اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57903
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180617
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259973
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8306
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30261
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53065
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40675
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97011
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36839
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41315
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91747
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32205
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34855
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (38298 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 33 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    2 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 8، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • لقد خلق الله حياة الإنسان منظومةً من المحن (الاختبارات)، وهذه المحن عديدة ومتشابكة يؤثر بعضها في بعض، فما تكاد تمر محنةٌ إلا وتأتي غيرها من المحن، فحياة الإنسان سلسلة متواصلة من المحن حتى يلقى الله.                              ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4].                            ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6].                                    فنحن نواجه في حياتنا العديد من المشاكل والمواقف التي تجعلنا حيارى، لا نعرف كيف نتعامل معها، والمشاكل أكثرُ ما يقلق ويوتر الأشخاص، وبتراكمها بعضها فوق بعض دون وجود الحلول لهذه المشكلات قد يزيد من تفاقمها، والهروب من مواجهتها يعتبر بحد ذاته مشكلة؛ لأنه قد يوقعك في دوَّامة كبيرة لا تعرف كيف تتعامل معها ولا تعرف كيف تنقذ نفسك، فتدخل في دوامة الشيطان.                                
      قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]، وقال أيضًا: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، وقال کذلك: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 1، 2].                      
                   إذًا ليس للامتحانات والابتلاءات الإلهية إطار محدد ومعين، بل إن كل شخص يُبتلَی ويُمتحن تبعًا لحالاته النفسية والعاطفية والروحية، ولهذا قال عز وجل في آية أخرى أيضًا: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].                                والإنسان مطالَب بأن يتعامل مع هذه المحن بمنهج الله، وليس بهوى نفسه أو وحي الشياطين.                           

      ولكن الكثير من الناس لا يفقَهون ذلك، كما أن مناهج التربية في مراحلها المختلفة، ومؤسسات الدعوة ووسائل التربية والإعلام لا يقومون بدورهم المنوط بهم في توضيح سنن الابتلاء والهدف منها، وكيفية التعامل معها عبادة لله.                              وللأسف الشديد يلجأ الكثير من الناس في زماننا هذا بالمبالغة في شكوى همومهم وفي حساسيتهم التي زادت عن المعقول، حتى إنك بمجرد أن تفاتح بعض الناس في أي حديث، يبدأ في الحديث عن همومه وشكواه، حتى تتحول الجلسة إلى "مندبة"، ويصل المشهد للكآبة التي تغلق القلوب، ومن هذه السلوكيات السلبية، كثرة الشكوى، فمنْ مِنَّا لا يشتكي؟ الزوج يشتكي والزوجة تشتكي، الوالد يشتكي والوالدة تشتكي، رب العمل يشتكي والعامل يشتكي، الغني يشتكي والفقير يشتكي، لا بل ذوو الأرحام، حتى الجيران، يشتكي بعضهم بعضًا، ومعظم هذه الشكاوى تدور حول المنفعة الذاتية الآنية بكافة جوانبها، ليطرح السؤال نفسه هنا وبقوة: وهل يملك بعضنا لبعض ضرًّا أو نفعًا، عطاء أو منعًا؟ والله عز وجل يقول: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ [الزخرف: 32].                                فأصبح الكثيرون من الناس يصرون على أن تكون الشكوى طريقة حياة عندهم، وتتحول الشكوى جزءًا من شخصياتهم وتكون عقدة تكبُر بداخل الإنسان، وهذا مدخل عمل الشيطان؛ ليحطم الإنسان من داخله، ويصرفه عن المهمة التي خلقه الله من أجلها ومنها سنة الابتلاء.                           
      إن كثرة الشكوى والتعوُّد عليها تؤدي إلى القنوط واليأس من نعمة الله، واليأس قرين الكفر.                          ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11].                                   ومن هنا يُخشَى على الشخص المتذمِّر وكثير الشكوى أن يكون معترضًا على ما قسم الله سبحانه وتعالى له من رزق ونِعَمٍ في الحياة، وهذا ضَربٌ من عدم الرضا.                          وللأسف نرى البعض ممن هم ضعيفو الإيمان يشكون للخَلْقِ وينسَون الخالق، ويتعلقون بما لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا؛ فإن التعلق بالمخلوقين شركٌ؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 106 - 109].                 

      هل فكرت قبل أن تلجأ إلى الناس وتستغيث بهم أن تلجأ إلى الرحمن الرحيم؟                   قيل: إن البلاء يستخرج الدعاء؛ بمعنى: إن الإنسان قد لا يذكر الله ولا يدعوه، فإذا نزل به البلاء، استخرج الدعاء، وبدأ الإنسان بالدعاء والتضرع إلى الله.                     فالله عز وجل قد يبتلي العبد وهو يحبه؛ ليسمع تضرعه ودعاءه، فهمومك ومشاكلك بينك وبين الله؛ فهو القادر على تفريجها.                                  على المؤمن أن يشكو إلى الله وحده، والمؤمن الحق من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].                                 ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 79].                      
                   فمراتب الشكوى ثلاثة:  أخسُّها أن تشكو الله إلى خلقه،  وأعلاها أن تشكو نفسك إليه،  وأوسطها أن تشكو خلقه إليه.                           إن الله عز وجل أمر العبدَ بالصبر، وضرب مثالًا بقصة نبيه يعقوب عليه السلام الذي قال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 83]، ووجه شكواه لربه وقال: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86].                                وقال تعالى في شأن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 1].                                   فالشكوى لغير الله اعتراضٌ على مقادير الله، ومحاولة تحريف بشريٍّ لِما جاء في اللوح المحفوظ؛ فالإسلام يوجهنا إلى ضرورة الاستعانة بالله وحده عند الشدة، لا المسارعة إلى الشكوى والتشكي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن نَزَلتْ به فَاقةٌ، فأَنَزَلَها بالنَّاسِ، لَم تُسدَّ فاقتُه، ومَن نَزلَتْ به فاقةً، فأنزلَها باللهِ، فيُوشِكُ اللهُ له برزقٍ عاجلٍ، أو آجلٍ))؛ [رواه أحمد].                     إن مشكلة التشكي والتوجع التي أصبحت عادة قبيحة يمارسها الكثيرون تحتاج إلى معالجة إيمانية تربوية حكيمة.         
      قال الغزالي في إحياء علوم الدين: والشكوى معصية قبيحة من أهل الدين، وكيف لا تقبح الشكوى من ملك الملوك وبيده كل شيء إلى عبد مملوك لا يقدر على شيء، فالأحرى بالعبد إن لم يحسن الصبر على البلاء والقضاء وأفضى به الضعف إلى الشكوى أن تكون شكواه إلى الله تعالى؛ فهو المبلي والقادر على إزالة البلاء. وذل العبد لمولاه عز، والشكوى إلى غيره ذل، وإظهار الذل للعبد مع كونه عبدا مثله ذل قبيح.

      وقال ابن القيم في الفوائد: الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه؛ فانه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم، ورأى بعض السلف رجلا يشكو إلى رجل فاقته وضرورته، فقال: يا هذا والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك. وفي ذلك قيل: إذا شكوت إلى ابن آدم إنما * تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم والعارف إنما يشكو إلى الله وحده. وأعرف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس، فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه، فهو ناظر إلى قوله تعالى: **وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}، وقوله: **وما أصابك من سيئة فمن نفسك}، وقوله: **أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم}. فالمراتب ثلاثة: أخسها أن تشكو الله إلى خلقه، وأعلاها أن تشكو نفسك إليه، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه. اهـ

      وننصح من وقع في ذلك أن يتقي الله سبحانه وتعالى، ويتأدب معه، ويعرف قدر ربه وقدر نفسه، وليعلم أن دأب المؤمن إحسان الظن بربه وإساءة الظن بنفسه، وليتذكر قوله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} وقوله سبحانه:[ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.


      المصدر

      اسلام ويب
      و أ. د. فؤاد محمد موسى        شبكة الالوكة
    • الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَبَعدُ: فإن الرشوة من الأمور المنكرة التي ابتليت بها مجتمعات المسلمين وهي مرض عضال، وداء خطير، يفسد المجتمعات، ويضيع الحقوق، ويخل بالأمانة وهي كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تعالى في ذم اليهود: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ [المائدة: 42]، والرشوة: من السحت كما فسر الآية ابن مسعود وغيره[1]. روى الترمذي في سننه مِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ ابنِ عَمرٍو رضي اللهُ عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالمُرتَشِيَ[2]. واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.   قال الجرجاني: "الرشوة ما يُعطَى لإبطال حق، أو إحقاق باطل"[3]. قال الذهبي: الكبيرة الثانية والثلاثون: أخذ الرشوة على الحكم، واستدل على ذلك بقَولِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [البقرة: 188].   قال الذهبي: "لا تدلوا بأموالكم إلى الحكام: أي: لا تصانعوهم بها، ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقًّا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم".   وبعد أن ذكر الأحاديث الدالة على التحريم، قال: إنما تلحق اللعنة الراشي إذا قصد بها أذية مسلم، أو ينال بها ما لا يستحق، أما إذا أعطى ليتوصل إلى حق له، أو ليدفع عن نفسه ظلمًا، فإنه غير داخل في اللعنة، وأما الحاكم فالرشوة عليه حرام، أبطل بها حقًّا، أو دفع بها ظلمًا، والرائش: هو الوسيط بالرشوة، تابع للراشي في قصده إن قصد خيرًا لم تلحقه اللعنة، وإلا لحقته[4]. ا.هـ.     وصور الرشوة كثيرة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فمنها أنها تكون في الحكم فُيقضى من أجلها لمن لا يستحق، أو يمنع من يستحق، أو يُقَدَّمُ مَنْ غَيرُهُ أَحَقُّ بالتقديم، وتكون الرشوة في تنفيذ الحكم فيتهاون من عليه تنفيذه بتنفيذه من أجل الرشوة سواء كان ذلك بالتراضي في التنفيذ، أو بعمل ما يحول بين المحكوم عليه وألم العقوبة إن كان الحكم عقوبة، والرشوة تكون في الوظائف والمسابقة فيها فَيُقَدَّمُ من أجلها من لا ينجح، أو تُعطى له الأسئلة قبل الامتحان فَيُوَلَّى الوظيفةَ مَنْ غَيرُهُ أَحَقُّ منه، وأغرب من ذلك أن تدخل الرشوة في التعليم والثقافة، فينجح من أجلها من لا يستحق النجاح، أو تقدم له أسئلة الامتحان، أو يشار إلى أماكنها من المقررات أو يتساهل المراقب في مراقبة الطالب من أجلها، فيتقدم هذا الطالب مع ضعف مستواه العلمي ويتأخر من هو أحق منه لقوة مستواه العلمي، قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ ﴾ [الأنفال: 27].   قال جمع من المفسرين: الأمانة كل ما ائتمن عليه المُؤَمَّنُ، ومن الأمانة أن يولى الأجدر والأحق بالوظيفة. اهـ.   والرشوة تكون في تنفيذ المشاريع فحينما يأتي مشروع، وتعمل مناقصة فيدفع أحدهم رشوة فيحصل على هذا المشروع مع أن غيره أتقن منه عملًا وأقل سعرًا، والرشوة تكون في التحقيقات الجنائية، أو الحوادث، أو غيرها فيتساهل المحققون في التحقيق من أجل الرشوة"[5] اهـ، أو يُعين مسئول في موقع ما فيأخذ هدية مقابل أن يسهل على صاحبها بعض الأمور، أو يقدمه على غيره، أو يعفيه من بعض الالتزامات، أو غير ذلك، وهذا غلول ورشوة.     روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي اللهُ عنه قال: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْلُّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ؛ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا"[6].   وَأَرسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَبدَ اللهِ بنَ رَوَاحَةَ رضي اللهُ عنه لِيَخرِصَ نَخلَ يَهُودِ خَيبَرَ، فَلَمَّا جَاءَهُم شَكَوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم شِدَّةَ خَرْصِهِ وَأَرَادُوا أَن يَرشُوهُ فَقَالَ: يَا أَعدَاءَ اللهِ أَتُطعِمُونِي السُّحتَ؟ وَاللهِ لَقَد جِئتُكُم مِن عِندِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَأَنتُم أَبغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ مِن عِدَّتِكُم مِنَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ، وَلَا يَحمِلُنِي بُغضِي إِيَّاكُم، وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَن لَا أَعدِلَ عَلَيكُم، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ[7].     وروى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ جَابِرٍ رضي اللهُ عنه أَنَّهُ قَالَ: أَفَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم كَمَا كَانُوا، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي، فَقَالَوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَخَذْنَا، فَاخْرُجُوا عَنَّا[8].   وتأمل هذا الحديث الذي تفزع لهوله القلوب، وتشيب منه الرؤوس، وترتعد منه الفرائص، روى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنتِ العِرْبَاضِ عَن أَبِيهَا رضي اللهُ عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم كَانَ يَأْخُذُ الْوَبَرَةَ مِنْ فَيْءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فَيَقُولُ: "مَا لِي مِنْ هَذَا إِلَّا مِثْلُ مَا لِأَحَدِكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فِيكُمْ، فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ، فَإِنَّهُ عَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[9].   والواجب أن لا يُعطى المرتشي شيئًا فهو يأخذ أجرة من بيت المال وهو أمين على عمله، وقد وضع لخدمة الناس، وإعطائه الرشوة من التعاون على الإثم والعدوان، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]. ومن صورها: أن تكون على شكل هدية في الظاهر وهي رشوة كموظف يُهدي لرئيسه من أجل ترقيته، أو محاباته على حساب العمل، أو طالب يهدي لمعلمه من أجل إنجاحه، وأهل البلد يهدون لقاضيهم من أجل الحكم لهم[10].   والرشوة من صفات اليهود والنصارى، قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ﴾ [التوبة: 34]. والأحبار علماء اليهود، والرهبان عُبَّاد النصارى.     من مفاسد الرشوة:   أولًا: أنها مال سحت على صاحبها لا بركة فيه، وَفِي الحَدِيثِ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ"[11].   ثانيًا: أنها إفساد للمجتمع حكامًا ومحكومين.   ثالثًا: تبطل حقوق الضعفاء وتنشر الظلم.   رابعًا: الراشي والمرتشي كلهم ملعونون عند الله ورسوله.   خامسًا: الرشوة في تولي القضاء، والوظائف العامة، تفسد المجتمع وتنشر الفساد.   سادسًا: الرشوة في أمور الجند تجعل الكفاءة فيهم غير معتبرة، ويؤول الأمر إلى أن يتولى الدفاع عن البلاد من هم غير أهل لذلك فتحيق بهم الهزيمة ويلحق العار البلاد بأسرها.   سابعًا: أن الرشوة إذا فشت في جهة من الجهات انتشرت في بقية الجهات، وصار على من عمل بها أولًا وزرها ووزر من عمل بها مقتديًا به إلى يوم القيامة.   ثامنًا: فقد الأمانة، وفشو الخيانة فلا يأمن الإنسان على نفسه، ولا ماله، ولا أهله.   وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ   [1] "تفسير القرطبي" (7/ 485). [2] "سنن الترمذي" (برقم 1337)، وقال: حسن صحيح. [3] "التعريفات" للجرجاني (ص148)، و"التوقيف على مهمات التعاريف" للمناوي (ص365). [4] "الكبائر" للذهبي (ص131)، بتصرُّف. [5] "الضياء اللامع من الخطب الجوامع" (4/ 445-446)، بتصرُّف. [6] "صحيح البخاري" (برقم 7174)، و"صحيح مسلم" (برقم 1832). [7] "صحيح السيرة النبوية" للشيخ إبراهيم العلي (ص450). [8] "مسند الإمام أحمد" (23/ 210) (برقم 14953)، وقال محققوه: إسناده قوي على شرط مسلم. [9] "مسند الإمام أحمد" (28/ 385) (برقم 17154)، وقال محققوه: حديث حسن لغيره. [10] "حصاد المحابر من خطب المنابر" للشيخ سعد الحجري (ص687-688). [11] قطعة من حديث في "مسند الإمام أحمد" (23/ 425) (برقم 15284)، وقال محققوه: إسناده قوي على شرط مسلم.     د. أمين بن عبدالله الشقاوي     شبكة الالوكة  
    • (1) التربية بالدعاء قال ابن القيم في (الفوائد): "إذا كان كل خير أصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضلَّه عن المفتاح بقي باب الخير مرتجًا دونه"؛ ا هـ.   عبــــاد الله، الأبناء نعمة عظيمة، وحسن تربيتهم مسؤولية الآباء، وهي أمانة مُلْقاة على عاتقهم، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].   وقال صلى الله عليه وسلم: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"؛ (متفق عليه).   والدعاء لهم بصلاح الحال من وسائل التربية، فدعوات الوالدين مستجابة، قال عليه الصلاة والسلام: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الولد لولده"؛ (رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه).   إن الدعاء بالخيرية والصلاح للأبناء والأحفاد والصغار منهج نبوي، فقد ورد في صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)، وفي رواية أخرى في مسند الإمام أحمد بإسناد قوي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس فقال: (اللَّهُمَّ فَقِّهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ).   وهذا الفضيل بن عياض - رحمه الله- كان يدعو لولده علي وهو صغير فيقول: "اللهم إنك تعلم أني اجتهدت في تأديب ولدي علي فلم أستطع، اللهم فأدِّبْه لي".     نماذج من دعاء الأنبياء والصالحين لذرياتهم وأتباعهم: أيها المؤمنون، ولأهمية الدعاء وأثره في صلاح النفس والأبناء والذرية فقد قص علينا القرآن الكثير من أدعية الأنبياء وابتهالاتهم، فهذا سيدنا إبراهيم يرفع أكُفَّ الضراعة طالبًا من الله تعالى أن يرزقه أبناء صالحين مصلحين، فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100].   بل إن الخليل عليه السلام لم ينقطع عن الدعاء لذريته، بل ظل يتعهدهم بالدعوات الصالحات طوال حياتهم، ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، ودعا ربَّه فقال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]، وكان من دعائه: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].   وهذا زكريا عليه السلام يدعو ربَّه قائلًا: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، فاستجاب الله دعاءه وبشَّره: ﴿ يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 7]، وكانت صفات هذا الابن البار كما قال تعالى: ﴿ يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 12 - 15].. فكانت كل هذه البركة في يحيى بسبب دعاء أبيه له.   وموسى عليه السلام يسأل ربَّه المعونة والتوفيق والسداد وهو يتهيأ لمواجهة فرعون وجنوده: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ [طه: 25 - 35].   عباد الله، الأبناء زينة الحياة الدنيا، قال الله تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، ومهما عصفت بهم الحياة، وتقلَّبت أحوالهم وظروفهم، وساءت بعض تصرُّفاتهم، ينبغي على الآباء والمربِّين أن يدعوا لهم لا أن يدعو عليهم فتصعب حياتهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد والأموال والأنفس، خشية أن يوافق ساعة إجابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِن اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ)؛ (رواه مسلم).   والدعاء على الأولاد فيه ضرر كبير عليهم، قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ﴾ [يونس: 11]، قال: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللهم لا تبارك فيه والعنه. فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك، كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم.   فأكثروا – رحمكم الله - لأنفسكم ولأولادكم ومن حولكم بالدعاء، واسألوا الله أن يصلح أحوالكم وذريَّاتكم، وأن يجعلهم قرة عين لكم في الدنيا والآخرة.   ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].     """""   (2) التربية بالحب إن التربية بالحب تعني القدرة على التواصل مع أطفالنا بطريقة يشعرون بها بصدق المحبة، والقرب منهم، وإرادة الخير لهم، واحترام كرامتهم وتقدير ذاتهم، دون ازدراء أو تحقير، وترجمة هذا الحب عن طريق الحوار والتواصل بصورة إيجابية، وتعزيز الاحترام المتبادل، وتشجيع السلوك الجيد الذي يرغب الوالد بظهوره عند طفله بدل التركيز فقط على معاقبة السلوك المذموم إذا ما صدر منه.   والتربية بالحب تعني أن تكون صديقًا لابنك أو ابنتك عندما يحتاجان إلى النصيحة، أو يرغبان في السؤال، أو يقعان في مشكلة، أو يقترفان خطأ، أو يبديان رأيًا، أو يتمنيان أمرًا، فتستطيع من خلال ذلك تربيتهم وتزكية نفوسهم وكسب قلوبهم، وانظروا- رعاكم الله- إلى هذا الحب والقرب من الأبناء، الذي جعل من يوسف الطفل الصغير يقص على أبيه حتى أحلامه وهو في هذه السن الصغيرة، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: 4].   عباد الله، وإذا كان الحب يشكل أسلوبًا من أساليب التربية، فإن القرآن الكريم قد أفاض في ذكر الحب وصفات أهله وحب الله لهم وقربه منهم، فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام، اتخذه الله جل جلاله خليلًا، وهي أعلى مرتبة في الحب بالنسبة للبشر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: 125].   وهذا موسى عليه السلام أحَبَّه ربُّه وقرَّبه منه، قال تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 38، 39]، قال ابن عباس رضي الله عنه: "أحبه وحببه إلى خلقه"، وقال عكرمة: "ما رآه أحدٌ إلا أحَبَّه".   وكم هي الآيات التي بيَّنت حب الله لعباده وقربه منهم، وكيف أن هذا الحب ثمرة الإيمان والتقوى والعمل الصالح والجهاد والبذل والعطاء، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54].   والله جلَّ جلاله إذا أحبَّ عبدًا قذف حُبـَّه في قلوب من شاء من عباده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى إذا أحَبَّ عبدًا نادى جبريل: إن الله قد أحَبَّ فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحَبَّ فلانًا فأحِبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القَبول في أهل الأرض)؛ (البخاري).   أيها المؤمنون، والتربية بالحب والقرب كذلك كانت أسلوبًا نبويًّا راقيًا، استطاع النبي صلى الله عليه وسلم من خلال تثبيت الإيمان وغرس القيم كسب القلوب وتوجيه الاهتمامات، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: (يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك، والله إنِّي لأحبُّك، فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاة تقول: اللهمَّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك)؛ (صحيح الجامع).   وعن أنس رضي الله عنه قال: رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم النِّساء والصِّبيان مقبلين -قال: حسبت أنَّه قال: من عرس- فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم مُمْثِلًا فقال: (اللهمَّ أنتم من أحبِّ النَّاس إليَّ. قالها ثلاث مرار))؛ (البخاري).   وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذرٍّ، إنِّي أراك ضعيفًا، وإنِّي أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي، لا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ مال يتيم)؛ (مسلم).   وكان صلى الله عليه وسلم يُعبِّر عن حبِّه للأطفال وصغار السن، فعن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ حدَّث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه كان يأخذه والحسن فيقول: (اللهمَّ أحبَّهما فإنِّي أحبُّهما)؛ (البخاري).   وكان صلى الله عليه وسلم يوطِّد حبه لأصحابه بوصفهم بأجمل الصفات التي تُعَزِّز الأُلْفة والتقارب بينه وبينهم، فيصف الزُّبير بن العوام بأنه حواريه، ويصفُ أبا بكر وعمر بأنهما وزيراه، وجعل حذيفة بن اليمان كاتم سرِّه، ولقَّب أبا عبيدة عامر بن الجرَّاح بأنه أمين الأُمَّة وغيرهم الكثير من الصحابه رضي الله عنهم أجمعين.   كما مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم المتحابِّين في الله، وكشف عن عظيم ثمار هذا الحبِّ في الآخرة، فقال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ.." فذكر منهم: "... رَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ..."؛ (البخاري).     وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبِّلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة»؛ (رواه البخاري (5998)).   وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبله ذات يوم صبيان الأنصار، والإماء، فقال: «والله إني لأحبكم»؛ (رواه الإمام أحمد (14043))، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط)، إن الحب والقرب من الأولاد أسلوب تربوي ذو فعالية وأثر كبير ينبغي ألَّا نغفل عنه، وعلينا أن نستخدم جميع أساليب التربية المختلفة لتزكية نفوس أبنائنا وقيامًا بواجباتنا ومسؤولياتنا.   :::::::::::::   (3) أساليب تربوية: التربية بالتحفيز عباد الله، لقد حفل القرآن الكريم بالكثير من الآيات التي تدعو للتحفيز في كسب فضيلة أو ترك رذيلة، أو مسابقة ومنافسة على خير ومعروف، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة: 7، 8].   وقال سبحانه: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30]، الأجر ها هنا يشمل مُجْمل المزايا التي يَمْنحها الله لعباده الصالحين، سواء أكانت مادِّية أو معنوية.   وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وهذا نوع من التحفيز والتشجيع للثبات والاستقامة.   كما اهتمَّ القرآن بقضية المكافأة على العمل الصالح والعمل المثمِر، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]، فهذه مكافأةٌ على عمل واحد إيجابيٌّ، يُكافَأ بعشر أمثاله، وهذا تعزيز ودعم معنوي، ودافع مستمر في عمل الصالحات.   أيها المؤمنون، لقد كان أسلوب التربية بالتحفيز منهجًا نبويًّا سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه، وجعل منه طريقًا لكسب القلوب، وتجويد الأعمال، والتفاني في الأداء، والمسارعة إلى الخيرات، والتخلُّق بمحاسن الأخلاق، والبُعْد عن سيِّئها، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟" قَالُوا: وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ"؛ (رواه أحمد). وَهَذَا تحفيز وتشجيع عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ والمسارعة إليه.   ومن ذلك تحفيزه وتشجيعه صلى الله عليه وسلم لمن يكفل يتيمًا، ففي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى).   وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)؛ رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَنَّ في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء)؛ رواه مسلم.   ومن ذلك تحفيزه صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك يوم الهجرة وهو يريد أن يلحق به مرة والثانية والثالثة فحفزه بأن له سوارَي كسرى، إن رجع وترك الرسول صلى الله عليه وسلم. مع أن الله حَمَى رسولَه منه، فكان هذا التحفيز سببًا في هداية سراقة وإسلامه.   وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ذَلِكَ مَعَ الْكِبَارِ، فَكَيْفَ بِالصِّغَارِ؟! فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْأَشَجِّ -أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ-: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ". وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ: "إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ" قُلْتُ: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْحِلْمُ، وَالْحَيَاءُ"، قُلْتُ: قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا؟ قَالَ: "قَدِيمًا". قُلْتُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ أَحَبَّهُمَا اللهُ.   بل كان صلى الله عليه وسلم ينوِّع في أساليب التحفيز المادية منها والمعنوية ليكسب القلوب ويُغيِّر القناعات ويوجِّه السلوك، ففي صحيح مسلم، عن أنس رضي الله عنه: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلَّا أعطاه. قال فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة).   يتبع حسان أحمد العماري شبكة الالوكة  
    • عباد الله، إن معرفة العبد لأسماء الله وصفاته تزيد في إيمانه، وتكسب العبد محبة الله وتعظيمه، وبها يتعرف على خالقه عز وجل وكمال قدرته وسلطانه، وتكسبه الثقة وحسن الظن بخالقه سبحانه، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 73، 74].   وإن من أسماء الله التي ينبغي أن نتدبرها ونفهم معناها ونتعرف على آثارها في حياتنا اسم الله "المنتقم"، والمنتقم هو الذي يقسم ظهور الطغاة، ويشدد العقوبة على العصاة، وذلك بعد الإنذار والإمهال، والله يغضب في حق خلقه بما لا يغضب في حق نفسه، فينتقم لعباده بما لا ينتقم لنفسه، وإنه إن عرفت أنه كريم رحيم فاعرف أنه منتقم شديد عظيم. واسم الله "المنتقم" لا يطلق على الله إلا مضافًا أو مقيدًا، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [المائدة: 95]، قال العلامة حافظ الحكمي في "معارج القبول" (1/ 147): "واعلم أن من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترنًا بمقابله، فإذا أطلق وحده؛ أوهم نقصًا - تعالى الله عن ذلك-، ومن ذلك "المنتقم"؛ لم يأتِ في القرآن إلا مضافًا إلى "ذو"؛ كقوله: ﴿ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 4]، أو مقيدًا بالمجرمين؛ كقوله: ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22]، والمنتقم هو الذي يعاقب من يشاء، أما الإنسان فلا يستطيع أن يعاقب من يشاء؛ إذ لا يعاقب إلا من هو دونه، ولا يستطيع أن يعاقب نِدًّا أو مساويًا له، وأما أن يعاقب من هو أعلى منه فهذا مستحيل، لكن الله سبحانه وتعالى ينتقم ممن يشاء؛ أي: يعاقب من يشاء، فإذا كنت مع القوي فأنت قوي، مهما يكن عدوك كبيرًا، أو قويًّا أو جبارًا، أو طاغيًا، أو متطاولًا، فالله جل جلاله ينتقم منه ويوقفه عند حده، ويحجزه عن أن يؤذي خلق الله عز وجل، وبهذا المعنى نفهم الانتقام.   معاشر المؤمنين، كثير من الناس يظن أن انتقام الله من الظلمة والطغاة والعصاة لا بُدَّ أن يكون سريعًا بعد ظلمهم مباشرةً، ويمكث يرقب نزول انتقام الله عز وجل العاجل على الظالم، فإذا ما تأخَّرت العقوبة، ولم يرَ بعينه مصارع الظالمين شكَّ ويأس وقنط، وهذا خطأ كله، وعدم فهم لتعامل الله عز وجل مع الظالمين. فالظالم يمر بأربع مراحل- قبل أن يحق عليه القول- لا بد من فهمها جيدًا:   المرحلة الأولى: الإمهال والإملاء، ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [القلم: 45]، وفيها يمهل الله الظالم لعله يتوب أو يرجع عما فعل؛ فالله سبحانه لا يعاجل بالعقوبة والانتقام.   المرحلة الثانية: الاستدراج: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم: 44]، وليس معناه أن تضيق الدنيا عليه، لا، بل تفتح عليه الدنيا وترتفع الدرجة، وتبسط عليه اللذات، ويعطيه الله ما يطلب ويرجو، بل وفوق ما طلب؛ لأن الدرج يدل على الارتفاع، والدرك يدل على النزول.   المرحلة الثالثة: التزيين: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [النمل: 24]، وفيها يموت قلب الظالم فيرى ما يراه حسنًا بل هو الواجب فعله. لم يعد في قلبه حياة ليلومه على ما يفعل.   المرحلة الرابعة: الأخذ والانتقام: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى ﴾ [هود: 102]، وفيها تتنزل العقوبة من الله تعالى على الظالم، وتكون العقوبة شديدة جدًّا بحيث تكون عبرة وعظة للعالمين. وهي قد تكون في الدنيا؛ ليرتدع بها الناس، وينزجر بها من تسول له نفسه سلوك نفس الطريق، وقد يؤخرها الله عز وجل ليوم القيامة؛ حيث العقوبة أشد، والفضيحة أخزى، هذا فرعون كان يملك كل شيء؛ مالًا وجاهًا ومنصبًا وجيوشًا وأتباعًا، وادَّعى لنفسه الألوهية والربوبية وتكبَّر وتجبَّر سنوات وسنوات هو وجنوده، ثم جاء أمر الله، قال تعالى: ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 136]، والتاريخ حافل بتساقط الظالمين وخذلان الله لهم، وانتقامه منهم بعد أن بلغوا غاية القوة والتسلط والجبروت؛ بلغ الفساد والظلم بالبرامكة- وكانوا ولاة في الدولة العباسية ووزراءها- مبلغًا عظيمًا، إلى جانب الإسراف والتبذير، حتى قاموا بطلاء قصورهم بماء الذهب، فإذا أشرقت الشمس في الصباح انتشر الضوء الوهاج في أرجاء المدينة، حتى جاء الخليفة هارون الرشيد وقضى عليهم، ووضع لهم حدًّا، وألقى بهم في السجون، فقال ابن ليحيى البرمكى وزير هارون الرشيد وهم في السجن والقيود في أيديهم وأرجلهم: يا أبتاه، بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال! فقال: يا بني، دعوة مظلوم سرت في جوف الليل غفلنا عنها ولم يغفل عنها الله، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 42- 43].   وهكذا هو انتقام الله عبر التاريخ والأمم، وورد في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته))، وقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - قول الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]، وسبب تأخير انتقام الله من الظلمة والطغاة والعصاة والجبابرة هو تمحيص واختبار المؤمنين، وأيضًا إقامة الحجة والإعذار، وحتى يعلم المسلمون أن سلعة الله غالية ولا تنال إلا بالصبر والمصابرة، ومواجهة الباطل والتصدي للظلم، وعدم السماح لليأس أو الشك أن يتسربا إلى نفوسهم.   أيها المسلمون، ذكر الإمام الذهبي في كتاب الكبائر أن رجلًا مقطوع اليد كان ينادي: من رآني فلا يظلمن أحدًا، فقال له رجل: ما قصتك؟ قال: يا أخي، قصتي عجيبة، وذلك أني كنت من أعوان الظلمة، فرأيت يومًا صيادًا قد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني، فجئت إليه وقلت له: أعطني هذه السمكة، فقال: لا أعطيكها؛ أنا آخذ بثمنها قوتًا لعيالي، فضربته وأخذتها منه قهرًا ومضيت بها، قال: فبينما أنا ماشٍ بها إذا عضت إبهامي عضة قوية وآلمتني ألمًا شديدًا حتى لم أنم من شدة الوجع وورمت يدي، فلما أصبحت أتيت الطبيب وشكوت إليه الألم، فقال: هذه بدوّ أكلة، اقطعها وإلا تلفت يدك كلها، قال: فقطت إبهامي، ثم ضربت يدي فلم أطق النوم ولا القرار من شدة الألم فقطعتها، فقال لي بعض الناس: ما سبب هذا، فذكرت له قصة السمكة، فقال لي: لو كنت رجعت من أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة، فاستحللت منه واسترضيته، لما قطعت يدك، فاذهب الآن وابحث عنه، واطلب منه الصفح والمغفرة قبل أن يصل الألم إلى بدنك، قال: فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته فوقعت على رجليه أقبلهما وأبكي، وقلت: يا سيدي، سألتك بالله إلا ما عفوت عني، فقال لي: ومن أنت؟ فقلت: أنا الذي أخذت منك السمكة غصبًا، وذكرت له ما جرى وأريته يدي، فبكى حين رآها، ثم قال: قد سامحتك لما قد رأيت من هذا البلاء، فقلت: بالله يا سيدي، هل كنت دعوت عليَّ؟ قال: نعم، قلت: اللهم هذا تقوَّى عليَّ بقوَّته عليَّ وضعفي، وأخذ مني ما رزقتني ظلمًا، فأرني فيه قدرتك. إنـــــــه الجبـــــــــــــار المنتقـــــــــم جــــــل جلالـــــه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))؛ (متفق عليه).   لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرًا فالظلم ترجع عقباه إلى الندم تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم   عباد الله، إذا علم العبد أن ربه هو المنتقم من الظلمة والطغاة والعصاة خاف على نفسه من التقصير، أو أن يتصف بهذه الأخلاق والسلوكيات السيئة، فاستراح في نفسه وأراح الناس من حوله، وفاز برضا ربه وجنته، ومن آثار ذلك: يقين العبد بعدل الله وانتقامه، ورفع البغي والظلم ولو بعد حين، ومن ذلك بيان قدرة الله وعظمته وسعة ملكه وسلطانه، فيزيد الخشوع والخضوع والإجلال للمولى سبحانه، ومن آثار ذلك: لجوء العبد إلى الله، وطلب المعونة والنصر والتمكين منه سبحانه؛ هذا لوط عليه السلام بعد أن رأى كفر قومه وعنادهم بعد أن بيَّن لهم ما ينفعهم دون فائدة توجَّه إلى الله بحاله ومقاله، قال تعالى على لسان لوط: ﴿ قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ * وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [الحجر: 71 - 79].   اللهم احفظنا بحفظك لنا على الحق، وثبتنا عليه، وانتقم من الظالمين، وأخرجنا من كيدهم سالمين، هذا وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين   حسان أحمد العماري   شبكة الالوكة
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182503
    • إجمالي المشاركات
      2536092
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93298
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    Hend khaled
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ الحب الحقيقي للنبي ﷺ ليس في إقامة مولدٍ لم يشرعه، وإنما في اتباع سنته، وإحياء ما أحياه، واجتناب ما نهى عنه، قال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه مسلم]

×