اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57875
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180599
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8285
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30261
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53050
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40675
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97011
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31798
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41315
      مشاركات
    2. 33888
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91747
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32203
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34855
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37657 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • إقراض المال هل يسقط زكاته؟

      السؤال

      أخي لديه أموال أقرضها لأصحابه، ولا يعلم متى سيسددونها، فهل على تلك الأموال زكاة؟ جزاكم الله خيرًا.

      الإجابــة

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

      فإقراض المال لا يسقط زكاته عن مالكه، قال صاحب إعانة الطالبين، وهو من كتب الشافعية: فالزكاة في المال الذي أقرضه، واجبة عليه؛ لأن ملكه لم يزل بالقرض رأسًا؛ لأنه بقي بدله في ذمة المقترض. اهـ.

      وإذا كانت هذه القروض التي ذكرت على شخص مليء، مقرّ بها، وليس معسرًا، ولا منكرًا، فعلى أخيك أن يزكّيها؛ لأنها كالأمانة بيد من هي عليه، يزكّيها إذا توفرت فيها باقي شروط وجوب الزكاة، فيخرج الزكاة عنه كل سنة؛ لأنه دَين مرجو الأداء، وهو قادر على أخذه، فهو في حكم المال الذي بيده، وهذا مذهب الشافعية.

      وعند الحنابلة تزكيه إذا قبضته عن كل السنين، ولا تطالب بزكاته قبل قبضه، جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الدّين الحالّ قسمان: دين حالّ مرجوّ الأداء، ودين حالّ غير مرجوّ الأداء:

      فالدّين الحالّ المرجوّ الأداء: هو ما كان على مقرٍّ به، باذلٍ له، وفيه أقوال: فمذهب الحنفيّة، والحنابلة، وهو قول الثّوريّ: أنّ زكاته تجب على صاحبه كلّ عامٍ؛ لأنّه مال مملوك له، إلاّ أنّه لا يجب عليه إخراج الزّكاة منه، ما لم يقبضه، فإذا قبضه، زكّاه لكلّ ما مضى من السّنين. اهـ.

      والله أعلم.

      اسلام ويب  
    • 1- مقدمة. 2- مظاهر اسم الله تعالى العدل. 3- حظ المؤمن من هذا الاسم. 4- ثمرات إقامة العدل.   الهدف من الخطبة: التذكير بهذه الآثار الإيمانية العظيمة المترتبة على مطالعة اسم الله تعالى العدل، وبيان حظ المؤمن من هذا الاسم، وصور ومجالات العدل في حياة المسلم.   مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ: أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، اسمٌ من أسماء الله الحسنى، وصفةٌ من صفات الله العُلى، أمرنا اللهُ تعالى أن نتَّصِفَ بها؛ إنها: [صفةُ العــدل].   العــدلُ: من أوصاف الله الحسنى وصفاته التي وصف بها نفسه؛ فقد ثبت أنه قد وصف نفسَهُ سبحانه وتعالى بالعــدل؛ كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه، في شأن الذي اعترض على قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِل اللَّهُ وَرَسُولُهُ)).   وثبت أنه وصف كلامه بالعدل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الأنعام: 115]، قال ابن القيم رحمه الله: "والعدْلُ من أوصافهِ في فعلهِ ومقالِهِ والحكم في الميزانِ". قال السعدي رحمه الله: "الحكم العدل: الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه، فلا يظلم مثقال ذرة".   والعدل: هو وَضْعُ الشَّيء في موضعه الذي أمَر الله تعالى أن يُوضع. وقالوا: استعمالُ الأمورِ في مَواضعِها، وأوقاتِها، ووُجوهِها، ومَقاديرِها، مِن غيرِ سَرَفٍ، ولا تقْصيرٍ، ولا تقْديمٍ، ولا تأخيرٍ.   الوقفة الثانية: مظاهر اسم الله تعالى العدل: 1- فإن العدلَ: هو مِيزانُ اللهِ تعالى في الأرضِ، به يُؤخَذُ للمظلومِ مِن الظَّالمِ؛ ولذا أمر الله تعالى به؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].   2- وأرسل الله تعالى رسله وأنزل معهم ميزان العدل؛ ليقوم الناس بالقسط، وما ذلك إلا لأهميته؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25].   3- وهو عدل في خلقه سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 - 8]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].   فقد جعل كلَّ عضوٍ من أعضاء البدن في مكانه المناسب الذي يؤدي به وظيفته على خير ما يكون؛ ليس عضوٌ أكبرَ من الآخر؛ فمكان كل عضو مناسب للجسم، وفي موقع متوسط، وهكذا لو تمعَّنت في نفسك، وفي مخلوقات الله تعالى.   4- وهو عدل في تشريعه سبحانه وتعالى: • أمرك أن تُصلي خمس مرات فقط؛ فلو كانت خمسين صلاة؛ لما أطقنا ذلك فالأمر معتدل!   • ولو أمرك أن تصوم ستة أشهر، لكان هذا شيئًا فوق طاقة البشر!   • ولا زكاة على من لا يملك نصابًا، وجعل الزكاة ربع العشر فقط، فالشريعة كلها عدل!   • ولا حجَّ على من لا يستطيعه ماديًّا أو صحيًّا، وجعله على المستطيع في العمر مرة واحدة؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].   5- ومن مظاهر عدل الله تعالى: العدل عند حساب الناس يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 112]؛ قال السعدي رحمه الله: "الحكم العدل: الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه؛ فلا يظلم مثقال ذرة".   6- ومن تمام عدل الله تعالى: ألا يعذب قومًا حتى يقيم عليهم الحجة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [القصص: 59]، ولا يعذبهم ومنهم مصلحون: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]، ولا يعذبهم وهم يعتذرون ويستغفرون: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].   7- ومن تمام عدل الله تعالى: أن الله تعالى لا يؤاخِذُ أحدًا بجريرة غيره ولا يُحمِّلُ أحدًا وزرَ غيره؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ [النجم: 38 - 41]، وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164].   وهذا من تمام عدله سبحانه تعالى؛ قال تعالى: ﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15].   8- ومن تمام عدل الله تعالى: أنَّ حقوقَ النَّاسِ لا يعفو عنها اللهُ إلا أن يعفوَ عنها صاحبُها، وهذا من تمام كمال عدله سبحانه وتعالى، فإن المظالم بين الناس لا يكفرُها لا صلاةٌ ولا صومٌ ولاحجٌّ ولا قراءةُ قرآنٍ ولا استغفارٌ؛ إلَّا إذا تحلَّل منها قبل في الدنيا؛ ولذلك جاء الإرشاد النبوي بالتحلُّل من المظالم قبل الممات، وقبل ألا يكون درهمٌ ولا دينار! كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كَانَتْ عِندَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أو مِنْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليومَ قَبْلَ أَلَّا يَكُونَ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ؛ إِنْ كَانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِن لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)).   ما هو حظ المؤمن من هذا الاسم؟ كيف نتعبد لله بهذا الاسم؟   أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فقد ذكر العلماء في كيفية التعبُّد لله تعالى بأسمائه وصفاته: أن يعامل كل اسم بمقتضاه وذلك بالاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به؛ وفي بيان ذلك يقول ابن بطال رحمه الله: "طريق العمل بها أنَّ الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم، فإن الله يحب أن يرى حالها على عبده؛ فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها".   فيُمرِّن العبدُ نفسه على التخلُّق والاتصاف بهذا الخلق العظيم، والخلق المهم من أخلاق الإسلام، فهو واجب على كل مسلم؛ لأن نقيضة كبيرة وموبقة؛ (الظلم، الحيف، الجور).   وقد يظنُّ البعضُ أن العدلَ واجبٌ على الحاكم أو القاضي؛ بل إن كلَّ مسلمٍ يجبُ عليه أن يقيمَ العدلَ في أقواله وأفعاله، وفي تعاملاته مع الآخرين؛ فما هي صور ومجالات العدل في حياتنا؟   1- العدل في الأقوال؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152] أنك دائمًا تقول الحق.   2- العدل في الشهادات؛ قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135]؛ ولذلك كانت العدالة من شروط الشاهد؛ لأن هناك من القضايا لا يفصل فيها القاضي إلا بشهادة الشهود؛ فلو كان الشاهدُ ليس عدلًا سيترتب على ذلك ضياع حقوق الناس! وتأمَّل لخطورة الشهادة: لو شهد أربعةُ رجالٍ على رجلٍ وامرأةٍ بالزنا؛ يُقام عليهما حد الزنا؛ لأن الفقهاء يقولون: من وسائل إثبات جريمة الزنا: البينة؛ (وهي الشهود) بشروط ذكرها الفقهاء.   وهناك أحكامٌ فقهيةٌ كثيرةٌ في الحدود والجنايات، والنكاح والطلاق والرضاع، والبيوع وسائر المعاملات تتوقف أحكامها على شهادة الشهود؛ ولذلك اشتُرطت العدالة، وجاء الترهيب الشديد من شهادة الزور.   3- العَدلُ والقِسطُ فِي الكَيْلِ والمِيزَانِ؛ قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ﴾ [الأنعام: 152]، وقال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 9].   4- العَدلُ بين المُتَخَاصِمينِ، وفِي الحُكْمِ بين النَّاسِ؛ سواء كان قاضيًا، أو صاحب منصب، أو كان مصلحًا بين الناس، وذلك بإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].   قال الفقهاء في آداب القضاء: أنه يجب على القاضي أو الحاكم الشرعي العدل بين المتخاصمين حتى في قسمات الوجه؛ فلا يبتسم في وجه هذا، ويتجهَّم في وجه ذاك؛ فقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: "واس بين الناس في وجهك، ومجلسك، وعدلك؛ حتى لا ييئس الضعيفُ من عدلك، ولا يطمع الشريفُ في حيفك".   ويحرم على القاضي: أن يُسارَّ أحدَ الخَصْمين، أو يحابي أحدَهما، أو يلقنه حجته، أو يعلمه كيف يدَّعي.   ويحرم على القاضي: قبول الهدايا من الخَصْمين أو من أحدهما.   ويحرم على القاضي: أن يقضي وهو غضبان غضبًا شديدًا؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يقضي حاكم بين اثنين وهو غضبان)) هذا كله من أجل إقامة العدل بين الناس.   5- العدلُ مع الأولاد فِي العَطِيَّةِ؛ ففي صحيح مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: ((أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟))، قَالَ: لا. قَالَ: ((فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي))، ثُمَّ قَالَ: ((أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟))، قَالَ: بَلَى، قَالَ: ((فَلا إِذًا))، وفي رواية قال: ((اتَّقوا اللهَ واعدِلوا في أولادِكم))، وفي لفظٍ: ((فلا تُشهِدْني إذَن؛ فإنِّي لا أشهَدُ على جَوْرٍ)).   بل إن العدل بين الأولاد مطلوب حتى في التقبيل ذكورًا وإناثًا؛ فعن أنس رضي الله عنه، قال: كان رجلٌ جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه ابنٌ له فأخذه فقبَّله، ثم أجلسه في حجره، وجاءت ابنة له، فأخذها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا عدلت بينهما))؛ يعني في تقبيلهما [رواه البزار، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة].   6- العدل بين الزوجات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3]، ويكون العدل بين الزَّوجات: في المسكن، والمأكل، والملبس، والمبيت، بل في كل شيء ظاهر يمكنه العدل فيه.   فمن كان له امرأتان فمال إلى إحدَاهُما؛ يأتي يوم القيامة وشقه مائل؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ))؛ [رواه أحمد، وأصحاب السنن] وفي رواية الدارمي: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ)).   أما إذا كان له ميلٌ قلبيٌّ فقط إلى إحداهن، فهذا لا يدخل في عدم العدل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 129].   وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهنَّ خرج سهمُها؛ خرجت معه، وكان يُقسِمُ لكل امرأةٍ منهن يومها وليلتها.   وعلى ذلك كان حال السَّلف في العدل بين الزوجات؛ عن مجاهد رحمه الله قال: "كانوا يستحبُّون أن يَعدلوا بين النساء، حتى في الطِّيب؛ يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه"، وكان محمد بن سيرين رحمه الله يقول فيمن له امرأتان: "يُكره أن يتوضَّأ في بيت إحداهما دون الأخرى".   7- العدل والإنصاف مع الأعداء والمخالفين، ومع غيرِ المسلمينَ، وهذا من رقي تعاليم الإسلام؛ كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].   وتأمل: لما دلَّ الشيطان أبا هريرة رضي الله عنه إلى آية الكرسي؛ لتكون له حرزًا من الشيطان، وذلك مقابل فكِّه من الأَسْر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدقك وهو كذوب))؛ [رواه البخاري]، فليس هناك أكذب من الشيطان، ومع ذلك، قبل منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كلامه هذا، وأخبر أنه صادقٌ فيه.   8- العدل في قسمة المواريث؛ فهو وصية الله تعالى لعباده؛ كما قال تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11]؛ وتأمل في ختام آيات المواريث؛ حيث إنها خُتمت جميعًا بالوصية، وبصفة العلم؛ قال تعالى: ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11].   ولأهمية العدل في قسمة المواريث، فإن الله تعالى هُوَ الَّذِي تَوَلَّى قِسْمَتها بِنَفْسِهِ في كتابه مبينةً مفصلةً، وَلَمْ يَتْرُكْهُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، (مهما كان عنده من الشهادات العلمية، أو كان ماهرًا في الحسابات) حتى لا يكون فيها مجال للآراء والأهواء، وسوَّاها بين الورثة على مقتضى العدل، والمصلحة، والمنفعة التي يعلمها؛ ولذلك تُسمى: الفرائض؛ لأن الله تعالى فرضها على عباده، وألزمهم بالحكم بها.   9- العدل حتى بين أعضاء الإنسان؛ فقد جاء النهيُ أن يمشيَ الرجلُ بنعل واحدة؛ فعنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لا يَمْشِ أحدُكُم فِي نَعْلٍ واحِدَةٍ، لِيَنْعَلْهُما جمِيعًا أوْ لِيَخْلَعْهُمَا جمِيعًا))، وفي روايةٍ: ((أوْ لِيُحْفِهِما جَمِيعًا))؛ [متفقٌ عليْهِ]، وعنه رضي الله عنه قَال: سمِعتُ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أحدِكُمْ فَلا يَمْشِ في الأُخْرى حتَّى يُصْلِحَهَا))؛ [رواهُ مسلم].   الوقفة الأخيرة: ثمرات إقامة العدل: 1- المساواة بين الناس وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه؛ وذلك بالعدل في تطبيق أحكام الشريعة على الجميع؛ ففي الحديث الصحيح: "أنَّ امرأةً مخزوميَّةً شريفةً سرَقَتْ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه أن يَشفَعَ فيها، فغَضِب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((أتشفَعُ في حدٍّ من حدود الله! إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الغنيُّ تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيعُ أقاموا عليه الحدَّ، وايمُ اللهِ لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقت، لقطعت يدها))؛ [رواه البخاري].   2- إشاعة الأمن في المجتمع؛ كما في قصة رسول كسرى إلى عمر رضي الله عنه، فوجده نائمًا على الرمل في أطراف المدينة، ويتوسَّدُ (الدِّرَّةَ)؛ فقال مقالته الشهيرة: "حكمت، فعدلت، فأمِنتَ، فنِمتَ يا عمر".   3- ومَن قام بالعدْلِ نال محبَّةَ اللهِ تعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9].   4- والعدل بين الناس من أنواع الصدقات؛ كما في الحديث الصحيح: ((كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، قالَ: تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها، أوْ تَرْفَعُ له عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، قالَ: والْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ))؛ [متفق عليه]، والعَدْلُ بيْنَ الاثنَيْنِ إما صُلْحًا أو حُكمًا.   5- المقسطون العادلون يكرمون يوم القيامة؛ فهم في ظل العرش؛ كما في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عزَّ وجلَّ، وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما وَلوا)).   نسأل الله العظيم أن يرزقنا العدلَ في أحكامنا، وفي قِسْمَتِنا، وجميع أعمالنا. رمضان صالح العجرمي   شبكة الألوكة  
    • تربية الأبناء مسؤوليةٌ عظيمة وشرفٌ كبير، جعلها الإسلام أمانةً في أعناق الوالدين، وخاصة الآباء؛ حيث تُعَد الأُسرة اللبِنةَ الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح البيت، صلح المجتمع، والعكس بالعكس.       وقد وصَّى الإسلام بالاهتمام بتربية الأبناء، ووضَّح أهمية دور الآباء في تربية الأبناء؛ فقال الله تعالى في سورة لقمان: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، دعوة صريحة لتعليم الأبناء التوحيدَ والابتعاد عن الشرك، وهذا هو أهم دور من أدوار الآباء تجاه الأبناء.       وقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]؛ قال الإمام الطبري: "أي: علِّموهم وأدِّبوهم"الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن.       أولًا: مسؤولية الأب في التربية:   يتحمل الأب الدورَ الأكبر في التوجيه، والرعاية، ووضع الضوابط التربوية، وهو القائد الأول في البيت؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلُّكم راعٍ ومسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤول عن رعيته))؛ [صحيح البخاري: 893].       ثانيًا: الجوانب التربوية التي يجب أن يعتني بها الأب:   1- التربية الإيمانية والعقدية: يبدأ الأب بتعليم ابنه التوحيدَ؛ كما فعل لقمان: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].       والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مولود إلا يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانِهِ أو ينصِّرانِهِ أو يمجِّسانِهِ))؛ [رواه البخاري ومسلم]؛ أي: إن للوالدين – والأب خاصة – الأثرَ الأكبر في تشكيل العقيدة والسلوك.       2- التربية الأخلاقية: حثَّ الإسلام على الأخلاق الكريمة، وعلَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نربي أبناءنا على الصدق والأمانة والتواضع.الغزالي، إحياء علوم الدين، دار المعرفة.       إذا رأى الابن والده صادقًا، أمينًا، محافظًا على صلاته، بارًّا بوالديه، فسيكون ذلك أقوى من ألف نصيحة.       3- التربية الجسدية والنفسية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((علِّموا أبناءكم السباحةَ والرماية وركوب الخيل))؛ [رواه البيهقي في السنن الكبرى]، وهو توجيه للاهتمام بالنموِّ البدني والاجتماعي.       4- التربية بالمحبة والحوار: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتضن الحسن والحسين، ويقبِّلهما ويلاعبهما، ويُظهر لهما المودة، ليعلمنا كيف تكون التربية بالرحمة، فشعور الأبناء بالمودة والرحمة من الآباء يساعدهم على تنمية هذه الصفات، وبثِّها للآخرين ممن يحيطون بهم.       ثالثًا: أهمية القدوة في حياة الأبناء:   من الضروري أن يكون الآباء قدوةً صالحة لأبنائهم؛ لأن الأبناء يتأثرون بالأفعال أكثر من الأقوال، وتتشكَّل شخصياتهم وسلوكهم من خلال ما يرونه في آبائهم.       والأب هو القدوة الأولى، فإن صلح سلوكه، تبِعه أبناؤه في الخير، وإن انحرف، فسدت القدوة؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].       لذا؛ فإن القدوة الحسنة من الآباء تمثل أساسًا متينًا لتنشئة جيل صالح نافع لنفسه ومجتمعه.       رابعًا: عواقب إهمال التربية:   إهمال الأب لدوره التربوي يؤدي إلى انحراف الأبناء، وضياع القيم، وفساد المجتمع؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يومَ يموت، وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة))؛ [صحيح البخاري: 6731]صحيح البخاري، حديث رقم: 6731       الخاتمة:   • دور الأب في التربية ليس فقط إطعامًا وكساءً، بل توجيهٌ، ورعاية، وبناء شخصيات تؤمن بالله، وتحمل القيم، وتنهض بالأمة.       • فإن القدوة الحسنة من الآباء تمثل أساسًا متينًا لتنشئة جيل صالح نافع لنفسه ومجتمعه.       • فصلاح الأبناء هو ثمرة مباشرة لجهود الآباء، والتربية أمانة يُسأل عنها كل وليِّ أمرٍ يوم القيامة.     محمد أحمد عبدالباقي الخولي   شبكة الألوكة    
    • {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ ......} [فاطر : ٤٣]

        (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر:43]؛ قَانُونٌ عَامٌّ وَسُنَّةٌ ثَابِتَةٌ مِن سُنَنِ اللهِ في حَيَاةِ البَشَرِ وَعِلاقَاتِهِم فِيمَا بَينَهُم، وَهِيَ لا تَتَخَلَّفُ أَبَدًا وَلا تَتَبَدَّلُ وَلا تَتَحَوَّلُ، وَلَكِنَّ حُصُولَهَا يَستَلزِمُ تَحَقُّقَ أَسبَابِهَا وَشُرُوطِهَا وَانتِفَاءَ مَوَانِعِهَا، كَمَا أَنَّ لِنَفَاذِهَا أَوجُهًا مُتَعَدِّدَةً قَد تَخفَى عَلَى النَّاسِ، الَّذِينَ يُرَكِّزُونَ عَلَى وَجهٍ وَاحِدٍ مِنَ أَوجُهِ نَصرِ المُؤمِنِينَ، أَو لا يَستَحضِرُونَ إِلاَّ صُورَةً وَاحِدَةً مِن إِحَاطَةِ المَكرِ السَّيِّئِ بِأَهلِهِ المُجرِمِينَ، نَعَم، قَد يَكُونُ حَالُ النَّاسِ مَا ذُكِرَ، وَلَكِنَّ اللهَ -تَعَالى- يُرِيدُ بِحِكمَتِهِ نَفَاذَ سُنَّتِهِ في وَجهٍ آخَرَ وَبِصُورَةٍ أُخرَى، وَقَد يَكُونُ في عِلمِهِ -تَعَالى- أَنَّهُ لم يَحِنِ الوَقتُ المُنَاسِبُ لِتَحَقُّقِهَا، فَيَتَأَخَّرُ إِلى وَقتٍ يَعلَمُهُ -تَعَالى- وَلا يَعلَمُهُ العِبَادُ.

      وَأَمَّا سُنَّتُهُ بِإِهلاكِ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهَا لا تَتَخَلَّفُ وَلا تَتَغَيَّرُ، يَجِبُ أَن يُوقِنَ المُؤمِنُونَ بِذَلِكَ تَمَامَ اليَقِينِ وَلا يَشكُّوا فِيهِ، فَإِنْ رَأَوا مِنهُ طَرَفًا فَذَاكَ مِمَّا يُثَبِّتُ القُلُوبَ وَيَزِيدُهَا يَقِينًا، وَإِلاَّ فَالإِيمَانُ بِمَا قَالَ اللهُ وَقَرَّرَهُ في كِتَابِهِ وَاجِبٌ، وَقَد ذَكَرَ -سُبحَانَهُ- أَنَّهُ قَد يُزَيِّنُ لِلكَافِرِينَ مَكرَهُم في الدُّنيَا، وَقَد يُذِيقُهُم بَعضَ العَذَابِ فِيهَا بِمَا يَنَالُهُم مِنَ القَتلِ أَوِ الأَسرِ، أَو سَائِرِ المِحَنِ الَّتي تُصِيبُهُم وَهُم لم يَحسِبُوا لَهَا حِسَابًا، أَوِ القَوَارِعِ الَّتي تَحُلُّ بِهِم مِن حَيثُ لا يَتَوَقَّعُونَ، وَلَكِنَّهُ -تَعَالى- بِحِكمَتِهِ يُؤَخِّرُ لَهُم عَذَابًا آخَرَ في الآخِرَةِ؛ يَشُقُّ بِهِم كَمَا شَقُّوا بِعِبَادِهِ في الدُّنيَا، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ* ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَومَ القِيَامَةِ يُخزِيهِم وَيَقُولُ أَينَ شُرَكَائيَ الَّذِينَ كُنتُم تُشَاقُّونَ فِيهِم قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ إِنَّ الخِزْيَ اليَومَ وَالسُّوءَ عَلَى الكَافِرِينَ) [النحل: 26- 27]. وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) [الرعد: 33- 34]، وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فاطر: 10].   أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَلا يَلحَقَنَّ بِنَا يَأسٌ وَلا قُنُوطٌ وَإِن أَسرَعَ المَاكِرُونَ وَتَعَجَّلُوا، أَو بَغَوا وَنَكَثُوا؛ فَاللهُ أَسرَعُ مَكرًا، وَلَهُ زِمَامُ الأَمرِ وَجَمِيعُ المَكرِ، وَهُوَ  سُبحَانَهُ- القَائِلُ : (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) [يونس: 21]، وَالقَائِلُ: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 42]، وَقَالَ -تَعَالى-: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43]، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يونس: 23]، وَقَالَ  -تَبَارَكَ اسمُهُ-: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)

      الشيخ عبدالله بن محمد البصري
      ملتقى الخطباء



      {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ ......} [فاطر : ٤٣]

      لاتنوي الشر لغيرك ، وتبحث عن توفيق الله !!

      (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) بقدر مايركض النمّامون لتشويه سمعة الأبرياء ، يُنزل الله بغض النمّامين في قلوب خلقه .. فقد يسعى الجاهل لتشويه صورتك وإسقاطك ، ولا يزيدك ذلك إلاعلوّاً وثباتاً .. لأن المكر السيء لايحيق إلا بأهله ... هو قانون سماوي ، وسنّة الله لاتتبدل بغيرها ولا تتحوّل لغير مستحق .

      لنتق ثلاثة أمور : المكر {ولايحيق المكر السيء إلا بأهله} والبغي {إنما بغيكم على أنفسكم} والنكث {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} وفي أمثال العرب :(من حفر حفرة لأخيه وقع فيها)

      الطيبة والتعاطف ليست سذاجة بقدر ماهي رحمة زرعها الله في قلوب عباده
    • قول سبحانه في الآية الثالثة والعشرين من سورة الملك:)قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون (. ويقول عز من قائل في الآية السادسة والثلاثين من سورة الإسراء: )إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً (.   وهناك آيات أخرى تعد بالعشرات، تقرن بين السمع والبصر.. وأول ما يلفت النظر فيها هو ذكر السمع قبل البصر، مع أن البصر لا يقل عن السمع أهمية، وقد يفوقه في الأهمية أحياناً. وقد سبقنا إلى هذه الملاحظة كثيرون، وتولى المهتمون بالإعجاز العلمي للقرآن شرح السبب في هذا الترتيب القرآني، وأثبتوا أنه مطابق للترتيب الزمني لتكامل حاستي السمع والبصر في الإنسان، فبينما يصبح الجنين سميعاً وهو في الشهر الثالث من الحمل، نراه لا يصبح بصيراً إلا بعد الولادة بحوالي أسبوعين.. وإذا كان لي أن أضيف شيئاً فهو شرح حكمة الخالق وراء ذلك الترتيب: فاكتمال حاسة السمع في هذا الطور المبكر يعطي الجنين فرصة الاستماع إلى دقات قلب أمه فترة كافية تجعله يستوعبها تماماً بحيث يتذكرها بعد الولادة كلما ضمته إلى صدرها، وبهذا يهدأ ويطمئن إلى حضنها خصوصاً في وقت الإرضاع.. وبديهي أن الطمأنينة هي من أهم دواعي رفع مستوى الاستفادة التغذوية.. على عكس ما كان يمكن أن يحدث لو تأخرت حاسة السمع إلى ما بعد الولادة فيفاجأ الرضيع بصوت لم يسبق له سماعه يشبه قرع الطبول ينبعث من صدر أمه ويُصَب في أذنه مباشرة.. هذا عن حاسة السمع... وأما حاسة البصر فإن أعضاء الإبصار لا تمارس وظائفها إطلاقاً طوال الحياة الجنينية ـ رغم اكتمال تكوينها ـ لسبب بسيط هو انعدام الضوء اللازم لنقل صور المرئيات.. فضلاً عن أن الجنين ليس في حاجة إلى ممارستها أصلاً.. ولهذا فإن جفونه تظل مغلقة لحماية العينين من السائل الرهلي الذي يغمر أصلاً.. ولهذا فإن جفونه تظل مغلقة لحماية العينين من السائل الرهلي الذي يغمر جسمه... وهو لا يبدأ فتح جفونه إلا بعد خروجه إلى عالم النور حيث يكون لأشعة الضوء أثرها في تنبيه أعضاء جهاز الإبصار إلى بدء ممارسة وظائفها ثم في تحسين هذا الأداء تدريجياً بالتكيف مع شدة الضوء وأبعاد المرئيات.   * وإذا كنت ـ بحمد الله ـ لم أجد صعوبة في العثور على الأسانيد العلمية لهذا الترتيب بين السمع والبصر في عشرات الآيات التي تقرن بينهما.. فإن الآيات التي تختص البصر وحده بالذكر كان لي معها وكان لها معي شأن آخر..   * وأول ما استوقفني وحيّرني في عشرات الآيات التي تخص حاسة الإبصار بالذكر هو اختلاف اللفظ المستعمل للتعبير عنها: فهو أحياناً يكون مشتقاً من لفظ (بصر)، وأحياناً أخرى من لفظ (رأى)... وفي أحيان أخرى من لفظ: (نظر)..   وإليكم مثالاً لكل حالة: * فالتعبير بلفظ الأصالة (بصر) يتمثل في قوله تعالى على لسان السامريّ مخاطباً نبي الله موسى عليه السلام بعد دعوته من لقاء ربه (الآية السادسة والتسعين من سورة طه). )قال بصرت بما لم يبصروا به (. * والتعبير بلفظ: (نظر) يتمثل في الآية 101 من سورة يونس: )قل انظروا ماذا في السماوات والأرض (. * والتعبير بلفظ: (رأى) يتمثل في الآية الخامسة من سورة الحج: )وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت (.   والألفاظ الثلاثة مختلفة تماماً في البنية اللغوية وليس بينها حرف واحد مشترك سوى حرف الراء.. كما أنها ليست من المترادفات بحيث يصح استعمال أي لفظ منها مكان أي لفظ آخر دون الإخلال بالمعنى... فهذا خطأ يتنزه كلام الله عن مجرد التعرض للقليل منه.. وليس صحيحاً أن استعمال الألفاظ الثلاثة هو من قبيل التنويع الدال على الثراء اللفظي، خصوصاً إذا وردت مجتمعة في آية واحدة كما في الآية 198 من سورة الأعراف:   )وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (.   فالقارىء المتدبر لا بد وأن يستكشف وراء هذا التنويع اللفظي وظيفة أهم هي دقة التعبير عن خصوصية المعنى.. ولكي يتحقق لنا ذلك نستعرض معاً أهم الحقائق العلمية الأساسية: 1ـ إن وظيفة الإبصار (vision)عملية مركبة من شقين متكاملين هما: النظر (looking)وتقوم به العين والرؤية (sight)ويقوم بها مركز عصبي خاص في قشرة المخ (الدماغ brain) وهو متصل بشبكية العين عن طريق العصب البصري.. وبقيام هذا المركز بإدراك ما يرد إليه من الشبكية تتم عملية الإبصار (ولهذا فهو يسمى أيضاً مركز الإبصار center of vision)..ومن الممكن إذن تعريف عملية الإبصار بأنها: (الإدراك الحسي لمعالم المرئيات ذات الكيان المادي بعد النظر إليها في الضوء). 2ـ أن الصور التي تسقط على الشبكية لا تنطبع عليها مثلما تنطبع الصورة الفوتوغرافية على سطح (الفيلم الخام)، ولا حتى على الورق الحساس بعد (تحميض) الفيلم.. وإنما تنتقل فوراً ـ على شكل ومضات عصبية ـ عبر العصب البصري لتصل بسرعة لحظية إلى مركز الرؤية.. ولكنها ـ هنا أيضاً ـ لا تتراكم وإنما يتم ترحيلها أولاً بأول إلى مركز عصبي آخر في المخ (متصل عضوياً بمركز الإبصار) حيث يتم تصنيفها و(فهرستها) وحفظها في (أرشيف الكتروني).. (والقياس مع الفارق). 3ـ أن المخ قادر على استحضارأي عدد من تلك الصور المخزونة في أي وقت لا حق بحيث يقوم مركز الرؤية بإعادة مشاهدتها أي استعراضها بعد زوال الأجسام التي تمثلها بوقت يتناسب عكسياً مع قوة الملاحظة والقدرة على الاستيعاب والتذكر. 4ـ أن التكامل الوظيفي بين العين والمخفي إتمام عملية الإبصار لا يمنع من أن يقوم كل منهما ـ في أي وقت ـ بعمله مستقلاً عن الآخر (مع اختلاف النتيجة وفقاً للجزء الذي يعمل). نظر بلا رؤية؟ أو رؤية بلا نظر؟.   وبناء على تلك الحقائق الأساسية فإن عملية الإبصار لا تتم إذا انعدام أحد شقيها.. ولكن الشق الذي يتم أداؤه يأخذ شكل ظاهرة غير مألوفة لأنها تمثل عملية فسيولوجية ناقصة.   والظاهرتان المحتملتان كنتيجة لهذا الانفصال الأدائي بين العين والمخ هما:   النظر بلا رؤية:وهنا يحدّق الناظر بعينين سليمتين مفتوحتين في الجسم الموضوع أمامهما ـ مغموراً في الضوء ـ ولكن الناظر إذا سئل عما أمامه لأنكر أن أمامه شيئاً على الإطلاق (وهو في ذلك صادق لأنه بالفعل لا يبصر شيئاً بسبب عدم قيام مركز الإبصار بعمله في وقت النظر).. والنظر بلا رؤية ـ وبالتالي بلا إبصار ـ يحدث عندما يكون الناظر شارد الذهن أو في حالة رعب شديد مفاجىء أو واقعاً تحت تأثير الخمور أو المخدرات... فكل هذه تسبب عطلاً مؤقتاً لخلايا المراكز العصبية في المخ (بما فيها مركز الأبصار).. والنتيجة هي حالة عمى مؤقت يزول بزوال أسبابه.. أما إذا أصيبت خلايا مركز الإبصار بتلف عضوي فالنتيجة هي العمى الدائم (على الرغم من سلامة العينين).... والعمى الدائم يمكن أن يحدث أيضاً رغم سلامة العينين وسلامة مركز الرؤية أيضاً وذلك في حالة تلف العصب البصري.. والسبب في هذه الحالة هو أن عملية الإبصار تتوقف عند الحد الفاصل بين النظر والرؤية (أي: أن الصورة الواقعة على الشبكية لا تجد ما ينقلها إلى مركز الرؤية).   وحالات النظر بلا رؤية معناها عدم القدرة على الإبصار بسبب انعدام الركن الفعلي أو الإدراكي وهو الرؤية... تماماً مثلما أن الصورة الفوتوغرافية تظل خافية على الفيلم الخام ما لم يتم (تحميضه). [وبالمناسبة هذه العملية التي نسميها (تحميضاً) يطلق عليها في لغات أخرى غير عربية اسم آخر أكثر دقة في التعبير عن طبيعتها هو (development) بالإنجليزية أو (entwicklung)بالألمانية ومعنى الكلمتين بالعربية هو تكوين.. وهو نفس اللفظ المستعمل علمياً في جميع اللغات للتعبير عن عملية تخليق الجنين في ظلمات الرحم].   الرؤية بلا نظر:وهي تحدث نتيجة عطل في عضو النظر (العين)، أو عضو نقل الصورة (العصب البصري).. أو كليهما، بشرط بقاء المراكز العصبية (وأولها مركز الإبصار) سليمة عضوياً ووظيفياً... والرؤية بلا نظر يمكن أن تحدث أيضاً رغم عدم وجود ما يمكن النظر إليه أصلاً.. وذلك باستحضار بعض المشاهد القديمة من الرصيد المخزون من عمليات إبصار سابقة، وهذا يدخل في باب (أحلام اليقظة).. قياساً على الأحلام التي (نراها) أثناء النوم...   وللتعليل على انعدام ركن النظر (وبالتالي انعدام أهمية العين) في هذه الأحوال، يكفي أن أذكر بأن استحضار المشاهد القديمة يتم بصورة أفضل إذا أغمض المرء عينيه. لأنه عند فتح العينين فإن ما تقعان عليه من (منظورات) تتداخل صورها مع الصور التي يستحضرها المخ (وهي مجرد مرئيات)... ولهذا يحدث (تشويش) على مركز الرؤية.   من وحي آيات البصر: والآن إلى النصوص القرآنية التي تتحدث عن النظر والبصر والرؤية نتدبرها في ضوء هذه الحقائق العلمية الثابتة ونبدأ بنص قرآني يتضمن لفظ (بصر) بمعناه البيولوجي الكامل: ذلك هو الآية الحادية عشرة من سورة القصص حيث يقول عز وجل على لسان أم موسى:   )وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون (.   الموقف هنا حدثت فيه عملية إبصار تامة الأركان: فأخت موسى أولاً قامت بالنظر هنا وهناك بحثاً عن أخيها الطفل المنشود والذي سبق لها النظر إليه ورؤيته وبالتالي إبصاره، فلما وقعت عيناها عليه في هذا المكان الجديد تكونت له في مخها صورة مطابقة لتلك التي اختزنها عقلها الباطن في مرات سابقة... فتعرفت عليه... أما والحالة هذه فأي الألفاظ الثلاثة ـ تعبيراً عن هذا الموقف؟ لا شك هو لفظ (بصر) الذي ورد في النص القرآني للتعبير في إيجاز معجز عن اكتمال أركان عملية الإبصار...   وفي الآية الثلاثين من سورة النور يقول سبحانه وتعالى:   )قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم (.   والأبصار المذكورة هنا والمأمور بغضها (أي: خفضها) هي العيون التي هي النوافذ التي نطل منها على الموجودات.. والعين ـ علمياً ـ هي عضو النظر... فلماذا لم يستعمل لفظ الأنظار واستعمل بدلاً منه لفظ الأبصار؟ لو اقتصرنا على الجانب اللغوي لقلنا إن هذا نوع من البلاغة التي يستعمل فيها ما سوف يكون محل ما هو كائن (على غرار قوله تعالى في سورة يوسف:)إني أراني أعصر خمراً ()... ولكن هذه البلاغة لها أيضاً سند علمي إذ إن النظر هو بوابة البصر، ومنع عملية الإبصار يتم بسهولة أكبر لو بدأنا بإغلاق الباب المؤدي إليه وهو العين... ومن مظاهر عدالة الله أن جميع العضلات المتحكمة في تحريك كرة العين وفي فتح الجفون وإغلاقها هي من النوع الإرادي الخاضع لسيطرة المخ وهو الذي يحوي مركز الإبصار كما يحوي مراكز الحركة أي أنه هو المتحكم الفعلي في حركة تلك البوابات التي تنفذ عن طريقها صور المرئيات إلى المخ ومن ثم يتحول النظر المجرد إلى إبصار فعلي... إذن فالأمر بالغض في آية سورة النور مقصود به الأصل والمنبع تجنباً للشر من أول الطريق المؤدية إليه...   من وحي آيات النظر:   من حيث إن عملية الإبصار هي محصلة خطوتين هما النظر والرؤية... لهذا فإن الدقة العلمية لا تتوفر أركانها إلا إذا استعمل كل من هذين اللفظين للتعبير عن الخطوة المقصودة بالذات.. فتعالوا بنا نستعرض بعض النصوص القرآنية لنرى كيف أن كلاًّ من اللفظين (نظر) أو (رأى) قد استعمل بإحكام للتعبير عن الجزء الذي يخصه من عملية الإبصار.   هذا فيما يتعلق بالشق الأول وهو (النظر)... والنظر كما نعرف جميعاً قد يكون خاطفاً وقد يطول بهدف تأمل المنظور (إما لدراسته أو للاستمتاع بمنظره)... كما أن النظر قد يكون مقروناً بالتدبر وقد لا يكون.. وكل هذه الأحوال عبّر عنها القرآن الكريم في مواضع عديدة متفرقة وإليكم بعض الأمثلة:   يقول سبحانه وتعالى في الآية الثامنة والثمانين من سورة الصافات:   )فنظر نظرة في النجوم (.   (والحديث عن خليل الله إبراهيم عليه السلام بعد طول جداله مع قومه حول قضية الإيمان).   وفي الآية رقم 101 من سورة يونس يقول جل وعلا:   )قل انظروا ماذا في السماوات والأرض (.   أما في الآية السابعة عشرة من سورة الغاشية فيقول عز من قائل:   )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (.   إن الهدف من النظر في هذه الحالات الثلاث هو تأمل خلق الله واستشعار عظمته... وهذا هو شأن من أراد الله لهم الهدى.. أما النظر بلا تفكير فهو غفلة يتصف بها من عطلوا عقولهم شأن كفار قريش الذين أغلقوا قلوبهم فختم الله عليها، وعنهم يقول سبحانه وتعالى ـ مواسياً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ـ في الآية رقم 198 من سورة الأعراف:   )وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (.   مع ملاحظة أن البصر في هذه الآية ليس البصر الحسي وإنما هو مقصود بمدلوله المعنوي وهو البصيرة التي بها يمكن التمييز بين الحق والباطل.   * ونعود إلى النظر بمعناه الحسي المجرد فنقول: إن إدامته إلى ما حرم الله إثم وإلى ما يصرف عن ذكر الله لهو...   أما إدامته إلى ما أحل الله تعالى بهدف التلذذ برؤية الجمال فهو مباح.   ـ يقول سبحانه وتعالى في الآية رقم 143 من سورة الأعراف:   )ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك. قال: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني (.   ذلك لأن الناموس الساري في الحياة الدنيا هو أن الله لا تدركه الأبصار، وهي صفة خاصة بذاته العلية ولكن يسبغها الله على من يرتضى من عباده إذا كان في معيته.. ولعل هذه المعية هي التي أعمت أبصار كفار قريش الواقفين على باب غار ثور وبداخله محمد الذي يبحثون عنه ومعه رفيقه الصديق قبيل انطلاقهما إلى المدينة.. يقول سبحانه وتعالى في الآية الأربعين من سورة التوبة:   )ثاني اثنين إذ هما في الغار إذا يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا (.   بهذه المعية مع الله لم تدرك أبصار كفار قريش ضالتهم المنشودة وهي قريبة من أرجل خيلهم... وهذه المعية نفسها هي التي أعمت أبصارهم عنه فمحمد يوم خروجه من داره بمكة وهو يمر من بين صفوفهم وأمام أعينهم مردداً قوله تعالى: (الآية التاسعة من سورة يس):   )وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون (.   وعموماً فنحن في كلتا الحالتين أمام معجزة تتعطل أمامها كل القوانين السارية في الأحوال العادية.   بيولوجية الرؤية في القرآن:   عرفنا منذ قليل أن الرؤية هي الخطوة التالية للنظر، وأنها هي التي تتم بها عملية الإبصار.. فهي إذن الخطوة الحاسمة.. ونظراً لأهميتها فإن القرآن كثيراً ما يعطي لفظ (رأى) ومشتقاته الأولوية في التعبير عن عملية الإبصار كلها... خصوصاً إذا كان الهدف الرئيسي منها هو التدبر والاعتبار... وهذا التفضيل يتناسب مع كون الرؤية من الوظائف العليا التي يقوم بها المخ الإرادي وهو المتحكم في الجوارح والتصرفات... وإليكم بعض الأمثلة الدالة على ما أقول:   ففي الآية السادسة والسبعين من سورة الأنعام يقول رب العزة عن رحلة خليله إبراهيم عليه السلام مع الإيمان:   )فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين (.   وفي الآيتين التاليتين في نفس السورة يتكرر استعمال لفظ (رأى) نائباً عن اللفظين الآخرين في التعبير عن عملية الإبصار.. وهذا مناسب لكون الهدف منها هو إثبات قضية عقلية.   وفي سورة النمل أكثر من آية استعمل فيها لفظ (رأى) تفضيلاً له على لفظ (نظر) لأهميته ودقته في التعبير عن الجزئية المقصودة من عملية الإبصار... ففي الآية العشرين يقول سبحانه:   )وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين (.   من المؤكد:أن نبي الله سليمان قد استخدم عينيه في النظر هنا وهناك بحثاً عن الهدهد المنشود ـ قبل أن يصرح بعدم رؤيته. وأنه ـ عليه السلام ـ وهو يتفقد الطير كان يستحضر في ذهنه صورة الهدهد الغائب، وهي التي عرفها واستوعبها من عمليات إبصار سابقة.. وهذا الاستحضار هو عملية ذهنية خالصة يقوم بها مركز الرؤية.. ولهذا كان لفظ (رأى) أدق من أي من اللفظين الآخرين في التعبير عن هذا الموقف الذي يبدو مثل موقف أخت موسى في البحث عن شيء منشود.. ولكن في حالة أخت موسى كان المنشود موجوداً فنظرته وبالتالي أبصرته (ولهذا استعمل القرآن لفظ البصر في قوله تعالى:)فبصرت به (أما هنا فالشيء المنشود ـ وهو الهدهد ـ ليس له وجود أي: أن النظر لم يحقق وظيفته وبالتالي لم تتم عملية الإبصار... ولم يبق إلا اللفظ الثالث الذي استعمل هنا في موضعه تماماً:)ما لي لا أرى الهدهد (.   وفي الآية الثامنة والثلاثين وما بعدها من سورة النمل يأتي ذكر عرش ملكة سبأ الذي تم نقله من مكانه في اليمن إلى مجلس سليمان في الشام في أقل من طرفة عين... وطرفة العين هي المدة الزمنية اللازمة لإلقاء نظرة واحدة.. وتعبيراً عن هذه السرعة الخارقة كان هذا الإيجاز الخاطف في التعبير متمثلاً في قوله تعالى في الآية الأربعين:   )قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي (.   هنا نلاحظ ما يمكن أن نسميه (تجسيداً بلاغياً) للسرعة وهو يتمثل في إغفال ذكر جميع الأحداث التي تمت منذ تعهد المتكلم بإحضار العرش إلى أن رآه سليمان عليه السلام مستقراً أمامه يعني: رآه شيئاً مادياً ملموساً أمام عينيه... ولا شك: في أنه قد ألقى عليه نظرة (بل وربما نظرات) ليتأمله (خصوصاً وهو يراه لأول مرة)... ولكن التعبير القرآني أغفل عملية النظر تماماً، وتخطى هذه المرحلة ليصل بنا رأساً إلى ما بعدها وهي الرؤية التي تمت بها عملية الإبصار. وهنا يا إخواني أرجو ألا أكون بهذا التحليل قد اجترأت على قدرة الله التي يتحقق جزء ضئيل منها بصورة تذهل عقولنا عندما تحدث المعجزات الخارقة لكل قوانين الطبيعة.   الرؤى... والأحلام: وقبل أن نختتم الحديث عن الرؤية كإحدى وظائف المخ لا يفوتنا التحدث عن إحدى صورها المذكورة بكثرة في القرآن الكريم.. تلك هي الرؤية المنامية أي: (الرؤيا)... وهي ما نعبر عنها عادة بالأحلام حيث يقتصر العمل على ما يقوم به العقل الباطن الذي ينشط عند ضعف السيطرة على الجوارح، ولا تستعمل العين كعضو نظر (بل لا إمكانية أصلاً لقياسها بهذه الوظيفة فإغلاق الجفون من الأعمال المصاحبة للنوم).   وتتصدر سورة يوسف جميع سور القرآن من حيث عدد الآيات التي ورد فيها ذكر الرؤى المنامية والتي نذكر منها ثلاث نصوص، تكرر التعبير فيها عن الحدث بلفظ: (رأى).   وتقول الآية الرابعة من سورة يوسف:   )إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً (.   وتقول الآية السادسة والثلاثون:   )ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما: إني أراني أعصر خمراً وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي حبزاً تأكل الطير منه (.   وتقول الآية الثالثة والأربعون:   )وقال الملك: إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف (.   وفي سورة أخرى هي سورة الصافات تقص علينا الآية الثانية بعد المئة موقف خليل الله إبراهيم مع ابنه:   )فلما بلغ معه السعي قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك (.ففي هذه النصوص القرآنية كلها كما في غيرها من النصوص التي تتحدث عن الأحلام كان استعمال لفظ رأى تعبيراً دقيقاً عن حقيقة الأحلام بوصفها استحضاراً لمشاهد قديمة مختزنة في الذاكرة وإعادة مشاهدتها بواسطة مركز الرؤية في المخ دون حاجة إلى عضو النظر... لأن كل مشاهد الأحلام إنما هي مرئيات مجردة ليس لها كيان مادي مجسم يمكن النظر إليه، ومن ثم ألغيت عملية النظر وبالتالي لا يحدث إبصار...   وهنا أرجو أن نتوقف قليلاً لتتأمل معاً التشابه الذي يكاد يكون تطابقاً ـ في البنية ولنتلمس ما في هذا التشابه من بلاغة ودقة في التعبير عن التناظر بين العمليتين المقصودتين، وكلاهما في جوهرهما من وظائف مركز الرؤية في المخ.   ثم لنتأمل اللفظ الآخر المستعمل في الفصحى والعامية للتعبير عن الرؤى المنامية وهو لفظ (أحلام)... لنجد أنه هو نفسه اللفظ الذي يعني العقول، التي يؤكد علماء النفس البيولوجي (biopsychologists)على أن الجزء الباطن منها هو مصدر المشاهد التي يتألف منها (سيناريو) الحلم أو الرؤية المنامية..   أليس من حقنا بعد هذا أن نعتز بأن لغتنا العربية هي سيدة اللغات بدليل أن الله قد شرفها باختيارها (وعاء) لمعاني القرآن الكريم الذي هو سيد الكتب السماوية؟... جل من هذه مشيئته وسبحان من هذا كلامه...   هذه هي بعض الخواطر البيولوجية التي سنحت لي وأنا أتدبر معاني كلام الله سبحانه وتعالى في مجال الإبصار بشقيها الرئيسيين (النظر والرؤية) بوصف أن حاسة البصر هي من أعظم نعم الله علينا...   نحمد الله الذي خلقنا في أحسن تقويم، وصورنا فأحسن صورنا، والذي جعل عيوننا نوافذ نطل منها على عالم الموجودات التي أبدعتها يداه سبحانه وتعالى... ونسأله أن يتم نعمته علينا بأن ينير بصائرنا كما أنار أبصارنا... فهو وحده نور السماوات والأرض، وهو الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار... والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...      
      الكلــم الطيب  
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182466
    • إجمالي المشاركات
      2535999
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93298
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    خلود محمد متولي
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×