي الحجارة التي نزلتْ على هؤلاء المجرمين فأهلكهم الله بها. وهكذا تظل هذه الآية باقية لردْع كلّ مَنْ تُسوِّل له نفسه أنْ يفعل فعلهم.
      وقالوا: بل الآية التي تركها الله شاهداً عليهم هي عَيْنٌ مُنتنة، لا يطيق الإنسانُ أنْ يشمَّها.          
    • (وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) ٢٢ -الذاريات هذا الأسلوب يُسمَّى في البلاغة أسلوبَ قصر، بتقديم الجار والمجرور على المبتدأ، فالرزق في السماء فقط لا في غيرها، الرزق يأتيك من أعلى من الله، والرزق كل ما يُنتفع به، فالمال رزق، والصحة والعافية رزق، والعقل رزق، والأمن رزق.
        ومعنى أن الرزق في السماء. أي: أنه أمر وتقدير أزليّ مكتوب في اللوح المحفوظ، فإنْ أردتَ الحياة المادية التي نعيشها، فهي أيضاً مصدرها الماء النازل من السماء، لأنه قوام الحياة ومصدر القوت.
        {وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22] أي في السماء أيضاً، فكل شيء مقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ، كل صغير وكبيرة، وشاردة وواردة، يقول تعالى: { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 59].
        إذن: ما دامت الأرزاق مُقسَّمة عند الله، وما دام كل شيء مكتوباً أزلاً، فأجملوا في الطلب، ولا تنشغلوا بمسألة الرزق، إلا أنْ تذهب إليه وأنْ تسعى في طلبه، فأنت لا تخلقه ولكن تذهب إليه كما قال سبحانه: { فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ .. } [الملك: 15].
        فالمشي والسعي سببٌ للرزق المقسوم لك أزلاً، وهذا الدرس تعلمناه من السيدة هاجر أم إسماعيل لما تركها سيدنا إبراهيم هي وولدها عند الكعبة وانصرف فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لن يُضيِّعنا.
        فهي واثقة أن الرزق عند الله، وما كان سعيها سبعة أشواط بين الصفا والمروة إلا نموذجاً للسعي، فكأن الحق سبحانه أراد أنْ يجعلها شاهداً على صدق هذه الآية، فلما استنفدت السيدة هاجر أسبابها في السعي عادتْ إلى وليدها مطمئنة بقولها: إن الله لن يضيعنا.
      وعندها ضرب الوليدُ الأرضَ برجله فتفجَّرت من تحتها زمزم، وبعد ذلك جعلها الله لنا مشعراً من مشاعر الحج والعمرة ليُذكِّرنا دائماً بهذه الحقيقة، وهي أن الرزق عند الله، لكن السعي إليه مطلوب، والحركة في اتجاهه سببٌ من أسبابه. (فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) ٢٣ -الذاريات  حكى الأصمعي أنه قابل يوماً أعرابياً، فسأله الأعرابي: من أين؟ فقال: من أصمع، قال: من أين أتيتَ؟ قال: من المسجد، قال: وماذا تصنعون فيه؟ قال: نقرأ قرآن الله، قال: فاقرأ عليَّ.
      فقرأتُ عليه سورة الذاريات حتى وصلتُ إلى قوله تعالى: { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22] فأتى بأدوات الصيد التي كانت معه فكسرها، وقال: ما دام رزقي في السماء والله لا يكذب.
      قال الأصمعي: فخرجتُ مع هارون الرشيد للحج، فلقيتُ هذا الأعرابي لكنه كان هذه المرة نحيفاً مُصفرَّ اللون فقلتُ له: ألستَ فلاناً؟ قال: ألستَ الأصمعي؟ قلت: نعم ما الذي صيَّرك إلى هذا؟
      فقال: اقرأ عليَّ ما قرأته سابقاً فقرأتُ عليه إلى قوله تعالى: { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [الذاريات: 23] فتعجب وقال: ومَنْ أغضب الجليل حتى ألجأه أنْ يقسم. وظلَّ يرددها، فما انتهى من الثالثة حتى فاضتْ روحه معها.
        وحكيت مرة أنني كنتُ أحج أنا والشيخ أحمد أبو شقرة، فعَنَّ لنا أنْ نصعد إلى غار حراء، فقال لي: نريد دليلاً يرشدنا فقلت له: نحن نعرف الطريق وسِرْنا، لكن وجدنا أنهم كسروا الطريق المؤدية إلى الغار فضللنا.
      ثم تنحَّى صاحبي عني جانباً ليبول، وفجأة قال لي: انظر يا شيخ. فنظرتُ. فإذا بحشرة أتتْ وأخذت تشرب من بوله، فقلت: سبحان الله وكأننا ضللنا الطريق لنسقي هذه الحشرة، ثم مرَّ بنا رجل عرف أننا ضللنا الطريق فأرشدنا.
        الحق سبحانه وتعالى هنا يقسم بذاته سبحانه، وربوبيته للسماء والأرض، لأن السماء ينزل منها المطر، والأرض تستقبل هذا المطر، وتنبت به النبات الذي به قوام المعيشة والحياة.
        وقوله: { إِنَّهُ لَحَقٌّ .. } [الذاريات: 23] أي قوله تعالى: { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22] هذا قول حقٌّ لا شك فيه، لأنه تقدير أزلي سُجِّل في اللوح المحفوظ.
        ثم يعطينا مثالاً يُجسِّم لنا هذه المسألة، فيقول { مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [الذاريات: 23] فكما تدرك أنك تتكلم، وكما أنك متأكد من هذه الحقيقة ولا تشك فيها لأنك تباشرها بنفسك، فكذلك لا تشكّ في مسألة الرزق، وأنه من عند الله وثِقْ بهذا الخبر، لأن الذي أخبرك به صادق.    
    • (وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ) ٢٠ (وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) ٢١ الأرض هي الأرض التي نعيش عليها وهي مفردة، وفي الحقيقة هى أراضي متعددة، كما قال تعالى: { خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ .. } [الطلاق: 12] فهي إذن سبع أرْضين.
      قالوا: لأن الأرض بيئات متعددة من حيث الطقس حرارة وبرودة، ومن حيث التربة وما تحويه من عناصر وما تُخرجه من خيرات. ومن هنا تعددت الأراضي، لذلك العلماء يقولون: هذا حزام القمح مثلاً، وهذا حزام الموز، وهذا حزام كذا.
        فالحق سبحانه أعطى كل أرض ما يصلحها لنبات معين يناسب السكان عليها، والعيب أننا ننقل إنتاج أرض إلى أرض أخرى لا يصلح لها، ولو صلح للسكان هنا لكان موجوداً عندهم.
      لذلك نجد النبات في غير أرضه تصيبه الآفات، فلو نظرنا مثلاً إلى حزام الموز تجده في أماكنه قوياً لا تصيبه آفة ولا عطب، فإذا نقلته إلى غير أرضه كثرتْ فيه الآفات وأصابه العطب.
      كأن الخالق سبحانه يقول لنا: هذا ليس مخلوقاً لبيئتك، بل له بيئته التي يجود فيها، حيث تتوفر له مقومات نموه.
        والآيات جمع آية، وهي العلامة الدالة على قدرة الخالق سبحانه، وأول الآيات في الأرض نلحظها في توزيع رقعة الأرض بين الماء واليابسة، الماء منه عَذْب فراتٌ، ومنه ملح أُجَاج.
      العذب نشرب منه، ونسقي الزرع والدواب، والمالح نأخذ منه الأسماك { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا .. } [فاطر: 12].
      والأرض فيها الخصب السهل الصالح للزراعة، ومنه الصحاري والجبال، وفي كل منها الخيرات التي تناسبه. ومن الآيات في الأرض أن الماء ثلاثة أرباع اليابسة، والحكمة من ذلك أنْ تتسع رقعة الماء، وتتسع رقعة البخر التي تعطينا بعد ذلك المطر الذي يكفي للشرب وللزراعة.
      إذن: الماء المالح هو مخزن الماء في الأرض، وجعله الله مالحاً ليحفظه من العطب ويصونه من التغيُّر، يقول تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 57].
        ومن الآيات في الأرض أن مجاري المياة العذبة أعلى مستوى من مجاري المياه المالحة، ولو أن المالح كان أعلى لأفسد المياة العذبة ولمَا انتفعنا بها، يقول تعالى: { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } [الرحمن: 20].
      ومن عجائب القدرة في خَلْق النبات أنْ تجد أجود أنواع النخيل والتين مثلاً على الشواطىء المالحة كما في العريش وغيرها، وهذه من طلاقة القدرة التي لا تخضع للأسباب، إنما تفعل ما تريد، فمن الماء المالح نأكل أشهى وأحلى الثمار.
        ومن الآيات في الأرض الجبال: { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } [فاطر: 27] والجبال كما قلنا هي مخازن الخصب، ومخازن القوت، ومخازن للخيرات الكثيرة من المعادن والأحجار الكريمة.
      وسبق أن أوضحنا أن الحق سبحانه نثر الخيرات ووزّعها على الأرض كلها، بحيث إذا أخذنا من الأرض قطاعاً من محيط الأرض إلى مركزها لوجدنا فيه من الخيرات ما يساوي القطاع الآخر، فهذا به معادن، وهذا بترول، وهذا مزروعات، وهكذا.
        ومن الآيات في الأرض أنْ تجد التربة واحدة وتُسقى بالماء الواحد، ومع ذلك تعطي مختلف الثمار ومختلف الطعوم { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [الرعد: 4].
      نعم يعقلون قدرة الله في الخلق، وأن هذه الآيات مخلوقة لقادر حكيم قيوم.
        وهنا قال { آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [الذاريات: 20] أي: الذين يوقنون بذلك ويؤمنون به، فأعظم درجات العلم هي العلوم الكونية التي تبحث في الكون، وتستدل بآياته على قدرة الله.
      اقرأ مثلاً: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ .. } [فاطر: 27-28].
      لاحظ أنه تعالى لم يذكر هنا حكماً شرعياً يتعلق بصوم ولا صلاة ولا زكاة، إذن: المراد بالعلماء هنا علماء الطبيعة والكونيات الذين يبحثون فب النبات والحيوان والإنسان والجماد، ويستدلون بالقدرة على القادر سبحانه، ويأخذون بأيدي الخلق إلى ساحة الإيمان بالخالق، وهذه حقيقة تنفعهم في الدنيا وفي الآخرة.
        والمتأمل لقوله تعالى: { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [الذاريات: 20] يفهم منه أن الإنسان إذا نظر في الكون من حوله ويستدل منه على وجود الخالق سبحانه، لذلك أوقع الكافرين في الفخ عندما سألهم: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ .. } [الزخرف: 87] { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ .. } [الزمر: 38]. نعم لم يقولوا غير ذلك لأنها مسألة واضحة وضوحَ الشمس ولم يدعها أحد لنفسه، وكيف يدعيها وقد خُلق رضيعاً لا يقدر على شيء فكيف يقول: خلقتُ نفسي، وقد طرأ على الكون كما هو فكيف يدعي أنه خلقه؟ وقوله تعالى: { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21] أي: كما أن في الأرض آيات كونية دالة على قدرة الله، كذلك في أنفسكم آيات، فإذا لم تصل إلى آيات الكون من حولك فانظر في نفسك التي بين جنبيك.
        وقال تعالى: {أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21] لأن آيات الكون من حولك إنْ بعُدَتْ عليك فإن آيات نفسك قريبة منك، وأوْلَى بالنظر والتأمل.
      والآيات في النفس كثيرة, خُذْ مثلاً درجة حرارة الجسم تجدها واحدة هي 37 ْ لمن يعيش عند القطب المتجمد، ولمَنْ يعيش عند خط الاستواء، ولا تستقيم حركة الأعضاء والجوارح إلا عند هذه الدرجة، ولو زادت لاختلَّ نظام الجسم كله واضطربت حركته.
        أما في داخل الجسم فكل جهاز من أجهزته له درجة حرارة تناسبه دون أنْ يحدث استطراق حراري في الجسم الواحد كما نعلم، فإذا كانت الحرارة العامة في الجسم 37 ْ فإن حرارة العين مثلاً تقف عند تسع درجات لا تزيد عنها، ولو زادت عن ذلك لانفقأت العين.
        أما الكبد فلا يؤدي دروه في الجسم إلا عند أربعين درجة، والعجيب أن هذا التفاوت داخل جلد واحد وجسم واحد، فتبارك الله أحسن الخالقين.
      كذلك لو تأملتَ الدم الذي يجري في العروق، التنفس، القلب، المخ، العظام كل شيء في جسمك فيه آية، بل آيات حين تتأملها تقول: سبحان الخالق المبدع، سبحانه مَنْ له طلاقة القدرة.
      إذن: لا حجة لمَنْ لم يؤمن بعد ما رآه من الآيات في نفسه وفي الكون من حوله.
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182578
    • إجمالي المشاركات
      2536215
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93298
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    Hend khaled
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ الحب الحقيقي للنبي ﷺ ليس في إقامة مولدٍ لم يشرعه، وإنما في اتباع سنته، وإحياء ما أحياه، واجتناب ما نهى عنه، قال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه مسلم]

×