اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57216
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180503
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259982
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8234
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32130
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4160
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52989
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97008
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31793
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15478
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31145
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  9. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41314
      مشاركات
    2. 33909
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (36907 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • هذا بحث يسير في مسألة الدعاء بطول الأجل حاولت فيه تجلية  المسألة بنصوصها  وكلام أهل العلم عليها وأسأل الله أن يجعل هذا البحث نافعاً لي ولمن قرأه  ونشره وأن يكون لنا ذخيرة يوم نلقاه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم  آمين 

      فأقول مستعيناً بالله :
      اختلف أهل العلم في جواز الدعاء بطول العمر فمنهم من كرهه ومنهم أجازه وهذا البحث المقتضب هو عرض لأدلة القائلين بكلى القولين وعلى ماذا استدلوا ومناقشة لتلك الأدلة وشيئاً من فقهها وعرض للقول الراجح بإذن الله .

      وقبل أن أحرر هذه المسألة سأنقل كلاماً بالغ الأهمية وله علاقة في فهم النصوص والجمع بينها وله علاقة بموضوعنا عن الإمام الألباني وعن محقق رسالة " إفادة الخبر بنصه في زيادة العمر ونقصه " للسيوطي قال الأخير ص27 : أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله ليصل رحمه " أخرجه البخاري (5985) وأخرجه أيضاً في الأدب المفرد : باب صلة الرحم تزيد في العمر . ، وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " أخرجه البخاري (5986) ومسلم (2557) .  وقد يتوهم أنه هذه النصوص تعارض ما جاءت به الأدلة الأخرى من القرآن كقوله تعالى { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} ومن السنة حديث عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ( إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفةً ، ثم يكون علقةً مثل ذلك ، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ، ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويُؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد . فوالله الذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) رواه البخاري (6594)  ومسلم (2643)  وحديث حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة ، فيقول :يا رب أشقي أو سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي رب أذكر أو أنثى ؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص " رواه مسلم (2644) .
        فصل : في كلام أهل العلم في مسألة زيادة العمر ونقصه وهل هي مجازية أم حقيقية قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم (16/330، 331) :
      قوله صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " ينسأ مهموز أي : يؤخر والأثر الأجل لأنه تابع للحياة في أثرها وبسط الرزق توسيعه وكثرته وقيل البركة فيه وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } وأجاب العلماء بأجوبة : الصحيح منها : الأول : أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها من الضياع في غير ذلك .

      الثاني : أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون وقد علم سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو في معنى قوله تعالى { يمحو الله ما يشاء ويثبت } فيه النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره ولا زيادة بل هي مستحيلة وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث

      الثالث : أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل والله أعلم .

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (8/516، 517) : وقد سئل رحمه الله عن المقتول : هل مات بأجله أم قطع القاتل عنه أجله ؟  _ فأجاب :
      المقتول كغيره من الموتى لا يموت أحد قبل أجله ولا يتأخر أحد عن أجله بل سائر الحيوان والأشجار لها آجال لا تتقدم ولا تتأخر فإن أجل الشيء هو نهاية عمره وعمره مدة بقائه فالعمر مدة البقاء والأجل نهاية العمر بالانقضاء ثم قال والأجل أجلان : أجل مطلق " يعلمه الله " وأجل مقيد . وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً وقال : إن وصل رحمه زدته كذا وكذا والملك لا يعلم أيزداد أم لا ؟ لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر . آه بتصرف

      وقال رحمه الله ابن تيمية (8/540) : وقد سئل عن الرزق هل يزيد أو ينقص ؟ _ فأجاب :
      الرزق نوعان :
      الأول : ما علمه الله أن يرزقه فهذا لا يتغير .
      الثاني : ما كتبه الله وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقاً وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " وكذلك عمر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين _ رواه الترمذي وغيره _ ومن هذا الباب قول عمر " اللهم إن كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً فإنك تمحو ما تشاء وتثبت"

      قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (238) :
      قالوا رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صلة الرحم تزيد في العمر " والله تبارك وتعالى يقول { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } قالوا : فكيف تزيد صلة الرحم في أجل لا يتأخر ولا يتقدم ؟


      قال أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (1/275) :
      هذا حديث صحيح ويعارضه ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " ثم يؤمر الملك بأربع كلمات رزقه وعمله " وفي رواية " وأجله وشقي أو سعيد " وفي رواية حذيفة بن أسيد " فلا يزاد عليه ولا ينقص " والجمع بين الخبرين أن يقال :
      إن الله إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت والديها كذا وكذا وإن لم تبر والديها كذا وكذا دون ذلك وإن عملت كذا حرمت كذا وإن لم تعمله رزقت كذا ويكون ذلك مما يكتب في الصحيفة التي لا يزاد ولا ينقص ومثل ذلك " لا يرد القضاء إلا الدعاء " رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (7564) ، يقال : إن أراد الله أن يخلق النسمة قال : إن كان منها الدعاء رد عنها كذا وكذا وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا وكذا .

      قال الحافظ في الفتح (10/429) :
      " في أثره " أي : في أجله وسمى الأجل أثراً لأن يتبع العمر قال زهير : والمرء ما عاش ممدود له أمل ..... لا ينقضي العمر حتى ينتهي الأثر وأصله في من أثر مشية الأرض فإن من مات لا يبقى له حركة فلا يبقى لقدمه في الأرض أثر وقال ابن المتين :

      ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } والجمع بينهما من وجهين :
      الأول : أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى  الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك ومثل هذا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته _ جاء هذا من قوله صلى الله عليه وسلم  "  أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك "( حسن صحيح ) المشكاة (5280) الصحيحة 757 _ بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم فأعطاه الله ليلة القدر وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده والصدقة الجارية عليه والخلف الصالح وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى .

      الثاني : أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر أما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى كأن يقال للملك مثلاً : إن عمر فلان مائة مثلاً إن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع ، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص وإليه الإشارة بقوله { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } فالمحو والإثبات لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المطلق ، والوجه الأول : أليق بلفظ حديث الباب فإن الأثر ما يتبع الشيء فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور .

      وقال الطيبي : الوجه الأول أظهر وعليه يشير كلام صاحب "الفائق" قال : يجوز أن يكون المعنى أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم ولما أنشد أبو تمام قوله في بعض المراثي : توفيت الآمال بعد محمد
      وأصبح في شغل عن السفر السفر قال له أبو دولف : لم يمت من قيل فيه هذا الشعر ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } .
      وقال الحافظ أيضا: وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة العمر فض الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله وقال غيره : في أعم من ذلك وفي وجود البركة في رزقه وعلمه ونحو ذلك .

      وقال رحمه الله (11/497) :
      وأن الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل وأن الذي يجوز عليه التأخير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل ولا يبعد أن يتعلق ذلك بما في علم الحفظة والموكلين بالآدمي فيقع فيه المحو والإثبات كزيادة في العمر والنقص وأما ما في علم الله فلا محو فيه ولا إثبات والعلم عند الله .

      قال المناوي رحمه الله في فيض القدير (3416) :
      ولا يعارض هذا _ يعني الحديث _ { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } لأن المراد بالبسط والتأخير هنا البسط في الكيف لا في الكم أو أن الخبر صدر في معرض الحث على الصلة بطريق المبالغة أو أنه يكتب في بطن أمه أن وصل رحمه  فرزقه وأجله كذا وإن لم يصل فكذا .




      وقال الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد (ص 40) :
      قال البخاري : باب " صلة الرحم تزيد في العمر " وساق حديث أنس رضي الله عنه فقال الألباني :
      قلت : الحديث على ظاهره أي : أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول العمر وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به ، لأن هذا بالنظر للخاتمة تماماً كالسعادة والشقاوة فهما مقطوعتان بالنسبة للأفراد فشقي أو سعيد فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان بالأسباب شرعاً كما قال صلى الله عليه وسلم " اعملوا فكل ميسر لما خلق له فمن كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة " ثم قرأ { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} فكما أن الإيمان يزيد وينقص وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية وأن ذلك لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى الأسباب فهو لا ينافي ما كتب في اللوح أيضاً فتأمل هذا فإنه مهم جداً في حل مشاكل كثيرة ولهذا جاء في الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة الدعاء بطول العمر آه .

      وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/512) :
      قوله {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره } أي  : ما يعطى بعض النطف من العمر الطويل يعلمه وهو عنده في الكتاب الأول {وما ينقص من عمره }الضمير عائد على الجنس لا على العين لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله تعالى لا ينقص من عمره وإنما عاد الضمير على الجنس . قال ابن جرير : وهذا كقولهم عندي ثوب ونصفه أي ونصف ثوب آخر ، وروي من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله  تعالى {وما يعمر ... الآية يقول : ليس  أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت ذلك له فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر ولكن ينتهي إلى ا لكتاب الذي كتبت له فذلك قوله {ولا ينقص من عمره ... الآية يقول : كل ذلك في كتاب عنده وهكذا قال الضحاك بن مزاحم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه {ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } قال : ما لفظت الأرحام من الأولاد من غير تمام .


      قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (17/360) :
      سماه معمراً بما هو صائر إليه ، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس {وما يعمر ..... الآية أي : إلا كتب عمره كم هو سنة كم هو شهر كم هو يوم كم هو ساعة ثم يكتب في كتاب آخر : نقص من عمره يوم نقص شهر نقص سنة حتى يستوفي أجله ، وقال سعيد بن جبير أيضاً : فما مضى من أجله فهو النقصان وما يستقبل فهو الذي يعمّره فالهاء على هذا للمعمّر  وعن سعيد أيضا : يكتب عمره كذا وكذا سنة ثم يكتب في أسفل ذلك : ذهب يوم ، ذهب يومان حتى يأتي على آخره

      وقيل : إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع وتسعين إن عصى فأيهما بلغ فهو في كتاب وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " أي :  أنه يكتب في اللوح المحفوظ :
      عمر فلان كذا سنة فإن وصل رحمه زيد في عمره كذا سنة ، فبين ذلك في موضع آخر من اللوح المحفوظ أنه سيصل رحمه فمن اطلع على الأول دون الثاني ظن زيادة أو نقصان .


      قال السعدي رحمه الله في تفسيره ( ص 806 ) :
      قوله {وما يعمر من معمر .... الآية : أي عمر الذي كان معمراً عمراً طويلاً {إلا} بعلمه تعالى أو : وما ينقص من عمر الإنسان الذي هو بصدد أن يصل إليه لولا ما سلكه من أسباب قصر العمر كالزنا وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام ونحو ذلك مما ذكر أنها أسباب قصر العمر والمعنى : أن طول العمر وقصره بسبب وبغير سبب كله بعلمه تعالى وقد أثبت ذلك في كتاب حوى ما يجري على العبد في جميع أوقاته وأيام حياته .



      وبعد أن فهمنا طريقة الجمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض نأتي إلى مسألة الدعاء بطول العمر بشيء من المناقشة اليسيرة :
      استدل القائلون بالجواز بما أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الدعوات قال رحمه الله : باب " دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله " قال البخاري رحمه الله : حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا حرميّ حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال : قالت أمي : يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له قال " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته "

      قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح (14/355) :
      ذكر الحديث في عدة أبواب وليس في شيء منها ذكر العمر فقال بعض الشراح : مطابقة الحديث للترجمة أن الدعاء بكثرة الولد يستلزم حصول طول العمر وتعقب بأنه لا ملازمة بينهما إلا بنوع من المجاز بأن يراد أن كثرة الولد في العادة تستدعي بقاء ذكْر الوالد ما بقي أولاده فكأنه حيّ , والأولى في الجواب : أنه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرقه فأخرج في الأدب المفرد من وجه أخر عن أنس قال : قالت أم سليم _ وهي أم أنس _ يا رسول الله : خويدمك ألا تدعو له ؟ فقال " اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له"

      فأما كثرة ولده وماله فوقع عند مسلم " .... قال أنس : فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم .
      وأما طول عمر أنس فقد ثبت في الصحيح أن كان في الهجرة ابن تسع سنين وكان وفاته سنة إحدى وتسعين فيما قيل وقيل : سنة ثلاث وله مائة وثلاث سنين قاله خليفة وهو المعتمد ، وأكثر ما قيل في سنّه أنه بلغ مائة وسبع سنين وأقل ما قيل فيه تسعاً وتسعين سنه . آه

      وقال أبو الحسن علي بن خلف المشهور بابن بطال في شرحه على البخاري على هذا الحديث (10/106) :
      إن قائل قائل : كيف ترجم البخاري في هذا الحديث باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وإنما في الحديث " اللهم أكثر ماله وولده " وليس فيه وطوّل عمره ؟

      الجواب : يحتمل أن يكون ذلك من دليل الحديث من موضعين :
      الأول : أن دعوته صلى الله عليه وسلم له بالكثرة يدل أن ذلك لا يكون إلا في كثير من السنين فدعاؤه له بكثرة الولد دعاء له بطول العمر .
      الثاني : قوله عليه الصلاة والسلام " وبارك له فيما أعطيته " فالعمر مما أعطاه الله هذا وجه للمهلب .

      وقال الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد الشافعي القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري على هذا الحديث (13/347) :
      كأن المؤلف أشار في الترجمة لما في بعض طريق الحديث عن أنس قال : قالت أم سليم _ وهي أم أنس _ يا رسول الله : خويدمك ألا تدعو له ؟ فقال " اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له " رواه البخاري في الأدب المفرد وفيه دلالة على إباحة الاستكثار من المال والولد والعيال لكن إذا لم يشغله ذلك عن الله والقيام بحقوقه قال تعالى { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } ولا فتنة أعظم  من شغلهم العبد عن القيام بحقوق المولى ولولا دعوته صلى الله عليه وسلم لأنس لخيف عليه .

      وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري لشرح صحيح البخاري (18/365) :
      مطابقة الترجمة ظاهرة فإن قلت : من أين الظهور وفي الترجمة ذكر طول العمر وليس في الحديث ذلك ؟
      قلت : قد ذكرنا هنا معنى أن قوله " بارك له فيما أعطيته " يدل على ذلك لأن الدعاء ببركة ما أعطي يشمل طول العمر لأنه من جملة المعطى . آه

      قال الإمام الألباني رحمه الله في الصحيحة (6/94) :
      254_ ( اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر له ... يعني أنساً رضي الله عنه ) _  صحح الشيخ رحمه الله هذا الحديث في الأدب المفرد بلفظ " وأطل حياته "  509/653 الباب 253 _

      قال رحمه الله : أخرجه أبو يعلى في مسنده (3/1048) : حدثنا أبو الربيع الزهراني نا حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن أنس بن مالك قال انطلقت بي أمي إلى رسول الله صلى  الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، خويدمك فادع الله له فقال : فذكره ... وقال أنس : وطال عمري حتى استحييت من أهلي وأينعت ثماري وأما الرابعة يعني المغفرة ..
      قلت _ أي الألباني _ : وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الشيخين غير سنان بن ربيعة فأخرج له البخاري مقرونا بغيره وقال الحافظ : صدوق فيه لين .

      وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (653) من طريق سعيد بن زيد عن سنان نحوه وفيه أنه قال : " فدعا لي بثلاث فدفنت مائة وثلاثة وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين وطالت حياتي حتى استحييت من الناس وأرجو المغفرة " وترجم له البخاري في الأدب بـ : "باب من دعا بطول العمر" وأصله في صحيح البخاري (11/12- فتح ) ومسلم (2/128) من طريقين آخرين عن أنس دون ذكر العمر وقد وهم مخرج الأدب المفرد حيث عزاه لمسلم دون البخاري ودون أن ينبه على أن العمر ليس عندهما وتقدم تخريجه برقم 140 و 141 ومع ذلك فقد ترجم له البخاري في الصحيح بقوله " باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله " فذكر الحافظ أن البخاري أشار بذلك إلى طريق سنان هذه .

      وقال رحمه الله في صحيح الأدب المفرد (ص 310) : عندما قال البخاري : باب كيف يدعو للذمي ؟ وساق الحديث عن عقبة بن عامر الجهني : أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم فسلم فرد عليه : وعليك ورحمة الله وبركاته فقال  له الغلام : إنه نصراني !! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال : إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين ، لكن أطال الله حياتك وأكثر مالك وولدك "  

      قال الألباني رحمه الله : في هذا الأثر إشارة من هذا الصحابي الجليل إلى جواز الدعاء بطول العمر ولو للكافر فللمسلم أولى ( انظر الحديث 41/ 56) ولكن لا بد أن يلاحظ الداعي أن لا يكون الكافر عدواً للمسلمين ويترشح منه جواز تعزية مثله بما في هذا الأثر فخذها منا فائدة تذكر .

      واستدل المانعون من الدعاء بطول العمر بالحديث التالي وهو أبرز ادلتهم :
      قال مسلم في صحيحه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ( واللفظ لأبي بكر ) قالا حدثنا وكيع عن مسعر عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله قال :  قالت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودات وأرزاق مقسومة لن يعجل شيئا قبل حله أو يؤخر شيئا عن حله ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل "

      استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أنه لا يجوز الدعاء بطول العمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أم حبيبة رضي الله عنها ذلك وسنعرض بعض كلام أهل العلم على هذا الحديث وكيف أجابوا عن النهي الوارد فيه  :
      وأكثر من اطلعت عليه من شراح الحديث فسر لفظة الإمتاع بأنها طول العمر وطول الحياة وذكر موسى شاهين في فتح المنعم في شرح صحيح مسلم فائدة على ذلك يقول (10/193) : الامتاع يشمل كل ذلك وإن لم تتطلبه تفصيلاً ومضروبة أي محددة .

      وقال محمد تقي العثماني في فتح الملهم بشرح مسلم (5-6/ 257) :
      قوله " اللهم أمتعني بزوجي ....  الحديث : تريد الدعاء بطول عمرهم وزيادة في حياتهم .
      قوله" لن يعجل الله شيئاً قبل حله " المراد : أنه لا يتقدم شيء على أجله المضروب في قضاء الله تعالى .
      قوله " قد سألت الله لآجال مضروبة ... الحديث : حاصله أن القضاء المبرم الذي هو عبارة عن علم الله تعالى بما سيكون لا يزاد فيه وشيء ولا ينقص أما التقدير المعلق الذي هو عبارة عن الكتابة في اللوح المحفوظ أو عن توكيل الملك بأمر من الأمور فقد يتغير بالدعاء أو باختيار بعض الأسباب .

      قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم (15-16 / 429) بعد أن بوب عليه بقوله :
      " باب أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر"

      قال : هذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك وأما ما ورد في حديث صلة الرحم أنها تزيد العمر ونظائره فقد سبق تأويله في باس صلة الأرحام ... ثم قال رحمه الله : فإن قيل ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل وهو مفروغ منه وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب وهو مفروغ منه أيضاً كالأجل ؟
      الجواب : الجميع مفروغ منه لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة وقد أمر الشرع بالعبادات فقيل : أفلا نتكل على كتابنا ؟ وما سبق لنا من القدر ؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له .
      وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة وكما لا يحسن ترك الصلاة والصوم والذكر اتكالاً على القدر فكذا الدعاء بالنجاة من النار ونحوه والله أعلم . آه

      وفي شرح الأبيّ والسنوسي على صحيح مسلم (9/39) :
      قال الأبيّ نقلاً عن المازري : الحديث نص في أن الأرزاق والآجال لا تزيد ولا تنقص فمن علم الله أنه يموت سنة خمسمائة يستحيل أن يموت قبلها أو بعدها لأن العلم معرفة المعلوم على ماهو به فلو مات قبلها أو بعدها لم يكن الله علم بذلك الأجل على ما هو به وانقلب العلم جهلاً والجهل على الله محال ، فإذا كان نصاً في أن الآجال لا  تزيد ولا تنقص فلماذا نص حديث " صلة الرحم تزيد في العمر " الجواب :
      الأجل الذي عند الله سبحانه وتعالى وفي علمه لا يتغير بزيادة ولا نقص لما تقدم وأما علم الملك فإنه حادث والحادث يقبل التغيير بالزيادة والنقص ويجوز أن يأمر الله بأجل أو يكتب له في اللوح المحفوظ ثم يزيد فيه بسبب الصلة حتى يقع الموت على ما علم الله سبحانه في الأزل .
      قلت _ أي الأبيّ _ : الجواب بهذا لا يرفع السؤال لأن المراد بالزيادة في العمر حقيقة وعلى هذا فليست بحقيقة وإنما الجواب والله أعلم : أن يكون كتب أجله إن لم يصل رحمه كذا وإن وصل فأجله كذا فإذا وصل رحمه بلغ الأجل الأكثر والله سبحانه أي ذلك يفعل .

      وقال السنوسي (9/39) :
      إن قيل صرفها عن الدعاء بالزيادة في العمر لأنه قد فرغ منه وندبها إلى الدعاء بالمعافاة من عذاب القبر والنار وهو مفروغ منه قبل الدعاء ....... ثم قال : وحاصل جوابه صلى الله عليه وسلم : أنه لم ينهها عن الدعاء بالزيادة في العمر حتى لا يكون ذلك مناقضاً لإرشادها إلى الدعاء بالمعافاة وإنما أرشدها الأفضل .

      وقال الأبيّ (9/39) :
      وهذا الاعتراض من نحو ما تقدم مثل قول من قال " أفلا ندع العمل ؟ " حين أخبرهم صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى قضى بالسعادة والشقاء مع أنه صلى الله عليه وسلم إنما أرشدها إلى الأفضل ولا شك أن الدعاء بالمعافاة من النار أفضل من الدعاء بالزيادة في العمر .

      قال الإمام الحافظ أبي العباس أحمد القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (6/681) :
      أورد بعض علمائنا على هذا سؤالاً فقال : ما معنى صرفه لها عن الدعاء بطول الأجل وحضّه لها على العياذ من عذاب القبر وكل ذلك مقدر لا يدفعه أحد ولا يرده سبب ؟
      الجواب :
      إنه صلى الله عليه وسلم لم ينهها عن الأول وإنما أرشدها إلى ما هو أولى وأفضل ووجه أن الثاني أولى وأفضل أنه قيام بعبادة الاستعاذة من عذاب النار والقبر فغنه قد تعبدنا بها في غير ما حديث ولم يتعبدنا بشيء من القسم الذي دعت هي به فافترقا وأيضاً : فإن التعوذ من عذاب القبر والنار تذكير بهما فيخافهما المؤمن فيحذرهما ويتقيهما فيجعل من المتقين الفائزين بخيري الدنيا والآخرة . آه

      قال تقي العثماني عن ما ذهب إليه النووي وغيره في التفريق بين نهيه صلى الله عليه وسلم أن الدعاء بالاستعاذة من عذاب القبر وقال أنه عبادة بخلاف الدعاء بطول الأجل قال (5-6/257) :
      قلت : فيه نظر !! لأن الدعاء عبادة في كل حال حتى وإن كان للأغراض الدنيوية ولكن الأحسن أن يقال :
       الوقاية من عذاب النار مقصود بنفسه بخلاف طول الأجل أو يقال : إن الدعاء للأغراض الأخروية أفضل لأن فيه أجراً باعتبار فعل الدعاء وباعتبار المدعو به جميعاً بخلاف الدعاء للأغراض الدنيوية فإنه موجب للأجر باعتبار فعل الدعاء فقط لا باعتبار المدعو به ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم ينهها عن الدعاء بطول الأجل وإنما ذكر أن الدعاء للوقاية من العذاب خير وأفضل . آه .

      وقال ابن بطال في شرح على البخاري عند حديث أنس ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له (10/106) :
      فإن قيل : فما معنى دعائه له بطول العمر وقد علم عليه الصلاة والسلام أن الآجال لا يزاد فيها ولا ينقص منها على ما كتب في بطن أمه ؟
      قيل : معنى ذلك والله أعلم أن تعالى يكتب أجل عبده إن أطاع الله واتقاه فيكون عمره مدة كذا فإن لم يطع الله وعصاه كان أجله أقل منها ويدل على صحة ذلك قوله تعالى : { ويؤخركم إلى أجل مسمى } يريد أجلاً قد قضى به لكن إن أطعتم فإن عصيتم لم يؤخركم إلى ذلك الأجل وكل قد سبق في علم الله مقدار أجله على ما يكون من فعله إلى آخر كلامه رحمه الله .

      وسئل الإمام ابن باز في الفتاوى (8/425) :
      هل يجوز الدعاء بطول العمر أم أن العمر مقدر ولا فائدة من الدعاء بطوله ؟
      قال رحمه الله : لا حرج في ذلك ، والأفضل أن يقيده بما ينفع المدعو له ، مثل أن يقول : أطال الله عمرك في طاعة الله أو في الخير أو فيما يرضي الله ، ومعلوم أن الدعاء لا يخالف القدر بل هو من القدر كالأدوية والرقى ونحو ذلك . وكل الأسباب التي لا تخالف شرع الله فهي كلها من القدر وقدر الله ماض في حق المريض والصحيح ومن دعي له ومن لم يدع له لكن الله سبحانه أمر بالأسباب المشروعة والمباحة ورتب عليها ما يشاء سبحانه وكل ذلك من قدر الله والله ولي التوفيق .

      وسئل العلامة ابن عثيمين في الفتاوى (3/71) :
      ما حكم قول : " أطال الله بقاءك " طال عمرك ؟
      قال رحمه الله : لا ينبغي القول بطول البقاء لأن طول البقاء قد يكون خيراً وقد يكون شراً فإن شر الناس من طال عمره وساء عمله وعلى هذا فلو قال : أطال الله بقاءك على طاعته ونحوه فلا بأس بذلك .

      قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في تصحيح الدعاء ص 326 : كره الإمام أحمد هذا الدعاء "أبقاك الله وقال : هذا شيء قد فرغ منه . وفي معناه ما بعده ، والصحيح عدم الكراهة لورود الثاني : ( أطال الله بقاءك ) بالأثر عن عمر رضي الله عنه ومن ترك هذه الألفاظ على سبيل التوقي فذاك والله أعلم .

      خلاصة البحث  :
      أنه لا حرج بالدعاء بطول العمر لحديث أنس ، وأنه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم لم ينه أم حبيبة رضي الله عنها عن الدعاء بطول الأجل وإنما أرشدها إلى الأفضل والأفضل أن يقيّد هذا الدعاء بالطاعة للحديث الذي صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1836) عن عبد الله بن بسر المازني قال : جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما : يا رسول الله ! أي الناس خير ؟ قال " طوبى لمن طال عمره ، وحسن عمله .... الحديث ولأن رجلا جاء إلى الني صلى الله عليه وسلم فقال :  يا رسول الله أي الناس خير ؟  قال " من طال عمره وحسن عمله " قال : فأي الناس شر ؟ قال " من طال عمره وساء عمله " رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني في صحيح  الترمذي (2330) ولما رواه أحمد (1/136) والنسائي في عمل اليوم والليلة(10674) وحسنه الألباني في الصحيحة (654) من حديث عبد الله بن شداد : أن نفراً من بني عُذرة ثلاثة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من يكفينيهم ؟) قال طلحة : أنا ، قال : فكانوا عند طلحة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثاً بخرج فيه أحدهم فاستشهد ، قال : ثم بعث آخر ، فخرج فيهم أحدهم فاستشهد ، قال : ثم مات الثالث على فراشه . قال طلحة : فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة ، فرأيت الميت على فراشه أمامهم ، ورأيت الذي استشهد أخيراً يليه ورأيت الذي استشهد أولهم آخرهم ، قال : فدخلني من ذلك ، قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أنكرت من ذلك ، ليس أفضل عند الله من مؤمن يُعمّر في الإسلام يكثر تكبيره وتسبيحه وتهليله وتحميده) . والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
        كبته
      بندر بن فهد بن عيد الايداء
      المراجع :
      1.    تفسير القرآن العظيم لابن كثير
      2.    تفسير فتح القدير للشوكاني
      3.    الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
      4.    تيسير الكريم المنان للسعدي
      5.    صحيح الإمام البخاري
      6.    صحيح الإمام مسلم
      7.    فتح الباري لشرح صحيح البخاري لابن حجر
      8.    شرح صحيح البخاري لابن بطال
      9.    إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني
      10.     عمدة القاري لشرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني
      11.     شرح صحيح مسلم للنووي
      12.     المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم لأبي العباس القرطبي
      13.     شرح مسلم للإمامين محمد خليفة الوشتاني الأبيّ ومحمد السنوسي
      14.     فتح الملهم بشرح مسلم لمحمد تقي العثماني
      15.     فتح المنعم في شرح مسلم لموسى شاهين
      16.     السلسلة الصحيحة للألباني
      17.     صحيح الأدب المفرد للألباني
      18.     إفادة الخبر بنصه في زيادة العمر ونقصه للسيوطي وبتحقيق أسامة عبد العليم آل عطوة .
      19.     مجموع الفتاوى للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
      20.     مجموع الفتاوى للإمام محمد بن صالح بن عثيمين  رحمه الله   صيد الفوائد  
    • مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ١٠-فاطر التأبِّي على الرسالات تأبٍّ على أن يكون المؤمن الذي يُكلَّف بتكليفات تِبَعاً لرأي غيره وطَوْع أمره، والرسول ما جاء إلا ليقول لنا (افعل كذا) و (لا تفعل كذا)، وبعض الناس يرى في هذه الطاعة خَدْشاً لكرامته وعزته، فهو يريد أنْ يكون الأعلى الذي لا يأمره أحد ولا ينهاه، وهؤلاء الذين تتحدث عنهم الآية يريدون أن تكون لهم العِزَّة في نفوسهم.
        والحق - سبحانه وتعالى - هنا يُصحِّح لهم معنى العزة ويُبيِّن غباءهم، فيقول سبحانه: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } [فاطر: 10] أي: العزة الحقيقية لا المدَّعاة: { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } [فاطر: 10] فالعزة الحقيقية ألاَّ تكون مغلوباً ولا مقهوراً لأحد، وهذه العزة لا وجودَ لها إلا في رحاب الله، فمهما بلغ الإنسانُ في الدنيا من القوة والجبروت لا بُدَّ أنْ يُغلب، ولا بُدَّ أنْ يقهره الموت، فإنْ كنتَ مغرماً بعزة لا تزول، فهي من جنب الله.
      لذلك فالله تعالى يُعلِّمنا الحكمة، فيقول: { { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } [الفرقان: 58] يعني: أنا أعلم بك وأعلم بضعفك، وأنك في حاجة إلى مَنْ تتوكل عليه ليقضي لك الأمور التي فوق طاقتك، فإياك أنْ تلجأ إلى غيري، فأنا الباقي الذي لا يموت، فإنْ توكلْتَ على ضعيف مثلك، فربما مات قبل أنْ يقضى لك حاجتك، كذلك مَنْ أراد العزة فليكُنْ في حضن الله يعتزُّ بِعزَّته، ويتقوَّى بقوته، ومَنْ كان في حضن الله يخلع الله عليه من صفاته ويفيض عليه.
        لذلك سيدنا رسول الله يعطينا هذا الدرس، "وهو في الغار، ومعه الصِّدِّيق - رضي الله عنه - فيقول الصِّديق: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فيقول سيدنا رسول الله وهو واثق بربه: يا أبا بكر ما بالك باثنين الله ثالثهما" وحكى عنه القرآن قوله: { { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } [التوبة: 40].
      فهذه الطمأنينة التي ملأتْ قلب رسول الله منشؤها معية الله له ولصاحبه، وهذه المعية تقتضي أنْ يخلع الله عليهما من صفاته سبحانه، فإذا كان تعالى لا يُرى، فمَنْ كان في معيته كذلك لا يُرى.
        ومعنى { ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } [فاطر: 10] يعني: كل ألوان العزة، وهذه المسألة من المسائل التي تكلَّم فيها المستشرقون، يلتمسون فيها مأخذاً على كلام الله، يقولون: إن الله يقول { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } [فاطر: 10] وفي آية أخرى: { { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8].
      ولا تعارض بين الآيتين؛ لأن العزة في الأصل لله، وعِزَّة الرسول من التحامه بالعزيز، وعزة المؤمنين من التحامهم بعزيز العزيز، فهي عزة موصولة من الله تعالى لمَنِ اعتزَّ به، وأول مَنِ اعتزَّ بالله رسوله، ثم المؤمنون به.
        ثم يقول سبحانه: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } [فاطر: 10] دائماً نخاطب الله على جهة العلو، مع أنه سبحانه في كل مكان، وليس له مكان، لذلك يحتج البعض على هذه المسألة فيقول: كيف أن الله ليس له مكان، وسيدنا رسول الله لما أراد الله أنْ يُكلِّمه أصعده إلى السماء السابعة؟
      نقول: كان الصعود لمكان الرائي لا لمكان المرئي، فالرائي لا يرى إلا من هذا المكان، فمثلاً لو أننا سمعنا الآن ضجة خارج المسجد، وهذه النافذة التي تُطِل على هذه الضجة عالية، فماذا تفعل إنْ أردتَ أنْ تعرف ما يدور بالخارج، لا بُدَّ لك أنْ تصعد هذا العلو لترى ما يحدث، فالأحداث هي هي، لكن مكان الرائي يختلف.
        ومعنى { ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } [فاطر: 10] هذا وصف عام لكل كلام يدلُّ على منهج الخير، وقد أعطانا القرآن مثالاً لذلك في قوله سبحانه: { { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ * تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا .. } [إبراهيم: 24-25].
      وقد حاول العلماء تحديد هذه الكلمة، فقالوا هي: كلمة لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله ولا قوة إلا بالله، ولكن هذا التحديد يُضيِّق المعنى الواسع الذي أراده الله تعالى منها، والأصوب أن نقول الكلمة الطيبة: كل كلام يؤدي إلى خير.
        وقوله تعالى: { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10] بعد أن تكلم سبحانه عن صعود الكلم الطيب يتكلم عن رفع العمل الصالح؛ لأن الإنسان قد يتكلم بالكلمة الطيبة دون أن تُؤدي مطلوبها، ودون أنْ يترجمها إلى عمل، وربما قالها نفاقاً مثلاً، كالذين قالوا لا إله إلا الله نفاقاً وفراراً من القتل، ومع ذلك تصعد إلى الله، فيقول الله احموه بهذه الكلمة دنياه، ولا تتعرضوا له ما دام نطق بها، إنما ليس له عليها جزاء في الآخرة؛ لأن الجزاء يتأتَّى من العمل الذي يخدم مدلول الكلمة، فالعبرة إذن بالعمل والعمل الصالح، فهو الذي يُرفع إلى الله، ويحميك في الدنيا، ويحميك في الآخرة، ويجمع لك الخيرين.
        ثم يذكر الحق سبحانه وتعالى المقابل: { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [فاطر: 10] الفعل مكر يتعدى بحرف الجر نقول: مكر بفلان ومَكَره يعني: خدعه ويتعدَّى بنفسه كما في { يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } [فاطر: 10] وأصلها يمكرون المكْرات السيئات، فهي وصف لمصدر مأخوذ من مادة الفعل مثل: { { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [النساء: 122] أي: الأعمال الصالحات. أو مكر: فعل مكراً، فيكون المعنى: والذين فعلوا السيئات.
        ثم يبين سبحانه جزاء المكر السيء: { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } [فاطر: 10] لماذا؟ لأنك حين تمكر، كأنك تريد أنْ تسرق شيئاً من الله، وتظن أنه لن يدري بك، وغفلتَ أنك تُبيِّت المكر سِرًّا، وهو سبحانه يعلم السِّر والنَّجْوى، وأنك حين تمكر وحين تُبيِّت تُبيِّت على قدر إمكاناتك، وربك عز وجل كذلك يمكر ويُبيِّت على قدر إمكاناته، وقدرته تعالى: { { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [الأنفال: 30].
      لذلك يبوء هذا المكر بالخسران وبالبوار، كما قال سبحانه: { وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [فاطر: 10] فهو مَكْر بائر، كالأرض البَوَار التي لا تنبت ولا تنتج، ومنه قوله سبحانه: { { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } [إبراهيم: 28].
      فهذا المكر الذي ظنه صاحبه ينفعه، ويرفعه على خَصْمه، ويجعل نفسه عالية عليه، إذا به يبور، ولا يؤتى ثماره، ولَيْته يبور وتنتهى المسألة، إنما ينقلب عليه ويجرُّ على صاحبه العذاب الشديد.
      ومعنى { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } [فاطر: 10] اللام تفيد الملكية، فهنا قلب يعني: لهم عذاب أي: استحقوه وكأن العذاب يحرص عليهم كما يحرص الإنسان على ما يملك، فهو عذاب ملازم لهم لا ينفك عنهم.   التفاسير العظيمة  
    • وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ٩-فاطر يرسل الرياح يعني: يحركها، وبتحريك الرياح يتم استيعاب خير الوجود كله، ألاَ ترى أن الريح إذا سكنتْ يتضايق الإنسان ويحاول تحريكها بنفسه بيده أو بالمروحة مثلاً؛ لأن حيِّزَك في التنفس لا يتم إلا بتحريك الهواء، وتغيير ثاني أكسيد الكربون ليحل محلَّه الأكسوجين، ولا تتم هذه العملية إلا بتحريك الهواء؛ لذلك يقولون: إذا لم يمرّ عليك الهواء فمُرّ أنت عليه. يعني: حرِّكه أنت.
        ونتيجة حركة الرياح إثارة السحب { فَتُثِيرُ سَحَاباً } [فاطر: 9] يعني: تُهيِّجه وتُحركه من أماكنه، بحيث يذهب بعد تجمُّعه إلى حيث أراد الله أنْ ينزل المطر، إذن: حركة السحاب ليست ذاتية، وإنما تابعة لحركة الرياح، وهذه المسألة تساعدنا في فهم قوله تعالى: { { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [النمل: 88].
      فالجبال التي نحسبها ثابتة هي في الحقيقة تمر وتتحرك كحركة السحاب، وكما أن السحاب لا يمر بذاته، إنما بحركة الرياح، كذلك الجبال لا تمر بذاتها، إنما بحركة الأرض والجبال ثابتة على الأرض كالأوتاد؛ لذلك تتحرك بحركتها: { { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } [النمل: 88].
        البعض لم يفطن إلى حركة الأرض التي تتبعها حركة الجبال، فقال في قوله تعالى: { { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [النمل: 88] أن هذا في الآخرة، لكن أين هي الجبال في الآخرة والله يقول عنها: { { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كٱلْعِهْنِ } [المعارج: 9] ثم، كيف يمتنُّ الله عليها ويحتج ببديع صُنْعه في حركة الجبال في الآخرة، حيث لا تكليف، ولا موضع لتحنين القلوب وعَطْفها إلى الإيمان.
      هذا عن حركة الرياح، أما عن سكونها، فيقول تعالى: { { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ } [الشورى: 33] والمراد: السفن التي تُسيِّرها الرياح، فإنْ قُلْتَ: فهل يظل لهذه الآية هذا المعنى بعد التطور الذي طرأ على السفن، وبعد أن تلاشتْ القلاع وحَلَّ محلها الآلات التي تُسيِّر السفن دون حاجة إلى حركة الهواء؟
        نقول: نعم ستظل الآية تحمل هذا المعنى إلى ما شاء الله؛ لأن الاختراعات الحديثة لم تفاجئ خالقها عز وجل، ومَنْ قال: إن الريح هو الهواء؟ الريح هو القوة أياً كانت، واقرأ قوله تعالى: { { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال: 46] يعنى: قوتكم أيّاً كانت قوة هواء، أو قوة كهرباء، أو قوة بخار ومحركات .. الخ.
        ونلاحظ في أسلوب هذه الآية أن الفعل { أَرْسَلَ } [فاطر: 9] جاء في صيغة الماضي، لكن (تثير) في صيغة المضارع، ولم يقل سبحانه: فأثارت سحاباً، قال: أرسل يعني: أمر أنْ ترسل، فهذه مسألة انتهت وفُرغ منها، أما إثارة السحاب وتحريكه فمسألة مُتجدِّدة مستمرة في كل لحظة، فناسبها المضارع الدال على الحال والاستقبال.
        أو: أن المعنى { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } [فاطر: 9] جاء في الماضي؛ لأن الكلام عن الغيب، والاسم الظاهر غيب وهو لفظ الجلالة، ثم انتقل من الغيب في { أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ } [فاطر: 9] إلى مقام المتكلم، فقال { فَسُقْنَاهُ } [فاطر: 9] كأن الله يلفتك بالنعمة إلى غيب هو الله تعالى، فحين تستحضر أنه الله الذي فعل أصبحْتَ أهلاً لمكالمة الله لك.
        ومثال ذلك ما قُلْنا في سورة الفاتحة: { { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 1-4] هذا كله غيب إلى { { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5].
      ولم يقُلْ: إياه نعبد لينقلك من الغيب إلى الخطاب المباشر معه سبحانه؛ لأنك أصبحتَ أهلاً لأنْ تخاطبه ويخاطبك بعد أن آمنتَ بالحيثيات الأولى في { { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 2-4].
      ومعنى { فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ } [فاطر: 9] يعني: سُقْنا السحاب، أو سُقْنا الماء بعد نزوله في جداول وأنهار إلى الأرض التي لا نَبْتَ فيها، والتي يمكن أن تنتفع به، وهذا أدلّ على قدرة الله، وتأمل مثلاً ماء النيل الذي يروي السودان ومصر أين نزل؟ وهذا دليل على أن رزقك سيأتيك مهما بَعُد عنك مصدره.
      فإذا ما استقر الماء في الأرض كانت النتيجة { فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } [فاطر: 9] يعني: أحييناها بالنبات، ثم يجعل الحق سبحانه من نِعَم إحياء الأرض الميتة دليلاً على نعمة أخرى موصولة في الآخرة، فيقول سبحانه: { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } [فاطر: 9] يعني: البعث يوم القيامة وإحياء الموتى من قبورهم.
      فَخُذْ مما تشاهد من إحياء الأرض دليلاً على صدق ما غاب عنك، فكما أن الماء ينزل على الأرض الميتة فيُحييها، كذلك حين تنزل الروح على مادة الإنسان المدفونة في الأرض يحدث لها النشور والبعث، وتدبّ فيها الحياة.
      وسبق أن بيَّنا أن العلماء لما حللوا جسم الإنسان وجدوه مُكوِّناً من ستة عشر عنصراً. أولها: الأكسوجين. وآخرها: المنجنيز. وهي نفسها عناصر التربة التي ينمو فيها النبات.   التفاسير العظيمة  
    • أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ٨-فاطر   الأسلوب في { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِه } [فاطر: 8] أسلوب استفهام، لكن لم يذكر المقابل له، وتقديره هل يستوي، ومَنْ لم يُزين له سوء عمله؟
      والحق سبحانه لم يذكر جواباً لأنه معلوم، ولا يملك أحد إلا أن يقول لا يستويان، لأن الناس منهم مَنْ يعمل السيئة، ويعلم أنها سيئة، ويكتفي بها لا يتعداها، ومنهم مَنْ يتعدَّى فيفعل السيئة ويدَّعي أنها حسنة، وهذا مصيبته أعظم لأنه ارتكب جريمة حين فعل السيئة، وارتكب جريمة أخرى حين ادعى أنها حسنة، هذا معنى: { فَرَآهُ حَسَناً } [فاطر: 8]، وهذا اختلال في الرؤية وضلال.
        لذلك يقول تعالى بعدها: { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [فاطر: 8] وهذه الآية وقف عندها كثيرون، يقولون: إنْ كان الله هو الذي يهدي، وهو الذي يُضل. فلماذا يُحاسب الإنسان؟ ولا بُدَّ لتوضيح هذه المسألة أن نُبين معنى يهدي ويُضل. يهدي يعنى: يدلُّه على طريق الخير ويرشده إليه، وهذا الإرشاد من الله لكل الناس، فمَنْ سمع هذا الإرشاد وسار على هُدَاه وصل إلى طريق الخير، فكان له من الله العون وزيادة الهدى، كما قال سبحانه: { { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [محمد: 17].
      أما الذي أغلق سمعه فلم يسمع ولم يَهْتَدِ فَضَلَّ الطريق وانحرف عن الجادة، فأعانه الله أيضاً على غايته، وزاده ضلالاً، وختم على قلبه ليكون له ما يريد، فلا يدخل قلبه إيمانٌ، ولا يخرج منه كفر، وهؤلاء قال الله فيهم: { { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [البقرة: 10].
      لذلك يقول تعالى عن قوم ثمود: { { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [فصلت: 17].
      فمعنى { هَدَيْنَاهُمْ } يعني: دللناهم وأرشدناهم لطريق الخير، ولكنهم رفضوا هذه الدلالة وعارضوا الله فضَلُّوا فأضلهم الله. يعني: زادهم ضلالاً.
        وسبق أنْ أوضحنا هذه القضية وقلنا: هَبْ أنك تريد أنْ تذهب إلى مكان ما، ووقفتَ عند مفترق الطرق لا تدري أيهما يُوصِّلك إلى غايتك، فذهبتَ إلى رجل المرور تسأله أين الطريق، فدلَّك عليه فشكرته وعرفتَ له جميله، فلما رآك مُطيعاً له، شاكراً لفضله قال الله: لكن أمامك في هذا الطريق عقبة سأسير معك حتى تتجاوزها، هكذا يعامل الحق سبحانه المهتدين: { { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [محمد: 17].
        وقد خاطب الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: { { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص: 56] وخاطبه بقوله: { { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52] فأثبت له صلى الله عليه وسلم الهداية بمعنى الإرشاد والدلالة، لكن نفى في حقِّه الهداية بمعنى المعونة على الهدى، فالذي يُعين هو الله.
      ثم إن الحق سبحانه لم يترك هذه المسألة هكذا، إنما بيَّن مَنْ يهديه ومَنْ يُضِلُّه، فقال سبحانه: { { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة: 67] وقال: { { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [الصف: 5] وأيُّ هداية للإنسان بعد أنْ كفر بالله، وفَسَق عن منهجه، وأفسد في البلاد، وظلم العباد؟
        وقوله تعالى: { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8] يعني: لا تُهلك نفسك حسرة على عدم إيمانهم، وهذا المعنى شرحه الحق سبحانه في قوله: { { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف: 6].
      فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على هداية قومه، يألم أشدَّ الألم حين يشرد أحد منهم عن طريق الإيمان؛ لذلك قال تعالى عن نبيه محمد: { { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 128].
      ثم يقول سبحانه مُسلِّياً رسوله صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [فاطر: 8] يعني: لا تَخْفى عليه خافية من أفعالهم، وسوف يجازيهم ما يستحقون من عقاب على قَدْر ما بدر منهم من إعراض، فاطمئن ولا تحزن.   التفاسير العظيمة
    • الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتَّبع هدْيَه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:   فضائل وثمرات قيام الليل: • هو إقامة للروح على معارج القدس، وإقامة للحياة وترويحٌ للنفس، ومناجاة للمولى وكلام همس، حيث يحلو القرب من الله والأنس، هذه السنة والعبادة التي أصبحت منسيةً، فتسلط علينا كل وسواس خناس، فاضطربت الأحوال وضاقت الحياة على الناس، هل عرفتم عن ماذا أتحدث؟ إنها (قيام الليل)، وهذه كلماتٌ وقطوف من دوحة القانتين والذاكرين، نستشعر بها معاني الصلاة في جوف الليل.   فضائل قيام الليل: يقول الله تعالى مادحًا عباده المؤمنين بخصالٍ جميلة وأعمالٍ جليلة: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16]. ومن أخص هذه الصفات (قيام الليل) الذي هو طريق الأولياء إلى الله، الولاية تلك المنزلة التي يتمناها كل مسلم؛ منزلة القرب والعناية، فندخل في قوله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].   فطريق الأولياء إلى الله هو: الابتعاد عن المُحرَّمات، وأداء الفرائض، والتقرُّب بالنوافل، كلٌّ بحسب استطاعته وإقباله، وأفضل النوافل قيام الليل، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".   وهذا الفضل الكبير لقيام الليل؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص فهو عبادة سرية لا يعلم بها أحد، وفيه مشقة على النفس، فالمؤمن يقوم من فراشه ونومه وراحته، وهو أقرب إلى التدبُّر والخشوع.. ولهذا سميَ قيام الليل (شرف المؤمن)، قال عليه الصلاة والسلام: "أتاني جبريل، فقال يا محمد، عِشْ ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس".   فوائد وثمرات قيام الليل: • وفوائد قيام الليل عظيمة، وثمراته كثيرة، أذكر لكم بعضها: • تكفير الذنوب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)).   • استجابة الدعاء: إن كنت تريد قضاء الحاجات، وتفريج الهموم وتيسير الأمور وتحقيق الأمنيات، فعليك بالدعاء في قيام الليل، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((إنَّ من اللَّيل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة)).   • يطرد العجز والكسل وداء الجسد: قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنَّه دأْبُ الصالحين قبلكم؛ فإنَّ قيامَ الليل قُرْبَةٌ إلى الله عز وجل، وتكفيرٌ للذُّنوب، ومَطْرَدَةٌ للدَّاء عن الجسد، ومنهاة عن الإثم))، وقال العراقيُّ: إسنادُه حسنٌ.   • صلاح الأبناء والأسرة: فعندما يراك أهلك وأولادك تقوم الليل فإن هذا السلوك سيؤثر فيهم، ويُحبِّب إليهم الدين والعبادة فيقتدون بك، والله سبحانه وتعالى يتولَّى ذريته حتى بعد مماته، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 82].   • سبب الرحمة: قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((رَحِم اللهُ رجلًا قام من الليل فصلَّى وأيقظَ امرأتَه، فإن أَبَتْ نضح في وجهها الماءَ، ورحم اللهُ امرأةً قامت من اللَّيل فصلَّت وأيقظت زوجَها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)). • دخول الجنة: قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)).   حال السلف مع قيام الليل:   • ولهذه الفضائل والفوائد صار قيام الليل حال الصالحين ودَأْب العابدين، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَمُرُّ بالآية من وِرْده بالليل فيسقط، حتى يُعاد منها أيَّامًا كثيرةً كما يُعادُ المريضُ. • وكان ابنُ مسعود رضي الله عنه إذا هدأت العيونُ قام فيُسْمَعُ له دَوِيٌّ كَدَويِّ النَّحْل حتى يصبحَ.   • كل ذلك الحرص على قيام الليل خوفًا من عذاب الله سبحانه، ورجاء لرضا الله سبحانه، قال المغيرةُ بن حبيب: رمقتُ مالك بن دينار رحمه اللهُ فتوضَّأ بعد العشاء ثم قام إلى مُصَلَّاه فقبضَ على لحيته فخنقته العبرةُ، فجعل يقول: اللهم حَرِّمْ شيبةَ مالك على النار، إلهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، فأيُّ الرجلين مالك، وأيُّ الدَّارين دار مالك؟! فلم يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر.   • سبحان الله! هذا حال الولي الصالح والرجل العابد مالك بن دينار، فما حالنا نحن اليوم الذين غرقنا في الذنوب والغفلة؟!   • وكما أن الطعام لنا أمر لا نتركه في كل يوم، فكذلك كان حال سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين مع قيام الليل، ويندر أن تجد أحدًا في ذلك الزمان لا يصلي في جوف الليل، وإن وجد فهو أمرٌ منكرٌ مستغرب، كان للحسن بن صالح جاريةٌ فباعها من قوم، فلما كان في جوف الليل قامت الجاريةُ فقالت: يا أهلَ الدار، الصلاة الصلاة، فقالوا: أصبحنا؟ أَطَلَعَ الفجرُ؟ فقالت: وما تُصَلُّون إلا المكتوبة؟! قالوا: نعم، فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي، بعتني من قوم لا يُصَلُّون إلا المكتوبة؛ رُدَّني، فَرَدَّها. • وعن مسعر عن رجل قال: أتى طاووس رجلًا في السحر، فقالوا: هو نائم، فقال: ما كنت أرى أن أحدًا ينام في السحر؟     الحث على قيام الليل: • إن قيام الليل هو السبيل الأوفى للإصلاح للفرد والأسرة والمجتمع، والمنزل الأكرم للسعادة والرضا والعلاج الأنجع للحفظ من الفتن، وبعد أن استعرضنا بعض الفضائل والفوائد لقيام الليل، فحريٌّ بنا أن نسارع إلى امتثال هذه العبادة العظيمة، لما يترتب عليها من مهنأة في العيش وسعة في الرزق، ورضا الرحمن ومسارعة الدخول إلى الجنان بسلام، كل هذه الخيرات الدنيوية والأخروية مفتاح بابها الصلاة في جوف الليل، فهل يليق بمسلمٍ أن يتأخر عنها؟ هل يليق بمسلم أن يقصر فيها؟ إن الإنسان فُطِرَ على حب الخير والسعادة، وها نحن الآن نتعرف على مفتاح الخير كله (قيام الليل) فهيا لنشمر عن ساعد الجد، ونسعى لنكون من أهل القرب، ونسارع لنخرج من الغفلة ونكتب مع الذاكرين، قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)).   • ومن الأسباب التي تعيننا على قيام الليل: ترك المعاصي، والحرص على الأكل الحلال، وتجنُّب الحرام، الاستعانة والتقوِّي بقيلولة في النهار، والإكثار من ذكر الله في النهار، عسى نحظى برضا التواب الغفار، وندخل في فريق أتباع المختار صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.   صلاة قيام الليل وطريقة تأديتها: • ويندب أن تكون صلاة الليل في آخره، فهو أفضل الأوقات، وأقل ما ينبغي أن يتنفل بالليل ثمانٍ ركعات، والأفضل أن يصليها أربعًا أربعًا، وطول القيام فيها أفضل، هذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى. • فيا أيها المسلم، اشددْ مئزرك واسْعَ لإرضاء الله تعالى، وقف بين يدي ربك متواضعًا وخاضعًا في جوف الليل، وكن من المستغفرين بالأسحار، فلن يخيب أملك ولن يُبعدك عن رحمته؛ بل سيُدْنيك منه ويُكرمك بالخير الكثير ويمُنُّ عليك بالنِّعَم الوفيرة.   • نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لقيام الليل، ويجعلنا من الذين يعبدونه آناء الليل وأطراف النهار.   وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.   الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري شبكة الالوكة  
  • أكثر العضوات تفاعلاً

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181906
    • إجمالي المشاركات
      2535122
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93123
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    شرين حاتم
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×