اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. ساحة القرآن الكريم العامة

      مواضيع عامة تتعلق بالقرآن الكريم

      المشرفات: **راضية**
      58097
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9073
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      المشرفات: **راضية**
      180663
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 260001
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23503
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8343
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32136
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4165
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25484
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30262
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53101
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21008
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97014
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36840
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31796
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4884
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15482
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29722
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12928
      مشاركات
  9. مملكتكِ الجميلة

    1. 41316
      مشاركات
    2. 33886
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91747
      مشاركات
  10. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32212
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13117
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. 65624
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      المشرفات: خُـزَامَى
      4925
      مشاركات
  11. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  12. IslamWay Sisters

    1. English forums   (38502 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  13. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • سورة لقمان  صوت عذب من المتسابق وليد صلاح  برنامج دولة التلاوة   وقفات مع مصايا لقمان لابنه   كثيرًا ما نقرأ سورة لُقمان، لكن ما أحوجَنا إلى وقفة تأمُّل وتدبر ثم التطبيق العملي لمَا تَحمِله وصايا لُقمان مِن مَناهِجَ تربويَّةٍ وتعليميَّة، وتقويم للسُّلوك؛ نقلها الله لنا في القرآن وسمى السورة باسمه لننتبه إلى ما انتهَجه "الأب" لُقمان مع ابنه؛ لِيَجعل منه رجلاً صالحًا، نافعًا لِمُجتَمعه، بأسلوب تربويٍّ رفيع.
      من هو لقمان؟
      قال ابن كثير -رحمه الله-: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي لُقْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَلْ كَانَ نَبِيًّا، أَوْ عَبْدًا صَالِحًا مِنْ غَيْرِ نُبُوَّةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، الْأَكْثَرُونَ عَلَى الثَّانِي. (1) ولكن الله تعالى وصفه بوصف يحتاجه كلّ مربٍّ في تعامله مع مَن يربيه، فقد وصفه بالحكمة فقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان: 12] والحكمة رزق عظيم يؤتيه الله من يشاء من عباده: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]  
      الوقفة الأولى مع قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ} ويستفاد منها أهمية دور الأسرة  - والأب خاصة -  في تحمل مسؤولية التربية، لأن التربية عبارة عن مجموعة من القيم والأصول والأخلاق التي يكتسبها الأبناء من خلال رؤيتهم ومعايشتهم لآبائهم وأمهاتهم أو ما يغرسه المربون من قيم وأخلاق فيمن يربون. مشى الطاووسُ يوماً باختيال. . . فقلدَ شكل مشيته بنوهُ فقالَ علامَ تختالونَ؟ قالوا:. . . بدأت به ونحن مقلدوهُ فخالف سيركَ المعوجَّ واعدل. . . فإنا إن عدلت معدلوه أما تدري أبانا كلّ فرعٍ. . . يحاكي في الخطى من أدبوه وينشأ ناشئ الفتيان منا. . . على ما كان عوَّده أبوه وما دان الفتى بحِجى، ولكن. . . يعوِّده التديُّنَ أقربوه
      ويؤكد هذا المعنى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)). (2)
      فلقد خلق الله تعالى عباده جميعا على الفطرة السوية ولكن يأتي بعض شياطين الجن والإنس ليغيروا هذه الفطرة وينكسوها كما قال تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [التين: 4 - 6]
      وعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: قال الله تعالى: (( خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا)). (3) لذلك كانت المسؤولية على الأبوين في المحافظة على هذه الفطرة من الطمس والتغيير، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]
      قال عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه-: عَلِّمُوهُمْ، وَأَدِّبُوهُمْ. وقال ابْن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ، ومُروا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ، يُنْجِيكُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ. وقال قَتَادَة -رحمه الله-: يَأْمُرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ اللَّهِ يَأْمُرَهُمْ بِهِ وَيُسَاعِدَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً رَدَعْتَهُمْ عَنْهَا، وَزَجَرْتَهُمْ عَنْهَا. (4) فعلى الآباء أن يستشعروا أهمية هذه التربية المنوطة بهم، وأنه من الإساءة للأبناء والإخلال بالأمانة التي استودعها الله لهم أن يتركوهم بدون تربية وتوجيه لأنهم مسؤولون عنها أمام الله تعالى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا )). (5)
      وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ )). (6)
      وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من تضييع هذه الأمانة وبيَّن عاقبة ذلك، فعن مَعْقِل بْن يَسَارٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )). وفي رواية: (( فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ)). (7)
      الوقفة الثانية مع قوله تعالى{ وَهُوَ يَعِظُهُ  }. سماها الله تعالى موعظة وهي: التذكير بكلام يلين له القلب وينشرح له الصدر فيكون بذلك ادعى لقبول السامع، فلننتبه لذلك؛ فليست التربية توبيخا ولا تقريعا ولا تقنيطا ولا استهزاء، ومن هنا نعلم سبب الفجوة التي توجد بين الكثير من الأبناء وآبائهم؟!
      الوقفة الثالثة مع قوله { يَا بُنَيّ  } إنها كلمة تحمل كل معاني الاستعطاف والحرص والشفقة والرحمة، وهي أيضا تذكيرٌ بالصلة الوثيقة التي تربط بين المتكلم والسامع وهي ( صلة البنوة ) التي هي من أوثق الصلات بين بني الإنسان؛ فهذه الكلمة تكسر كل حواجز وموانع التمرد من قِبَل الأبناء لذلك انتهَجها إبراهيم مع ابنه إسماعيل حين أمره الله بذبحه، قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى } فما كان لهذا الابن البار بأبيه إلا أن يُبادله هذا الحب والاستعطاف، فيقول: { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } [الصافات: 102]. وكذلك نوح  ينتهجها مع ابنه الكافر المعاند، قال تعالى: { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42]
      وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستخدمها مع غلامٍ يخدمه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( يَا بُنَيَّ )). (8)   وكأنه يفخر بها ويتباهى وحُقَّ له ذلك. وها هو لقمان الحكيم يِسلُك نفْسَ المسلك، ويَنتهِج نفْسَ المنهَج؛ منهَج الاستِعطاف لما في ذلك من سرعة استجابة الابن لما يسمع من أبيه. الدرس الأول: التربية  تبدأ بتصحيح الاعتقاد انتهَج لقمان مِنهاج التدرُّج في التَّلقين، وابتدأ بأصول المسائل وأهمِّها ألا وهي العقيدة، والبداية في التربية على العقيدة منهج نبوي أصيل، فهذا نوح عليه السلام يوصي ولده بالتوحيد، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-، قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ: آمُرُكَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ )). (9) وقال تعالى عن إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35]
      وقال الله تعالى عن إمام الحنفاء وهو يوصي أبناءه: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [البقرة: 132] وهذا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم يوصي أبناءه: { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132، 133] لذلك يخرج من صلبه هذا النبي العظيم يوسف عليه السلام شاب ينسى كلَّ مآسي السجن ويدعو إلى التوحيد الذي تربى عليه: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [يوسف: 38، 39]
      ومن ذريته أيضا خاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم- يبدأ ويلقن الغلمان العقيدة الصحيحة، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ: (( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )). (10)
      وقال -صلى الله عليه وسلم-  لِمعاذ بن جبَل وهو شاب صغير: (( يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ ))، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (( فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )). (11)   لماذا التحذير من الشرك؟
      قال تعالى عن لقمان: { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]. لقد وصَف لقمانُ الشِّركَ بالله بأنه ظُلم عَظيم، لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فالمشرك وضع العبادة في غير موضعها وصرفها لغير مستحقها وسوّى بين الخالق المالك المدبر وبين المخلوق الضعيف، لذلك أنكر الله على أهل الشرك قائلا: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [النحل: 17] فهذا أعظم الظلم والطغيان لذلك كان الشرك أعظم الذنوب، كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه-، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: (( أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ)). (12)
      وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الكَبَائِرِ، قَالَ: (( الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ )). (13) وحذره من الشرك أيضا لأن الله تعالى لا يغفره إن مات عليه صاحبه، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } [النساء: 116]. وهو سبب حبوط جميع الأعمال: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] وهو سبب الحرمان من الجنة والخلود في النار {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]   الدرس الثاني: التربية على الإحسان إلى والوالدين وبرهما
       قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } [لقمان: 14].  لقد اقترنَت وحدانيَّة الله تعالى ببرِّ الوالِدَين في القرآن الكريم في أكثر مِن مَوضِع؛ مما يدلُّ على أنَّ هذا الاقتران جاء لِيُنبِّه إلى قدْر الوالدَين ومكانتهما، وإلى أنَّ عُقوقهما هو أكبر جُرم يُقترَف بعد الشِّرك بالله، فجاء التنبيه على برهما والإحسان إليهما في أكثر من موضع منها: قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] وقال تعالى { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36] وقال تعالى { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: 151]
      وخصَّ الله تعالى ذكر الأمِّ في قوله سبحانه {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ. . . } تنبيها لما قاسته من تعب ومشقة في الحمل والولادة والرضاعة والرعاية في الصغر لذلك خصها الشرع أيضا بمزيد من البر والإحسان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (( أُمُّكَ )) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (( ثُمَّ أُمُّكَ )) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (( ثُمَّ أُمُّكَ )) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ((ثُمَّ أَبُوكَ )). (14) وجاء التحذير الصريح من التعرض لهما أو لأحدهما بأدنى نوع من العقوق، قال تعالى { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } [الإسراء: 23]
      وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عقوقهما من أكبر الكبائر كما في حديث أَبِي بَكْرَةَ  -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ )) ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (( الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ. . . )). (15) وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الكَبَائِرِ، قَالَ: (( الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ. . . )). (16)   الدرس الثالث: اختيار الصحبة الصالحة
      قال تعالى: { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } [لقمان: 15]. يَعني: اقتفِ أثر الصالِحين، واقْتدِ بعمل الفالِحين، وسرْ على طريقتِهم، وصاحب مَن سلك طريق التوبة إلى الله. فاختيار الصُّحبَة للأبناء هو اختيار للقِيَم التي نُريد غرْسَها فيهم، وتَحديدٌ للطَّريق الذي نُريد أنْ يَسلكوه؛ لذا فإن مَسؤوليَّة اخْتيار الصُّحبة الصالِحة، وإبعاد الأبناء عن رُفَقاء السُّوء - مُلقاة على كاهِل الآباء. قال الغزالي -رحمه الله-: وَأَصْلُ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ الْحِفْظُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ. (17)
      وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثر الرفيق والصاحب إيجابًا وسلبًا فقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (( إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً )). (18) عَنْ أَيُّوبَ السختياني قَالَ: إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْحَدَثِ – الصغير -  وَالْأَعْجَمِيِّ أَنْ يُوَفِّقَهُمَا اللَّهُ لِعَالِمٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وقال يُوسُف بْن أَسْبَاطٍ: كَانَ أَبِي قَدَرِيًّا، وَأَخْوَالِي رَوَافِضَ، فَأَنْقَذَنِي اللَّهُ بِسُفْيَانَ الثوري. (19)   الدرس الرابع: التربية على المراقبة الذاتية
      قال تعالى عن لقمان: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [لقمان: 16]. إنها وصيَّة ودَرسٌ يَقتضي بموجبه استِحضار مُراقَبة الله لأعمالنا، فكلُّ فعْلٍ وكل تصرُّف، وكلُّ عمَل يأتيه الإنسان، بلْ وكل نجوى، وكلُّ همْس، وكلُّ خائنة عَين إلا وقد عَلِم الله هذا الفِعل، ومَن فعَله، ولِمَ فعَله، ومتَى فعَله، وأين فعَله، وكيف فعَله، ويوم القيامة يُجازيه عليه ويُنبِّئه به، فإنْ كان خَيرًا فخيرًا، وإن كان شرًّا فشرًّا، قال تعالى: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء: 47]. وقال تعالى { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة: 7، 8] ما أجمل أن نغرس في قلوب أبنائنا هذه الوصية الرائعة: إياك أن يراك الله حيث نهاك وأن يفقدك حيث أمرك.
      عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ )). (20) وقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [يونس: 61]   الدرْس الخامِس: الوصية بالواجبات
      ومنها المحافظة على  الصلاة، قال تعالى عن لقمان: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [لقمان: 17]. الدَّعوة لإقامة الصَّلاة والحِفاظ عليها بأركانها وأوقاتها وآدابها وخُشوعِها؛ فهي تَنهى عن الفَحشاء والمُنكَر، وتروض النفْس، وتُهذِّب الرُّوح، وتَمنعُها مِن إتيان المُنكَرات، وتَحضُّها على فعْل الخَيرات، وهي صلة بين العبد وربِّه، مَن حافظَ عليها كان الله حافِظًا له، ومَن أهملَها وضيعها تَعِس وشَقِي في حيَاته وآخرته إلا أن يتوب إلى الله تعالى. قال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين تبعا له{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] وأثنى الله على نبيه إسماعيل عليه السلام: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55] وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)). (21) قال البيهقي -رحمه الله- في السنن الكبرى: باب ما على الآباء والأمهات من تعليم الصبيان أمر الطهارة والصلاة. (22) - ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  قال تعالى عن لقمان: { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ }.
      ثم يَدعو لقمان ابنه أن يأمُر بالمعروف ويَنهى عن المُنكَر، وهو انتِقال إلى دعوة الناس وإصلاح حالهم، وأمْرِهم بالمعروف ونهْيِهم عن المُنكَر، والتزوُّد قبل ذلك كله للمَعركة مع الشرِّ بالزَّاد الأصيل، زادِ العبادة لله والتوجُّه إليه بالصَّلاة. - إن امتلاك روح المبادرة البناءة، والشجاعة الأدبية، وصف نادر في صفوف ناشئتنا، لأسباب متعددة، لعل من أهمها عدم الدربة، والخوف من التبكيت وإهمال التربية على ذلك فلا ينبغي أن نقلل من شأن أبنائنا في الجانب الدعوي بما يتناسب مع حالهم فبأمثالهم غيَّر الله حال أمم ولنعتبر بغلام الأخدود.   الدرس  السادس: الوصية بالأخلاق الحميدة والتحذير من ضدها
      - ومن ذلك  الصبر: قال تعالى عن لقمان { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } علم لقمان أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر.(23) والصبر من أمهات الأخلاق الإنسانية، ومن أجلِّ الأخلاق الإسلامية، وأعظمها أجراً، وأحمدها عاقبة في الدنيا والآخرة، ولهذا فهو أصل تفرعت عنه كثير من الأخلاق الفاضلة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (( وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ )). (24)
      - ومن ذلك  التنفير من الكبر وازدراء الناس:  قال تعالى عن لقمان: { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ }. أي لا تُعرض بوجهك عن الناس إذا كلَّمتهم أو كلموك، احتقارا منك لهم، واستكبارا عليهم ولكن ألن جانبك، وابسط وجهك إليهم. (25) كما في حديث أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (( لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ )). (26)
      - ومن ذلك ذم الخيلاء والفخر: قال تعالى عن لقمان { وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }. أي: بطرا، فخرا بالنعم، ناسيا المنعم، معجبا بنفسك، فإن تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}. أي: مختال معجب في نفسه، فخور: أي على غيره، وقال تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} [الْإِسْرَاءِ: 37]. (27) ومِن علامات التكبُّر المشْي في الأرض مرَحًا وخُيَلاء وعجبًا بالنفْس، وهذا مرَضٌّ نفسِيٌّ يصيب الكثيرَ مِن الناس ويكون سببا في هلاكهم، فما سبب خسْفِ الله بقارون داره إلا هذا التكبُّر في الأفعال؛ { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ }.  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ، يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )). (28)
      - ومن ذلك الأمر  بالوقار والسمت الحسن قال تعالى عن لقمان{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ }. أَيِ: امْشِ مَشْيًا مُقْتَصِدًا لَيْسَ بِالْبَطِيءِ الْمُتَثَبِّطِ، وَلَا بِالسَّرِيعِ الْمُفْرِطِ، بَلْ عَدْلًا وَسَطًا بَيْنَ بَيْنَ. (29) فبدَل أنْ يَمشي الإنسان مُختالاً مُتكبِّرًا، وفي مِشيَته تَبختُر وتَعجرُف، وجَب عليه أن يَمشي مُقتصِدًا مُتواضِعًا، لا بطيئًا مُتبختِرًا، ولا سريعًا مُتجبِّرًا.
      - ومن ذلك الأمر باعتدال المنطق  وأدب الحديث إن الأعم الأغلب أن الشاب ينزع إلى رفع الصوت، والتشدق بالكلام، والتفاصح، كما هو جلي لدى المراهقين، الذين يجدون في ذلك تعبيراً عن القوة والسطوة الكاذبة، فكان بحاجة إلى الوصية بالغض من الصوت: { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }.  قال ابن كثير -رحمه الله-: أَيْ: لَا تُبَالِغْ فِي الْكَلَامِ، وَلَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ، أَيْ: غَايَةُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ أَنَّهُ يُشَبه بِالْحَمِيرِ فِي عُلُوِّهِ وَرَفْعِهِ، وَمَعَ هَذَا هُوَ بَغِيضٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا التَّشْبِيهُ فِي هَذَا بِالْحَمِيرِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَذَمَّهُ غَايَةَ الذَّمِّ. (30) قال السعدي -رحمه الله-: فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار، الذي قد عُلمتْ خسته وبلادته. (31)
      ---

        (1) تفسير ابن كثير (6/ 333) (2) رواه البخاري (1385) ومسلم (22) (3) رواه مسلم (2865) (4) راجع تفسير الطبري (23/ 103) وتفسير ابن كثير (8/ 167) (5) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) (6) رواه النسائي (9129) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 365) (7) رواه البخاري (7150) ومسلم (142) واللفظ له (8) رواه مسلم (2151) (9) رواه أحمد (2/ 170) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 259) (10) رواه أحمد (2763)، والترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1318) (11) رواه البخاري (2856) ومسلم (30) (12) رواه البخاري (4477) ومسلم (86) (13) رواه البخاري (2653) ومسلم (88)   (14) رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) (15) رواه البخاري (2654) ومسلم (87) (16) رواه البخاري (2653) ومسلم (88) (17) موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين (ص: 184) (18) رواه البخاري (5534) ومسلم (2628) من حديث أبي موسى  -رضي الله عنه-. (19) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 66) وما بعدها (20) رواه الترمذي (1987) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 81) (21) رواه أبو داود (495) والبزار (9823) وغيرهما من حديث أبي هريرة وابن عمرو وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1022) (22) ثم ساق بسنده الحديث المتقدم. السنن الكبرى للبيهقي (3/ 83) (23) تفسير ابن كثير (6/ 338) (24) رواه البخاري (1469) ومسلم (1053) (25) تفسير ابن كثير(6/ 338) (26) رواه مسلم (2626) (27) تفسير ابن كثير(6/ 339) وتفسير السعدي (ص: 649)   (28) رواه البخاري (5789) ومسلم (2088) (29) تفسير ابن كثير(6/ 339) (30) تفسير ابن كثير (6/ 339) (31) تفسير السعدي (ص: 649)
      زاد الواعظين  
    • وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم  -القارئ رعد الكردي-    
      1- ألقِيَ موسى في التابوت خوفاً أن يقتله فرعون ...وحملته أمواج النهر إلى قصر فرعون ليعيش في حمايته وأكنافه .

      2- لم يدّخر فرعون وسعه في الحفاظ على ملكه ،فبدأ يقتل الأطفال تحسباً لكل طارئ ، وظن أنه قضى على غريمه أو كاد ، ولم يكن يدري أن قضاء الله يكمن في قصره.

      3- قد يأتي الأمان من قلب الخوف : { وأوحينا إلى أم موسى أنْ أرضعيه فإذا خفت عليه ... إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين } ... وعْدٌ بعودته إلى أمه آمناً ، ووعْدٌ لها أن يكون رسولاً ، فعرفت أن لابنها شأناً عظيماً في النبوّة ، فلا بدّ إذاً أن يحفظه الله ليكبر ويصبح نبياً رسولاً .

      4- لا ريب أن أم موسى أخبرتْ ابنها أن الله اوحى إليها أنه سيكون نبياً رسولاً . وربّته على الإيمان والتوحيد. ليكمل المهمّة حين يستوي عوده.

      5- أمرها الله تعالى أن ترضعه قبل إلقائه في اليمّ ليتعرف عليها من بينِ عشرات المرضعات ، فكان للرضعة الاولى بصمة اللقاء المرتقب.

      6- لا بأس من الخوف فهو سمة إنسانية ،على أن لا يشل التفكير ولا الحركة ، وهذا لا يتأتّى إلا بتقوية الإيمان وتثبيته في القلب. { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إنْ كادت لتبدي به لولا ان ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين }.

      7- متابعة الأمر وقوة الإيمان والرضا بالقدر يوصل للهدف : { وقالت لأخته قُصّيه } فلا ينبغي التهاون في العمل. فعلى الرغم ان الله تعالى وعدها بإعادته إليها أمرتْ أخته أن تتابع مسيره في الماء والمكان الذي قد يقف عنده

      8- حسنُ التصرف والذكاءُ وسرعة البديهة مطلوبان فيمن يوكل بمهمة ما،فقد تدخّلت الأخت في الوقت المناسب للدلالة على أمها مرضعةً مباركة مع التعليل الذكي المُرضي والمقنع { ... وهم له ناصحون } في الوقت الذي احتارت فيه زوجة فرعون في تأمين المرضع المناسبة.

      9- وعدُ الله حق لا مراء فيه ، هذا عند صاحب القلب المؤمن الذي يعلم أن ما قدّره الله كائن، فيرتاح إلى قضاء الله وتخطيطه { ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون } وسبب الجهل بهذه الحقيقة بعدُ الناس عن الله .

      10- في قصة يوسف عليه السلام نقرأ قوله تعالى : { ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً } وفي قصة موسى نجد كلمة { استوى } بعد كلمة { أشُدّه } للدلالة أن يوسف نال النبوّة فتى،
      أما موسى فقد نالها شاباً بعد أن استوى ونضج. وقد وصف الله النبيين كليهما بصفة الإحسان. فما ينال الخير الصراحَ إلا من وصل في إيمانه درجة المحسن.  
      11- ما دخل موسى المدينة على حين غفلة من أهلها إلا لأنه كان مطروداً من قصر فرعون حين رفض عبادته وأعلن عبوديته لله ، وتابعه رجال الأمن خوف أن يلتقي بالناس فيُؤثر في أفكارهم واعتقادهم. وهذا دأب الطغاة في كل زمان ومكان.

      12- والداعية المؤمن يغتنم الفرص لإيصال الخير إلى الناس كلما سنحت له الفرصة ، ولا ننسى أن زكريا عليه السلام حين حملت زوجته فخفَتَ صوته ثلاثة أيام كان يدعو الناس إلى التسبيح والذكر بالإشارة إذ كان صوته حبيساً .

      13- مساعدة الضعفاء وإغاثة اللهفان واجب الجميع وخاصة القوي المتمكن حين يقع الظلم عليهم ، ولكن بطريقة واعية مدروسة لا تترك أثراً سلبياً على أيٍّ من الطرفين المتنازعين.

      14- الفيئُ إلى الحق والاعتراف بالخطأ فضيلة المسلم الذي إن زلّ عاد إلى الصواب واستغفر الله وأصلح زلته ، فلما وكز موسى القبطي قتله دون ان يقصد ذلك فاستغفر ربه مقراً بخطئه ،وعلم الله تعالى فيه الندم الصادق فغفر له.

      15- إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق ، يهيّجه ويدعوه لكل مساءة ، فإذا زل أحدنا أو أخطأ ذكر الله وتاب وأناب، وعاهد الله أن لا يعود لزلته واجتهد في ذلك ، فإن عاد لضعفه واجترح خطيئة كان الاستغفار ديدنه والندمُ رفيقه والإقلاعُ عن الذنب هدفَه.

      16- لم يكن موسى إذ ذاك نبياً ، فكيف عرف أن الله تعالى غفر له؟ { فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } فالجواب أنه كان من " المُحَدَّثين" تحدثه الملائكة ، وكان هذا الأمر شائعاً في الصالحين من الأمم قبلنا ، وليس في المسلمين " مُحدّثٌ" . أكده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي روته عائشة رضي الله عنها : ( قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم أناس محدثون فإن يك في أمتي أحد منهم فهو عمر بن الخطاب ) المصدر: صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم:4377

      17- يستعطف القبطي الثاني – على ظلمه - موسى حين رأى قوته وعلم أنه قتل قبطياً بالأمس، ويصف موسى بالجبروت والبعد عن الإصلاح ، وتناسى أنه ألجأ موسى إلى مساعدة اليهودي لأن القبطي يصر على استخدامه دون وجه حق.وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يصور الإنسان راغباً بمصلحته دون مصالح الآخرين ، ويرى عيوبهم دون عيبه فيقول : ( يرى أحدكم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه )

      18- المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره ، فهذا الرجل الصالح من الأقباط ومن آل بيت فرعون يرى قومه يأتمرون لقتل موسى فينطلق إليه مسرعاً يحذره ، ويطلب إليه أن ينجوَ بنفسه، ولو استطاع أن يدافع عنه لفعل ، ويفعل المرء ما يقدر عليه ويُحسنه.

      19- اللجوء إلى الله تعالى دأب المسلم ووسيلته في النجاة ، كما أنه يتخذ قراره السليم المناسب إما المواجهة وإما المداراة وإما التواري حتى حين ، فلا يجوز وهو في موقف ضعيف أن يستأسر ويتهاون ، ينطلق موسى بعيداً عن سلطان الظالم إلى مدينة آمنة إلى أن ييسر له الله تعالى عودة آمنة ونصراً مؤزراً.

      20- يصل موسى إلى المأمن القريب – مدين- جائعاً متعباً فريداً فارق الأهل والوطن ، يسأل الله التوفيق والهداية ، ولن يُضيّعه الله ، لأنه العبد الملتزم والمسلم المطيع، ولعل الله يُسخٍّر له أمراً يعبر منه إلى بر الأمان، وشاطئ السلامة.   21- المروءة التي يتحلى بها المرء باب إلى كل خير، وسلّمٌ إلى المجد .والمسلم - وهو في حالة التعب والإرهاق والجوع- يأبى التغاضي عن سلبية تخدش مروءته ، ولئن رأى موسى بعض الرعاة يستأثرون بالماء دون امرأتين شريفتين ضعيفتين تذودان أغنامهما إنه ليبذل جهده في خدمتهما دون أن تطلبا مساعدته ، ولن تفعلا ، فهو غريب ، وقد يكون أنانياً على شاكلة الرعاة. هكذا ظنتا ، ولعلهما لم ترياه ابتداءً.

      22- يسألهما بأدب عن حالهما فتجيبانه باختصار غير مُخِلٍّ : { لا نسقي حتى يُصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير } فليس لهما إخوة ذكور يرعون الماشية، وأبوهما كبير ضعيف ، ولا قدرة له على استئجار الرعاة ، فلا بد أن تقوما بالعمل، والشريفة تتحمل التأخر حتى المساء ، والعمل بجهد مُضنٍ على ان تفتح باباً ينفذ منه أولو النفوس المريضة.

      23- يسقي لهما دون أن يكلمهما ، ويأوي إلى ظل شجرة ،يستريح تحتها من وعثاء السفر، وتعودان مبكرتين - أو قل - في وقت مريح على غير الزمن الذي اعتاد أبوهما أن يراهما عائدتين فيه ويلجأ الشاب المؤمن إلى ربه يستغيثه: { ربِّ إني لما أنزلت إليّ من خير فقير } ،ولا ملجأ إلى إلى الله في كل آن.

      24- ويأتيه المدد ، ويلوح له الفرج ،فقد أخذ بالسبب إذ سقى للمرأتين ، وحين أخبرتا أباهما بما رأتا من حاله علم أنه غريب فأرسل إحدى ابنتيه إليه يستزيره، ولعله يستخدمه في رعي الماشية فتستريح ابنتاه، فالمرأة للبيت والرجل للسعي والعمل خارج البيت.

      25- حياء الفتاة واضح في مشيتها نحوه، وليست هي الداعية إنما هو أبوها الذي أراد أن يجزيه أجر ما سقى لهما، وحريٌّ به أن يجيب دعوة الرجل.. ويكون بينهما حديث مستفيض ليس فيه سرٌّ يخفيه :
      { قصَّ عليه القصص } والقَصص بفتح الصاد ( القصة من أولها إلى آخرها)، فقد رأى موسى في الرجل سمات النبل والأخلاق وحسن الضيافة . والمصارحةُ سبيل الثقة والأمان، فنسمع كلمتين خفيفتين في اللفظ مليئتي المعنى { لا تخف نجوتَ من القوم الظالمين }.   26- التقيا قلباً وحاجة ، فجمعهما الإيمان بالله والأخوّة فيه ، وحاجة موسى للاستقرار والزواج والعمل، وحاجة الرجل الكبير لشاب أمين قوي يعتمد عليه في تحمل مسؤولية العمل ، ورأى كل منهما في الآخر مبتغاه .

      27- يختار الرجل لابنته الزوج الصالح كما يختار لولده الزوجة الصالحة سواء بسواء، فهو حريص على سعادة ابنته، ويرتاحُ أنْ يصطفي لها من يضمها إليه بحب وحنان ورجولة . والعاقل من يختار ذا الخلق والدين ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلُقه فزوجوه ....) ويتزوج موسى إحدى ابنتيه فيكون واحداً من أسرته.

      28- أما المهر الذي دفعه موسى على مدى ثمانية أعوام – وإن جعلها موسى عشرة - فالعملُ في خدمة الأسرة الكبيرة { إني أريد ان أُنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حِجج } كان الرجل يود أن يكون المهر عشر سنوات لكنّه طلب ثمانية لأنه يعلم أن حب الوطن كبير ، وأن المرء حين يُمكن له العودة إلى وطنه ثم يجد عائقاً يتألم ، وقد يضعف عمله تبعاً لحالته النفسية { فإن أتممتَ عشراً فمن عندك } فلِمَ كان هذا التخيير؟

      29- حين يهرب الجاني خارج سيطرة الحاكم – في قانون فرعون – ثماني سنوات يسقط الحكم عليه بسبب التقادم فإن عاد فهو حرٌّ، والشيخ حريص على أن يعود موسى إلى وطنه وأهله في الوقت المناسب ، فالغربة قاتلة ، والغريب سجين في غربته وإن كان حراً . لكنّ موسى أكمل السنوات العشر ، وهكذا الانبياء والدعاة ، يحبون الكمال.

      30- فماذا تقول في فراعين العصر الذين يبطشون ويقتلون ويدمرون، ولا تعرف الرحمة سبيلاً إلى قلوبهم السوداء المربدة؟ يحكمون على المسلم بالظن ، ويطاردونه عشرات السنين في كل أصقاع العالم، ويضيقون عليه في الحركة والرزق والاتصال، ويؤذونه في أهله وأقاربه وماله؟!

      صيد الفوائد  
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182660
    • إجمالي المشاركات
      2536554
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93296
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    Hend khaled
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

< إنّ من أجمل ما تُهدى إليه القلوب في زمن الفتن أن تُذكَّر بالله، وأن تُعادَ إلى أصلها الطاهر الذي خُلِقت لأجله. فالروح لا تستقيم بالغفلة، ولا تسعد بالبعد، ولا تُشفى إلا بالقرب من الله؛ قريبٌ يُجيب، ويعلم، ويرى، ويرحم

×