اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. ساحة القرآن الكريم العامة

      مواضيع عامة تتعلق بالقرآن الكريم

      المشرفات: **راضية**
      58085
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9073
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      المشرفات: **راضية**
      180662
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 260001
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23503
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8337
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32136
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4165
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25484
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30262
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53099
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21008
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97014
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36840
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31796
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4884
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15482
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29722
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12928
      مشاركات
  9. مملكتكِ الجميلة

    1. 41316
      مشاركات
    2. 33886
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91747
      مشاركات
  10. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32212
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13117
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. 65624
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      المشرفات: خُـزَامَى
      4925
      مشاركات
  11. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  12. IslamWay Sisters

    1. English forums   (38501 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  13. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • تفسير سورة آل عمران ( 186-200 )     
      {186} {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ} .يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين أنهم سيبتلون في أموالهم من النفقات الواجبة والمستحبة، ومن التعريض لإتلافها في سبيل الله، وفي أنفسهم من التكليف بأعباء التكاليف الثقيلة على كثير من الناس، كالجهاد في سبيل الله، والتعرض فيه للتعب والقتل والأسر والجراح، وكالأمراض التي تصيبه في نفسه، أو فيمن يحب.{ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} من الطعن فيكم، وفي دينكم وكتابكم ورسولكم.وفي إخباره لعباده المؤمنين بذلك، عدة فوائد:منها: أن حكمته تعالى تقتضي ذلك، ليتميز المؤمن الصادق من غيره.ومنها: أنه تعالى يقدر عليهم هذه الأمور، لما يريده بهم من الخير ليعلي درجاتهم، ويكفر من سيئاتهم، وليزداد بذلك إيمانهم، ويتم به إيقانهم، فإنه إذا أخبرهم بذلك ووقع كما أخبر {قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} .ومنها: أنه أخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك، والصبر عليه إذا وقع؛ لأنهم قد استعدوا لوقوعه، فيهون عليهم حمله، وتخف عليهم مؤنته، ويلجأون إلى الصبر والتقوى، ولهذا قال: {وإن تصبروا وتتقوا} أي: إن تصبروا على ما نالكم في أموالكم وأنفسكم، من الابتلاء والامتحان وعلى أذية الظالمين، وتتقوا الله في ذلك الصبر بأن تنووا به وجه الله والتقرب إليه، ولم تتعدوا في صبركم الحد الشرعي من الصبر في موضع لا يحل لكم فيه الاحتمال، بل وظيفتكم فيه الانتقام من أعداء الله.{فإن ذلك من عزم الأمور} أي: من الأمور التي يعزم عليها، وينافس فيها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم والهمم العالية كما قال تعالى: {وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} .       

      {187 - 188} {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ * لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه [الله] الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل.فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله، ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفا من إثم الكتمان.وأما الذين أوتوا الكتاب، من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم، فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرؤا على محارم الله، وتهاونا بحقوق الله، وحقوق الخلق، واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات، والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهواءهم، المقدمين شهواتهم على الحق، {فبئس ما يشترون} لأنه أخس العوض، والذي رغبوا عنه -وهو بيان الحق، الذي فيه السعادة الأبدية، والمصالح الدينية والدنيوية- أعظم المطالب وأجلها، فلم يختاروا الدنيء الخسيس ويتركوا العالي النفيس، إلا لسوء حظهم وهوانهم، وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له.ثم قال تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} أي: من القبائح والباطل القولي والفعلي.{ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} أي: بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه، فجمعوا بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه.{فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} أي: بمحل نجوة منه وسلامة، بل قد استحقوه، وسيصيرون إليه، ولهذا قال: {ولهم عذاب أليم} .ويدخل في هذه الآية الكريمة أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم، ولم ينقادوا للرسول، وزعموا أنهم هم المحقون في حالهم ومقالهم، وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية، وفرح بها، ودعا إليها، وزعم -[161]- أنه محق وغيره مبطل، كما هو الواقع من أهل البدع.ودلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة، أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه، وسألوها منه، كما قال إبراهيم عليه السلام: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} وقال: {سلام على نوح في العالمين، إنا كذلك نجزي المحسنين} وقد قال عباد الرحمن: {واجعلنا للمتقين إماما} وهي من نعم الباري على عبده، ومننه التي تحتاج إلى الشكر  
              189} {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .أي: هو المالك للسماوات والأرض وما فيهما، من سائر أصناف الخلق، المتصرف فيهم بكمال القدرة، وبديع الصنعة، فلا يمتنع عليه منهم أحد، ولا يعجزه أحد       
      {190 - 194} {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} .يخبر تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها، والتبصر بآياتها، وتدبر خلقها، وأبهم قوله: {آيات} ولم يقل: "على المطلب الفلاني" إشارة لكثرتها وعمومها، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية، فأما تفصيل ما اشتملت عليه، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره، ويحيط ببعضه، وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة، وانتظام السير والحركة، يدل على عظمة خالقها، وعظمة سلطانه وشمول قدرته. وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنع، ولطائف الفعل، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها، وسعة علمه. وما فيها من المنافع للخلق، يدل على سعة رحمة الله، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره.وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها، وبذل الجهد في مرضاته، وأن لا يشرك به سواه، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.وخص الله بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول؛ لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم.ثم وصف أولي الألباب بأنهم {يذكرون الله} في جميع أحوالهم: {قياما وقعودا وعلى جنوبهم} وهذا يشمل جميع أنواع الذكر بالقول والقلب، ويدخل في ذلك الصلاة قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، وأنهم {يتفكرون في خلق السماوات والأرض} أي: ليستدلوا بها على المقصود منها، ودل هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين، فإذا تفكروا بها، عرفوا أن الله لم يخلقها عبثا، فيقولون: {ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك} عن كل ما لا يليق بجلالك، بل خلقتها بالحق وللحق، مشتملة على الحق.{فقنا عذاب النار} بأن تعصمنا من السيئات، وتوفقنا للأعمال الصالحات، لننال بذلك النجاة من النار.ويتضمن ذلك سؤال الجنة، لأنهم إذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة، ولكن لما قام الخوف بقلوبهم، دعوا الله بأهم الأمور عندهم، {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته} أي: لحصوله على السخط من الله، ومن ملائكته، وأوليائه، ووقوع الفضيحة التي لا نجاة منها، ولا منقذ منها، ولهذا قال: {وما للظالمين من أنصار} ينقذونهم من عذابه، وفيه دلالة على أنهم دخلوها بظلمهم.{ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان} وهو محمد صلى الله عليه وسلم، أي: يدعو الناس إليه، ويرغبهم فيه، في أصوله وفروعه.{فآمنا} أي: أجبناه مبادرة، وسارعنا إليه، وفي هذا إخبار منهم بمنة الله عليهم، وتبجح بنعمته، وتوسل إليه بذلك، أن يغفر ذنوبهم ويكفر سيئاتهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات، والذي من عليهم بالإيمان، سيمن عليهم بالأمان التام.{وتوفنا مع الأبرار} يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير، وترك الشر، الذي به يكون العبد من الأبرار، والاستمرار عليه، والثبات إلى الممات.ولما ذكروا توفيق الله إياهم للإيمان، وتوسلهم به إلى تمام النعمة، سألوه الثواب على ذلك، وأن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة رسله من النصر، والظهور في الدنيا، ومن الفوز -[162]- برضوان الله وجنته في الآخرة، فإنه تعالى لا يخلف الميعاد، فأجاب الله دعاءهم، وقبل تضرعهم، فلهذا قال:       

      {195} {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} .أي: أجاب الله دعاءهم، دعاء العبادة، ودعاء الطلب، وقال: إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى، فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملا موفرا، {بعضكم من بعض} أي: كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب، {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا} فجمعوا بين الإيمان والهجرة، ومفارقة المحبوبات من الأوطان والأموال، طلبا لمرضاة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله.{لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله} الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل.{والله عنده حسن الثواب} مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فمن أراد ذلك، فليطلبه من الله بطاعته والتقرب إليه، بما يقدر عليه العبد       

      {196 - 198} {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ} .وهذه الآية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا، وتنعمهم فيها، وتقلبهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب واللذات، وأنواع العز، والغلبة في بعض الأوقات، فإن هذا كله {متاع قليل} ليس له ثبوت ولا بقاء، بل يتمتعون به قليلا ويعذبون عليه طويلا هذه أعلى حالة تكون للكافر، وقد رأيت ما تؤول إليه.وأما المتقون لربهم، المؤمنون به- فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها {لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} .فلو قدر أنهم في دار الدنيا، قد حصل لهم كل بؤس وشدة، وعناء ومشقة، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم، والعيش السليم، والسرور والحبور، والبهجة نزرا يسيرا، ومنحة في صورة محنة، ولهذا قال تعالى: {وما عند الله خير للأبرار} وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرا عظيما، وعطاء جسيما، وفوزا دائما.       

      {199 - 200} {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .أي: وإن من أهل الكتاب طائفة موفقة للخير، يؤمنون بالله، ويؤمنون بما أنزل إليكم وما أنزل إليهم، وهذا الإيمان النافع لا كمن يؤمن ببعض الرسل والكتب، ويكفر ببعض.ولهذا -لما كان إيمانهم عاما حقيقيا- صار نافعا، فأحدث لهم خشية الله، وخضوعهم لجلاله الموجب للانقياد لأوامره ونواهيه، والوقوف عند حدوده.وهؤلاء أهل الكتاب والعلم على الحقيقة، كما قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ومن تمام خشيتهم لله، أنهم {لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلا} فلا يقدمون الدنيا على الدين كما فعل أهل الانحراف الذين يكتمون ما أنزل الله ويشترون به ثمنا قليلا وأما هؤلاء فعرفوا الأمر على الحقيقة، وعلموا أن من أعظم الخسران، الرضا بالدون عن الدين، والوقوف مع بعض حظوظ النفس السفلية، وترك الحق الذي هو: أكبر حظ وفوز في الدنيا والآخرة، فآثروا الحق وبينوه، ودعوا إليه، وحذروا عن الباطل، فأثابهم الله على ذلك بأن وعدهم الأجر الجزيل، والثواب الجميل، وأخبرهم بقربه، وأنه سريع الحساب، فلا يستبطؤون ما وعدهم الله، لأن ما هو آت محقق حصوله، فهو قريب.ثم حض المؤمنين على ما يوصلهم إلى الفلاح - وهو: الفوز والسعادة والنجاح، وأن الطريق الموصل إلى ذلك لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس على ما تكرهه، من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم بالصبر على جميع ذلك.والمصابرة أي (1) الملازمة والاستمرار على ذلك، على الدوام، ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال.والمرابطة: وهي (2) لزوم المحل -[163]- الذي يخاف من وصول العدو منه، وأن يراقبوا أعداءهم، ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم، لعلهم يفلحون: يفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والأخروي، وينجون من المكروه كذلك.فعلم من هذا أنه لا سبيل إلى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات، فلم يفلح من أفلح إلا بها، ولم يفت أحدا الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها.والله الموفق ولا حول ولا قوة إلا به.تم تفسير "سورة آل عمران" والحمد لله على نعمته، ونسأله تمام النعمة.     
    • سورة الشعراء

      1- علمتني سورة الشعراء: توصيل الرسالة بأفضل الوسائل الممكنة.
      2- علمتني سورة الشعراء: أنه مهما بذل الأنبياء سيبقى هناك كفر وإيمان.
      3- علمتني سورة الشعراء: أن آيات القرآن واضحة الحجة بينة الدلالة: ﴿طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ (1، 2).
      4- علمتني سورة الشعراء: محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان حريصًا على هداية الناس: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (3).
      5- علمتني سورة الشعراء: الدعوة إلى الله وإنكار المنكر: ﴿وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (10).
      6- علمتني سورة الشعراء: أن الاعتراف بالخطأ فضيلة ولو مع الأعداء؛ هذا موسى نبي الله يعترف بخطأه لفرعون: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ (20).
      7- نادتني سورة الشعراء:: تتلاشى المستحيلاتُ عندما نقرأُ: ﴿إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
      8- نادتني سورة الشعراء:: ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه؛ فبينما فرعون ملكٌ يدَّعي الربوبية إذا به غريقٌ في اليم: ﴿فأخرجناهم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ (57، 58).
      9- علمتني سورة الشعراء: حسن الظَّنّ باللهِ والتفاؤل مهما كانت الأحوالُ: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ... كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (61، 62).
      10- ذكرتني سورة الشعراء : بيوم القيامة، وأنه لن ينفعني فيه إلا عملي الصالح: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (88-89).
      11- نادتني سورة الشعراء:: لا تكن ممن يتمنى الرجوع إلى الدنيا ليؤمن بالله: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين (102).
      12- علمتني سورة الشعراء: أن التَّكذيب برسولٍ واحدٍ يعني التَّكذيب بكلِّ الرُّسُلِ: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين (141).
      13- علمتني سورة الشعراء: وجوب وفاء الكيل وحرمة التَّطْفِيف: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ المخسرين (181).
      14- علمتني سورة الشعراء: أنه لا ينالُ شرفَ حملِ القرآنِ حقًا إلَّا الأمناءُ: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ (193).
      15- علمتني سورة الشعراء: الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن أبدأ بدعوة من حولي، ثم التوسع في دعوة الناس، والتواضع، والبراءة من الشرك وأهله، والتوكل على الله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ (213-217).  
    • ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٧﴾ ﴾    [النحل   آية:١٢٧]   آية (127): *ما اللمسة البيانية في حذف نون (تكن) في قوله تعالى (ولا تك في ضيق مما يمكرون)؟(د.فاضل السامرائى) الحكم النحوي: جواز الحذف إذا كان الفعل مجزوماً بالسكون ولم يليه ساكن أو ضمير متصل. متى ما كان الفعل (كان) مجزوماً ويليه حرف متحرك ليس ساكناً على أن لا يكون ضميراً متصلاً يجوز فيه الحذف (يمكن القول لم يكن ولم يك) فتحذف النون تخفيفاً. إما إذا كان ما بعده ساكناً فلا يجوز الحذف (لم يكن الرجل) لا يمكن القول لم يك الرجل. ولا يجوز الحذف أيضاً لو كان ضمير متصل (لم يكن هو) لا يجوز قول لم يك هو. إذن من حيث الحكم النحوي يجوز حذف النون   أما السبب البياني: على العموم سواء في (يكن) أو في غيرها من الحذوف (تفرّق وتتفرق) (اسطاعوا واستطاعوا) (تنزّل وتتنزّل) في القرآن الكريم يوجد حذوف كثيرة يجمعها أمرين : هل هي في مقام إيجاز وتفصيل أو هل الفعل مكتمل أو غير مكتمل. عندما يأتي بالصيغة كاملة يكون الحذف أتمّ. إذا كان الشيء مكتملاً لا يُقتطع منه وإذا كان غير مكتمل يُقتطع منه.   والآن نستعرض مثالين وردا في القرآن الكريم الأول في سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127}) والثاني في سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {69} وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {70})   آية سورة النحل نزلت على الرسول  بعدما مثّل المشركون بحمزة عمّ الرسول في غزوة أُحُد فحزن الرسول  عليه حزناً شديداً وقال لأمثّلن بسبعين رجلاً من المشركين فنزلت الآية تطلب من الرسول  أن يعاقب بمثل ما عوقب به وأراد أن يُذهب الحزن من قلبه ولا يبقى فيه من الحزن شيء، وقوله تعالى (ولا تك في ضيق) بمعنى احذف الضيق من نفسك ولا تبقي شيئاً منه أبدا أي أن المطلوب ليس فقط عدم الحزن لكن مسح ونفي أي شيء من الحزن يمكن أن يكون في قلب الرسول  فحذفت النون من الفعل. أما في آية سورة النمل فالآيات في دعوة الناس للسير في الأرض والتفكّر والمقام ليس مقام تصبير هنا فجاء الفعل مكتملاً (ولا تكن في ضيق).   *فى إجابة أخرى للدكتور فاضل السامرائى : في النهي عندما تقول لا تك أي تطلب منه النهي بقوة على أن لا يحصل من الفعل شيء مثال: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) هذه الآية معروفة أنها نزلت بعد معركة أُحد عندما مرّ  بحمزة وقال والله لأمثلن بسبعين فأنزل الله تعالى الآية (ولا تك) أي إمسح هذا الأمر من نفسك تماماً ولا تفكر به ولا تبقي منه شيئاً وهذا تهوين له إحذف هذا الأمر من نفسك تماماً. قال تعالى في آية أخرى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (70) النمل) تمشي في الأرض هذا ليس مثل حمزة عم الرسول  فلا يكون النهي بتلك المنزلة. هناك طلب أن لا يحصل لتهوين الأمر وتخفيفه عليه. حتى في النفي لما يوغل في حصول النفي بحيث لم يحصل منه شيئاً يقول (تك) قول مريم (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) مريم) أي لم يحصل شيء من هذا، الفعل لم يتم أصلاً، نفي تماماً لم يحصل منه شيء لا مقدمات ولا معقبات ولا بوادر ولا شيء، الأمر برمّته منفي. مع زكريا قال (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) مريم) ليست بمثل تلك نحن لا نعلم عندما كان يدعو هل كانت تأتي كلها مائة بالمائة أم يأتي قسم منها هي ليست مثل تلك. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) النحل) وقال (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) القيامة) هذا في طور التكوين لم يكتمل الفعل، لما قال تعالى على الإنسان (ألم يكن نطفة) ما صار بعد وإنما يحتاج ليلتقي بالبويضة ليصير مضغة، لم يك أي هو قسم فقط لأن النطفة ماء الرجل فقط، لم يكتمل بعد ولا يكتمل إلا إذا التقى البويضة، إذا اكتمل الخلق اكتمل الفعل. (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان) في الأولى قال (تك) بحذف النون وأثبتها في الثانية (فتكن). الأولى لم يذكر لها مكان بينما الثانية ذكر لها مكاناً واستقرّت فاستقرّت النون. * ما الفرق بين ضائق (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ (12) هود) وضاق (وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا (33) العنكبوت) وضيق (وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) ويضيق (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) الحجر) ما هي اللمسة البيانية في هذه الصيغ المختلفة؟ (د.فاضل السامرائي)   ضائق إسم فاعل ، الجذر الاشتقاقي للكلمة ضاق يضيق. ضائق إسم فاعل قال تعالى (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ (12) هود) إسم الفاعل لا يدل على الثبوت، مع أنه إسم! لكن لا يدل على الدوام، هناك فرق بين الدوام والثبوت. فلان واقف ليس دائماً واقفاً هل هي مثل طويل؟ واقف ليس مثل وقوف. ولا في الصفة المشبهة مثل نائم هل هي مثل قصير وطويل؟ النائم يقعد، تتغير حالته ولذلك إسم الفاعل قالوا هو ما دل على الحدث والحدوث وذات الفاعل. * الحدث فهمناه فما هو الحدوث؟ التغيّر يعني لا يبقى على حاله.   *إذن ضائق إسم فاعل يدل على التغير؟ ولذلك لما يقول تعالى للرسول (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) دلالة على أنه ضيق عارض لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أفسح الناس صدراً، ضيق عارض وليس ضيقاً، لا يصح أن يقول ضيّق الصدر لأنه سيكون معناه أنه صلى الله عليه وسلك ضيّق الصدر لا يقبل شيئاً. هذه حالة معينة قال (وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) الرسول أفسح الناس صدراً لا يصح أن يقال عنه ضيق الصدر، لا يجوز لأن ضيّق صفة دالة على الثبوت. (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) الفرقان) هذا لا يتسع، مكان ضيق، هذا دال على الثبوت والدوام. أما ضائق فهي تدل على حدثٍ حدث له. ضيّق صفة مشبهة دالة على الثبوت، لما نقول فلان ضيق الصدر يعني خِلقته هكذا. إذن (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) ضيّق هذا مصدر (الياء الساكنة) مثل بيع. الضيْق هو المصدر يعني الحدث المجرّد (وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) إذن هو المصدر.   * هل هناك ضِيق؟ أم فيها لحن؟ قد يكون فيها احتمال لكن ضيْق هو المصدر. ويضيق فعل مضارع يدل على الحدوث (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) الحجر) حادث يحدث. * طارئ، ليس ثابتاً وإنما عارِض. (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) الشعراء) هذا للحدوث.  
    • حديثنا اليوم عن سجنٍ يسكنه كثيرٌ من الناس، سجنٍ لا جدران له ولا قيود، ولكنه أقسى من الحديد، وأشدُّ من الأغلال، إنه سجن الأفكار السلبية، والظنون والأوهام التي يعيد الإنسان تدويرها في عقله حتى تصير حبسًا يمنعه من الفرح والسكينة والرضا. كم من إنسانٍ يعيش بين الناس ولكنه في داخله سجينٌ! سجينُ فكرة أنه فشل، أو أنه غير محظوظ، أو أن السعادة بعيدة عنه. يعيش في ظلال الخيبات القديمة، والأحزان الماضية، وينسى أن الله قال: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]. فالهداية هنا- كما قال العلماء- هي طمأنينة القلب بالرضا، لا بالاعتراض، والتسليم لا بالجزع.   أيها الإخوة، إن أكثر ما يؤذي الإنسان ليس ضجيج الحياة، ولا قسوة الناس، وإنما تلك الأفكار التي يكررها في ذهنه كل يوم، كمن يحمل حجرًا ثقيلًا في قلبه لا يريد أن يضعه. يعيش ينتظر كلمة من أحدٍ، أو التفاتة من قريبٍ، أو رضا من بشرٍ، وينسى أن الطمأنينة لا تُستورَد من الخارج، بل تُستخرَج من الداخل، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].   إن القلوب يا عباد الله لا تسكن بالمال، ولا بالجاه، ولا بالمنصب، وإنما تسكن حين توقن أن كل ما يجري بحكمة الله وعدله ورحمته؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ! إنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إلا للمُؤْمِنِ؛ إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وإنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»؛ (رواه مسلم).   يا من أثقلت قلبه الهموم، لا تجعل أفكارك تسرق منك عمرك. كم من إنسانٍ يعيش مؤجلًا، يربط ابتسامته بالغد: حين أتزوَّج سأفرح، حين أنجح سأرتاح، حين أترقَّى سأهدأ! لكنه لا يدرك أن الغد لا يأتي كما يشتهي، وأن الانتظار المستمر يسرق منه الحاضر لحظةً بلحظة.   وكم من موظفٍ قال: حين أستقر ماليًّا سأبرُّ والديَّ كما ينبغي، فمضت السنون وضاعت الفرص ولم يبرَّ!   وكم من زوجةٍ قالت: سأهتمُّ بزوجي وأهلي حين يهدأ بالي وتتحسَّن ظروفي، فمضى العمر والقلوب بعد لم تلتقِ!   وكم من شابٍّ قال: حين أجد الوقت سأتقرَّب إلى الله، وأصلِّي بخشوع، وأقرأ القرآن بانتظام، فطال الانتظار ولم يأتِ ذلك اليوم!   عباد الله، هذه أمثلة من واقعنا نعيشها كل يوم، نؤجل الفرح، ونؤجل العمل، ونؤجل الطاعة، وكأن بين أيدينا ضمانًا للعمر! بينما الحياة تمضي، والفرص تتساقط، والقلوب تزداد جفافًا.   فالمؤمن لا يعلِّق سعادته على شيءٍ مؤقت، ولا يجعل فرحه مرهونًا بزوال الهموم، بل يفرح بنعمة الإيمان، وبما بين يديه من فضل الله. فكم من نعمةٍ بين أيدينا لا نراها إلا حين تزول!   أيها الأحبَّة الكرام، تعالوا نخفِّف عن أنفسنا، ونتعلَّم أن الحياة ليست غدًا ولا بعد حين، الحياة هي الآن، في نفسٍ يتردد، وفي نعمةٍ تغمرك، وفي صلاةٍ تقيمها بخشوعٍ، وفي لحظةٍ تذكر الله فيها فتستريح؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألَّا تَزْدَرُوا نعمةَ الله عليكم»؛ (متفق عليه).   فمَنْ عرَف قدر ما عنده، زال عنه قيد المقارنة، وذاق طعم الرضا، وسكن قلبه السلام.   عباد الله، إن المؤمن إذا نظر إلى الحياة بعين الإيمان، رأى فيها ساحة عبور لا دار خلود، فلا يُرهقه قصرها، ولا يُعميه بريقها، بل يعيشها بحكمة واتزان. يفرح بما رزقه الله، ويعمل بما يستطيع، ويترك ما لا يقدر عليه، ويقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز»؛ (رواه مسلم).   فلا تنتظر أن تتهيَّأ الظروف لتبدأ حياةً جديدةً، بل ابدأ الآن بما تستطيع، في طاعة الله، وبرَّ والديك، والإحسان للناس، وبالرضا عن ربك.   أيها المؤمنون: احذروا من الغرق في دوَّامة التفكير المفرط، فالتفكير الزائد فيما مضى لا يغيِّر شيئًا، والانشغال بما لم يأتِ يُتعِب القلب ولا يجلب النتيجة. عش حاضرك شاكرًا لله على كل نفسٍ يتردد، وعلى كل صلاةٍ تُقام، وعلى كل بابٍ من أبواب الخير لا يزال مفتوحًا لك.   عباد الله، تذكَّروا أن باب الله لا يُغلَق أبدًا، مهما أغلقت الدنيا أبوابها، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53].   فلا تظن أن الفرح بعيد، ولا أن الطُّمَأْنينة مستحيلة، فإن من رضي بقضاء الله، أراحه الله، ومن سلَّم لحكمه، أنزل على قلبه السكينة.   أيها المؤمنون، يا من ضاقت به الحياة، قل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه العظيم:   «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبُخْل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»؛ (رواه البخاري).   ادْعُ الله من قلبك، وأكثِرْ من ذكره، فإن القلب إذا امتلأ بذكر الله انزاحت عنه غيوم الهمِّ.  "كفى حزنًا على ما فات، وكفى انتظارًا لما لم يأتِ، وسأعيش ما بين يديَّ برضا وطمأنينة"، فالله يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]   تلك هي الحياة التي نرجوها؛ حياة طيبة بالإيمان، مطمئنة بالرضا، مضيئة باليقين. الدعاء:   اللهم أصلح قلوبنا، واهدِ أفكارنا، وبدِّل همَّنا سعادةً، وضيقنا سعةً، وارضنا بما قسمت لنا، واجعلنا من عبادك الشاكرين الراضين.   اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اجعلنا ممن يعيشون الحياة بطمأنينة الإيمان، ويرضون بحكمك، ويحمدونك في السرَّاء والضرَّاء.   اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.   وأقم الصلاة. حسان أحمد العماري شبكة الألوكة  
    • من أعظم الأبواب الموصِلة إلى الله، التي تَمنحك حبَّه ورضاه: باب الرضا، فالله يُحب من عبده أن يَرضى عن قضائه، ويَصبر على بلائه، ويَشكُره في السرَّاء، ويلجأ إليه في الضراء.
      والرَّاضون عن الله هم أقوى المؤمنين إيمانًا، وأكملهم يقينًا، وأسكنهم قلوبًا، وأهدؤهم نفوسًا، لم تُزعزعهم الحوادث، ولم تَنل منهم المصائب، بل يتلقَّونها بقلوب راضية، وأنفسٍ مُطمئنة، لذلك عاشوا في هذه الحياة في جنة من الأُنس والرضا قبل جنة الآخرة؛ يقول ابن القيم: على العبد أن يَعلَم أن أعظم راحته وسروره ونعيمه في الرضا عن ربه تعالى وتقدَّس في جميع الحالات، فإن الرضا باب الله الأعظم، ومُستراح العارفين، وجنة الدنيا، فجديرٌ بمن نصَح نفسه أن تشتدَّ رغبته فيه، وألا يَستبدل بغيره منه[1].

      ومن أكبر الأسباب التي تُعين على تحقيق الرضا: قراءة سِيَر بعض سلفنا[2] الصالح، ومعرفة أقوالهم عن الرضا، وأحوالهم في تحقيقه، فهم خيرُ هذه الأمة وأبرُّها قلوبًا، وأقلها تكلفًا، وأسلمها قلوبًا، وهم لنا موضع الأُسوة والقدوة، لذلك تجد في أقوالهم وأحوالهم مسحةً من أنوار النبوة، وقبسًا من ضيائها، تضيء ظلام القلوب القلقة، وتُذهب غَبَشَ النفوس المضطربة، فتَجعلها راضية مطمئنة.
      لذلك جمعت في هذا المقال كثيرًا من أقوالهم وأحوالهم؛ حتى تعيننا على تحقيق مقام الرضا، والارتقاء في مدارجه.


      أولًا: بعض أقوال السلف عن الرضا:

      1- كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما يقول: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبِر" [3].
       

      2- قال عمر بن الخطاب أيضًا: «ما أُبالي على أي حال أصبحت؛ على ما أحب، أو على ما أكره؛ لأني لا أدري، الخير فيما أُحب أو فيما أَكره؟»[4].
       

      3- قال عبد الله بن مسعود: «ما أُبالي إذا رجعت إلى أهلي على أي حال أراهم أبسرَّاء أم بضرَّاء، وما أصبحت على حال، فتمنَّيت أني على سواها»[5].
       

      4- وقال ابن مسعود أيضًا: «إن الله تبارك وتعالى بقسطه وحِلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط»[6].
       

      5- وقال أيضًا رضي الله عنه: «لأن يَعَضَّ أحدُكم على جَمرة حتى تبرُد، أو يُمسك عليها حتى تبرد، خير من أن يقول لأمر قضاه الله ليتَه لم يكن»[7].
       

      6- قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ذِروة سَنام الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل" [8].
       

      7- عن مجاهد في قوله: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ [الفجر: 27]، قال: الراضية بقضاء الله التي علمت أن ما أصابها لم يكن ليُخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها[9].
       

      8- قال عمر بن عبد العزيز: «ما لي في الأمور هوى سوى مواقع قضى الله عز وجل فيها» [10].

       
      9- وكان كثيرًا ما يدعو فيقول: اللهم رضِّني بقضائك، وبارِك لي في قدرك؛ حتى لا أحب تعجيلَ شيء أخَّرته، ولا تأخير شيء عجَّلته" [11].
       

      10- قال شريح القاضي: إني لأصاب بالمصيبة، فأحمَد الله عليها أربع مرات؛ أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزَقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفَّقني للاسترجاع لِما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني [12].
       

      11- قال أبو سليمان الداراني: «أرجو أن أكون قد رُزقت من الرضا طرفًا لو أدخلني النار، لكنت بذلك راضيًا» [13].

       
      12- قال عبد العزيز بن أبي روَّاد ليس الشأن في أكل خبز الشعير والخل، ولا في لبس الصوف والشعر - يقصد الزهد - ولكن الشأن في الرضا عن الله عز وجل [14].
       

      13- قال الثوري يومًا عند رابعة: اللهم ارضَ عني، فقالت: أما تستحيي من الله أن تسأله الرضا وأنت عنه غير راضٍ، فقال: أستغفر الله، فقال: جعفر بن سليمان الضبعي: فمتى يكون العبد راضيًا عن الله تعالى؟ قالت: إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة[15].
       

      14- قال أبو عبد الله البراثي: «لن يَرِد الآخرة أرفع درجات من الراضين عن الله عز وجل على كل حال»[16].
       

      15- قال ابن عون: «ارضَ بقضاء الله على ما كان مِن عُسر ويُسر، فإن ذلك أقلُّ لهمك، وأبلغُ فيما تطلب من آخرتك، واعلَم أن العبد لن يُصيب حقيقة الرضا؛ حتى يكون رضاه عند الفقر، والبلاء كرضاه عند الغنى والبلاء، كيف تستقضي الله في أمرك، ثم تَسخط إن رأيت قضاءه مخالفًا لهواك، ولعل ما هَويت من ذلك لو وفِّق لك، لكان فيه هلكتك، وترضى قضاءه إذا وافَق هواك، وذلك لقلة علمك بالغيب، وكيف تستقضيه إن كنت كذلك، ما أنصفت من نفسك، ولا أصبتَ باب الرضا»[17].
       

      16- قال أبو معاوية الأسود في قوله تعالى: ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]؛ قال: «الرضا والقناعة»[18].
       

      17- قال شيبان الراعي لسفيان الثوري: يا سفيان، عُدَّ منعَ الله إياك عطاءً منه لك، فإنه لم يمنعك بخلًا، إنما منعك لطفًا [19].
       

      18- عن زمعة بن صالح قال: "كتب بعض بني أمية إلى أبي حازم يَعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه إليه، فكتب إليه: أما بعد، فجاءني كتابك تَعزم عليَّ إلا رفعت إليك حوائجي، وهَيْهات، رفعت حوائجي إلى مَن لا يختزن الحوائج، وهو ربي عز وجل، فما أعطاني منها قبِلت، وما أمسك عني قنعت"[20].

       
      19- قال ميمون بن مهران: من لم يرضَ بالقضاء فليس لِحُمقه دواء[21].
       

      20- سُئِل يحيى بن معاذ: متى يبلغ الإنسان مقام الرضا؟ قال: إذا أقام على نفسه أربعة أصول يعامل بها ربَّه؛ يقول: إن أعطيتني قبِلت، وإن منعتني رضِيت، وإن تركتني عبَدت، وإن دعوتني أجبَت"[22].
       

      21- قال عبدالواحد بن زيد: "ما أحسب أن شيئًا من الأعمال يتقدَّم الصبر إلا الرضا، ولا أعلم درجة أشرف ولا أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة"[23].
       

      22- عن بشر بن بشار المجاشعي - وكان من العابدين - قال: لقيتُ عُبَّادًا ثلاثة في بيت المقدس، فقلت لأحدهم: أوصني، فقال: "ألقِ نفسَك مع القدر حيث ألقاك، وهو أحرى أن يَفرُغ قلبُك، ويَقل هَمُّك، وإياك أن تسخط ذلك، فيحل بك السخط وأنت في غفلةٍ لا تشعر به".
       

      وقلت للثاني: أوصني، فقال: "التمِس رضوانه في ترك مناهيه، فهو أوصلُ لك إلى القربى لديه".
       

      وقلت للثالث: أوصني، فبكى وقال: "لا تبتغِ في أمرك تدبيرًا غيرَ تدبيره، فتَهلِك فيمن هلَك، وتَضِل فيمن ضلَّ"[24].
       

      23- قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة؛ يقصد بجنة الدنيا الأنس بالله والرضا بقضائه.
       

      وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القاعة ذهبًا ما عدل عندي شكرَ هذه النعمة، أو قال: ما جزيتهم على ما تسبَّبوا لي فيه من الخير، ونحو هذا [25].


      ثانيًا: مواقف للسلف عن الرضا بقضاء الله:

      1- قال عمر بن الخطاب لزوجته عاتكة رضي الله عنهما: "والله لأسوأنَّك - وكان قد غضب عليها - فقالت: أتستطيع أن تصرفني عن الإسلام بعد إذ هداني الله له؟ قال: لا، قالت: فأيُّ شيء تسؤني به إذًا؟"، تريد أنها راضية بمواضع القدر لا يسؤها منه شيء إلا صَرْفُها عن الإسلام، ولا سبيل له إليه[26].

       
      2- قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وكان قد كُفَّ بصره، فجاءه الناس يُهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة، قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام، فتعرَّفت عليه فعرَفني، وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم، فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك، فتبسم وقال: يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسنُ من بصري[27].
       

      3- عن مُطرف قال: أتيت عمران بن حصين يومًا، فقلت له: والله إني لأَدَعُ إتيانَك لِما أراك فيه ولِما أراك تَلقى، قال: «فلا تفعَل، فوالله إن أحبَّه إليَّ أحبَّه إلى الله»، قال جرير: وكان أصابَه استسقاءٌ في بطنه، فمكث ثلاثين سنة على سرير مثقوب[28].
       

      4- أصابت مرةً عروةَ بن الزبير إصابةٌ في قدمه، فقالوا له: "ألا ندعو لك طبيبًا؟ فأخبرهم أنه لا بأس، فقالوا له: نسقيك شرابًا يزول فيه عقلُك، فلم يُعجبه ذلك، وقال: "ما كنتُ أَظنُّ أن خلقًا يشرب ما يزيل عقلُه؛ حتى لا يُعرف به"، فوضع المنشار على رُكبته اليسرى، فما سمعنا له حسًّا، فلما قطعها جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليتَ لقد عافيتَ"، ولم يترك وردَه من قراءة القرآن [29].
       

      5- لَما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، وسهل بن عبد العزيز، ومزاحم مولى عمر في أيام متتابعة - دخل عليه الربيع بن سبرة، فقال: عظَّم الله أجرك يا أمير المؤمنين، فما رأيت أحدًا أُصيب بأعظم من مصيبتك في أيام متتابعة، والله ما رأيت مثل ابنك ابنًا، ولا مثل أخيك أخًا، ولا مثل مولاك مولًى قط، فطأطأ رأسه، فقال لي رجل معه على الوساد: لقد هيَّجت عليه، قال: ثم رفع رأسه، فقال: «كيف قلت لي يا ربيع؟»، فأعدت عليه ما قلت أولًا، فقال: "لا والذي قضى عليه، أو قال: عليهم الموت، ما أحب أن شيئًا كان من ذلك لم يكن"[30].
       

      6- ولَما دفنَ عمر بن عبد العزيز ولده عبد الملك قال: «رحمك الله يا بني، فقد كنت برًّا بأبيك، وما زلت منذ وهبَك الله لي مسرورًا بك، ولا والله ما كنت قط أشدَّ سرورًا ولا أرجى لحظِّي من الله فيك منذ وضعتك في الموضع الذي صيَّرك الله، فرحِمك الله وغفر لك ذنبَك، وجزاك بأحسن عملك، وتجاوز عن سيئه، ورَحِمَ كلَّ شافعٍ يشفع لك بخير مِن شاهدٍ وغائبٍ، ورضينا بقضاء الله، وسلَّمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين»، ثم انصرف[31].
       

      7- ولما دخل عليه سليمان بن الغاز معزيًّا، قال له عمر بن عبد العزيز: "وأنا أعوذ بالله أن يكون لي محبةٌ في شيء من الأمور يُخالف محبة الله، فإن ذلك لا يُصلح لي في بلائه عندي وإحسانه إليَّ"[32].
       

      8- عن أبي علي الرازي، قال: صحِبت الفضيل بن عياض ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكًا ولا مبتسمًا، إلا يوم مات علي ابنه، فقلت له في ذلك، فقال: «إن الله عز وجل أحبَّ أمرًا، فأحببتُ ما أحبَّ الله»[33].
       

      9- وعن إبراهيم النخعي: أن أم الأسود قُعدت من رجليها، فجزِعت ابنةٌ لها، فقالت: لا تجزعي، اللهم إن كان خيرًا فَزِدْ [34].
       

      10- قال أبو عبد الرحمن حاتم الجرجاني: بلغني أن لله تبارك وتعالى عبادًا إلا أن بعضهم أرفع من بعض، ذهبت أعزي رجلًا وقد قتَلت الترك ابنَه، فبكى حيث رآني، فقلت: ما يُبكيك وقد قُتِل ابنك في سبيل الله؟ قال: «يا أبا عبد الرحمن، أنت تظن أني أبكي لقتْله، إنما أبكي كيف كان رضاه عن الله؛ حيث أخذته السيوف»[35].

       
      11- علي بن الحسن بن موسى، قال: قال رجل: لأمتحننَّ أهل البلاء، فقال: فدخلت على رجل بطرطوس وقد أكلت الأكلة أطرافه، فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: «أصبحت والله وكل عرق وكل عضو يألَم على حِدته من الوجع، لو أن الروم في كفرها وشركها اطلعت علي لرحمتني مما أنا فيه، وإن ذلك لبعين الله، أحبه إليَّ أحبه إلى الله، وما قدر ما أخذ ربي مني، وَدِدت أن ربي قطع مني الأعضاء التي اكتسبت بها الإثم، وإنه لم يبق مني إلا لساني يكون له ذاكرًا»، فقال له رجل: متى بدأت بك هذه العلة؟ قال: «أما كفاك الخلق كلهم عبيد الله وعياله، فإذا نزلت بالعباد علة، فالشكوى إلى الله، ليس يُشتكى الله إلى العباد»[36].
       

      12- قال علي بن الحسين: كان رجل بالمصيصة ذاهب النصف الأسفل، لم يَبقَ منه إلا رُوحُه في بعض جسده، ضرير على سرير مثقوب، فدخل عليه داخل، فقال له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: «ملك الدنيا منقطع إلى الله، ما لي إليه من حاجة إلا أن يتوفاني على الإسلام»[37].
       

      13- عن خلف بن إسماعيل قال: سمعت رجلًا مبتلًى من هؤلاء الزَّمنى يقول: «وعزتك لو أمرتَ الهوام فقسَّمتني مُضغًا، ما ازددت لك بتوفيقك إلا صبرًا، وعنك بمنِّك وحمدك إلا رضا»، قال خلف: وكان الجذام قد قطع يديه ورِجليه، وعامة بدنه[38].
       

      14- وكان صلة بن أُشيم في غزوة ومعه ابن له، فقال: أي بني، تقدم فقاتِل حتى أحتسبك، فقاتل حتى قُتل، فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية، فقالت: مرحبًا، إن كنتنَّ جئتنَّ لتُهنئنني فمرحبًا بكنَّ، وإن كنتنَّ جئتنَّ لغير ذلك فارجِعنَ [39].
       

      15- وذكر ابن حبَّان في الثقات عن عبد الله بن محمد قال: "خرجت إلى ساحل البحر مرابطًا، فلما انتهيت إلى الساحل إذا أنا بخيمةٍ فيها رجلٌ قد ذهب يداه ورجلاه، وثقُل سمعه وبصره، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه، وهو يقول: اللهم أوزِعني أن أحمدك حمدًا أكافئ به شكرَ نعمتك التي أنعمتَ بها عليَّ، وفضَّلتني على كثير ممن خلقتَ تفضيلًا، فقلت: والله لآتينَّ هذا الرجل، ولأَسألنَّه أنَّى له هذا الكلام؟! فأتيت الرجل فسلَّمت عليه فقلت: سمعتك وأنت تقول: اللهم أوزِعني أن أحْمَدك حمدًا أكافئ به شكرَ نعمتك التي أنعمت بها عليَّ، وفضَّلتني على كثير ممن خلقتَ تفضيلًا، فأيُّ نعمة من نعم الله عليك تَحمَده عليها؟ وأي فضيله تفضَّل بها عليك تشكُره عليها؟ قال: أوما ترى ما صنع ربي؟! والله لو أرسل السماء علي نارًا فأحرَقتني، وأمر الجبال فدمَّرتني، وأمر البحار فغرَّقتني، وأمر الأرض فبلعَتني، ما ازددت لربي إلا شكرًا لِما أنعم عليَّ من لساني هذا، ولكن يا عبد الله، إذ أتيتني فإن لي إليك حاجة، قد تراني على أي حالة أنا، أنا لست أقدِر لنفسي على ضرٍّ ولا نفعٍ، ولقد كان معي ابن لي يتعاهدني في وقت صلاتي فيوضِّيني، وإذا جُعت أطعمني، وإذا عطِشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام، فتحسَّسه لي رحمك الله، فقلت: والله ما مشى خلقٌ في حاجة خلقٍ كان أعظم عند الله أجرًا ممن يمشي في حاجة مثلك، فمضيت في طلب الغلام، فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل، فإذا أنا بالغلام قد افترَسه سَبُعٌ وأكل لحمَه، فاسترجَعت وقلت: بأي شيء أُخبر صاحبنا؟ فبينما أنا مُقبل نحوه إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أتيته سلَّمت عليه، فرد عليَّ السلام، فقال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى، قال: ما فعلت في حاجتي؟ فقلت: أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟ قال: بل أيوب النبي! قلت: هل علِمت ما صنع به ربُّه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال: بلى، قلت: فكيف وجده؟ قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا! قلت: لم يرضَ منه ذلك حتى أوحَش من أقربائه وأحبَّائه؟ قال: نعم، قلت: فكيف وجده ربُّه؟ قال: صابرًا شاكرًا حامدًا!، قلت: فلم يَرضَ منه بذلك حتى صيَّره عرضًا لِمارِّ الطريق، هل علمت ذلك؟ قال: نعم، قلت: فكيف وجده ربُّه؟ قال: صابرًا شاكرًا حامدًا!، أوجِز رحمك الله! قلت له: إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدتُه بين كثبان الرمل وقد افترسه سبعٌ فأكل لحمَه، فأعظم الله لك الأجر، وألْهَمك الصبر، فقال المبتلى: الحمد لله الذي لم يَخلق من ذريتي خلقًا يَعصيه، فيُعذبه بالنار، ثم استرجع وشهِق شهقة فمات، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، عظُمت مصيبتي في رجل مثل هذا، إن تركتُه أكلته السباع، وإن قعدت لم أقدر له على ضرٍّ ولا نفع، فسجَّيته بشملةٍ كانت عليه، وقعدت عند رأسه باكيًا، فبينما أنا قاعد إذ جاء أربعة رجال، فقالوا: يا عبد الله، ما حالك؟ وما قصتك؟ فقصصتُ عليهم قصتي وقصته، فقالوا لي: اكشِف لنا عن وجهه، فعسى أن نَعرِفه، فكشفت عن وجهه، فانكبَّ القوم عليه يقبِّلون عينيه مرة ويديه أخرى - أي ما بقي من يديه - ويقولون: بأبي عين طالَما غضَّت عن محارم الله، وبأبي جسم طالما كان ساجدًا والناس نيام، فقلت: من هذا يرحمكم الله؟ فقالوا: هذا أبو قلابة الجرمي صاحب ابن عباس رضي الله عنه، لقد كان شديدَ الحب لله وللنبي صلى الله عليه وسلم، فغسَّلناه وكفنَّاه بأثواب كانت معنا، وصلينا عليه ودفنَّاه، فانصرف القوم وانصرفتُ إلى رباطي، فلما أن جنَّ عليَّ الليل وضعتُ رأسي، فرأيتُه فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة، وعليه حُلتان مِن حُلل الجنة، وهو يتلو الوحي: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24]، فقلت: ألست بصاحبي؟ قال: بلى، قلت: أنَّى لك هذا؟ قال: إن لله درجات لا تُنال إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرَّخاء، مع خشية الله عز وجل في السر والعلانية [40].

       
      16- خرجت قرحةٌ في رِجل محمد بن واسع، فقال له رجل: إني لأرحمك من هذه القرحة، فقال محمد بن واسع: إني أشكر الله منذ خرجت أنها لم تخرج في عيني[41].
       

      17- قال ابن الجوزي: "دخلت على شيخنا عبد الأول وهو مريضٌ، قد بَلِيَ لحمُه ووَهَن عظمُه، واشتدَّ به الألم، قال: فدمَعت عيني لِما نزَل به، فنظر إليَّ، وقال: "يا بني، إن الله لا يُتَّهَم في قضائه"[42].
       

      فهذه هي أقوال سلفنا الصالح وأحوالهم عن الرضا بقضاء الله عز وجل، فيها عبرةٌ لكل معتبر، وعظةٌ لكل متَّعظ، بها يَقْوى الإيمان، ويَزداد اليقين، ويُنال الرضا، ويتحقَّق الصبر.

       

      [1] مدارج السالكين 2/ 200 بتصرف.

      [2] لا أقصد بالسلف هنا القرون الثلاثة المفضلة، وهم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، وإنما أقصد بالسلف معناه العام، وهم كل مَن سبقنا من أهل الصلاح والتقوى، حتى لو كانوا في القرون المتأخرة؛ كابن تيمية مثلًا.

      [3] الرسالة القشيرية 2/ 345.

      [4] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 65.

      [5] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 85.

      [6] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، ص 111.

      [7] المعجم الكبير للطبراني ( 9171).

      [8] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 85.

      [9] تفسير القرطبي 20/ 57.

      [10] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 49.

      [11] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 74.

      [12] سير أعلام النبلاء 4/ 105.

      [13] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 52.

      [14] إحياء علوم الدين 4/ 346.

      [15] إحياء علوم الدين 4/ 347.

      [16] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 59.

      [17] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 92.

      [18] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 93.

      [19] صيد الخاطر لابن الجوزي صـ 328.

      [20] حلية الأولياء 3/ 237.

      [21] إحياء علوم الدين 4/ 365.

      [22] صلاح الأمة في علو الهمة، سيد العفاني 4/ 494.

      [23] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان، صـ 161.

      [24] حلية الأولياء 10/ 133.

      [25] الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، صـ 48.

      [26] صلاح الأمة في علو الهمة 4/ 512

      [27] إحياء علوم الدين للغزالي 4/ 368.

      [28] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 86.

      [29] سير أعلام النبلاء 4/ 430.

      [30] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 103.

      [31] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 104.

      [32] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 102.

      [33] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 108.

      [34] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 88.

      [35] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 95.

      [36] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 88.

      [37] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 89.

      [38] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 90.

      [39] سير أعلام النبلاء 3/ 498.

      [40] الثقات لابن حبان 5/ 3.

      [41] إحياء علوم الدين 4/ 365.

      [42] موسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم 6/ 2123.


      د. أنس محمد الغنام

      شبكة الألوكة
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182653
    • إجمالي المشاركات
      2536539
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93297
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    Hend khaled
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

< إنّ من أجمل ما تُهدى إليه القلوب في زمن الفتن أن تُذكَّر بالله، وأن تُعادَ إلى أصلها الطاهر الذي خُلِقت لأجله. فالروح لا تستقيم بالغفلة، ولا تسعد بالبعد، ولا تُشفى إلا بالقرب من الله؛ قريبٌ يُجيب، ويعلم، ويرى، ويرحم

×